لم يمر عرض فيلم رشيد بوشارب "الخارجون عن القانون" في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان كان مرور الكرام، إذ شكل الفيلم وأحداثه وتصريحات نجومه افتتاحيات أغلب الصحف الفرنسية الصادرة أمس، على اختلاف خطوطها وتوجهاتها ومواقفها الأيديلوجية، حيث انقسمت الصحف الصادرة أمس، في نظرتها وطريقة تعاملها مع العمل طبقا لخطوطها و توجهاتها. إلى حد بعيد نجح رشيد بوشارب في إعادة بعث النقاش في فرنسا حول التاريخ والذاكرة والماضي الاستعماري في الجزائر، حيث توقفت صحيفة "لوموند" تحت عنوان بارز "3 إخوة وكفاحهم من أجل جزائر مستقلة" عند أحداث الفيلم، فقالت إنه "طبع العقول" مذكرة بمرور رشيد بوشارب من "كان" بفيلم الأهالي، الذي حاز جائزة أحسن دور رجالي، وكانت لوموند التي لم تعلن عن موقفها من الفيلم صراحة لكونها جريدة محسوبة على النخبة المثقفة، قد خصصت تغطية مكثفة للمهرجان والفيلم الذي تناولته قبل وبعد عرضه في أكثر من مقال صحفي، حيث كتبت في إحدى المقالات "الخارجون عن القانون عودة حرب الذاكرة"، و في ذات المقال عادت الصحفية إلى النقاش الذي أثاره الفيلم حتى قبل عرضه. و في صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" طبعت ابتسامة شافية بوذراع الصفحة الأولى للجريدة، وقالت الصحيفة إن "مخرج الفيلم الذي كان موضوع حملة شرسة يطالب ب" نقاش هادئ"، مسترسلة في عرض تفاصيل العمل الذي قالت بشأنه إنه فرض نفسه كلوحة خيالية". و أكدت أن المخرج يملك من الشجاعة والجرأة، ما جعله يتحدث عن شيء كان لحد الآن مخبأ اليد الحمراء أو حاملي الحقائب .."، و أقرت الصحيفة "أن بوشارب قدم قيما سياسية، لكنها مغلفة بالأبعاد الإنسانية، بوشارب وقع فيلما سياسيا بدرجة كبيرة دون أن يقر ذلك بنفسه، إذ تصرف من خلال نظرة "أب يريد أن يروي تاريخه لأبنائه". صحيفة "لوبارزيان" ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما راهنت على حظوظ الفيلم في افتكاك إحدى جوائز المهرجان في سهرة الاختتام هذا الأحد، وقالت إن بوشارب يملك رصيدا معرفيا لا جدال فيه ومن غير المعقول أن يغادر المهرجان خالي الوفاض". يومية "لومانيتي" المحسوبة على الشيوعيين وصفت العمل ب"الفيلم السياسي الكبير" الذي "استعاد كفاح الجزائريين من أجل استقلال بلادهم"، و قالت إنه عمل كبير مخلد للذاكرة وعمل جميل فلماذا يثير القلق؟" وفي سياق تطرقها للأحداث التي رافقت العرض أوردت الصحيفة أن "عددا من نواب الاتحاد من أجل حركة شعبية قد تظاهروا مرددين عبارات معادية للأجانب. وتساءلت الجريدة "إلى متى يستمر حرق الكتب التي لا تمجد الاستعمار"، وقالت إن الذين هاجموا الفيلم بمهرجان كان "يريدون إنكار التاريخ وتاريخنا بشكل خاص، وإخفاء التاريخ لن يمحو الجرائم مثل تلك التي اقترفت في سطيف في ماي 1945 أو 17 أكتوبر 1961 باسم الجمهورية". وفي مقال وقعه لورون جون فران بجريدة "لبيراسون" المحسوبة على اليسار الفرنسي توقف الكاتب المتخصص في السينما في مقال عنونه ب "جزائر بابا" قال فيه "الفيلم عمل خيالي لا ينتظر منه أن يطبق الصرامة الأكاديمية للمؤرخين"، وتساءل الكاتب فيما إذا كان الفيلم فعلا موجها، وأجاب على سؤاله بالنفي قائلا: "العمل لم يمجد الآفلان ولم يتجاهل دور الفرنسيين الذين ساندوا الثورة، وتساءل صاحب المقال: "هل السر وراء هذه الحملة غير المبررة للهجوم على الفيلم إلا إذا كان الهدف أمر آخر هو تمجيد الاستعمار..؟"، واعترف صاحب المقال "صراحة أن الاستعمار الفرنسي للجزائر لم يكن له مبرر، وأن القتل كان يتم بوحشية، لذا فمن غير المعقول أن تبقى الجزائر "جزائر بابا". أما جريدة "لوفيغارو" المحسوبة على اليمين الفرنسي، فقد تبنت الحملة التي قادتها الأقدام السوداء و قدماء المحاربين ضد العمل وعلقت على الفيلم بعنوان"الخارجون عن القانون فيلم موجه"، و في مقال آخر احتجت الصحيفة قائلة "كيف يمكن لفيلم صنف ضد فرنسا أن تموله فرنسا، إذ ومن بين 20 مليون أورو، مولت فرنسا 59 في المائة من ميزانية الفيلم ولم تمول الجزائر إلا 21 في المائة"، وتساءلت الصحيفة تحت عنوان "ساعة الحقائق لبوشارب و خروجه عن القانون"، هل يمكن أن نقبل منطقيا أن فرنسا تمول فيلما مصنفا ضد فرنسا ". أما جريدة "لبيراسيون" فقد نشرت حوارا لرشيد بوشارب أبرزت فيه استياءه من الحملة التي رافقت الفيلم، و تساءلت: "كيف يمكن أن ننساق وراء حملة ضد شيء لم نشاهده". ونفى رشيد بوشارب أن يكون مناهضا لفرنسا وأن يكون للفيلم أي عداء ضد فرنسا، يؤكد أنه "حان الوقت لإعادة فتح النقاش حول الماضي الاستعماري لأن الجزائر لم تكن نعيما بالنسبة للأهالي". زيادة على الصحف الفرنسية الكبيرة كان حدث عرض الفيلم موجودا في أغلب المجلات والمواقع، التي نسبته في بعضها لفرنسا مثلما جاء في صفحة السينما لموقع "الياهو" الذي نسب الفيلم لفرنسا تحت عنوان "الخارجون عن القانون ضجة مبررة". الصحافة العربية بدورها خصصت تغطية كبيرة للعمل ونجومه، حيث كتبت الشرق الأوسط مشبهة العمل بفيلم "العراب" لفرانسيس فوردكبولا، وخصص المقال الذي تضمن صورة ملونة للممثلة الكبيرة شافية بوذراع ب "الكاراكو" العاصمي لمقاربة الفيلم الذي قالت الصحيفة "إنه يذكرنا بغانفستر، حيث نتذكر عنف سيرجيو ليونيفي، حدث ذات مرة في أمريكا". أما وكالة "الشام برس" السورية، فتناولت العمل من منطلق كونه الممثل العربي الوحيد في مهرجان كان. من جهتها صحيفة الحياة ومواقع مثل إيلاف والعربية وميدل أست ومواقع عربية عديدة كلها، لتقف عند الحملة التي شنها اليمين المتطرف الفرنسي ضد الفيلم العربي الوحيد في كان.