"خلونا نرقدوا ..هربنا من الدار .. حتى هنا لم نجد الراحة، البارح بايت قاعد" قالها أحد الصائمين الهاربين إلى غابة بوشاوي بالعاصمة، أين كانت الساعة تشير إلى الثانية زوالا من يوم الخميس الماضي، وهو واحد من ضمن عشرات الجزائريين الذين لجؤوا إلى هذا المكان الهادئ وإلى ظل الأشجار، لتعويض ساعات نوم ضاعت منه في الليل. من خلال جولة استطلاعية قادت الشروق نهاية الأسبوع الماضي، إلى غابة بوشاوي، وإلى أماكن قريبة من البحر، كمنتزه الصابلات بحسين داي، وإلى بعض المساجد، تبين أنها تستقطب أشخاصا ليقيلوا فيها، وأن الكثير منهم جاؤوا لقضاء الوقت في انتظار آذان الإفطار، لكنهم غاصوا في نوم عميق. البداية كانت من غابة بوشاوي، أين وقفنا على مشاهد لأجسام بشرية ملقاة تحت الأشجار، وفي أماكن الظل، في الوقت الذي كان آخرون يمارسون الرياضة بالركض. أحد المترددين على غابة بوشاوي، لقضاء وقته، حيث ينهي يوم الخميس عمله على الواحدة زوالا، ونظرا لأنه يقطن غير بعيد عن الغابة، جعل منها مكانا مفضلا للقيلولة، قال إنه يعاني خلال شهر رمضان من اضطراب في النوم، فبعد أن يصلي التراويح ينام لساعة فقط، وينهض بعدها للسحور، حيث يبقى ساهرا لغاية صلاة الفجر. وعن سبب عدم تفضيله المنزل للنوم، قال إنه لا يستطيع أن يفرض على أولاده عدم اللعب، مضيفا أنه يستأنس بأصدقائه لتمضية الوقت في الغابة والنوم لساعات في جو رومانسي هادئ. وفي الصابلات بحسين داي، نام حتى بين صخور الشاطئ، شباب وكهول، حيث ترك بعضهم أرجلهم يلمسها ماء البحر وغرقوا في سبات عميق، قال أحد الحراس في هذا المنتزه إن المكان أصبح خلال رمضان الجاري، أشبه بمرقد في الهواء الطلق، وإن المساحات الخضراء والتي تتوفر فيها أماكن للظل، لتواجد بعض الأكشاك والمظلات، والحواجز، استحسن البعض قضاء القيلولة فيها. وأشار إلى أن الكثير من هؤلاء ينسون أنفسهم وهم نائمون، حيث يؤذن عليهم المغرب، نظرا لأنهم باتوا سهارى، وهم في الغالب متقدمين في السن أو شباب بطال. المساجد، وحسب ما حدثنا به بعض المصلين في حسين داي، الذين خرجوا من صلاة العصر، أكدوا لنا أن بعضهم يبقون لقراءة القرآن بين الظهر والعصر أو بين العصر والمغرب، ويغرقون في نوم عميق على زرابي المسجد، وفي زواياه. النوم ظاهرة تحتل مساحات عمومية كالحدائق ومحطات السفر وأماكن خارج المنازل خلال شهر رمضان، فبعد أن كان مقتصرا على المتشردين، صار حتى أصحاب المساكن والذين يملكون سكنات فاخرة، ينامون بطريقة إرادية أو غير إرادية في الشارع، ولأنهم يعانون اضطرابا في النوم ليلا، أو أنهم باتوا سهارى، فباتت أجسادهم تتمايل وتلقي بنفسها في أي مكان خارج المنزل.
قلة النوم ليلا في رمضان يؤدي لاضطرابات هرمونية حذرت الدكتورة العطافي حفيظة، رئيسة جمعية طب النوم في الجزائر، من ظاهرة تحويل ليل رمضان إلى نهار، حيث أكدت أن جسم الإنسان يحتاج للنوم 8 ساعات يفرز فيها هرمونات خاصة، واضطرابها يؤدي لظهور خلل هرموني يفتح باب الإصابة بأمراض مختلفة، كما أنه يزيد من الضغط الدموي والإصابة بالسكري.
ونصحت بالنوم مباشرة بعد صلاة التراويح أي في منصف الليل لغاية السحور وبعدها لغاية الصبح، كما أكدت أن ساعة القيلولة ضرورية خاصة بالنسبة للذين يعانون من اضطرابات في النوم ليلا، وهي ساعة إلا ربع بعد الظهيرة، وتشير إلى أن النوم نهارا في الشارع والأماكن العمومية، لا يعوض النوم الطبيعي ليلا، لأنها أماكن لا تخلو من الضجيج وأشعة الشمس.