يُعتبر الدكتور «يوسف بوعندل» أنموذجا ناجحا لإطار جزائري تمكّن من فرض نفسه وكفاءته في إحدى أهم الجامعات العربية، وقد اقتربت منه «الأيام» للاستفادة من قراءته بوصفه أستاذا ومسؤولا في كلية العلوم السياسية بجامعة قطر بخصوص الانتخابات التشريعية المقبلة والرهانات التي تحملها، وهو الموعد الذي ينظر إليه بكثير من الحذر رغم أنه لا يرى فيه «اقتراعا مصيريا»، وأكد أن نسبة المشاركة فيها ستكون عاملا حاسما لضمان مصداقيتها. ويتوقع الدكتور «بوعندل» أن يكون للإسلاميين موطئ قدم بعد 10 ماي مقابل تراجع حظوظ التيار الوطني «إذا لم يحصل هناك تزوير». * ينظر الجزائريون إلى انتخابات العاشر ماي المقبل بكثير من الاهتمام، هل هذا الموعد في اعتقادكم مصيري مثلما يُحاول البعض تسويقه؟ ** لا أعتقد أن الانتخابات العاشر في ماي المقبل مصيرية رغم أهميتها، وذلك لأنها تجري في أجلها المحدّد دستوريا، فالانتخابات التشريعية في الجزائر تجري مرة كل 5 سنوات. الواقع أن السلطة متخوفة جدّا من عزوف المواطنين عن التصويت والمتوقع أن هذه الانتخابات سوف تسجل أدنى مستويات المشاركة على الإطلاق، ولهذا فالخطاب السياسي في الجزائر يحرص على التأكيد بأن هذه الانتخابات مهمة ومصيرية. وأرى في تشبيه الانتخابات المقبلة بالفاتح من نوفمبر 1954 أو استفتاء تقرير المصير في جويلية 1962 أمرا مبالغا فيه جدا فالجميع يعرف ومتأكد أن هذين التاريخين أهم محطتين في تاريخ الجزائر الحديث، فنداء نوفمبر كان نداء الأبطال لكسر الأغلال لصنع ملاحم ثوراتها الأجيال، واستفتاء 3 جويلية هو تأكيد على شرعية المطالب الجزائرية ورضوخ فرنسا واعترافها بأن هذا الشعب على حق ومطالبه شرعيه ودفع في سبيلها الغالي والنفيس. * كثيرا ما سمعنا رئيس الجمهورية يؤكد في عدة مناسبات على أنه لا غرابة من حصول «الاستثنائية الجزائرية» قياسا مع ما عرفته في بعض البلدان العربية من أحداث وخاصة تونس وليبيا بحكم أنهما دولتا جوار. أتعتقدون أن وعي الجزائريين هو من ساهم في تحقيق هذه الاستثنائية؟ ** فعلا هناك استثنائية جزائرية قياسا بما عرفته وتعرفه بعض الدول العربية فيما يسمى ب «الثورات»، كثيرون ممن لا يعرفون الشأن الجزائري كانوا يتوقعون أن الجزائر ستعرف نفس مصير دول الجوار، ولقد تطرّقت في مقال استشرافي في إحدى المجلات البريطانية «ذي ميدل إيست إن لندن» قلت فيه إن الجزائر لن تعرف ثورة مماثلة كالتي حدثت في الدول العربية وذلك لعدة أسباب متعددة منها أن حنكة الرئيس هي التي جنبت الجزائريين الربيع العربي، وهناك من يقول أن الشعب الجزائري واع جدا وهذا ما ساهم في تحقيق هذه الاستثنائية. وفي اعتقادي القول بأن وعي الجزائريين ساهم في ذلك فيه جانب من الصواب، لكن هذا لا يعني أن إخواننا في الدول العربية الأخرى ليسوا واعين. فالتخلص من الظلم والاستبداد، والتطلع إلى حياة كريمة، وأخيرا ترسيخ فكرة المواطنة يتطلب وعيا. ولذلك أظن أن الجزائريين واعون بأنه لا يجب أن يكون هناك تغيير جدري في النظام والقضاء على ظاهرة الفساد التي تنخر المجتمع الجزائري، لكن هذا التحوّل الجذري لا يكون ثمنه الدم. هناك شباب يحاول «الحرقة» للهروب من «الحقرة» هي للأسف حالة الجزائر اليوم، لكن الجزائريين يمرّون بفترة نقاهة وذاكرتهم قوية، ما حصل في التسعينات ليس بالأمر الهين والجزائريون والجزائريات يدفعون فاتورة هذه العشرية حتى الآن، وبالتالي فهم لا يريدون عيش هذه التجربة مرة أخرى، ولذلك يردّد كثير من الجزائريين أن ربيعهم كان في 1988 ونتائجه يعرفها الجميع. من أهم خاصيات النظام في الجزائر أنه لا يمثل في شخص رئيس الجمهورية أو في حزب معين بعكس ما في تونس، ليبيا ومصر فإن بن علي، القذافي ومبارك كانوا يمثلون السلطة وكذلك الحزب الوطني في مصر والتجمع الدستوري في تونس اللذين كانا يمثلان الفساد. من جهة أخرى يعرف الجميع أن الجزائر تعيش في بحبوحة مالية إلى درجة أن صندوق النقد الدولي يريد الاستدانة من الجزائر وهذه البحبوحة المالية ساعدت على توزيع هذه العائدات مثل الزيادات في المرتبات وقروض الشباب إلخ... وهذا ما ساعد إلى درجة ما في امتصاص الغضب الشعبي. * كيف تتوقعون الخارطة السياسية للجزائر بعد التشريعيات المقبلة بعيدا عن هواجس المقاطعة والتزوير؟ ** في حالة ما إذا سلّمنا أنه لن يكون هناك تزوير أو مقاطعة لهذه الانتخابات فإنه لن يكون لأي حزب الأغلبية في هذا البرلمان، وفي غياب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية فإن أغلب المقاعد في منطقة القبائل ستكون من نصيب حزب القوى الاشتراكية (الذي سيشارك لأول مرة منذ أكثر من عقد)، أما باقي المناطق فستكون للأحزاب الكبيرة والإسلامية التي لها حظوظ نوعا ما متساوية. عموما أعتقد أن عدد أعضاء البرلمان الأحرار «المستقلّين» سيكون أعلى بالمقارنة بالبرلمانات السابقة. * السلطة أطلقت الكثير من الضمانات وتبنت بعض الإجراءات العملية التي تضمن عدم التلاعب بأصوات الناخبين، هل برأيكم هذا مؤشر إيجابي على نزاهة العملية وأن السلطة استخلصت الدروس من التجارب السابقة؟ ** نعم السلطة أطلقت الكثير من الضمانات لنزاهة الانتخابات المقبلة، وهذا شيء طبيعي جدا. فعزوف الجزائريين عن الانتخابات أمر مقلق جدا، ولهذا فإن السلطة تقوم بكل الاجراءات لطمأنه المواطنين على نزاهة هذه الانتخابات وبالتالي تحفيزهم على الذهاب الى صناديق الاقتراع. ولذلك فإنه هذه التدابير تبقى من الناحية النظرية مؤشرا إيجابيا على نزاهة الانتخابات ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الانتخابات ستكون نزيهة. أعتقد أن النظام الانتخابي المعمول به في الجزائر – نظام القائمة المغلقة- ودور قيادات الأحزاب في اختيار من يترأس القوائم، خاصة دور «الشكارة» في الحصول على المقاعد الأولى، قد أفقدت الانتخابات من أحد معانيها وهي المنافسة بين الأشخاص، فالناخب الجزائري يصوّت على قائمة أعدّها الحزب الفلاني أو الفلاني والجميع يعرف المواصفات التي تمت بها ترتيب المترشحين في القوائم الانتخابية. * على مقربة من موعد العاشر ماي تُطرح الكثير من التساؤلات حول حظوظ التيار الإسلامي فيه. إلى أي مدى يُمكن أن تتكرّر تجارب فوز الإسلاميين في تونس ومصر وبعدهما المغرب في بلادنا؟ ** حظوظ التيار الإسلامي موجودة في الجزائر والوعاء الانتخابي للإسلاميين موجود كقوة سياسية الأحزاب الإسلامية لا يُمكن أن لا توضع في الحساب، ومن وجهة نظري فإن التشكيلات الإسلامية في الجزائر ستعيد نفس تجربة حركة النهضة في تونس مثلا. أذكر هنا جبهة العدالة والتنمية التي رأسها «عبد الله جاب الله»، وإن كان له تجربة كبيرة في خوض انتخابات على رأس تشكيلات إسلامية في الماضي (النهضة والإصلاح) حزب جديد ويعتمد على كوادره السابقة وهو الأوفر حظا في اعتقادي من «تكتل الجزائر الخضراء». وبعد انقسام «حمس» سوف يصوت كثير من كانوا فيها لحزب «عبد المجيد مناصرة»، أما بالنسبة ل «تكتل الجزائر الخضراء» فأظن بأنه لن يحصل على عدد كبير من المقاعد كما يدعيه «بوجرة سلطاني» لأن حزبه شارك في الحكومات وكان ضمن التحالف الرئاسي وأثبت أنه مسؤول أو على الأقل شارك في السياسات التي اتبعها النظام. وبالتالي فإن خروج «حمس» من هذا التحالف قد يؤثر على حظوظها أكثر في الانتخابات لأن «سلطاني» حاول أن يستغل الوضع (الثورات العربية) والذهاب إلى المعارضة على مقربة من الانتخابات التشريعية. وبشكل عام أتوقع أن يفوز التيار الإسلامي بحوالي ثلاثين إلى خمسة وثلاثين بالمائة من المقاعد. * في المقابل كيف تقرؤون حظوظ التيار الوطني وبالأساس حزب جبهة التحرير الوطني التي تراهن قيادتها على الحفاظ على موقع الريادة في الساحة السياسية؟ ** حظوظ التيار الوطني قد تكون متساوية أو أكثر من حظوظ الاسلاميين. لا أعتقد أن حزب جبهة التحرير الوطني سيحافظ على موقع الريادة في الساحة السياسية بمعنى أنه سيحصل على الأغلبية البرلمانية، ويعود ذلك إلى الانشقاقات التي حصلت داخل الحزب العتيد ومحاولات أعضاء في اللجنة المركزية سحب الثقة من الأمين العام، وهو ما سيؤثر على حظوظ هذا الحزب في الانتخابات. فهناك الكثير من المناضلين غير راضين على اتجاهات «الأفلان» وتصرفات الأمين العام الحالي. ضف إلى ذلك أن الحزب كان في السلطة وهناك وزراء كثيرون في الجهاز التنفيذي ويديرون قطاعات أقل ما يقال عنها أنها فاشلة. في اعتقادي دخول «عبد الله جاب الله»، بحزبه الجديد وجبهة القوى الاشتراكية وخاصة العدد الهائل من المترشحين الأحرار قد يؤثر على حظوظ جبهة التحرير الوطني، إضافة إلى بعض المناضلين في الحزب العتيد اللذين اختاروا الترشح في قوائم أحزاب أخرى لأنهم تحصلوا على مراتب متقدمة. وبالتالي أعتقد أن التيار الوطني سيحصل على حوالي 40 بالمائة من المقاعد داخل البرلمان. * كلام كثير قيل أيضا عن الإصلاحات المعتمدة في الجزائر منذ خطاب الرئيس بوتفليقة في 15 أفريل 2011. هل توافقون في هذا الشأن الأصوات التي تقول بأن هذه الإصلاحات فشلت رغم ما حصل من انفتاح سياسي في ظرف قياسي؟ ** الرئيس «بوتفليقة» في خطابه يوم 15 أفريل 2011، وعد بإصلاحات سياسية وتمّ على إثر ذلك تشكيل هيئة لتلقي الاقتراحات. ورغم أهمية تلك الخطوة فإنني أرى بأن هذه الإصلاحات أفرغت من محتواها إلى درجة أنها أمست محاولة لعملية تجميلية، ولم ترق إلى المستوى المطلوب. ففي بريطانيا مثلا لم يصل تمثيل المرأة في مجلس العموم الى أكثر من 20 بالمائة رغم وجود تقاليد عريقة هناك. فكيف يعقل أن تكون نسبة تمثيل المرأة في مجتمع محافظ – الجزائر ليست بعض الأحياء الراقية من الجزائر العاصمة وبعض كبريات المدن الجزائرية- مثل الجزائر. زيادة على أن هذه الإصلاحات لم تشمل النظام السياسي في الجزائر إن كان برلمانيا، رئاسيا، مرحلة انتقالية...الخ. بمعنى آخر هذه الإصلاحات لم تضع خارطة الطريق التي يجب أن تتبع. * بناء على متابعتكم المستمرة للوضع السياسي في البلاد هل نحن متجهون نحو برلمان أكثر مصداقية من شأنه أن يساهم في إنجاح التعديل الدستوري المرتقب؟ ** من المبكر الفصل في قضية مصداقية البرلمان. أعتقد أن هذه المصداقية تعتمد على نقطتين هامتين هما مصداقية الانتخابات وكذا نسبة المشاركة. وكما ذكرت سابقا فإن الجزائريين يرون بأن أعضاء البرلمان ليسوا نوابا للشعب وإنما يسعون وراء العضوية لخدمة مصالحهم الشخصية، وبالطبع فإن هذه المعطيات تؤثر على مصداقية البرلمان. * هناك بعض الأطراف في السلطة تتخوّف من اعتماد النظام البرلماني في الدستور الجديد، إلى ماذا يرجع ذلك وفق تحليلكم؟ ** إذا نظرنا إلى الدول التي عرفت تحوّلا ديمقراطيا في العالم منذ منتصف السبعينات في أوروبا الجنوبية فإننا نلاحظ أن أغلب هذه الدول اتبعت النظام البرلماني. ولذلك أعتقد أن النظام البرلماني هو الأنسب بما يعني أن الحكومة ستنبثق من البرلمان وستكون مسؤولة أمامه، وإذا فقدت هذه الحكومة ثقة البرلمان فإنها ستسقط. هذا النظام سوف يعطي نفسا جديد، للأحزاب السياسية في الجزائر وسوف يؤدي على غربلة لهذه الأحزاب والمجهرية منها سوف تنقرض. كما يؤدي هذا النظام في اعتقادي إلى تعزيز الثقة بين الشعب وممثليهم وتعطي للبرلمان مصداقية أكثر. أما تخوف بعض الأطراف السياسية من هذا النظام فمصدره الخوف من بروز حزب قوي كما حصل في بداية التسعينات- على الأغلبية المطلقة في البرلمان وبالتالي سوف يقوم ببعض الإجراءات التي قد تقلق بعض الأطراف. لكن الأمور تغيرت الآن لأن النظام البرلماني لا يخيف الآن مثلما كان يخيف في الماضي. * ما هي الجوانب التي ترونها أساسية في التعديل الدستوري الذي تقبله عليه الجزائر في الأشهر القليلة المقبلة؟ ** أظن أن هنالك نقطتان رئيستان يجب أن يُركز عليها الدستور الجديد: أما الأولى فهي اعتماد نظام برلماني إضافة إلى المزايا التي ذكرتها آنفا: في رأيي هذا سوف يقضي على مشكلة العهدة الرئاسية والرئيس يكون له دور شرفي وأمور تسيير شؤون البلاد ستكون بين الوزير الأول الذي سيكون رئيس إما الحزب الذي سيفوز بالأغلبية في البرلمان أو الحزب الذي يستطيع أن يؤسس ائتلاف مع مجموعة من الاحزاب. أما النقطة الثانية فهي اعتماد غرفة واحدة في البرلمان. مجلس الأمة وجد لظروف معينة ولكن في ظل الإصلاحات المقبلة، غرفة واحدة منتخبة فقط.