تتذكر بعض الجمعيات وبعض المؤسسات الثقافية في الجزائر الشعر والشعراء عشية كل 21 مارس من كل سنة، لإرسال دعوات مشاركة أو تكريم أسماء فاعلة أو ذائعة الصيت، ويرفض بعض الشعراء هذا الواقع، بل ويعلقون التعتيم والتهميش الذي يعاني منه "ديوان العرب" على شماعة الإعلام في الوقت الذي تحول بعضهم إلى شعراء "بلاط" أو "معارضي فايسبوك".. تحدثت الشروق إلى أبرز الأسماء المنتجة فكانت هذه آراؤهم. خالد بن صالح: الشعر لا يعيش على الهامش ومكانته تتراوح بين صعود ونزول قال الشاعر خالد بن صالح، إنّ مكانة الشعر في المشهد الأدبي الجزائري ظلت تتراوح بين صعود ونزول، وفي فترات متفاوتة، بحيث شهدت -حسبه- حقبة الستينيات من القرن الماضي حركة شعرية أعلنت لانطلاقة حقيقية ومختلفة في المشهد الثقافي والأدبي بالجزائر. ويأسف بن صالح "أنه بالرغم من هذه الانطلاقة لم يؤسس للشعر الجزائري لعديد الأسباب، منها غياب أسماء كبيرة وغياب رؤية واضحة وفكرة الخروج من النمطية السائدة". ويعتبر أنّ هذا الأمر متعلق بالقصيدة العمودية وشعر التفعيلة.. الخ. وأكدّ المتحدث أنه "يستحيل إطلاق أحكام مسبقة على الفن أو الإبداع، لأنّ الشعر فيه الرديء والجيد، كما في الرواية"، ولكن يبقى كما قال ل"الشروق" أن تؤمن المؤسسة الثقافية ودور النشر بالشعر والشاعر. كما يجب تقديم شعر جيد، واللوم لا يقع على القارئ. ويرى صاحب المجموعة الشعرية "الرقص بأطراف مستعارة" أنّ الشعر ليس نوعا أدبيا يعيش على الهامش أو مركونا في زاوية معينة، بل هو وليد اللحظة الممتدة إلى زمن ما، ولكن يعتبر في السياق أنّ القضية لا ترتبط بكتابته، ولكن تتعلق بطريقة التعامل مع هذا الكائن الجميل الذي يمكنه تقديم رسائل جميلة وهادفة.
حكيم ميلود: الشعر أصلا يعيش على الهامش.. يرتبط بالروح وأسئلة الإنسان يشير الشاعر حكيم ميلود أن واقع الشعر في الجزائر أو في العالم ككل هو خاص واستثنائي، وهذا ليس جديدا على حدّ تعبيره، لأنّه موجه للأقليات وحتى بالنسبة للشعر العربي. وقال حكيم ميلود أنّه بالنظر إلى تاريخ الشعر أصلا يعيش على الهامش في الحياة الثقافية لاسيما إذا تمت مراجعة مسألة الشعر فتجد أنّ الشعر كان يقتصر على البلاط والمؤسسات، وهو ما اعتبره حكيم ميلود بالشعر غير الحقيقي. ويؤكد المتحدث ل"الشروق" أنّ وضعه اليوم يتطلب الاستمرار ومساءلة هذه التجربة وفتحها على عوالم أخرى وعدم الاستسلام للواقع أو الوضعية التي حوصر فيها الأدب بصورة عامة. ويرى في السياق أنّ الصراع بين الشعر والرواية مفتعل وليس مقياسا للحكم على الأدب من خلال سواء المبيعات أو مقياس الترويج أو معايير السوق بصفة عامة. ويلفت في معرض حديثه أنّ الشعر يبقى مرتبطا بالروح والأسئلة وهواجس لا تموت، يرتبط بوجود الإنسان وأسئلته ولا يتوقف عند الأكل أو الشرب أو مشاهدة التلفزيون. ويقول ميلود: "سؤال الشعر هو تواجدنا في هذا العالم، وسؤاله هو قوته واستمراريته وارتباطه بالمناطق الهشة في الإنسان وكذلك بمواقفه.. ولا يحتاج أن يتكفل به، بل هو الحياة في تدفقها...".
عبد الرزاق بوكبة: لابد من معالجة تصحر الذوق العام قبل محاكمة الشعر يرى الكاتب والشاعر عبد الرزاق بوكبة أنّه عوض محاكمة الشعراء كلّما حلت مناسبتا اليوم الوطني والعالمي للشعر، وجب معالجة قضية باتت تنخر واقعنا من الداخل تتعلق بتصحر الذوق العام. وقال بوكبة في تصريح ل"الشروق" حول تراجع الشعر في الساحة الثقافية والأدبية الجزائرية خصوصا: "حتى وصلنا إلى مرحلة تصالحنا فيها مع الرداءة والبشاعة وغياب الانسجام في معيشنا ومحيطنا"، وأضاف بوكبة: "لقد بات الجزائري يبني خارج جماليات البناء ويأكل خارج جماليات البناء ويعيش خارج جماليات العيش، أو ما يمكن تسميته شعرية الحياة". وأشار المتحدث أنّ هذا المقام مقام لا ينفع معه أن يكون لنا شعراء كبار، ذلك أنه يصنع هوة بين الذوات المبدعة والذوات المتلقية. ودعا في السياق المنظومات المعنية المختلفة أن تنتبه إلى هذا المعطى وتترك استقالتها من أداء مهمتها، بانخراطها في مسعى استرجاع الجزائري لذوقه، ويومها يصبح إنتاج الفنون وتذوقها تحصيل حاصل، ومنها الشعر.
رابح ظريف: تراجع الشعر الجزائري له علاقة بالقارئ.. والرواية متفوقة أكدّ الشاعر رابح ظريف أن تراجع وهج الشعر الجزائري ومكانته في المشهد الأدبي الجزائر له علاقة بحالة القارئ لا بنوعيه. وحسبه يكون القارئ أحيانا في حالة شعرية وأحيانا في حالة سردية. ويقول في الصدد إنّ الحالات الكثيرة التي يكون عليها الفرد القارئ هي التي تسمح للجنس الأدبي أو الفني أن يسيطر وينتشر، لكننا - يضيف ظريف - : "الشعر اليوم أمام وضع تحوّلت فيه هذه الحالات من فردية إلى جماعية". وأشار المتحدث إلى وجود نسق نفسي وسياق اجتماعي أصبح فيه مجموع الأفراد يشتركون في حالة فنية واحدة نظرا للتأثير الكبير الذي تلعبه وسائل الميديا والتواصل الاجتماعي. وبالتالي يعتقد رابح ظريف أنّ حاجة المجتمعات إلى الرواية مقارنة بالشعر ناتجة أساسا عن شعور جماعي مشترك غايته فهم ما يحيطنا بسرعة وخفة وهو ما تحققه الرواية مقارنة بالشعر. وأوضح المتحدث أنّه إذا اعتبر مجازا أنّ الشعر هو القصيدة لكون القصيدة شكلا وسياقا فنيا وأدبيا، بينما الشعر هو جوهر العملية الإبداعية عموما والرواية من دون شعر تبقى مجرد حكاية.
لخضر فلوس: الشعر ضحية غياب المنابر يؤكد الشاعر لخضر فلوس أن سبب انحصار حضور الشعر في المشهد الثقافي يعود أساسا إلى غياب المنابر التي يحضر من خلالها هذا النوع الأدبي على عكس السبعينات مثلا أين كانت جل الجرائد والمجلات تخصص أركانا أسبوعية لنشر الشعر لكن حاليا يقول لخضر فلوس عوض حضور الشعر بالصفحات التجارية هذا من جهة، ومن جهة ثانية يقول لخضر فلوس إن الرواية التي تخصص لها جوائز كبيرة صارت طاغية الحضور أكثر من الشعر لكن هذا لا يعني أن زمن الشعر ولى وأن الشعراء انقرضوا بالعكس - يقول لخضر فلوس - إن الجزائر بلد الشعراء، حيث أتيحت الفرصة مثلا لطاقم ولجنة تحكيم برنامج شاعر الجزائر أن يقف من خلال الكم كبير من القصائد التي وصلته على إبداعات ومواهب تستحق أن تكون في الواجهة وكلها قصائد في المستوى، لكن طبيعة البرنامج تفرض أن يكون هناك اختيار شاعر واحد فقط.
أحمد عبد الكريم: الشعر فقد وظيفته الدعائية فنبذوه يرى الشاعر أحمد عبد الكريم أن الشعر انحصر حضوره في الساحة الثقافية لأنه فقد وظيفته الدعائية لصالح فنون أخرى مثل السينما مثلا والرواية التي صارت تفرض نفيها والشعر رغم أنه لا يتطلب الكثير من الإمكانات، لكنه لا يحظى بالاهتمام من قبل المؤسسات والهيئات الرسمية التي تفضل إقامة الملتقيات الكبيرة والتظاهرات الضخمة التي قد تكون وجها من وجوه تبذير المال العام والفساد الثقافي انحصار المنابر أمام الشعراء وتراجع فرص النشر فرض خيار اللجوء إلى الوسائط التكنولوجية التي صارت اليوم بديلا عن دور النشر التي ترفض بدورها مغامرة نشر دواوين لا يقبل عليها القراء. هذه الوسائط التكنولوجية حسب أحمد عبد الكريم بقدر ما فتحت الأبواب أمام الشعراء بقدر ما ساهم في ظهور المتشاعرين ومكَّن الرديئين من اقتحام المشهد تحت تسميات كثيرة ومتعددة مثل "قصيدة الهايكو، والقصيدة الومضة".
هيثم سعد زيان: الشعر لم يعد يشكل ذائقة القارئ قال هيثم سعد زيان إن انحصار الشعر عن الحضور في المشهد الثقافي ليس ظاهرة جزائرية فقط، لكنه ظاهرة عربية فرضتها تحولات العصر الذي صار يعيش تحت تأثير الصورة أكثر من الكلمة بحيث لم يعد الشاعر ناطق رسمي باسم القبيلة في مقابل تحول اغلب الأعمال الروائية إلى أفلام سينمائية ينشد أصحابها الانتشار لهذا ربما تراجع دور الهيئات والمؤسسات والوزارات في دعم والاهتمام بالشعر والشعراء. في الجزائر مثلا لا نجد هيئة ولا جهة ترعى الشعراء وتخصص للشعر جوائز وترويج وتسويق مثلما تحظى به الرواية. فالشعر انحصر حسب هيثم سعد زيان لأنه لم يعد يشكل في عصرنا ذائقة المجتمع.
إسماعيل يبرير "النّاشر سقط في وهم الرّواية وعصر السّرد" لا أعتقد أنّ حضور الشّعر والشعراء أمر يتعلّق بهم، والغالب أنّنا نعيش وضعا مقلوبا في التقييم المعرفي للمنتوج الثقافي، فالصّحافة الثقافية ضعيفة، والصّحافة الأدبيّة غير موجودة تماما، والدّرس النقدي فقير بشأن الشّعر، والنّاشر سقط في وهم الرّواية وعصر السّرد، كلّ هذا سبب في ضمور الشّاعر لكنّ الشّعراء الذين يكتبون بلغة الحنين ويقرؤون بأعين التراث ويسمعون بآذان التعصب حدّوا من حضور الشعر في اليوميّ المضطرب، ولن نغفل القارئ الذي لم يتأهّب لقفزة الحداثة، بينما قطع الشعراء مسافة ليست بالهيّنة نحو حداثة النّص؛ هناك كلاسيكيّة مفرطة في التلقّي. الشّعر في منظور السلطة والسياسيّ حالة لهو وترفيه يمكن التخلّي عنها في أيّ لحظة والدّخول في عالم الجدّ! أمّا الحديث عن سطوة الرّواية فهو من قبيل الرّذيلة التي تمارس في التفضيل بين الأجناس، والتطاول على الشعر، ثمّ إنّ المشهد الرّوائيّ فيه كتاب جيّدون قليلون لقلّة من القرّاء الجيّدين، وكتاب نصف رديئون لقرّاء متواضعون، بينما في الشّعر لدينا شعراء كبار حقّا: "عبد القادر رابحي، عثمان لوصيف، عاشور فني، الأخضر بركة، ميلود خيزار، لخضر فلوس..." هؤلاء حقّقوا حضورا مميّزا تحتاج الرّواية والرّوائيّون وقتا للّحاق به، أتحدّث عن اكتمال الفعل الإبداعي ونضجه، لولا أنّ المتلقي وأدواته والإعلام وحالاته عيبنا المتواصل.