يحتدم الصّراع في مصر، وتبلغ الأحداث ذروتها، في سابقة وصل الإعلام فيها لأن يكون سيد القرار وصاحب الموقف والكلمة الأخيرة، فتعلو الصيحات المؤيدة من هنا، والمناوئة من هناك، ويتراجم الصحفيين بالأحداث. وسط عج بالأبواق وبمزامير الشيطان، كما يحبذ البعض وصفها، وهذا ما ذهب إليه الإعلاميون الذين تقربت منهم "البلاد"، ورصدت آراءهم حول تأثير الأزمة المصرية على الأداء الإعلامي بالساحة، والعكس، وما مدى المصداقية التي تتخلى بها القنوات الإعلامية. وأجمع الإعلاميون الذين تحدثنا إليهم حول مسألة تدني الأداء الإعلامي وتواطؤ العديد من القنوات الفضائية مع جهات معينة على حساب أخرى في ظل اختلاط أوراق الراهن السياسي بمصر. الإعلام المصري مأجور والصحافة الخليجية مخابراتية يرى الإعلامي بقناة "القدس" إبراهيم لبد فايز أن الإعلام العربي بشكل عام يعيش حالة هبوط لا مثيل لها ذلك من خلال الانحياز الواضح لطرف على حساب الآخر والبعد عن الحيادية "التي يدعيها الإعلاميون العرب عبر وسائلهم المختلفة؛ فعلى سبيل المثال نرى الإعلام المصري الذي يدار من خلال رجال الأعمال وأموالهم ويتعامل مع الإعلاميين المصريين على أساس أنهم عرائس متحركة بيد من يمتلك المال أو لمن يدفع أكثر. وقال محدثنا هنا إن "القنوات التي تتبع دول الخليج صممت من أجل مهام مخابراتية محددة فكل قناة مطلوب منها تنفيذ مهمة بعينها.. كما خرجت علينا مؤخرا القنوات الإعلامية التي تروج للفكر الإيراني وهي قنوات لا تسعى إلا إلى تجميل الصورة الإيرانية وحلفائها على حساب الأمة العربية وشعوبها الداعية إلى التحرر. ويعتقد إبراهيم أن الإعلام كان عاملا مهما فيما يعيشه العالم العربي الآن من حراك غير مسبوق، ومن غموض في مصدر هذا الحراك. ويرى أيضا أنه على الإعلاميين العرب مراجعة أوراقهم، وضمائرهم، وإعلاء مصلحة الأمة على المصالح الشخصية، خاصة بعد ما شهدته الساحة الإعلامية العربية والعالمية من غليان ودخول في الأحداث إلى حد الاندماج فيها بل أصبحت جزء لا يتجزأ منها. - "الجزيرة" و"العربية" لن يخرجا من الأزمة المصرية كما دخلاها يعتبر الصحفي بجريدة "المصري اليوم" تامر أبو عرب في حديث ل"البلاد" أن الأزمة الحالية في مصر قضت على مهنية قنوات عربية مهمة كنا نعتبرها مصادر أساسية في الحصول على الأخبار مثل "الجزيرة" و"العربية"، مضيفا "ولا أعتقد أنهما سيخرجان من هذه الأزمة كما دخلاها. وتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن هاتين القناتين تحديدا مملوكتان لدولتيهما "قطر والسعودية"، وتعبر عن سياساتهما وتوجهاتهما وتعادي خصومهما وتروج حلفاءهما ولا تقدمان إعلاما مهنيا بل إعلاما موجها مضللا أشبه بما كان يحدث في مصر في الأيام الأولى من نكسة 1967. ويواصل المتحدث "ففي الوقت الذي تقف الجزيرة بكل قوة إلى جانب معتصمي رابعة العدوية المؤيدين للرئيس المعزول، تهاجمهم العربية طول الوقت هم والفصيل الذي ينتمون إليه، أي الإخوان المسلمون، وبينما تسمي الجزيرة ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري الدموي تعتبره العربية ثورة شعبية عظيمة". ويجد أبو عرب أن بين هذا وذاك تضيع المصداقية ولا يثق المتابع لأي خبر يرد على القناتين. "والغريب حقا أن القناتين اللتين تجران مصر إلى طريق الخراب تحت دعاوى الديمقراطية، وهي دعاوى تريد بها القناتان باطلا، تغمضان الطرف عن كل أزمات حقوق الإنسان السائدة في السعودية والإمارات فضلا عن غياب الديمقراطية وسيادة حكم العائلات وإقصاء جميع مكونات الشعبين السعودي والإماراتي عن المشاركة في صنع القرار لمجرد عدم انتمائهم لأسرة معينة". ويرى الصحفي بجريدة "المصري اليوم" أن هذه الأزمة الكاشفة يجب أن تدفع العقل العربي إلى البحث في نمط الملكية الخاص بالقنوات، وخصوصا الإخبارية منها، "بحيث لا تكون القنوات تابعة لدول أو لرجال أعمال أو كيانات اقتصادية، حتى لا تكون بوقا باسمها ودرعا يدافع عن مصالحا وتكتفي بدورها الأصيل كناقل للخبر دون تلوينه بأي لون سياسي أو ديني." -"الجزيرة" أثبتت عقمها المهني والإعلام المصري نزيه يرى محمود خير الله، وهو نائب رئيس تحرير مجلة "الإذاعة والتلفزيون" المصريين، أن تغطية قناة "الجزيرة" تعتبر واحدة من "علامات الضعف المهني والانحياز الأجوف والسافر والسافل لتيار الإسلام السياسي، فبينما تستضيف ضيوفا مصريين للأسف ليقولوا عن تظاهرات 30 يونيو إنها مفبركة وإن الملايين في ميدان التحرير هم حثالة وزبالة، وهو ما جاء على لسان أحد الدعاة، فإنها تعتبر تغطية أحداث 50 ألفا في ميدان رابعة المناصر لمرسي أهم من تغطية أحداث 29 مليونا في جميع الميادين المناهضة لحكم الإخوان المسلمين وعلى رأسها ميدان التحرير، وهذا الضبط أصل المشكلة، فالجزيرة تعتبر نفسها قناة إخوانية بسبب ما يعتقد أنها أموال طائلة دفعتها دولة قطر للجماعة في مصر خلال الانتخابات الرئاسية المصرية العام الماضي." أما قناة "العربية" وقنوات أخرى كثيرة منها "سكاي نيوز" و"البي بي سي"؛ وغيرها فيراها المتحدث أنها لا تتمتع بأي قدر من الانحياز ضد الثورة، وإن كانت تتضمن وجهات نظر قد لا تكون مطابقة للواقع المصري والإرادة الجماعية؛ لكنها ليست قنوات معادية للملايين التي تمثل القطاع الأهم في الشارع على حد تعبيره. كما أكد محمود خير الله أن الجماهير أصبحت واعية لما يحصل من فساد إعلامي على الساحة ومن الإعلام الذي وصفه بالنزيه، مشيرا إلى أن "التغطية الإعلامية باتت أمرا غير مؤثر في الحراك الجماهيري لأن القنوات الخاصة المصرية تقوم بدور عظيم لحماية الثورة، ولأن الإعلام الخاص، والفيسبوك وتويتر يصنع الكثير من الحقائق التي يرغب المواطن في رؤيتها وباتت القنوات التي تكذب علينا مثل الجزيرة هي التي تخسر لا الثورة المصرية." أسطورة حياد الإعلام تحطمت على صخرة الأزمة المصرية يرى الإعلامي محمد الخولي، وهو صحفي بجريدتي "الأخبار" اللبنانية و"التحرير" المصرية، أن أسطورة حياد الإعلام تحطمت على صخرة الأحداث المصرية، كما تحطمت على تلك الصخرة مصداقية العديد من وسائل الإعلام في قطاعات كبيرة لدى المشاهد المصري على وجه الخصوص. ويعتقد أن الرسالة الإعلامية التي تقدمها وسائل الإعلام العربية عن الداخل المصري لم تتميز أبدا بالحيادية رغم الشعارات التي ترفعها تلك الفضائيات، التي يبدو أنها للاستهلاك الإعلاني فقط. فيقول "أبحث عن الجهة التي تقف وراء الفضائية تعرف إلى جانب أي فصيل تقف"، ويرى أن قناتي "الجزيرة" القطرية و"العربية" السعودية مثال لتوضيح حقيقة حيادية وسائل الإعلام في الأحداث المصرية الأخيرة في إشارة منه إلى عدم مصداقية كلتا القناتين. ويضيف المتحدث "30 يونيو كان يوما فارقا في تاريخ مصر الثورة، اليوم نفسه كان فارقا بالنسبة للجزيرة والعربية، الأخيرة منذ البداية وهي تتخذ موقفا رافضا لجماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي كانت داعمة بقوة لمظاهرات 30 يونيو وترى أنها ستكون ثورة تزيح الإخوان من الحكم، وعليه ألتف حولها غالبية الشعب المصري الرافضة للإخوان، بينما كانت الجزيرة التي كانت قناة الثورة في 2011 تفقد بريقها وتخسر جمهورها، بعدما تحولت إلى قناة للإخوان، خاصة الجزيرة مباشر مصر، التي تعرض مقرها لأكثر من مرة لهجوم من قبل متظاهرين يرفضون موقفها الداعم للإخوان". ويواصل "واستمر موقف الجزيرة داعما لموقف الإخوان حتى بعد عزل محمد مرسي من منصبه كرئيس للجمهورية، وتحولت القناة إلى راع رسمي لجماعة الإخوان، تمنح مساحة كبيرة من وقتها لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وبدا أن الجزيرة تصر على اتخاذ موقف السلطة فجاء قرار عدد من مذيعيها للاستقالة ومن بينهم كارم محمود الذي قال عن أسباب استقالته إن الجزيرة لم تكن حيادية أو موضوعية لسبب أو لآخر وأنه بعد أحداث 30 يونيو لاحظت أن هناك شيء يمس هذه المهنية ولا استطيع أن أقبله على تاريخي المهني لذلك فضلت الابتعاد". أما قناة "العربية" في نظر محمد الخولي، فهي لم تكن يوما مع الثورة بل كانت ضد الإخوان فقط، كما كانت ضد ثورة يناير 2011 ومع نظام مبارك، وهي اليوم مع العسكر وتدفع في اتجاه أن الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع "بطل شعبي" وعبد الناصر هذا العصر يقول المتحدث. - السعودية مرعوبة من فكرة تحول مصر إلى "إمارة إخوانية" يرى الإعلامي الجزائري محمد دامو أن ما حدث ويحدث في مصر، لا بدَ أن ينطوي على العديد من التداعيات على مجمل الفسيفساء السياسية القائمة في أرجاء العالم العربي، وعلى هذا فإن تناول الإعلاميين العرب لهذا الحدث الجلل، لا يمكن أن ينفصل عن التطلعات الشخصية لكل منهم وعن ميوله وارتباطاته السياسية "التي سنفترض أنها متناسقة مع توجهات مؤسسته الإعلامية، بحيث تتوافق مع افتتاحيات هذه المؤسسات. ولعلَ خطورة وجلل ما يحدث في مصر في الوقت الراهن، ينعكس على شكل تضاربات غريبة مريبة تبدو للوهلة الأولى ضربا من اللامعقول، وهذا ما يظهر جليا في التضارب القائم بين قناتي الجزيرة والعربية". ويواصل محدثنا "إذا أخذنا بعين الاعتبار التوافق الذي ساد ويسود موقف القناتين من كل جوانب المشهد الذي صنعه ما درجت القناتان على تسميته الربيع العربي، منذ انطلاقته التونسية، وحتى تصاعد تداعيات المأساة القائمة، وتشابك خيوطها، مع الأوضاع الإقليمية والدولية عامة". ويرى محدثنا أن "الجزيرة" و"العربية" تنحازان إلى طرف من طرفي الصراع: الجيش وجمهوره من جهة، والرئيس مرسي، جماعته ومناصريه من الجهة الأخرى، في الجهة الأولى تقف المنظومة الإعلامية السعودية "تتقدمها آلتها الرهيبة قناة العربية، وفي المقابل تقف "الجزيرة"بالمواجهة، على ما تمتلكه من خبرة وتقنية وترسانة علاقات عابرة للدول والحكومات، مضيفا "السعودية مرعوبة من فكرة تحول مصر إلى إمارة إخوانية ولها أسبابها غير الخافية على أحد، فارتأت أنه من الحكمة وحفاظا على مصالحها وعلى سلامة نظامها، دعم ومساندة حركة العسكر، ولو تمخضت العملية قيام حكم ديكتاتوري عسكري غير مضمون الجانب والتوجهات المستقبلية". ويرى دامو أن لقناة "العربية" أسلوب خاص في تغطيتها للحدث المصري. أمَا قطر "التي تخشى أن يؤدي سقوط حلفائها "جماعة الإخوان"، وتداعيات ذلك على بقية دول الربيع العربي، وعلى "الربيع العربي" ذاته، فقد كان طبيعيا أن ترمي عرض الحائط ببعض الأخلاقيات غير المفيدة في مثل هذه الحالات المصيرية، وأن تلجأ إلى كل ترسانتها لتغطية الحدث بالأسلوب الذي يدين عزل الرئيس مرسي، والإجراءات السياسية التالية التي من شأنها ضرب جماعة الإخوان في الصميم، وضياع الجهود القطرية الضخمة التي وظفتها الإمارة الخليجية في إحدى أغرب مسرحيات عالم السياسة المعاصر". وعن بقية الأجهزة الإعلامية العربية، قال محدثنا إنها "سارت بما يخدم هوى النظام القائم في بلادها، أو التزمت الصمت الحذر، في انتظار ما يبدو أنه قدرا مقرر لا راد له أبدا، والمقصود بداية مرحلة جديدة في سيرورة الإسلام السياسي وأحزابه في العالم العربي".