ما قالته المجاهدة و"أيقونة الثورة الجزائرية" جميلة بوحيرد عن رفضها إنتاج فيلم سينمائي يتعلق بمسارها النضالي وحياتها، خطير جدا ومهم، خصوصا عندما تربط هذا الامتناع بمحاولة السلطة تلميع صورتها من خلال السينما الثورية عموما وهي لذلك ترفض المساهمة في هذا التضليل وتدعو الشعب لحمايتها منه! وبغض النظر عن سبب "غضب" المجاهدة جميلة بوحيرد من السلطة وما تردد عن إهمال رسمي تتعرض له، وتجاهل لوضعها الصحي، وملفها الطبي، فإن المسألة تثار من جوانب عدة، أحدها، جدوى ومصداقية الأفلام الثورية التي ترعاها السلطة وتريد من خلالها تلميع وجهها والتأكيد على أولوية كتابة التاريخ عندها. مازلنا حتى الآن وبعد كل هذه السنوات بعد الاستقلال، نقرأ تصريحا لوزير المجاهدين يقول فيه إن السلطة ستخصص ميزانية لإعادة تهيئة مقابر الشهداء داعيا لتسجيل ساعات من أجل كتابة تاريخ هذه المنطقة أو تلك؟! السلطة التي تعجز عن كتابة تاريخها وتهيئة مقابر شهدائها لا تستحق أن تستند على الشرعية الثورية وهذا هو لبّ القضية عند جميلة بوحيرد !! بل إن هذه المجاهدة الكبيرة (التي قدمها سابقا المصري يوسف شاهين في فيلم جميلة مع ماجدة الصباحي) تشكك حتى في الروايات الرسمية لطريقة كتابة فيلم عن حياتها، وفي اسم المخرج الذي يمكن الاستعانة به (تردّد اسم أحمد راشدي)، حيث وصفته بالمخرج "الرسمي" صاحب الرؤية "الرسمية" وكأنها تقول: إن الإبداع في هذا البلد الواسع، والكبير بتاريخه ومبدعيه، لم تقتله سوى الرسميات التي باتت تحتل الثقافة وتغتال الحرية، وتقلل من حجم التفكير! هذه السلطة "الرسمية" عجزت حتى الآن عن تقديم فيلم محترم عن مجاهدة كبيرة أو شهيدة من شهيدات الوطن؟ حتى لو تجاوزنا "غضب" جميلة بوحيرد، ماذا عن بقية المجاهدات والشهيدات؟ لماذا لا نملك حتى الآن، سوى "صورة مصغرة" عن نساء الثورة من خلال فيلم "معركة الجزائر"؟ هل ينكر أحد تحوّل مسلسل "عذراء الجبل" إلى فضيحة "فنية" بفعل الإشراف الناقص عليه وتقديمه لجهات لا تستحق فعلا إنتاجه وتبنيه فنيا! هنالك عنصرية مقيتة من طرف الجهات الرسمية والراعية للإنتاج السينمائي في البلاد، عنصرية تقصي المرأة المجاهدة والشهيدة، حتى في الأفلام الكبيرة التي تم تخصيصها عن شهداء الثورة من أمثال بن بولعيد والعقيد لطفي، لا تحضر المرأة سوى كمرافق، شاهد عابر، قصة منسية، أو تفصيل لا أهمية له!! قد نستثني هنا، والى حد ما، فيلم "بن باديس" الأخير، حين حاول كاتب السيناريو والمخرج أن يقدما المرأة بشكل مختلف، فشاهدنا الأم، والزوجة، والتلميذة، لكن بشكل خجول جدا! من حق جميلة بوحيرد أن تغضب، ومن حقها أن تمنع إنتاج فيلم عن مسارها من طرف سلطة تشكك في نزاهتها، لكن ماذا عن الأجيال الجديدة؟ هذه الأجيال التي باتت تجهل أصلا إن كانت "جميلة" ما تزال على قيد الحياة أو لا؟!