من بين الاتهامات التي طالت العهدة التشريعية المنتهية (2012/ 2017)، وجود نواب من دون مستوى تعليمي مقبول.. هذه المسألة كانت محل جدل سياسي وإعلامي كبيرين طيلة السنوات الخمس المنقضية، انحسبا على مصداقية الغرفة السفلى للبرلمان. واليوم يعود الجزائريون إلى هذا الجدل مع كشف وزارة الداخلية عن المستوى التعليمي للمترشحين لتشريعيات الرابع من ماي المقبل، التي بينت أن نصف المترشحين غير حاصلين على شهادة البكالوريا. هل نحن أمام نقاش مكرر؟ وهل هذه القضية محورية وتستحق كل هذا الجدل، أم الأمر مفتعل ويستهدف إلهاء الرأي العام بقضايا هامشية؟ وقبل ذلك، هل من حق الأمي دخول البرلمان؟ وما مدى وجاهة قرار المشرع الجزائري الذي لم يضع المستوى التعليمي ضمن شروط الترشح للهيئة التشريعية؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عنها.
في ظل غياب تشريع يفرض مستوى علميا معينا أميون برتبة نواب.. من يتحمل المسؤولية؟ مع التعرف على هوية المترشحين لسباق الاستحقاقات التشريعية المقبلة، يعود التساؤل المعهود عن المستوى التعليمي لفرسان هذا السباق، ومدى أهليتهم للدفاع عن انشغالات وهموم الناخبين الذين سيوصلونهم إلى مقاعد البرلمان، وكذا قدرتهم على مجاراة وتيرة التشريع للدولة. أولى الأرقام الصادمة بهذا الخصوص، جاءت على لسان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، الذي تحدث نهاية الأسبوع عن وجود 141 مترشح ضمن قوائم حزبه بمستوى تعليمي لا يتعدى الابتدائي. البعض من المتابعين اعتقد أن هذه الظاهرة تخص جبهة التحرير الوطني، بحكم طبيعة تركيبة مناضليه، الذين يوجد من بينهم الكثير من المجاهدين والمجاهدات وأبناء وبنات الشهداء، الذين تعذر عليهم إدراك مستويات تعليمية عالية بسبب الظروف التي عاشوها خلال حقبة الاحتلال الفرنسي البغيض. غير أن الأرقام التي كشف عنها وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين بدوي، في لقائه الأخير بالصحافة الوطنية، كشفت بما لا يدع مجالا للشك، أن محدودية المستوى التعليمي للنواب ليست حكرا على حزب بعينه، وإنما ظاهرة تخص شريحة واسعة من المترشحين وهي ممتدة لتشمل جميع الأحزاب التي قدمت مترشحين عنها للانتخابات التشريعية المقبلة. وتشير الأرقام الرسمية بهذا الخصوص إلى أن نصف المترشحين لا يملكون شهادة البكالوريا، وهو معطى مخيف قد يضع البرلمان المقبل على المحك، لأن احتمال إفراز الانتخابات المقبلة مجلسا نيابيا (الغرفة السفلى) نصفه من غير الحاصلين على شهادات جامعية يبقى قائما، وهذا قد ينعكس بالسلب على مصداقية هذه الهيئة الحساسة. في الأنظمة الديمقراطية وفي الدول المتقدمة عموما، يعتبر المقعد النيابي من أسمى المسؤوليات، وهو أكثر نُبلا وأهمية حتى من الحقيبة الوزارية، لأن النائب مسؤول منتخب من قبل الشعب، والوزير معين من قبل مسؤول منتخب (رئيس الجمهورية). المسألة الأخرى هي أن النائب لا يكتفي فقط بحمل هموم من انتخبوه إلى من هم أقدر على حلها بحكم مواقعهم في الدولة، بل يتعداها إلى التشريع للدولة، وهذا الأمر يتطلب مستوى من التعليم يمكّن صاحبه من القدرة على اقتراح مشاريع القوانين والتعاطي بأخلاقية مع المشاريع التي مصدرها الجهاز التنفيذي، التي قد لا تحمي بالضرورة مصالح الفئات والجهات التي أوكلته للدفاع عنها. ما هو متعارف عليه، هو أن كل برلمانات العالم يدخلها "نواب أميون"، قد يكونون ممثلين لمجموعات عمالية (نقابيون)، أو لتجمعات سكانية (العروشية)، أو لفئات وحساسيات مجتمعية (ذوو الحاجات الخاصة مثلا)، وهؤلاء قد لم تسعفهم ظروفهم لدخول الجامعة أو حتى المدرسة، غير أن وصول الأمر إلى وجود نصف المترشحين غير حاصلين على شهادة البكالوريا لاستحقاق من هذا القبيل، يبقى أمرا غير مبرر، حتى ولو أبقى المشرّع الجزائري المستوى التعليمي خارج شروط الدخول إلى مبنى البرلمان. ما يمكن استلهامه من خلال القراءة المتأنية للمستوى التعليمي للمترشحين لتشريعيات ماي 2017، هو أن الأحزاب لم تفكر في الرقي بالأداء البرلماني والسمو بالممارسة السياسية ومن ثم المصلحة العليا للبلاد، بقدر ما فكّرت في مصالحها الضيقة، وهي الحصول على مكاسب سياسية ظرفية وأخرى غير سياسية. ومن هذه الزاوية، تبرز تساؤلات مشروعة عن خلفية تفشي هذه الظاهرة، فعندما نجد مثلا دكتورا مدحرجا في قائمة المترشحين وقد سبقه في الترتيب شخص آخر لا يملك من الشهادات غير شهادة ميلاده، يتبادر إلى الذهن أن أمورا غير سوية حدثت خلف الجدران قد تكون "الشكارة" عاملا فاعلا فيها، مثلما يمكن أن تكون ل"العروشية" والمحسوبية والمحاباة دور أيضا.
رئيس الكتلة البرلمانية للتجمع الوطني الديمقراطي محمد قيجي: "ترشّح الأميين من عيوب الديمقراطية.. والأرندي بريء" أثار وجود مرشحين للانتخابات التشريعية المقبلة من دون مستوى تعليمي، حفيظة البعض.. ما تعليقكم؟ ما يمكنني أن أجزم به اليوم، أنه وضمن تشكيلة مرشحي التجمع الوطني الديمقراطي، لا يوجد أميون ولا ذوي مستوى تعليمي محدود، بل "الأرندي" رشح الكفاءات وذوي المستوى التعليمي العالي، ونحن نرى أنهم الأقدر على التشريع في المجلس الشعبي الوطني، ويمكنكم التأكد من ذلك عبر النزول إلى الميدان، والبحث عن مرشحينا، فقوائمنا كانت مطهرة من هذه الفئة التي ستؤثر على التشريع داخل البرلمان بطبيعة الحال. هل من حق الأميين أو عديمي المستوى الترشح للتشريعيات؟ لنكون واضحين جدا في هذا المجال، لا يوجد أي قانون أو تشريع يمنع عديمي المستوى التعليمي أو الأميين من الترشح للتشريعيات، أو استحقاقات أخرى، فالقانون الصادر مؤخرا لم يضع مقاييس أو معايير محددة تتعلق بالمستوى التعليمي في ملفات الترشح، أو أولئك الذين تنتقيهم أحزابهم لدخول السباق نحو كرسي البرلمان، وبناء على ذلك يصبح المرشح مواطنا عاديا، ومن حقه الترشح، بغض النظر عن إذا ما كان أميا أو متعلما أو متحصلا على شهادة الدكتوراه. إلى أي حد يبقى هذا الاستثناء مقبولا، وما مدى تأثيره على أداء المؤسسة التشريعية؟ فعلا، أنا أعتقد أن المستوى التعليمي للمترشحين أو النواب الجدد سيكون له تأثير بالغ على المؤسسة التشريعية، ولا يمكن قول العكس، إلا أنه في سياق آخر لا يمكن أن نغفل أن عمل النواب سيكون في إطار جماعي وليس فردي، وبناء على ذلك فإن مساهمة النائب ستكون في إطار مساهمة حزبه، فلم نصل اليوم بعد لمستوى تنافس الأشخاص بدل الأحزاب والتشكيلات السياسية تحت قبة البرلمان، وهو ما من شأنه أن يقلص من تداعيات تأثير هذه الفئة. ما مدى تأثير وجود أميين داخل البرلمان على مصداقية هذه المؤسسة الحساسة؟ فعلا، كان لوجود أميين داخل قبة البرلمان فيما مضى تأثير كبير على الوضع، وهذا ما عشناه سابقا، وتمنينا أن لا تتكرر التجربة في البرلمان القادم، فهؤلاء يعرقلون عملية التشريع، حتى ولو كانت مساهمتهم مثل ما وسبق وأن قلت لك في إطار أحزابهم وليس بشكل فردي، حيث يبقى المواطن ينتظر من هؤلاء الاقتراح والمناقشة والدفاع عن مصالحه، وهو ما لن يتحقق إلا إذا كان النائب ذا مستوى مقبول، وقادر على فهم المعطيات ومعالجتها، فكل هذه المعايير ستخول له الاقتراح تحت قبة البرلمان. برأيك؛ ما هي الأسباب التي تدفع الأحزاب لترشيح أشخاص أميين؟ هذه أحد عيوب الديمقراطية، التي تساوي بين الجميع وتقوم على مبدأ تكافؤ الفرص، فالانتخابات اليوم لا تقوم على النخبة ولا تعتمد عليها في تحضير قوائم المترشحين، وإنما على أولئك الذين يختارهم الشعب وينتقيهم ويفضلهم عن غيرهم، وأولئك الذين يتضامن معهم الناخبون، من مختلف الفئات والأطياف، فنحن في "الأرندي" كنا نتمنى أن نعود للمجتمع النخبوي، ولكن تبقى هذه أحد انعكاسات الديمقراطية. هل الجري وراء أصوات الناخبين يبرر ترشيح أشخاص قد يعجزون عن نقل انشغالات من انتخبهم؟ فعلا، لأن البحث عن الأصوات يكرس الإرادة الشعبية، ففي بعض الأحيان الناخب قد يختار الفلاح لكي يمثله في البرلمان بالنظر إلى أنه أقرب إليه وأكثر تفهما لظروفه، حتى ولو كان مستواه التعليمي متواضعا، ويرفض الأستاذ الجامعي صاحب شهادة الدكتوراه، لأن هذا الأخير، قد يعجز عن إقناع المواطنين بالتصويت عليه، وهنا يمكننا الوصول إلى نتيجة مفادها أن البحث عن الأصوات يقود إلى تكريس الإرادة الشعبية وليس المستوى التعليمي. لطالما اتهم البرلمان المنتهية عهدته بوجود نواب عديمي المستوى.. برأيك هل ستبقى هذه التهمة تلاحق البرلمان المقبل؟ نحن في حزبنا، نعد الجزائريين بأن البرلمان المقبل سيكون منزها من الأميين وعديمي المستوى فيما يتعلق بنواب "الأرندي"، ونحن نتحمل مسؤولية هذه التصريحات، إلا أنه لا يمكننا الحديث عن أحزاب أخرى، فكل حزب يتحدث عن نفسه وباسم مرشحيه.
النائب السابق والقيادي "الأفلاني" محمد بورزام ل"الشروق": هناك أميون حكماء والظلم أقصاهم تابعتم تصريح وزير الداخلية نور الدين بدوي، حول قوائم الترشيحات التي ضمت مرشحين بدون مستوى تعليمي، ما تعليقكم؟ بداية؛ أعتبر أن هذا التصريح إيجابي، خاصة وأنه صادر من جهة رسمية ممثلة في وزير الداخلية، وهو ما يؤكد أن السلطة اعتمدت مبدأ الصراحة في هذه المسألة، وأعلنت أن القوائم الانتخابية تحوز على مرشحين للانتخابات التشريعية المقبلة من دون مستوى تعليمي، لكن هذا الأمر لا يعني حزب جبهة التحرير الوطني، على اعتبار أن "الأفلان"، رشح نحو 70 بالمائة من الجامعيين، حسب ما جاء على لسان الأمين العام للحزب جمال ولد عباس، في آخر ندوة صحفية له، وهذا أعتبره مفخرة بالنسبة للقوة السياسية الأولى في البلاد، والتي أعتقد أنها ستحصل على غالبية مقاعد المجلس الشعبي الوطني المقبل. لكن هل من حق الأميين أو عديمي المستوى الترشح لانتخابات بحجم الاستحقاقات التشريعية في رأيكم؟ من حق أي شخص الترشح للتشريعيات القادمة، لأن القانون والدستور يسمح لكل مواطن جزائري يتمتع بحقوقه المدنية أن يترشح، لكن على كل فرد يرغب في دخول البرلمان أن يطرح سؤالا على نفسه قبل كل أن يقرر خوض السباق، ماذا سيفعله؟ وهل هو مؤهل وقادر على سن وتشريع قوانين حساسة وهامة للجزائريين، وستكون الإجابة كفيلة للسماح لهؤلاء بالترشح أم لا. إلى أي حد يبقى هذا الاستثناء مسموحا به، وما مدى تأثيره على أداء المؤسسة التشريعية لاحقا؟ في السياسة توجد دائما استثناءات، وفي الانتخابات كذلك، لكن في المناطق النائية والمعزولة، التي عادة ما يرشح فيها أناس من مستوى محدود، لكنهم حكماء ولهم تجربة في ممارسة السياسة وفي تمثيل منطقتهم في مؤسسات مثل المجلس الشعبي الوطني، فهؤلاء بإمكانهم أن يحظوا بمباركة سكان منطقتهم، مثلهم مثل المجاهدين الذين قادوا الثورة التحريرية، رغم مستواهم المحدود واستطاعوا التغلب على ما كان يوصف بأقوى جنرالات فرنسا، لكن هذه الأمور تبقى استثناءات ولا يقاس عليها في كل الحالات، لكن أن يرشح أميون ليس لهم مصداقية في قوائم انتخابية في غالبية الأحزاب، فهذا في تقديري قرار غير حكيم وغير صائب، ويعتبر انحرافا عن أهداف الدولة الجزائرية التي تحتاج لمن يبنيها. مادام أنكم تحدثتم عن استثناءات.. هل الشخص الأمي قادر على إيصال انشغالات من انتخبوه إلأى البرلمان والدفاع عنها أمام الجهاز التنفيذي؟ الأحزاب السياسية هي المسؤولة الوحيدة على هكذا خيارات، كونها لم تحترم المقاييس والمعايير الواجب إتباعها على غرار الكفاءة والجدارة للرفع من أداء الممارسة السياسية وكذا تطوير وتنمية بلادنا التي تحتاج إلى كفاءات وإطارات. لطالما اتهم البرلمان المنتهية عهدته بوجود نواب عديمي المستوى.. برأيك هل ستبقى هذه التهمة تلاحق البرلمان المقبل؟ أعتقد أن الدرجة التي وصل إليها المجلس الشعبي الوطني المنتهية عهدته، من الرداءة وانعدام المستوى، أثر بشكل كبير على سمعة البرلمان لدى الرأي العام الوطني والدولي، ويمكن وصف تلك التجربة بالمريرة في تاريخ الجزائر، وأعتقد أن 60 بالمائة من تركيبة البرلمان القادم ستكون مغايرة لتركيبة المجلس المنتهية عهدته، وسننتهي من التهم المشينة التي ظلت لصيقة بالعهدة التشريعية السابعة. على أي أساس بنيت تقديرك الإيجابي لمواصفات المجلس المقبل ووزير الداخلية تحدث عن وجود نصف المترشحين غير حاملين لشهادة البكالوريا؟ المؤشر الأكبر هو أن حزب جبهة التحرير الوطني، قدم مرشحين في المستوى رغم وجود أسماء بمستوى ابتدائي، وكذلك بالنسبة لأحزاب مثل التجمع الوطني الديمقراطي والتيار الإسلامي المتحالف في الانتخابات، والتي ضمت قوائم محترمة بإمكانها تقديم أداء تشريعي ورقابي في مستوى المهمة الملقاة على عاتقها.