مجددا، هاتف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وكان موضوع المكالمة ذاته وهو الأزمة المالية، ليكون بذلك هذا الاتصال الثاني من نوعه في ظرف نحو شهر. فما الذي تريده باريس من الجزائر بالضبط؟ الرئاسة الجزائرية وفي بيان لها قالت إن الرئيسين ناقشا، خلال الاتصال الهاتفي "سبل تسريع عملية تنفيذ اتفاق الجزائر من أجل السلم والمصالحة الوطنية في شمال مالي الذي كلفت الجزائر بمتابعة تطبيقه بالتعاون مع شركاء دوليين آخرين لمالي من بينهم فرنسا". وجاءت هذه المكالمة قبل تنقل الرئيس الفرنسي إلى مالي (غدا الأحد)، لحضور اجتماع يناقش الوضع الأمني في المنطقة، تماما مثلما كان الحال خلال المكالمة الأولى بين الرئيسين، والتي تزامنت وأول زيارة له كرئيس لفرنسا إلى الخارج قادته إلى باماكو لزيارة جنود بلاده هناك. وعلى غير العادة، لم تصدر الرئاسة الفرنسية بيانا تشرح من خلاله ما دار بين بوتفليقة وماكرون، بل أوكلت المهمة إلى مصدر مأذون، سرب المعلومة إلى وكالة رويترز للأنباء، قبل أن تخرج السلطات الجزائرية لتؤكد هذا التسريب. وعبر المصدر عن رغبة السلطات الفرنسية في أن يجد "اتفاق الجزائر" حول السلم في شمال مالي والموقع في 2015، والمدعوم من قبل الأممالمتحدة، طريقه إلى التجسيد بالكامل، وفق ما نسب للرئاسة الفرنسية، التي اقترحت على الطرف الجزائري اتخاذ "إجراءات ملموسة" بشأن هذه المسألة، لكن من دون أن تكشف عن طبيعتها. ومعلوم أن الجزائر قادت وساطة بين الحكومة المركزية في باماكو والفصائل التي تمردت عليها في الشمال (قبائل الأزواد والعرب)، ونجحت في جمع الفرقاء للتوقيع على اتفاق لوقف الاقتتال في الشمال، غير أن الاشتباكات لم تتوقف، وكثيرا ما أودت بحياة جنود فرنسيين أرسلتهم باريس إلى هناك لمحاربة من تسميهم الجماعات الإرهابية. ويبدو أن السياسة الفرنسية في شمال مالي ومنطقة الساحل قد وصلت إلى طريق مسدود، وهي تحاول اليوم إشراك دول المنطقة في البحث عن مخرج للورطة التي وقعت فيها باريس بسبب قرار هولاند إرسال جنود إلى هناك، وتجلى ذلك من خلال سعيها إلى نشر قوة عسكرية مكونة من آلاف العساكر في منطقة الساحل والصحراء، تشارك فيها خمس دول هي النيجروتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا. وتدرك باريس أن الجزائر غير معنية بقرار من هذا القبيل، بحكم أن دستورها يمنع جنودها من المشاركة في أي عمل عسكري خارج حدودها، فما الذي تريده إذن؟ من بين المشاكل التي يواجهها المشروع الفرنسي في منطقة الساحل، مشكلة التمويل، وقد عبر عن ذلك الرئيس التشادي ادريس ديبي، الذي قال إن تشاد ستضطر إلى الانسحاب من العمليات العسكرية في افريقيا في حال لم تُتّخذ خطوات لمساعدة بلاده ماليا لمواصلة استمرارها في لعب هذا الدور. ومما قاله بهذا الصدد الرئيس التشادي: "لم نتلق دعما ماليا أو اقتصاديا. في حال لم تُتخذ تدابير وإذا استمر الوضع على حاله فستضطر تشاد إلى الانسحاب".. فهل لما صدر عن الرئيس التشادي علاقة بالاتصالات المتكررة للرئيس الفرنسي بنظيره الجزائري؟ وهل ترى باريس أن عدم مشاركة الجيش الجزائري خارج حدود البرلمان يتعين التعويض عنه بمساهمة أخرى؟