في الظاهر، يبدو مسلسل تدهور العلاقات السعودية القطرية، طويلا جدا، فيه الكثير من الحلقات، ذات أبعاد دينية وسياسية وحتى ثقافية، مثل خرجات يوسف القرضاوي، الذي انتقد المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، بسبب ما منحاه من مال لنظام عبد الفتاح السيسي في مصر، وقمة الرياض التي شارك فيها ما لا يقل عن خمسين زعيم دولة عربية وإسلامية، وغابت قطر أو غُيّبت عنها، ودخول إيران دائرة الصراع، من خلال تقاربها مع قطر. لكن في الحقيقة أن الجانب الإعلامي لعب دورا كبيرا في التأثير على علاقات، كان أشد المتشائمين في الخليج العربي، لا يتصوّر أن تصل إلى هذا الحد. تميزت قطر منذ عقدين بقوتها الإعلامية، وصارت الجزيرة واحدة من أكبر وسائل الإعلام في العالم، وهي ظاهرة قائمة بذاتها، ولّدت قنوات أخرى مثل بي.إين.سبورت، التي قيّدت عشاق لعبة كرة القدم، من خلال تمكّنها من السيطرة على المشهد الكروي العالمي، وكل السعوديبن والمصريبن والبحرينيبنوالإماراتيبن، الذين تمتعوا بنهائي رابطة أبطال أوربا بين ريال مدريد وجوفنتوس، سهرة السبت، إنما عبر هذه القنوات التابعة لقطر، كما حققت وكالة قنا والجرائد القطرية ومنها الوطن والراية والعرب نجاحات مهمة وبدت مؤثرة أكثر مما هو موجود في الساحة، في الوقت الذي تراجع الإعلام الخليجي وحتى المصري، وترك المجال للجزيرة، التي لعبت دورا لا ينفيه حتى المصريون، في إسقاط نظام حسني مبارك، وبدأت القناة تجهّز لمزيد من العمليات، وهو ما أثار المصريين المدعومين سياسيا وماليا من الإمارات العربية المتحدة والكويت والعربية السعودية، وبقي موقف قطر من الإخوان المسلمين، هو القطرة التي أفاضت كل هذه الكؤوس، التي أغرقت الخليج العربي في فيضانات الخلافات، إلى أن صدمت البحرينوالإمارات ومصر والسعودية العالم، بقطعها العلاقات مع قطر مما أدهش حتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يرى في وحدة دول الخليج العربي، وحدة في موقفها اتجاه القضايا التي تهمه في منطقة الخليج العربي، والتي تتعلق بسوريا وإيران والكيان الصهيوني. ظلت الجزيرة التي صار منهاجها يدرّس في الكثير من الكليات الإعلامية، في العالم، ومنها مركز التكوين الإعلامي والصحفي في باريس، تريد المحافظة على احترافيتها من خلال قول "الحقيقة"، وظلت هذه "الحقيقة" تزعج مصر والجيران، وسط جوّ إعلامي في مختلف البلاد العربية يميل حيث يميل الرئيس أو السلطان، وبلغ تأثير الجزيرة على الجيران حدا أن تمت قرصنة حساب المدير العام لقناة الجزيرة القطرية ياسر أبو هلالة، واعترف القراصنة الذين سمّوا أنفسهم درع المملكة، بأنهم يردون على أمير قطر، الذي استفز حسبهم المملكة العربية السعودية، كما ظهر رسم كاريكاتيري عادي لخادم الحرمين، في جريدة الوطن القطرية، اعتبره الجانب السعودي تجاوزا وإساءة لشخص الملك سلمان بن عبد العزيز. وكانت أولى الشروط التي أطلقها السعوديون، منذ قضية تهجم القرضاوي على النظام السعودي، هو تقليم أظافر قنوات الجزيرة، إلى درجة حرمان الشيخ يوسف القرضاوي من المشاركة في حصة الشريعة والحياة التي تبثها الجزيرة، ونجح الخليجيون في إسكات الجزيرة التي حافظت على عدائها مع نظام عبد الفتاح السيسي فقط، ويكمن الخلل في فشل دول الخليج إعلاميا ولم تتمكن مصر من الردّ الإعلامي القوي على الجزيرة، وكل القنوات العمومية والخاصة في مصر اكتفت بتلميع صور النظام المصري والأنظمة التي تدعمه، بطريقة لا احترافية فيها، فجاء تأثير الإعلام القطري مؤذيا.