كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن حرب إقليمية وشيكة في الشرق الأوسط، وباتت كل الأطراف المعنية بهذه الحرب تجهّز نفسها وتعّد عدتها وعتادها وكأنّ ساعة الصفر للحرب قد تحددّت، فالمناورات الإسرائيلية بلغت حدا غير معقول إذ في ظرف أقل من سنة أجرى الجيش الإسرائيلي سبع مناورات كبيرة جدا على الحدود اللبنانية الفلسطينية، وبدوره الجيش الإيراني أجرى عشرات المناورات في منطقة الخليج وفي مضيق هرمز الاستراتيجي، كما انّ الجيش السوري أصبح في كامل الجهوزية تحسبا لأي ضربة غادرة من الكيان الإسرائيلي، والمقاومة الإسلامية اللبنانية أعلنت على لسان أمينها العام السيد حسن نصر الله أنها مستعدة لصدّ أي عدوان إسرائيلي وأنها ستفاجئ العالم وأنّه بات لديها مخزون عسكري سيغيّر التوازن العسكري في الشرق الأوسط، وحتى تركيا نصبت صورايخ مضادة للطيران على حدودها مع سوريا تحسبا لأي مغامرة إسرائيلية مقبلة.. * الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أصبحت المهندس الوحيد للقرارات العالمية بعد خروج الدب الأحمر الروسي من المسرح الدولي بدأت تهيئ المسرح الدولي لضربة عسكرية ضد إيران الماضية قدما نحو إنتاج قنبلتها النووية، وقد أعلن القادة العسكريون في واشنطن ومنهم باتريوس بأنّ مخطط ضرب إيران بات جاهزا.. * وفي ظل غياب التسويات السياسية والحلول الديبلوماسية ولجوء واشنطن وتل أبيب إلى مزيد من التصعيد الديبلوماسي فإنّ احتمالات السلام تضاءلت وتراجعت إلى المربع الأول، وقد حذرت وزارة الخارجية الأمريكية سوريا من نقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان مبينة أنّ هذه الخطوة قد تلهب منطقة الشرق الأوسط. وأعلنت هيلاري كلينتون أن نقل صواريخ سكود يصنف سوريا كدولة ترعى الإرهاب. وقامت الخارجية الأمريكية باستدعاء نائب رئيس البعثة السوري زهير جبور لسؤاله عن المعلومات التي أشارت إلى قيام دمشق بنقل صواريخ من طراز سكود الطويلة المدى إلى حزب الله في لبنان، وقال المتحدث باسم الخارجية غوردن دوغويد إن "الولاياتالمتحدة تدين بشدة نقل أي أسلحة من سوريا إلى حزب الله، وخصوصا صواريخ بالستية على غرار سكود". * ومن جهة أخرى، ذكرت صحيفة واشنطن بوست، أن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز اتهم سوريا بنقل صورايخ سكود طويلة المدى إلى حزب الله في لبنان، ورأت واشنطن بوست، أن نقل صواريخ سكود، التي يبلغ مداها 430 ميلا، من شأنه قلب التوازن العسكري. وعلى الرغم من أن القيادة السورية نفت بشدة هذه المعلومات، إلاّ أن الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية تعاملتا مع هذه المعلومات وكأنها أمر واقع. * وقد جدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما العقوبات الأمريكية على سوريا متهما هذا البلد بدعم ما سماها المنظمات الإرهابية والسعي للحصول على برامج لأسلحة الدمار الشامل والصواريخ. وفي هذا السياق قال أوباما إن "أفعال سوريا وسياساتها تشكل خطرا مستمرا غير عادي على الأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد في الولاياتالمتحدة". كما أعلن مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان أن واشنطن ستبقي "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة" في الضغط على دمشق كي ترجع عن ذلك. * وقد أصبحت التهديدات ضد إيران وسوريا ولبنان واقعية، وهذا ما جعل الثلاثي الدكتور بشار الأسد ومحمود أحمدي نجاد وحسن نصر الله في لقائهم التاريخي في دمشق يضع مخططا كاملا وموحدا لصدّ اي ضربة أمريكية - إسرائيلية مقبلة، واللقاء في دمشق لم يكن بروتوكوليا أو لالتقاط صورة جميلة أفزعت العالم، بل إن اللقاء كان استراتيجيا وأرسى قواعد لتحالف استراتيجي وعسكري ستكون له تأثيراته القصوى في حال اندلاع أي حرب في الشرق الأوسط.. * وإذا كانت عوامل الحرب قائمة، ومبرراتها متوفرة، وخصوصا لدى الدولة العبرية التي لا تقبل مطلقا أن تزداد قوة حزب الله العسكرية، ولا تقبل أيضا بوصول الإيرانيين إلى إنتاج القنبلة النووية، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الأمريكيين جزموا بأن العقوبات لن تردع إيران، ولا بد من الذهاب إلى الخطة البديلة التي أعدّ لها استراتيجيو البنتاغون كل العدة، فمتى إذن تنطلق هذه الحرب الموعودة التي بدأ دخانها الأبيض يتصاعد بالتوازي مع أدخنة بركان إيسلندا والذي أربك الملاحة الجوية العالمية... * وقد ارتبطت الحروب الإسرائيلية الأمريكية على العالم العربي بكأس العالم، حيث كان الكيان الإسرائيلي يختار مواعيد مباريات كأس العالم وانشغال الناس في العالم بهذه المناسبة الكروية الدولية والجماهيرية لينفذ مخططاته العدوانية، ففي السادس من حزيران- يونيو 1982 بينما كانت أنظار العالم بما فيه العالم العربي والإسلامي منه مشدودة نحو مباريات كأس العالم لكرة القدم في إسبانيا، والتألق الكبير للفريق الجزائري الذي انتصر على ألمانيا في واحدة من أهم مباريات الكرة الجزائرية، حيث تمكن اللاعبون الجزائريون من تحقيق المجد وتسفيه أحلام اللاعب الألماني رومينيغي الذي قال في ذلك الوقت سأهدي زوجتي ثلاثة أهداف في فريق الشباك الجزائري، فكسرت خيشومه أقدام بلومي وماجر وإخوانهما اللامعون، وفي أوج هذه المفاجآت في إسبانيا بدأت إسرائيل اجتياحها الثاني للبنان متذرعة بمحاولة اغتيال سفيرها في لندن. * خلال سبعة وسبعين يوما سلط بيغين ووزير حربه ارييل شارون الآلة العسكرية الإسرائيلية على لبنان. * وبلغ القصف الإسرائيلي ذروته على بيروتالغربية وضاحيتها الجنوبية في الأول من شهر أوت -آب اليوم الذي سمي بالأحد الأسود، حيث وعلى مدى 14 ساعة متواصلة سقطت 180 ألف قذيفة إسرائيلية موقعة ما لا يقل عن 876 ضحية ما بين قتيل وجريح. * أما الحصيلة النهائية لضحايا الغزو الإسرائيلي فقد كانت عالية للغاية: ثلاثون ألف قتيل وأربعون ألف جريح. * كما شهدت سماء البقاع اللبناني إحدى أعنف المعارك الجوية بين الطيران الإسرائيلي والسوري، منذ حرب كوريا، شارك فيها 90 مقاتلة إسرائيلية و60 سورية، كما ترافق القصف مع محاولات إنزال بحرية باءت بالفشل. * وتكبدت القوات الاسرائيلية في الأيام الأحدى عشر الأولى ما لا يقل عن 214 قتيل و1114 جريح، و23 مفقود وأسير واحد . * وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية قد منحت إسرائيل ضوءا أخضرا جعلها تفرض جنونها على لبنان، وعلى القوات السورية التي حاربت ببسالة الجيش الإسرائيلي في البقاع اللبناني وبيروتوالجنوب. كما أن واشنطن فرضت فيتويين على قرارين في مجلس الأمن لإدانة الدولة العبرية. * وفي 9 يوليو - تموز 2006 وبعد فوز منتخب إيطاليا بكأس العالم 2006 للمرة الرابعة في تاريخه الكروي وبعد تغلبه على نظيره الفرنسي بركلات الترجيح 5 - 3 على ملعب برلين الأولمبي وقيام النجم الجزائري زين الدين زيدان الذي نطح برأسه صدر المدافع الايطالي ماركو ماتيراتسي في الوقت الاضافي من عمر المباراة، حصل زيدان إثرها على البطاقة الحمراء، وبعد تلك المقابلة التاريخية بخمسة أيام شنت إسرائيل أكبر حرب وأشدّها على لبنان.. * وأتذكر أنني كنت آخر الواصلين إلى بيروت مساء الثاني عشر من تموز (يوليو) 2006 في الرحلة المتوجهة من العاصمة السويدية ستوكهولم الى العاصمة اللبنانية بيروت، ولا أدري ماذا حدث بالضبط عندما كنت أحجز تذكرة السفر الى بيروت، فلأول مرة في حياتي أحجز تذكرة الذهاب دون الإياب، ولم أكن أتصور مطلقا أنني سأغادر بيروت الحبيبة على متن باخرة شحن نقلتنا الى قبرص فستوكهولم في الثامن عشر من تموز (يوليو) 2006. * في الطائرة التي أقلتنا من ستوكهولم الى بيروت كان الكل مسرورا بالتوجه الى العاصمة التي أحبها الجميع فبيروت في الذاكرة العربية والراهن العربي أصبحت رمزا لكل شيء، للفكر كما للثقافة والتنوع والفن والمقاومة... وقد ارتبط تاريخ بيروت بالصراع العربي الاسرائيلي الى أبعد مدى، فبيروت ومقاوموها أنجزوا للعرب والمسلمين أول انتصار في مطلع الألفية الثالثة.. * استغرقت الرحلة من ستوكهولم الى بيروت حوالي أربع ساعات أنهيت خلالها قراءة كتاب أمة من الغنم لكاتب أمريكي يعتبر فيه أن الحكومة الأمريكية تعتبر الشعب الأمريكي أمة من الغنم وأن الحكومة الأمريكية ومؤسساتها تخدع الشعب الأمريكي بوسائل اعلامية وسياسية واستخباراتية متنوعة.. * كان في استقبالي في بيروت رجل على اطلاع واسع بالموقف الميداني في جنوب لبنان، بادرني بالقول: لقد وصلت في الوقت غير المناسب الى بيروت، لأن حزب الله نجح في خطف جنديين اسرائيليين وقتل ثمانية، فعملية كبيرة ونوعية من هذا القبيل سيواكبها رد فعل جنوني من قبل الكيان الصهيوني، فقلت له أريد أن أخبرك أنني لم أحجز تذكرة العودة، ناهيك عن أنني عشت كل مراحل المأساة اللبنانية وسأكون بدءا من يوم غد أمام حدث سيغير مسار حركة التاريخ في العالم العربي. * في تلك الليلة أي ليلة الثاني عشر من يوليو 2006 بلغني أن حزب الله استدعى كافة عناصره بل كل جيشه الذي لا يعرف أحد تقديره، لكن بالتأكيد يفوق المئة ألف عنصر للالتحاق بمواقعهم، كل في موقعه، المقاوم العسكري في موقعه والراصد في موقعه والاعلامي في موقعه، وأعترف أن حزب الله يملك قدرة رهيبة على تنظيم نفسه، وقد حمي نفسه من الاختراق الأمني الكامل سواء أكان اختراقا محليا أو إقليميا أو دوليا... * وفي نفس الليلة، صدر أمر بإخلاء الضاحية الجنوبية وكافة المؤسسات التابعة لحزب الله، وذلك مؤشر على أن حزب الله أخذ في حساباته السياسية استهداف مراكزه كل مراكزه وأبعد منها. * اذن هي أجواء حرب تسود لبنان وهل هناك أخبر من حزب الله في معرفة تفاصيل النيات الاسرائيلية. * وبعد لقاءاتي المتعددة والمتنوعة تشكل لدي انطباع بأن لبنان مقبل على عاصفة ليست كالعواصف السابقة، وتسنى لي أن أنام ساعتين فقط في تلك الليلة بين الساعة الرابعة والسادسة. * وكانت الحرب الإسرائيلية على لبنان بعد انتهاء مباريات كأس العالم مباشرة، واعتبرت هذه الحرب الأكثر شدّة على لبنان وبنيته التحتية، ولم يتمكن الكيان الإسرائيلي من تحقيق أهدافه، وهو الأمر الذي جعل القاضي فينوغراد الذي عينته الحكومة الإسرائيلية للتحقيق في حرب تموز يقول بأنّ حفنة من الرجال المقاومين غلبت إسرائيل والجيش الذي لا يقهر في الشرق الأوسط.. * وللإشارة، فإنّ الكثير من الحروب التي عرفها المسرح الدولي والشرق الأوسط كانت توقّت هذه الحروب في مواعيد انطلاق كأس العالم أو بعده مباشرة، وكأس العالم الذي بدئ في تنظيمه منذ سنة 1930، 1934، 1938، 1950، 1954، 1958، 1962، 1966، 1970، 1974، 1978، 1982، 1986، 1990، 1994، 1998، 2002، 2006، 2010... ومعظم هذه التواريخ ارتبطت بأحداث عالمية وشرق أوسطية، ومع قرب موعد كأس العالم في جنوب إفريقيا، يزداد التساؤل أين سيكون الحريق الإقليمي أو الدولي المقبل!!! * * يحي أبوزكريا * Abouzakaria10@hotmail.com