تشكل الانتخابات التشريعية التي يقول فيها الجزائريون كلمتهم اليوم، تحديا جديدا للسلطة والمعارضة، فالسلطة تحاول إبقاء الوضع على ما هو عليه، فيما تسعى المعارضة بمختلف أطيافها الإسلامية منها والديمقراطية إلى صناعة مشهد جديد، قوامه التخلص من هيمنة أحزاب الموالاة على دفة البرلمان، وما انجر عن ذلك من وقوع المجلس رهينة لديها. غير أن هذا المسعى يبدو شاقا، فالكثير من المقدمات التي صنعت مشهد ما بعد 2012 لا تزال قائمة، وهو ما يجعل من احتمالات حدوث انقلاب في الساحة السياسية مستبعد. ومع ذلك تبدو المعارضة واثقة من نفسها، ولاسيما في ظل التعهدات التي قطعتها السلطة على نفسها، من خلال استحداث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، ولعل هذا المعطى هو الذي يقف وراء تراجع حدة خطاب المعارضة المفعم بالتخويف من التزوير. فهل السلطة مستعدة للتخلي عن مكاسبها السياسية؟ وهل أعدت المعارضة ما يجب من زاد لتموقع أفضل في البرلمان المقبل؟ وهل سيقود استحقاق اليوم إلى التغيير المنشود الذي تبحث عنه المعارضة؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها.
الأحزاب في مواجهة مصيرها هل سيتجاوز برلمان 2017 المقبل عثرات سابقيه؟ يختار الجزائريون اليوم، سادس برلمان (الغرفة السفلى) في عهد التعددية السياسية، وسط أجواء مشحونة بالرهانات السياسية التي تنتظر المجلس المقبل وما يتبعه من استحقاقات، وكذا المخاوف من احتمال تسجيل عزوف غير مسبوق للناخبين، قد يؤثر على مصداقية هذه الهيئة خلال السنوات الخمس المقبلة. وعلى غير العادة، ستشرف على رقابة هذه الانتخابات، هيئة مستقلة تم استحداثها في الدستور المعدل في فيفري 2016، أسندت رئاستها إلى الوزير والسفير السابق، عبد الوهاب دربال، الذي لم يحقق الإجماع لدى الطبقة السياسية، ليس لكونه مطعونا في شخصه، بل للصلاحيات الممنوحة للهيئة التي يرأسها، التي صنعت الجدل قبل وبعد ترسميها. وتقول المعارضة إن هيئة دربال لا تتوفر على المواصفات التي طالبت بها في مقترحاتها لتعديل الدستور، وهي أن تكون بعيدة عن وصاية السلطة، وأن تكون هذه الهيئة هي من تشرف على تنظيم الانتخابات، فيما يقتصر دور الإدارة (وزارة الداخلية والجماعات المحلية) على توفير الدعم اللوجيستيكي للعملية الانتخابية. ورغم هذه المؤاخذة، إلا أن غالبية الأحزاب انخرطت في العملية الانتخابية بقوة، وكانت السمة البارزة في الحملة الانتخابية، خفوت الأصوات التي اعتادت التخويف والتحذير من حدوث عمليات تزوير، الأمر الذي أعطى الانطباع بإمكانية تنظيم انتخابات أقل انتقادا ومن ثم أكثر مصداقية. انتخاب العهدة التشريعية السابعة، يطبعه سباق محموم بين أحزاب السلطة فيما بينها (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وبدرجة أقل الحركة الشعبية وحزب تاج)، وبين أحزاب السلطة من جهة، والأحزاب التي اختارت الوقوف في صف المعارضة (الإسلاميون والديمقراطيون)، من جهة أخرى، والرهان واضح وهو السباق من أجل تموقع أفضل تحسبا لمرحلة ما بعد الرابع من ماي. أهمية هذا الرهان تنبع أيضا من الصلاحيات التي أعطاها الدستور الجديد للهيئة التشريعية، وهي الصلاحيات التي وإن لم تستغل بالشكل المأمول مما تبقى من العهدة التشريعية المنقضية، إلا أنها بالمقابل، تشكل حافزا للأحزاب للاستثمار فيها خلال العهدة المقبلة، يضاف إلى ذلك اختيار الحكومة من الأغلبية البرلمانية، وإن كان النص الدستوري الجديد لا يلزم الرئيس بذلك، إلا أنه يضعه أمام مسؤولية أخلاقية يصعب القفز عليها. فالكثير من الأوراق التي كانت بيد النواب قبل التعديل الأخير للدستور في العام 2008، عادت في تعديل 2016، على غرار استجواب الحكومة في مدة لا تتعدى ثلاثين يوما، وإجبار الحكومة على عرض بيان سياستها العامة كل سنة، وما يمكن أن ينجر عن ذلك من قرارات حاسمة قد يصل الأمر إلى دفع الوزير الأول إلى تقديم استقالة الحكومة، في حال سحب الثقة منه. ومن شأن تعزيز صلاحيات المعارضة داخل البرلمان في الدستور الجديد، من خلال تمكينها من الدعوة إلى جلسة شهرية لمناقشة القضايا السياسية الراهنة، أن يعطي المجلس المقبل الحيوية التي افتقدها في السنوات الأخيرة، يضاف إلى ذلك استحداث لجان تحقيق برلمانية، وهي الآلية التي لم يتم استغلالها بالشكل الذي يجب، منذ اللجنة التي أوكل لها مهمة التحقيق في ما عرف ب"احتجاجات الزيت والسكر" في العام 2011. غير أن تفعيل هذه الصلاحيات يبقى مرهونا بطبيعة المجلس المقبل، والذي تحكمه نتائج انتخابات اليوم، لأن تكريس المشهد الراهن في مبنى زيغود يوسف، يعني من بين ما يعنيه أن ممارسات العهدة المنقضية ستتواصل وربما أشد. فحصول أحزاب السلطة على أغلبية كتلك التي أفرزتها انتخابات 2012، ستمكنها من بسط نفوذها على الغرفة السفلى، ومن ثم تضييق الفضاءات الممنوحة للمعارضة بموجب الدستور الجديد، وهذه من عيوب الديمقراطية التي تغيب فيها حقوق الأقلية.
الوزير السابق أبو جرة سلطاني: انطلاق سباق الرئاسيات مبكرا أعطى التشريعيات طابعا خاصا الجزائر على موعد مع خامس انتخابات تشريعية في عهد التعددية الحزبية. ما هي رهاناتها؟ أولا؛ الانتخابات التشريعية حدث وطني كبير، لأن الجميع يتوق لإعادة تشكيل الخارطة في المنظومات التشريعية، إضافة إلى ممارسة الرقابة على الجهاز التنفيذي والاهتمام بانشغالات المواطن اليومية في الولايات، وهو ما يجعل تشكيلة البرلمان المقبل في الظروف الاقتصادية العسيرة التي تمر بها الجزائر، رهانا اجتماعيا بالدرجة الأولى، لأن الحملة الانتخابية نقلت للمواطنين آمالا عريضة ووعدت بالتكفل بانشغالاتهم، وهناك من المترشحين من وعد الشعب بإحداث التغيير الاجتماعي نحو الأفضل إذا ما منحت لحزبه الأغلبية، وهي وعود سوف ينتظرها الناخبون لتتجسد بناء على من سيفوز في الانتخابات القادمة ومن سوف يزكيهم الصندوق. كثيرون وصفوا الاستحقاق الانتخابي القادم بالمصيري، وهناك حتى من ربطه باستقرار الوطن، ما رأيكم؟ يمكن اعتبار هذه الانتخابات مصيرية من وجهتين، الوجهة الأولى، لأن الظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد سوف يجبر البرلمان على أن يصوت على قوانين مالية ضد الجبهة الاجتماعية وضد القدرة الشرائية للمواطن، وأن الدستور الجديد أعطى حق تشكيل الحكومة من الأغلبية التي سوف تكون مطالبة بأن تواجه الرأي العام على المستوى التشريعي والتنفيذي، مما يجعل مهمة الأغلبية صعبة بين سنتي 2017-2022، ثم هناك رهان الانتخابات الرئاسية. الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، يقول إن أهمية الانتخابات 4 ماي نابعة من كونها تأتي قبل موعد رئاسيات 2019. ما ذا يريد أن يقول برأيكم؟ هذا الكلام غير دقيق من الناحية التاريخية، لأن رزنامة الانتخابات منذ 1997 إلى اليوم تأتي دائما وفق ترتيب ثابت يعني التشريعيات تلتها المحليات، ثم الرئاسيات وهو أمر جعل استقرار المواعيد الانتخابية ثابتا لا يقبل المزايدة، لكن الجديد هذه المرة أن الصراع المحموم على قصر المرادية تم قبل الأوان بسنين كاملين، لماذا؟ لأن بعض الأطراف أحست أن الرئيس السيد عبد العزيز بوتفليقة لن يترشح لعهدة انتخابية أخرى ما يجعل منصب الرئاسة شاغرا سنة 2019، وهو سوف يفتح بابا واسعا أمام تنافس الجيل الثاني الذي تكاثرت فيه أعداد الطامحين إلى احتلال هذا المنصب الثقيل. هل تتوقعون أن تفرز تشريعيات خارطة سياسية جديدة؟ أستبعد أن تكون الخارطة السياسية مختلفة جذريا عن سابقاتها، ولكن عناصر جديدة سوف تضفى على التشكيلة القديمة تنوعا أوسع ولكن سوف تكون سيطرة رجال المال والأعمال مرجحة للأغلبية البرلمانية مما يجعل المجلس الشعبي الوطني مجلس البورجوازية. كيف تتوقعون طبيعة الحكومة المقبلة، هل ستكون حزبية، ائتلافية أم تكنوقراطية؟ الدستور يمنع أن تكون الحكومة تكنوقراطية ويفرض حكومة مسيسة فيها بعض التكنوقراط. والظرف الذي تمر به الجزائر يحتاج إلى تنويع قاعدة الحكم لكي يحظى الجهاز التنفيذي بتأييد الأغلبية السياسية بما يضمن للبلاد الاستقرار، وبالمقابل القدرة على إقناع الرأي العام بأن الظرف الاقتصادي يحتاج إلى الصبر ومزيد من الرشادة والإنفاق لتجاوز الأزمة النفطية العالمية. فالدستور الجديد يفرض استشارة البرلمان، والمنطق يلزم بأن تكون الحكومة من الأغلبية، وأستبعد أن تكون هنالك حكومة توافقية بين الأحزاب المجهرية، والأغلبية البرلمانية، فمن سيحوز على ثقة الشعب هو من سيشكل أغلبية الحكومة المقبلة، وعلى كل، يمكن أن يكون هنالك ائتلاف مدعم بالديمقراطيين، فالأمر سيترك لرئيس الجمهورية لتكليف من يراه مناسبا لإدارة شؤون الجهاز التنفيذي. ما تأثير التعديلات الجديدة للدستور على البرلمان المقبل؟ الدستور أعطى الحق للمعارضة في أن تمارس واجباتها في الأطر المحددة للتنظيم، وأعطى كذلك فرصا إضافية لتوالد المزيد من الأحزاب، كما قيد الكثير من المواد التي كانت عامة فجعل الحكومة تنبثق من الأغلبية البرلمانية سواء كان حزبا واحدا أو تحالفا بين مجموعة من أحزاب، وهذا سوف يفرض على الطبقة السياسية الذهاب إلى حكومة وحدة وطنية تضمن الوصول السلس إلى رئاسيات 2019، وتضمن كذلك التوافق حول رئيس يملك القدرة على جمع الصف والانسجام الداخلي والحفاظ على صورة الجزائر في المحافل الدولية.
الأمين العام لاتحاد شورى المغرب العربي سعيد مقدم: تشريعيات اليوم ستكرس المشهد السياسي القائم تشهد اليوم الجزائر سادس انتخابات تشريعية في عهد التعددية السياسية، ما هي رهانات هذه الانتخابات في رأيكم؟ هدف جميع الأحزاب المشاركة في التشريعيات، الظفر بحقائب وزارية في الحكومة المقبلة، بعد اكتساح البرلمان.. ففي الدساتير السابقة، لا يتم استشارة الأغلبية من طرف رئيس الجمهورية لتعيين الحكومة، أما اليوم وبعد تعديل الدستور في فيفري 2016، فالوضع مختلف، بحكم أن الحكومة المقبلة ستكون من الأغلبية، ولذلك فالأحزاب ستتنافس بقوة للظفر بأعلى عدد من الكراسي، كما أننا فيما قبل كنا نتحدث عن برنامج رئيس الجمهورية، أما اليوم فنتحدث عن برنامج الحكومة، وعلى كل، فهذه التشريعيات تصنف ضمن الجيل الثاني من الانتخابات على ضوء دستور جديد، في ظل ترسيم هيئة جديدة لمراقبة الانتخابات، بالرغم من الانتقادات الموجهة إليها، بوصفها هيئة غير مستقلة، ويبقى هدف الجميع اكتساح الحكومة المقبلة والتموقع لرئاسيات 2019. حزب جبهة التحرير الوطني يعتبر هذه الانتخابات مصيرية، لماذا؟ هذه الانتخابات مصيرية بالنسبة إلى جبهة التحرير، بسبب الغضب والتصدع الذي تشهده صفوف حزب جبهة التحرير الوطني، وتراكم الخلافات بين قيادات الحزب، فهؤلاء متخوفون من أن يفقدوا ناخبيهم، في ظل كافة الظروف التي يعيشها الحزب العتيد، وهو ما يجعل من التشريعيات المقبلة تشريعيات فاصلة ومصيرية بالنسبة إليهم، بالرغم من أن عددا كبيرا من الجزائريين لا يزال متمسكا بحزب جبهة التحرير الوطني. تربط بعض الأطراف السياسية هذه الانتخابات التشريعية بالانتخابات الرئاسية المنتظرة سنة 2019، كيف ولماذا؟ ذلك كما قلت لك سابقا لأن الحكومة المقبلة ستكون من الأغلبية البرلمانية، كما أن التشريعيات ستكون تمهيدا لسباق الانتخابات المحلية (البلدية والولائية)، وكذا أرضية قوية في قائمة السباق نحو قصر المرادية، فحسن التموقع في التشريعات سيفتح آفاقا أوسع أمام الراغبين في الترشح للرئاسيات. وأيضا وبالرغم من كل ما يقال عن هذه التشريعيات، فإنها تحظى بنوع من المصداقية، من خلال استقدام الملاحظين الدوليين، وتعبئة المواطنين، بأن الانتخاب حق أكثر منه واجبا، وتزامنت هذه الاستحقاقات وعودة الحديث عن مبدإ الديمقراطية التشاركية في مسار القرار، وهو ما يجعل الكثير اليوم يتحدثون عن الرئاسيات التي يفصلنا عنها نحو سنتين. كيف تتوقعون الخارطة السياسية التي ستفرزها الانتخابات التشريعية؟ لا يمكن أن نختلف في أننا لا نزال نعيش في مجتمع محافظ يقدس كل ما هو مرتبط برموز الثورة، ومهما كانت الخلافات في الحزب أقصد جبهة التحرير فالأحزاب الكبيرة ستظل كبيرة، لأنها تمثل بالنسبة إلى الجزائريين وعاء الأسرة الثورية ولا تزال في ذهن الكثير ترمز للوطنية، كما أن وجود حزب جبهة التحرير الوطني وحتى التجمع الوطني الديمقراطي على سبيل المثال في كل المداشر والولايات، سيمنحهما فرصا أكبر من غيرهما، وهذا يأتي رغم الأخطاء المرتكبة من طرف الأحزاب الكبرى خلال الحملة الانتخابية، حيث إن برامج كافة الأحزاب كانت نسخة طبق الأصل عن بعضها البعض، أضف إلى ذلك اعتماد الكثير منها على سياسة "نسخ لصق"، فضلا عن عدم تمييز الأحزاب والمترشحين إلى حد الساعة بين التشريعيات، حيث سيكون للنائب الجديد دور التشريع ومناقشة القوانين، وبين الرئاسيات أو المحليات، وبالرغم من ذلك أرى أن جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي سيكونان في المقدمة.