كُتِب هذا الموضوع -كما تلاحظون- على غير العادة، إذ العادة تقتضي أن يكتب بلغة واحدة، على خلاف هذا الموضوع المكتوب باللغة العربية، وعنوانه باللغة الفرنسية، وترجمة هذا العنوان هي "الضغط السابق، او السالف" والسبب في اختيارنا "لغير العادي" هذا هو أن الزميل الأستاذ أحمد فتاني مدير جريدة "لكسبرسيون" [L'EXPRESSION] الناطقة بالفرنسية، كتب مقالا طويلا يحتج فيه على اعتماد اللغة الأنجليزية بدلا عن الفرنسية، في مؤسسات رسمية وسيادية، لمجرد أنها وضعت لافتات على مداخلفها، مكتوب عليها باللغتين العربية وتحتها الأنجليزية بدل الفرنسية، وذهب يدافع فيه عن الفرنسية، اللغة الجميلة لغة الثقافة والحضارة والتي لنا معها تاريخ حافل بالمنجزات الثقافية!! دفاعا ذكَّرنا بالضغوط القديمة، التي كانت تمارسها السلطات الاستعمارية على الشعب الجزائري، حين استبعدت اللغة العربية واعتبرتها لغة أجنبية، وأرادت فرض الفرنسية مكانها لغة للجزائريين، كما تحامل الأستاذ فتاني في مقاله على كل من سولت له نفسه تفضيل اللغة الأنجليزية على الفرنسية، حتى خيل إلي أنه لو كان فرنسيا مكانه ما توصل إلى هذه الروح وهذا المستوى الذي دافع به عن اللغة الفرنسية في الجزائر. لا ندري لِمَ كل هذا الحماس من الأستاذ فتاني في الدفاع عن الفرنسية؟ ولا الغاية التي جعلته يندفع بهذه الروح وهذا المستوى من الدفاع عن لغة أجنبية؟ أقل ما توصف به هو أنها متخلفة بالنسبة للغات أخرى ومنها اللغة الأنجليزية. وعندما نريد أن نفهم رجلا يستميت في الدفاع عن لغة أقل شأنا على حساب لغة أفضل منها، لا يسعنا ان نفسره إلا على أنه حنين "للأيديولوجيا" التي عافتها الأيام، وطلقتها الشعوب الناضجة، بحيث أصبح العلم يتأذى منها بوصفها من القاذوات العدوانية المقيتة، التي كانت تتبناها المجتمعات المتخلفة. فالأستاذ أحمد فتاني الذي يعتبر الجزائر ثاني أكبر دولة ناطقة بالفرنسية في العالم، ولا ندري أهي الثانية بعد فرنسا؟ أم هي الثانية بعد دولة أخرى مصابة بداء الفرنسة؟ من مستعمراتها القديمة وما أكثرها، ولديها كُتَّاب من أعظم الكتاب والمفكرين، تجملت البلاد بهم، أمثال: محمد ديب، كاتب ياسين، مولود فرعون، مولود معمري، آسيا جبار، من الذين اقتربت إبداعاتهم عدة مرات من الحصول على جائزة نوبل للأدب. وانطلاقا من هذا المستوى الذي "وضعنا فيه الأستاذ فتاني"، يفترض في الدولة الجزائرية، ألا تسمح لوزارة الدفاع وغيرها من المؤسسات الرسمية، أن تستبدل هذه اللغة الراقية –الفرنسية-، بلغة أخرى غريبة عنا وهي اللغة الأنجليزية..، ولا ينبغي أن تضحي بهذه المواهب من العباقرة الذين أنجبوا كتابا عباقرة آخرين مثلهم أمثال ياسمينة خضرا وكمال داود...؛ لأن مجرد تبني لغة أخرى يعتبر تضحية بهؤلاء العباقرة، وتخلي عنهم انخداعا بأوهام صنعها الإسلاميون والبعثيون، وخديعة للشعب بطروحات حفنة منهم...، فقد لوثوا البلاد بتبني نظرية، أن اللغة الإنجليزية خيار لا بد منه؛ إيهاما للناس بأنها اللغة التي تمثل الحداثة والتنمية. هكذا وبهذه المعاني أراد الأستاذ فتاني أن يوصلنا إلى أن تبني اللغة الأنجليزية على حساب اللغة الفرنسية، خروج عن جادة الصواب، وضلال ما بعده ضلال، لا لشيء إلا لأنها استبدلت الفرنسية بالانجليزية، وبنى على ذلك صرحا من التصورات الواهمة، وهي أن هذه اللغة –الفرنسية- كأنها جزء منا ونحن جزء منها..؛ لأننا نسمي بها أشياءنا ونتعلم بها وتتكلم بها نحبنا ومنهم كل المسؤولين؛ بل إن الجريدة الرسمية إلى الان لا زالت مادتها تكتب باللغة الفرنسية وتترجم إلى اللغة العربية...إلخ، وقد صدق الأستاذ فتاني في بعض ذلك.. ولكن هل هذا هو الطبيعي؟ أم أننا لا زلنا نحمل بقايا استعمار لا بد من التخلص منه؟ وما أثاره الأستاذ فتاني هذه المرة في صورة رفض الأنجليزية التي ستحل محل العربية، قديم وليس جديدا، وأصوله تمتد إلى الجدل الثقافي الذي كان في الفترة الإستعمارية يحمل صورتي الإندماج والاستقلال، ولم تكن مسألة اللغة مطروحة يومها؛ لأن مبدأ الإندماج والاستقلال هو المعيار وليس اللغة التي يتكلم بها أو يكتب، أو يعبر بغيرهما؛ إذ لم تكن اللغة الفرنسية يومها إلا وعاء للأفكار، ومع ذلك كان التيار الوطني بجميع أجنحته وفصائله، حريص على استعادة اللغة العربية لمكانتها في منظومة المجتمع الثقافية، ويعبر عن ذلك باللغة الفرنسية كما يعبر باللغة العربية؛ لأن الجدل يومها كان حول الاستقلال وكيفية تحقيقه. وبعد استعادة السيادة الوطنية طفا على سطح الجدل الثقافي، المسألة اللغوية، وبحكم أن مؤسسات الدولة الجزائرية –وقبل ذلك الحركة الوطنية- أعادت اللغة العربية إلى مكانتها الرسمية، ولكن بسبب إهمال وضع برامج السياسة اللغوية في البلاد، ظهرت اللغة الفرنسية في صورة اللغة المصارعة وليست اللغة الثانية في البلاد، واستعملت جميع الوسائل لتسخين "البندير"، على اللغة العربية والمدافعين عنها، لتبقى الفرنسية هي لغة العلم والتعليم والإدارة، بحجة أن العربية ليست كذلك..، بل بعث الصراع الوهم بين العربية والأمازيغية لتكون الفرنسية الحكم بينهما.. ومنها أن إطارات البلاد كلهم مفرنسون وهذا لا يسمح بسيادة اللغة العربية... وإلى غير ذلك من الحجج التي لا علاقة لها بجوهر الموضوع الذي هو جدل ثقافي مبني على صراع حضاري حقيقي..، وهو ما بين فرنساوالجزائر من فروق طبيعية في الأصول والفروع. وما يؤيد ذلك اجترار الأستاذ فتاني الموضوع بنفس المنطق والخلفيات والأسلوب والشواهد، ومن ذلك ذكره لبعض الكتاب الجزائريين باللغة الفرنسية، الذين يكتبون باللغة الفرنسية، دون البعض الآخر.. فقد اقتصر على البعض الذين يرضى عنهم، من الأسماء المذكورة آنفا، وأنا هنا لا أقول عنهم شيئا باعتبارهم كتابا، وإنما أذكره بأسماء أخرى لم يرد ذكرها في الموضوع، وهم مالك حداد ومالك بن نبي وحمودة بن ساعي وعمار أوزغان وعبد العزيز خالدي، باعتبارهم كانوا يكتبون باللغة الفرنسية.، ولكنهم لا يعجبون الأستاذ فتاني؛ لأنهم يكتبون بالفرنسية اللغة وليس الفرنسية الثقافة. وحق كل جزائري أن يتساءل، والجواب ننتظره من الأستاذ فتاني.. هل سي فتاني يدافع عن اللغة الفرنسية الوعاء.. أم الفرنسية الثقافة؟ فإذا كان يدافع عن اللغة الوعاء، لماذا أهمل الفريق الثاني من الكتاب الذين كانوا يعتبرونها منفاهم، كما قال مالك حداد رحمه الله؟ أما إذا كان يدافع عن الفرنسية الثقافة فهذا رأيه وللناس أراء أخرى تخالفه ومن بين هؤلاء الذين يخالفون أولئك الذي إجتهدون في إدراج اللغة الأنجليزية كلغة ثانية في الجزائر، بغرض التحرر من الهيمنة الفرنسية وليس ولاء للأنجليز؛ لن الاستعمار ملة واحدة. عن الروح التي كتب بها الأستاذ فتاني–إلى أن يثبت العكس-، تعبر عن الدفاع عن اللغة الثقافة وليست اللغة الوعاء، على خلاف الذين كانوا يكتبون باللغة الفرنسية، من الفريق الثاني أمثال مالك حداد وبن نبي فإنهم كانوا يكتبون باللغة الوعاء، التي لا يتجاوزن بها وسيلة الأداء، ومع ذلك كانوا يشعرون بالحرج بسبب ذلك الوضع المفروض عليهم ولم يختاروه، ومن ثم فهم –وفق منطق الأستاذ فتاني- إما إسلاميون أو بعثيون أو فيهم عرق يبغض الاستعمار الفرنس.. والاستعمار الفرنسي لا ينبغي أن يبغضه أحد؛ لأن لغته جميلة..، وإذا كان ولا بد من أن نحب الاستعمار الفرنسي، فلنحبه لأن أحمد فتاني وجماعته يحبون لغته ويعتبرونها لغة الحضارة..، وعلى الدولة الجزائرية أن تتوب وتستغفر وتعود إلى الفرنسية وإلا فهي ظلامية بعروبتها وإسلامها بل وبأمازيغيتها التي ترفض الفرنسية. والحديث لا يزال طويلا ولكن المساحة المتاحة لا تتحمل أكثر..، والمهم أن خلاصة الموضوع الذي كتبه الأستاذ فتاني، قديم يجدده القوم من حين لآخر بأساليب مختلفة، وكانت هذه المرة في صورة ان الفرنسية أفضل لأننا اعتدناها ونعرفها وقطعنا فيها أشواطا... أما الأنخليزية فقد تسللت إلينا كما يتسلل السارق لحاجته..