سطرت وزارة المالية خارطة طريق إعداد المشروع التمهيدي لقانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2018، وسط تنامي حالة الترقب لملامح حكومة ما بعد التشريعيات، والتي ستكون ملزمة بالممنوع والمسموح الذي سيشكل أرضية قانون المالية وميزانية الدولة للسنة القادمة التي لن تتجاوز سقف 6800 مليار دينار أي قرابة 68 مليار دولار بجناحيها في التسيير والتجهيز معا، في وقت منع وزير المالية إقرار أي زيادات في إطار الترقية القانونية للمستخدمين سوى عند 1.5 بالمائة، كما منع التعويض في المناصب الشاغرة سوى عند منصب واحد من مجموع 5 مناصب. أبرق وزير المالية حاجي بابا عمي، مراسلة إلى الآمرين بالصرف لميزانية الدولة لسنة 2018، مشيرا إلى أن المذكرة تتضمن الإرشادات المتعلقة بالعناصر الأساسية التي ينبغي أن تؤطر عملية تحضير مشاريع الميزانية للفترة الممتدة ما بين سنتي 2018 -2020، ولم تخرج التوجيهات عن سياق التدابير التي قررتها السلطات العمومية في مجال تعزيز التوازنات الداخلية والخارجية والتحكم في النفقات العمومية وترشيدها، ويبدو جليا من توجيهات وزير المالية أن سياسة شد الحزام ستأخذ منحى أكثر جدية. ففي الشق المتعلق بميزانية التسيير، الذي يضم أهم النفقات ويتعلق الأمر بنفقات المستخدمين ألزم وزير المالية الآمرين بالصرف بضرورة التحكم في التوظيف، حيث ألح في مراسلته على تجنب كل اقتراح لإنشاء مناصب مالية جديدة، باستثناء تلك المقررة بصفة استثنائية من طرف السلطات العمومية، مع إعطاء الأولوية، كلما سمحت الفرصة لإعادة توزيع المناصب المالية الموجودة داخل وما بين القطاعات، وذلك لتفادي اللجوء إلى إقرار مناصب مالية جديدة. وأمر وزير المالية بتفادي التوظيف والقيام بتعويض منصب واحد فقط من كل خمسة مناصب أصبحت شاغرة بما في ذلك المناصب الناتجة عن الإحالات على التقاعد، وضمن هذا السياق دعا وزير المالية الآمرين بالصرف إلى إرفاق تقديراتهم بقائمة المناصب الشاغرة نتيجة التقاعد، الاستقالة، الإقالة والوفاة. ويجب إلزاميا حسب المراسلة رقم 605/2017، التكفل بمنتوج التكوين حتى 31 ديسمبر 2017 والترقيات القانونية، عن طريق المناصب الشاغرة، يجب أن يقرر حجم دفعات تكوين الأعوان تبعا لذلك مع جعل الزيادة الناتجة عن الترقية القانونية للمستخدمين في حدود 1.5 بالمائة فقط، الأمر الذي سيرجئ التدرج المهني للعديد، خاصة أن المراسلة جعلت إدراج الأثر المالي المحتمل الناجم عن التوسيع، لسنة كاملة، لعمليات التوظيف المنجزة خلال 2017 وكذا التقديرات للسنتين المواليتين. أما الخدمات ذات الطابع العائلي والضمان الاجتماع، ستكون الاعتمادات ذات الصلة محل تعديلات بما يتلاءم مع تطورات العناوين المذكورة. مذكرة وزارة المالية التي تخص مجال التوظيف للسنة القادمة، تأتي في أعقاب الإجراءات الإدارية التي أقرتها الحكومة بداية جانفي الماضي، الهادفة إلى تقليص كتلة أجور قطاع الوظيف العمومي، وتوفير 6 آلاف مليار سنتيم، وذلك من خلال تسوية ملفات 11 ألف مستخدم بلغ سن التقاعد من دون استخلاف، الأمر الذي سيتحمله الصندوق الوطني للتقاعد، موازاة مع اللجوء إلى تجميد التكوين في عدد من القطاعات باستثناء قطاعي الصحة والعدالة، في خطوة لتخفيض المصاريف. الغلاف المالي المخصص لتغطية كتلة أجور مستخدمي مختلف أسلاك الوظيف العمومي تراجع بعد أن خفض ب60 مليار دينار أي 6 آلاف مليار سنتيم، وسيبقى عند نفس السقف السنة القادمة حسب مذكرة حاجي بابا عمي، ومعلوم أنه رغم أن الغلاف المالي المخصص لتغطية كتلة أجور قطاع الوظيف العمومي الذي تجاوز تعداد المنتسبين إليه ملونين و600 ألف مستخدم، تمثل حصة الأسد ضمن ميزانية التسيير بنسبة قاربت 48 بالمائة، إلا أن تصريحات ممثلي الحكومة يتقدمهم الوزير الأول حول حالة التشبع التي يعرفها قطاع الوظيف العمومي بدأت تترجم على أرض الواقع هذه السنة وستتواصل بنفس الريتم السنة القادمة. فبعد أن عرفت مشاريع قوانين المالية للسنوات الماضية المتعاقبة اعتماد مناصب مالية تجاوزت في بعض السنوات نصف المليون منصب شغل خاصة في قطاعات الداخلية والصحة التربية وغيرها، قررت الحكومة هذه المرة التقشف في مناصب العمل بما فيها الشاغرة نتيجة الاستقالة أو الإقالة أو التقاعد أو حتى الموت وجعلت الاستخلاف عند منصب واحد من خمسة مناصب محررة. وإن كانت الحكومة قد لجأت في وقت سابق إلى تجميد برامج التكوين التي كانت تستهلك أغلفة مالية ضخمة وبالعملة الصعبة أحيانا في عدد من القطاعات، واستثنت قطاعي العدل والصحة من منطلق قناعة الجهاز التنفيذي بأن القطاعين يشهدان إصلاحات كبرى خاصة قطاع العدالة، فقطاع المالية أشار هذه المرة أن كل نفقات قابلة للتخفيض ستخفض، واستثنت صراحة 3 مستويات من الإنفاق هي نفقات المستخدمين، والتعويضات، التحويلات لفائدة العائلات، أما المستوى الثاني فهو مستوى مشاريع الاستثمارات ذات الأولوية الملحة، وثالث مستوى ما تعلق بالنفقات التي تضمن المحافظة على مصالح الدولة والخدمة العمومية.