بات العزوف الانتخابي علامة مسجلة في الاستحقاقات الأخيرة، ووصل مستويات مخيفة بشكل بات يهدّد مصير العملية الانتخابية ومصداقية الهيئة التشريعية. وعلى الرغم من أن أسباب هذه الظاهرة باتت معروفة للجميع من سلطة وأحزاب موالية ومعارضة، إلا أن تلك الأسباب تبقى القاسم المشترك بين مختلف المواعيد، وكأن الجميع يتعمّد إبقاء دار لقمان على حالها. فالأحزاب التي كثيرا ما اتهمت السلطة بإفساد العملية الانتخابية، تنسى أو تتناسى في كل مرة مسؤوليتها في تدهور أداء الممارسة السياسية، عندما تفضّل الدفع بوجوه مرفوضة شعبيا في كل مرة، رغم علمها بخطورة هذه المقامرة. فالكثير من النواب الذين طلّقوا الاهتمام بالناخبين الذين حملوهم إلى قبة البرلمان في 2012 و2007 وحتى 2002، وحتى أولئك الذين لم يسمع لهم ولو مداخلة واحدة طيلة خمس سنوات كاملة، في مناقشة مشروع قانون وجدوا أنفسهم على رأس بعض القوائم، وشعارهم "طزّ" في الناخبين، لأنهم "ربطوها" كما يقال، مع مسؤولي أحزابهم وليس مع المناضلين. فهل من المعقول ترشيح مثل هؤلاء؟ وما أثر ذلك على الإقبال على الصناديق؟ وما تأثير ذلك على أداء الهيئة التشريعية؟ ومن يتحمّل مسؤولية ذلك؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها.
العزوف يهدّد مصداقية التشريعيات المقبلة الأحزاب تختار وترتّب المترشحين.. ماذا بقي للناخبين؟ فجّرت الأسماء التي تم الدفع بها من قبل الأحزاب السياسية في الانتخابات التشريعية المقبلة، جملة من التساؤلات حول معايير الانتقاء وتأثيرها على إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع.. فالكثير من المترشحين إما يفتقدون إلى المؤهل العلمي أو النضال الحزبي، ومنهم من تردد على ردهات البرلمان لأكثر من عهدتين تشريعيتين أو ثلاث وحتى أكثر.. وبات المتابع للشأن السياسي على علم مسبق برؤوس القوائم في بعض الولايات بالنسبة لبعض الأحزاب، فمن غير المعقول تصوّر عدم ترؤس زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، لقائمة العاصمة، أو غياب محمد قيجي (رئيس المجموعة البرلمانية للتجمع الوطني الديمقراطي)، عن رأس قائمة تيسمسيلت، أو شهاب صديق عن رأس قائمة العاصمة مثلا. وإن كان هذا التقليد غائب عن حزب جبهة التحرير الوطني، فهو لا يعود بالضرورة إلى سيادة مبدإ النضال، فهذا الأمر لا ينطبق مثلا، على متصدر قائمة العاصمة، سيد أحمد فروخي، الذي فُضّل في آخر لحظة على من هم أكثر منه كفاءة ونضالا وأقدمية، بحسب الكثير من الغاضبين من أبناء وإطارات الحزب العتيد. ولعل مثل هذه الحالات، هي التي جعلت المتابعين للشأن السياسي عاجزين عن "تفكيك ألغاز" المعايير المعتمدة لانتقاء المترشحين، هل الكفاءة أم الولاء؟ هل النضال أم الشكارة؟ هل الجاه أم الاستحقاق؟ أم أن هناك معايير أخرى لا يعرفها إلا من يضع القوائم ويرتبها؟ لا شك أن إسقاط هذه المعايير على مرشحي الكثير من الأحزاب، يؤكد أن التقاليد المعمول بها في الدول الديمقراطية غائبة إلا في بعض الحالات الاستثنائية، ولعل هذا ما يفسر الاحتجاجات التي اندلعت في بعض الولايات وأتت على مقرات بعض الأحزاب، مثل ما حدث للحزبين الأكبر في البلاد، جبهة التحرير الوطني (في الكثير من الولايات) وبدرجة أقل التجمع الوطني الديمقراطي (باتنة). وإن كان حزب مثل التجمع الوطني الديمقراطي لا يمانع في منح رؤوس القوائم لمرشحين معروفين بأنهم أصحاب أموال، وقد بارك هذا الأمر أمينه العام أحمد أويحيى عندما سئل عن القضية في وقت سابق، فإن حزب جبهة التحرير الوطني الذي لطالما تغنى أمينه العام، جمال ولد عباس، بمحاربة "الشكارة" لم يجد مانعا أيضا في أن يقفز على هذا الوعد وينحني أمام من كان يحارب ترشحهم قبل أيام قليلة. ولعل ما يؤكد هذا الاعتقاد، هو التغييرات المفاجئة والارتباك اللذان عاشتهما قوائم الحزب العتيد في الساعات الأخيرة التي سبقت نهاية الآجال القانونية لإيداع الترشيحات.. فالكثير من الأسماء بُشرت بتصدر قوائم ومنها من وعدت باحتلالها مراتب قريبة من القمة، وقد شرع البعض في إقامة المآدب، غير أن النهاية كانت مأساوية لأن أياد "آثمة" تدخلت في آخر لحظة لقلب المعطيات. والغريب في الأمر هو أن هذه الظاهرة امتدت حتى إلى الأحزاب الإسلامية التي يفترض أن تكون المثال بحكم القيم التي تدافع عنها، فقد سبق وأن أشارت تسريبات إلى أن رئاسة قائمة العاصمة بالنسبة ل "التحالف من أجل النهضة والعدالة والتنمية" تم شراؤها بعشرة ملايير سنتيم، من قبل النائب المنتهية عهدته، حسن عريبي.. والأمثلة أكثر من أن تحصر على هذا الصعيد. مثل هذه المعطيات من شأنها أن تعترض الجهود الرامية إلى "جر" الناخب إلى صناديق الاقتراع في الرابع من ماي المقبل، فعندما يتم الدفع بنفس الوجوه تقريبا في كل استحقاق تشريعي، فهذا قد يساهم في دفع الناخبين إلى العزوف، لا سيما وأن بعض النواب باتوا مثالا سيئا لدى الرأي العام في الوفاء بوعودهم الانتخابية، بسبب انقطاعهم عن المناطق التي انتخبوا فيها، واستقرارهم بالعاصمة. المسألة الأخرى التي تبرز هنا إلى الواجهة، هي: هل الناخب هو من يختار فعلا من يمثله في التشريعيات أم أن الأحزاب هي من تختار بديلا عنه، وهو السؤال الذي يطرحه أيضا مختصون في التشريع، لأن الناخب مضطر لاختيار الأسماء التي ترشحها الأحزاب وبالترتيب الذي تريده هذه الأخيرة، في وقت كان يمكن أن يترك الناخب يختار الأسماء ويرتبها كيفما شاء، ما يعني أن هامش تحرك الناخب محدود، وهذا قد يساهم في الرفع من نسبة العزوف.
المتحدث باسم التجمّع الوطني الديمقراطي شهاب صديق: 60 من المائة من مرشّحي "الأرندي" نواب سابقون ما هي القراءة الأولية التي تقدّمها بشأن الأسماء التي تمّ الدفع بها في معترك الانتخابات التشريعية المقبلة؟ في البداية؛ يجب أن أوضح شيئا، وهو أن قائمة التجمع الوطني الديمقراطي اختيرت على أساس عامل الخبرة والتجربة، حيث يمتلك مرشحون ما يكفي لتقديم المزيد للمشهد البرلماني والوظيفة التشريعية على وجه الخصوص، وهو ما جعل "الأرندي" يعيد الثقة في 60 من المائة من النواب القدامى الذين هم على دراية كافية بالعمل البرلماني، وعلى هذا الأساس لم نستشعر أي رفض من قبل قواعد حزبنا على الأسماء المقترحة لدخول مبنى زيغود يوسف، أما بخصوص قوائم الأحزاب الأخرى، فمن النزاهة عدم الخوض في التعليق عليها.
برأيك ما هي المعايير التي تم الاعتماد عليها لاختيار المترشحين؟ قبل الشروع في تحضير القوائم، وضع حزبنا جملة من الشروط اعتبرها مهمة وضرورية يجب أن يتمتع بها مرشح "الأرندي"، الراغب في دخول قبة البرلمان، ومن بين هذه المعايير هو أن لا يكون المترشح متجوّلا سياسيا ووافدا جديدا على التجمع الوطني الديمقراطي، بالإضافة إلى معيار مهم وهو التحصيل العلمي، فجميع المرشحين حاملون لشهادة "ليسانس" على الأقل، فضلا عن عامل مهم جدا، وهو عامل الخبرة الذي ركزنا عليه في هذه الانتخابات، ومعيار الحضور القوي في المجتمع واستعداده لخدمة المصلحة العامة بعيدا عن المصالح الضيقة، وأن يتفرغ للعمل البرلماني دون سواه.
ما يمكن ملاحظته على المرشحين، هو تردّد أسماء بعينها على رؤوس القوائم.. إلى ماذا ترجعون ذلك؟ نعم هناك أسماء معروفة عادت للترشح واحتلت مراتب أولى في القوائم، وهو الشيء الذي يقودنا للحديث مجددا عن مسألة الخبرة التي أعادت طرح هذه الأسماء إلى الواجهة مرة أخرى، فالتجمع الوطني الديمقراطي حزب إطارات وليس حزب رجال أعمال، غير أن هذا الكلام لا يعني أن هذه الفئة غير مرغوب فيها، لاسيما وأنها تحوّلت إلى واقع في الممارسة السياسية، ولابد علينا كباقي الأحزاب السياسية استغلالها بطريقة ذكية، وذلك من خلال اختيار رجال الأعمال المستثمرين لا المضاربين أصحاب المال الفاسد والمشبوه، وهم معروفون لدى الجميع، ولحد الساعة يوجد في حزبنا سبعة رجال أعمال ترشحوا وهم معروفون ولديهم مؤسسات متوسطة.
ألا تعتقدون أن عودة الوجوه المستهلكة (المتردّدة على البرلمان) في كل استحقاق، تقلّص أو تهمّش الناخب في اختيار من يمثله؟ لا، على الإطلاق، بل أرى عودتهم عاملا ايجابيا، لأن عملية الاختيار جاءت بعد مشاورات طويلة تم من خلالها تبنّي عامليّ التجربة والخبرة في اختيار المترشح، ففعل التداول بالنسبة لنا ليس فعلا عشوائيا وإنما مبني على أساس دراسات ومناقشات، وإعادة طرح نفس الأسماء لا يعني أنه تهميش للناخب، فالملاحظ للشأن البرلماني في العالم يرى أن نفس الأشخاص يعودون إلى البرلمان ويمكثون فيه لمدة تتجاوز 20 سنة، ونحن في التجمّع الوطني الديمقراطي نعمل على استغلال هذه الوجوه البارزة لضخ دماء جديدة في الوجوه الشابة.
رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي "أصحاب المال أزاحوا أصحاب البرامج في التشريعيات" تسبّب الكشف عن قوائم المترشحين للانتخابات التشريعية جدلا وبلبلة كالعادة.. إلى متى تنجح الأحزاب في امتصاص غضب مناضليها؟ لا يمكن التعليق على أسماء بعينها، لأن الرأي العام هو من سيحكم على الأسماء التي تمثل برامج اقتصادية واجتماعية، أو تلك التي جاءت لتحقيق مآرب شخصية عبر سدة البرلمان. لكن اللافت في قضية الترشح للانتخابات القادمة، هو سطو أصحاب المال بشكل ملفت للغاية على أصحاب البرامج الحزبية، وأتمنى أن يتم مراقبة ما يقع وأن تلعب المؤسسات الإعلامية دورها في كشف التجاوزات خلال الحملة الانتخابية، وأن تحمل رسالة هادفة بعيدا عن الإثارة والتهويل.
ما يمكن ملاحظته على المرشحين، هو تردّد أسماء بعينها على رؤوس القوائم.. إلى ماذا ترجعون ذلك؟ هذه الأمور ترجع لحسابات وأجندة كل حزب في الانتخابات القادمة، غير أن الملاحظة التي يمكن التوقف عندها هنا هو أن هذه الظاهرة باتت تتكرر عند كل موعد انتخابي، وربما هذا هو الذي يقف وراء عزوف المناضلين عن النضال، فبدأت ثقافة النضال تتقلص، وإلا كيف نفسر أن بعض المناضلين يحتجون على ترتيبهم في ذيل القائمة أو ينتقدون عدم ترؤسهم للقوائم الانتخابية، وكأنهم يتنافسون على رواتب شهرية، لذا علينا كإدارة وأحزاب إعادة الثقة للشعب وللمؤسسات هيبتها، لأن المنتخبين يمثلون الدولة الجزائرية في النهاية.
كيف السبيل برأيك لضمان أحقية الناخب في اختيار ممثليه؟ في واقع الأمر، لا بد من تغيير نمط الانتخابات، وإبعاد الإدارة عن الوصاية والإقلاع عن التزوير، لأن الإدارة باتت الهاجس الأكبر مع كل محطة انتخابية، ولعل ما يجسد هذا هو قول المنتخب بعد فوزه "يكثر خير" الإدارة، وسي الوالي أو "المير" وليس الشعب الجزائري الذي منحه صوته، كما أننا دائما ما نطرح تساؤلات: "هل المؤسسات الجزائرية الإدارية والإعلامية تقف بجانب الشعب أم لا لإرجاع الثقة إلى الناخب؟ لأن هذا هو المشكل الأكبر".
رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري: اخترنا أكفأ إطاراتنا.. و"الشكارة" لا تشتري ملايين الأصوات انتهت عملية إيداع القوائم الانتخابية بعد مخاض عسير، ما تعليقكم على الأسماء المرشحة والمعايير التي تم اعتمادها؟ لا يمكن التعليق على أسماء المرشحين في قوائم الأحزاب السياسية الأخرى، لكن ما يمكن قوله هو أن المخاض كان عسيرا، ونحن عملنا كل ما بوسعنا من أجل أن نختار مرشحين نزهاء ومن أصحاب الكفاءات القادرين على المنافسة بطريقة شريفة، وغير متابعين أو متهمين في قضايا فساد وغيرها، وأعتقد أن هذه معايير كافية لانتقاء المترشحين الراغبين في خوض سباق التشريعيات. لكن الملاحظ هو أن المال الفاسد كان معيار الكثير من الأحزاب السياسية في عملية اختيار المرشحين؟ المال الفاسد أو الشكارة أصبحا من مظاهر الفساد، ورجال المال باتوا يعملون كل ما بوسعهم للحصول على الحصانة البرلمانية، والاقتراب من دوائر الحكم لحماية أنفسهم، حيث بات كبار رجال المال والأعمال يساهمون في اختيار الوزراء والرؤساء، في حين يتجه صغار رجال المال للتغلغل في المجالس الشعبية المنتخبة، وهذا الأمر أفسد العملية الانتخابية بحكم أن هؤلاء يريدون حماية أنفسهم، ولهذا دائما نقول إنه يجب علينا محاربة الظواهر السلبية والمقاومة السياسية بكل السبل الشرعية المتاحة.
ألا تتخوّفون من شراء هؤلاء الأصوات للوصول إلى البرلمان وما هي حظوظكم؟ لا يستطيع هؤلاء شراء آلاف الأصوات بأموال الشكارة، لكن هاجسنا يبقى دائما التزوير لأننا عانينا كأحزاب سياسية منه كثيرا، ونأمل أن تختلف الأمور في انتخابات 2017، أما عن حظوظنا فإنها كبيرة للفوز بأكبر قدر من المقاعد إذا ما قارنا الأسماء التي ستتنافس بها حركة مجتمع السلم مع الأحزاب الأخرى، فالمؤشرات الأولية تؤكد أن الحركة قوية وفرصتنا كبيرة لاكتساح المجلس الشعبي الوطني.