الشراكة مع الاتحاد الأوربي: معطيات اقتصادية واقعية تفرض مراجعة الاتفاق    شايب يستمع لانشغالات الجزائريين المقيمين بمقاطعات شمال إيطاليا    الصندوق الوطني للتقاعد : استخراج شهادة الدخل الشهري عبر تطبيق الهاتف المحمول    الشلف.. الشروع في عملية واسعة لإحصاء المنتوج الوطني    حماس: ⁠الاحتلال يتلكأ في تنفيذ بنود الاتفاق بذريعة الأسيرة أربيل يهود    لبنان : اللبنانيون يتوجهون إلى بلداتهم في الجنوب    الديوان الوطني للحج والعمرة: اجتماع تنسيقي تحضيرا لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن    مجلس الأمن الدولي: مجموعة أ3+ تدعو إلى حل سياسي للنزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية    الصحراء الغربية: جبهة البوليساريو تدين الموقف الفرنسي المنحاز للسياسة التوسعية المغربية    توفير مناخ ملائم للمتعاملين الاقتصاديين والمصدّرين    إطلاع الشباب على فرص التكوين وشروط التجنيد    الانتقال إلى جامعة الجيل الرابع    احذروا من محاولات زعزعة استقرار الوطن    2000 منصب شغل جديد لمشروعي غارا جبيلات ومنجم الفوسفات    الكيان الصهيوني يمعن بانتهاك سيادة لبنان    رفض فلسطيني قاطع لمقترح ترامب بتهجير سكان غزة    محلات التجار قلاع لمحاربة الاستعمار الفرنسي    "الخضر" يتعرفون اليوم على منافسيهم في "كان 2025"    بن شيخة يعتذر عن تدريب أبناء "العقيبة"    بن سبعيني يرد على منتقديه ويوجه رسالة قوية    "محطة فوكة 2" التحلية تدخل مرحلة التدفق التجريبي    معلم بمدخل كل بلدية    نحو اقتناء معدات طبية ب500 مليار    الكتابة عن تاريخنا أفضل رد على المشككين    ضغوط جزائرية تلغي حفلا للراحل الشاب حسني في المغرب    وزير الثقافة والفنون ونائب وزيرة خارجية ألمانيا يبحثان مشاريع ثقافية وبرامج مشتركة    الإحصاء الاقتصادي يضمن النجاعة لسياسات الإنفاق    اجتماع تنسيقي بالديوان الوطني للحجّ والعمرة    خنشلة: فريق عمل من المركز الوطني للبحث في علم الآثار لإجراء خبرة حول الموقع الأثري "العناقيد" بعين الطويلة    بسكرة: تنفيذ مناورة افتراضية تحاكي وقوع فيضان بمنطقة سريانة ببلدية سيدي عقبة    الاتحاد البرلماني العربي يدين التدخل الأوروبي في الشؤون الجزائرية    الديوان الوطني للحج والعمرة: عقد اجتماع تنسيقي تحضيرا لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن    تحلية مياه البحر: دخول "محطة فوكة 2" بتيبازة مرحلة التدفق التجريبي    الجزائر تحتضن ورشة عمل إقليمية منظمة من قبل لجنة الخدمة المدنية الدولية    محمد كواسي, المجاهد ورائد الصورة الفوتوغرافية في الجزائر    كرة القدم/ الاتحادية الجزائرية لكرة القدم: انعقاد الجمعية العامة العادية يوم الفاتح فبراير    سباحة/ البطولة الوطنية الشتوية بوهران: تتويج فريق مولودية الجزائر باللقب    الجزائر تتضامن مع غزة: قافلة مساعدات تنطلق من الطارف    برنامج تنموي هام لتحسين تموين الزبائن    حملة لمحاربة ترويج المخدرات عبر الأحياء الشعبية    ناشئو الخضر يبلغون بطولة إفريقيا المدرسية    5 جزائريين لعبوا لمانشستر سيتي    مدّاحي تؤكد ضرورة استغلال موسم الاصطياف    مجلس الأمن يُكرّس دور الرئيس تبّون    حجز 5 قناطير من الكوكايين خلال 2024    تكريم 500 حافظ وحافظة للقرآن الكريم    الجزائر تشارك في صالون القاهرة    أحكام خاصة بالمسنين    عودة الأيام العلمية لسوناطراك    أعاصير فاشية وأنواء عنصرية    أنشيلوتي يرد على أنباء انتقال فينيسيوس إلى السعودية    تشديد على التباعد الاجتماعي لوقاية فعالة    4 اتفاقيات تعزّز علاقات الجمارك مع الشركاء    الضمان الاجتماعي قائم على مبدأ التضامن بين الأجيال    القلوب تشتاق إلى مكة.. فكيف يكون الوصول إليها؟    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا الأنجليزية أو الفرنسية؟
نشر في الشروق اليومي يوم 24 - 08 - 2015

لقد بلغ التوقيع على لائحة المطالبة، باعتماد اللغة الأنجليزية بدل اللغة الفرنسية الآلاف من الموقعين، التي قيل إنها ستعرض على الوزير الأول عبد المالك سلال، وهؤلاء الآلاف من الموقعين يمثلون جميع فئات المجتمع الجزائري، سياسيين وأكاديميين ورجال إعلام ورجال تربية وتعليم ومستثمرين.. إلخ.
وهذه التوقيعات فيما يبدو تحمل وجهين من الغايات المترتبة عنها. وجه يمثل موقفا سياسيا، وهو موقف يريد الانعتاق من الهيمنة الفرنسية على واقعنا السياسي والثقافي والإقتصادي بواسطة اللغة، حيث ان فرنسا في سياستها وعلاقاتها مع العالم ومنها مستعمراتها القديمة، تعتبر اللغة من المكاسب التي تحقق لها البقاء، وأنشأت لذلك "وزارة الفرانكوفونية" التي تعد من أهم الوزارات، بحيث تضاهي مكانتها في العرف الفرنسي مكانة وزارة الدفاع. والوجه الثاني وجه براغماتي يربط الاهتمام باللغة بقدر الاهتمام بالعلاقات مع العالم، علما واقتصادا واتصالا، ومن هذه الجهة يرى المطالبون بالتخلي عن الفرنسية؛ ان تخليهم عنها تخلي عن لغة ضعيفة في العالم، ومساحات التعامل بها ضيقة جدا، حتى أن أحدهم قال إن الفرنسية يودعها المسافر الجزائري من مطار هواري بومدين، ولا يصحبها معه إلا من توجه إلى فرنسا.
وهذان الوجهان من حيث المبدأ مشروعان، سواء من الناحية السياسية، وقد تأخرت الجزائر كثيرا، حيث لا نزال بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال، نعتقد أن بقاء الفرنسية ضروري في إداراتنا وتعليمنا، وكذلك من الناحية الاقتصادية والعلمية، التي أضحت فيها اللغة الفرنسية لغة متخلفة بالنسبة للأنجليزية، ولكن الظرف الذي تناقش فيه مثل هذه المسألة، لا يتجاوز فعلنا رد الفعل كما في كل مرة تثار فيها موضوعات المنظومة التربوية، التي تنحصر فيها النقاشات في "الصراع اللغوي"، الذي كان بين العربية والفرنسية، وبين العربية والأمازيغية، ثم بين العربية الفصحى والعامية، وأخيرا بين الفرنسية والأنجليزية، كأننا لا نريد أن نعرف أن المنظومة التربوية تمثل جوهر بناء المجتمع بجميع أبعاده الوطنية، وعصبه اللغة الوطنية.
لقد أثير موضوع تعليم الأنجليزية في عهد سي علي بن محمد، وتقرر رسميا أن يترك اختيار اللغة الثانية في الابتدائي لأولياء التلاميذ، ولكن بحكم أن القرار لم يتجاوز الانفعال الآني المبني في الظاهر على التوجهين المذكورين، أقبر المشروع في أول تجربة له، ولم يخضع للمتابعة اللازمة ولا للتقييم. وأذكر أنا شخصيا أنني اخترت لابنتي "أسماء" اللغة الانجليزية في الابتدائي، ولكن بكل أسف لم تلب المدرسة رغبة الأولياء؛ لأن الذين اختاروا الأنجليزية كانوا قليلين، بحيث لم تتمكن إدارة المدرسة من جمع قسم واحد لتخصص لهم معلما.. فدخل المخيرون الصف وتعلموا الفرنسية رغما عنهم، ولكن العالم النفسي لأسماء ابنتي، وربما لكثير من امثتالها، قد أهَّلها إلى قبول التحدي، لتتحصل على نقطة 16/20 في الباكالوريا، وتدرس اللغة أنجليزية في الجامعة وتتخرج وتصبح استاذة للغة الأنجليزية.
إن تحقيق اعتماد اللغة الأنجليزية بدل الفرنسية، سيحقق مكسبا سياسيا، ويجعلنا ننفتح على العالم أكثر، ولكن من الناحية التربوية والتعليمية، لم نحقق شيئا يرتفع بالمنظومة التربوية إلى مصاف المجتمعات المتقدمة، وإنما نكون قد استبدلنا استعمارا باستعمار؛ لأن ذلك كان على حساب الإجتهاد في الارتقاء باللغة الوطنية التي هي لغة التعليم إلى موقعها اللائق بها في المؤسسات الوطنية ومنها التعليم..، اما فيما يتعلق بتعليم اللغات الأجنبية، ما الفرق تربويا بين ان أعلم الفرنسية أو الأنجليزية، على حساب العربية؛ لأن النقاش الأصل هو في مدى صلاحية تعليم اللغات الأجنبية في السنوات الأولى من التعليم الابتدائي، وقد اتخذت اجراءات في إطار مدرسة التعليم الأساسي، بغرض إلغاء تعليم اللغات الأجنبية خلال مرحلة التعليم الابتدائي، واستمرت العملية سنوات، ولكنها في النهاية عطلت والآن يمكن ان تعاد اللغة الأجنبية إلى السنة الثانية.
فالنقاش في جوهره إذا، ليس في الموازنة بين لغتين أجنبيتين وإنما بين لغة وطنية ولغة أجنبية، واللغة الأجنبية مهما كانت صلاحيتها، لا تحل محل اللغة الوطنية.
إن منطق السيادة والهوية هو الحسم في لغة التعليم أولا، لا سيما في سنواته الأولى من التعليم الابتدائي، ثم ننتقل إلى الموازنة بين اللغات.
اما الخيارات العاجلة، فقد حسم فيها أهلها والمحتاجين إليها، فالشباب الذين فرضت عليه الفرنسية في الجزائر بسياسة الأمر الواقع، قد تحرروا منها عندما انتقلوا إلى الدول الأنجلوساكسونية، بل تفوقوا في الأنجليزية نفسها، وأضحوا في العالم ينافسون عباقرة العالم، وكذلك رجال الأعمال الذين اكتشفوا السوق العالمية، فقد تعلموا بجهودهم الخاصة اللغة الأنجليزية والصينية والفارسية، وتحرروا تماما من عقدة الفرنسية، عندما فرضت عليهم الحاجة تعلم اللغات التي لها علاقة بنشاطهم الاقتصادي.
إن تعلم اللغة الأنجليزية ليس هو الذي يصنع لنا عباقرة ويحررنا من الفرنسية وغيرها، وإنما صناعة المنظومة التربوية القوية، والإطارات الواعية في قطاع التعليم، هما اللذان يصنعان العجب في نهضة المجتمعات، أما تبني اللغة الأنجليزية مع هذا الواقع المهزوز الذي نعيش، فلا يغير من الأمر شيئا؛ لأننا بكل أسف غير واعين حتى بما بين أيدينا من قوانين قابلة للإستثمار في مجال تطويل التعليم، فالتعليم العالي باللغة العربية لا يوجد قانون يمنع الأستاذ من التعليم باللغة العربية، وكذلك الطالب لا يوجد ما يمنعه من تحضير رسالته بالعربية، ولكننا نفسيا لا أحد يشعر بذلك أو بأهمية استغلاله.. لأن الفرنسية تستعمرنا من الداخل وليس من خارجنا.
أما الأنجليزية من حيث الهمينة، فهي كالفرنسية في مستعمراتها السابقة، فواقعها في شبه القارة الهندية والخليج والشرق الأوسط عموما، كالفرنسية عندنا تماما،
ومن الأمثلة التي صدمتني وانا في طريقي إلى الحج سنة 2012، انني مررت بمطار الدوحة، وبت به ليلة، وفي تلك الليلة أردت أن أتواصل مع الموظفين في المطار، ولكني بكل أسف لم أجد من أتكلم معه بالعربية في هذه البقعة، لا في شركة الطيران القطرية ولا في موظفي المطار القطري، وبصعوبة كبيرة "عثرت" على لبناني استعنت به على حاجتي في التواصل مع من أردت التواصل معه.
وإذا كنا نعتقد ان مجرد تغليب كفة الأنجليزية سيحل مشاكلنا فنحن مخطئون؛ لأننا في الحقيقة تحررنا من فرنسا لتحتلنا بريطانيا، كما هو واقع الخليج العربي، السعودية وقطر والإمارات، وكما قال رئيس شرطة دبي ذات يوم "نخاف أننا نبني العمارات ولكننا سنخسر الإمارات".
إننا في الجزائر مثل سائر شعوب العالم، نملك من القدرة على التحرر من كل ما فرض علينا، ولكن ذلك مشروط بمدى قدرات منظومتنا التربوية، التي ينبغي أن تحمل في روحها الاستقلالية المطلوبة، لتكون أكثر حرية والتزاما وخدمة لنا وللإنسانية، اما وقد بقي واقعنا يراوح مكانه، بدلا من مناقشة دستورية لغة التعليم.. !! ولماذا لم تنتقل اللغة الرسمية إلى التعليم العالي..؟ وما علاقة اللغة الرسمية بالمنظومة التربوية؟ رحنا نشغل أنفسنا بأهمية الأنجليزية، وبضرورة تعليم الأمازيغية، وأولوية هذه عن تلك، فإن الأمور ستبقى كما هي، ولا يتغير شيء مما نريد تغييره.
اللهم إلا إذا كنا لا نريد إلا هزيمة فرنسا بتبني الأنجليزية، فذلك أمر آخر ولكنه لا يحل المشكلة، أما الحاجة إلى الأنجليزية فقد اختار المجتمع طريقه في ذلك، ولم ينتظر القوانين التي تيسر له ذلك، وإنما شق طريقه إليها بمجرد شعوره بالحاجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.