يعود معنا أحد موفدي "الشروق اليومي" ضمن أسطول الحرية، قادة بن عمار، للبدايات الأولى التي تم الاستيلاء فيها على السفن التضامنية، والكيفية التي تم بها ذلك، كما يسترجع كل الكواليس المرعبة والقاسية التي عانت منها الوفود المتضامنة.. 1. * إنزال للجيش، هجوم مع صلاة الفجر، كلاب مسعورة، قنابل صوتية وأخرى مسيلة للدموع، ذخيرة حية، وأخرى مطاطية، بصق على الوجه، وضرب بالسلاح على الظهر، من بين ما تعرض له المتضامنون على متن سفن الحرية وكسر الحصار وأثناء الرحلة البحرية إلى بئر السبع وكذا أثناء التحقيق العسكري معهم.. * * الحراسة بالتناوب أثناء الصلاة * كشف الصحفي قادة بن عمار أحد موفدي الشروق ضمن أسطول الحرية، أن الوفد الجزائري كان يقيم الصلاة بالتناوب من أجل حراسة الجناح الذي أوكل لهم، حيث كانت السفينة ''مرمرة'' حسب المتحدث مقسمة لعدة أجنحة، كل جناح يحرسه وفد معين، حيث شاءت الصدف أن يكون مكان الوفد الجزائري بالقرب من الكويتي والبحريني، في حين بقي الأتراك في الجهة الأمامية ''لمرمرة''، مضيفا أن رئيس الوفد الجزائري عبد الرزاق مقري استدعاه قبل ساعة من الهجوم الإسرائيلي على الأسطول، وخيره بين البقاء في القاعة المخصصة للإعلاميين أو المشاركة في الحراسة أثناء تأدية باقي الوفد للصلاة، حيث كان يهم بكتابة آخر التقارير لإرسالها للشروق، عبر الانترنت، ليكتشف أنه وكل الوفود معزولون عن العالم الخارجي، ولم يعودوا باتصال مع أي كان سوى إسرائيل، فطلب من رئيس الوفد السماح له بالحراسة ومشاركة إخوانه الجزائريين قائلا: ''صحيح أنني صحفي جئت لأمثل مؤسسة إعلامية ونقل كل المستجدات الخاصة بالوفود المشاركة، لكنني جزائري، جئت أحمل رسالة من كل شعب المليون ونصف المليون لأبناء غزة الأشقاء وفلسطين، مفادها أننا معكم ولستم وحدكم، لذا سأشارك في كل ما يقوم به الوفد الجزائري''، ولهذا خرج بن عمار للمشاركة في الحراسة وبقي فيها، غير أن أداء واجب الحراسة لم ينس صحفي الشروق مهنته، حيث اصطحب معه آلة التصوير للظفر بصورة في حالة الهجوم الإسرائيلي.. * * نهاية الركعة الثانية من الفجر.. موعدا للهجوم * يذكر جيدا محدثنا اللحظات التي سبقت الهجوم الإسرائيلي الأول على سفن أسطول الحرية، وكيف قضاها رفقة الوفد الجزائري، حيث بعد ما أخذ مكان زميله في العمل والموفد الثاني ليومية الشروق رفقة الأسطول حليم معمري في أداء واجب الحراسة، لكي يمكن هذا الأخير من الصلاة، بقي يحرس رفقة عدد من أعضاء الوفد الجزائري المرافق، وحدث هذا قبل نصف ساعة فقط قبل الهجوم، وأضاف أنه بدأ يرى القوارب تقترب شيئا فشيئا من الأسطول، وكذا أزيز قوي للطائرة العمودية، ''في هذا الوقت بالذات كان الفريق الذي كان يقوم بفريضة صلاة الفجر أثناء الركعة الثانية وبالضبط قبيل التسليم''، يقول محدثنا، وأضاف أنهم بدأوا يسمعون صوت الرصاص والرصاص المطاطي، يقترب ويرتفع صوته، وكذا الإحاطة بالسفينة من كل جانب وحتى المصلين لم يسلموا هم أيضا، حيث تلقوا عددا من الإصابات بالرصاص المطاطي، وهم أثناء قيامهم بالتسليم، كما أكد بن عمار أن الرصاص كان ينزل فوق رؤوس الجميع بما في ذلك المصلين بطريقة عشوائية. * * دماء على السلالم.. قنابل صوتية.. رصاص مطاطي.. * استرجع صحفي الشروق اللحظات العصيبة التي مر بها أثناء مباغتة الجنود الإسرائيلية للأسطول وخاصة للسفينة التي كانت تحمل المتضامنين.. هجوم ب02 زورقا حربيا، عشرات القوارب، كل قارب ب01 جنود، هي من بين الذكريات التي لن ينساها المتحدث، مضيفا أن الجهة التي كان يقوم الوفد الجزائري بحراستها تمت مهاجمتها بثلاث قوارب محملة بأكثر من 03 جنديا إسرائيليا مدججا بالسلاح.. الواقعة كانت كبيرة على كل المشاركين في أسطول كسر الحصار، والحسرة والتحسر كانتا أقوى، خاصة وأن الرصاص المطاطي الطائش كان ''يشل أي عضو يقترب منه'' لدقائق طوال، والقنابل الصوتية تفقد المتضامنين السمع لأكثر من 5 دقائق كاملة، يقول العائد من معتقل بئر السبع، مضيفا أن كل هذه الصعوبات كانت قليلة بالنظر إلى الرصاص ''الذخيرة الحية''، التي كانت تصل صرخات أعضاء الوفد التركي الذي كان في مقدمة الوفود على ظهر السفينة بسبب الإصابات التي لحقت بهم، أو حتى أصوات الشهداء الذين راحوا ضحية هذا الاعتداء الغاشم.. * * تعليمة تركية: ليبقى الجميع في الخلف.. وليتقدم الأتراك * أكد مبعوث الشروق قادة بن عمار أنه بمجرد ما بدأ الإسرائيليون في إطلاق النار، بل حتى قبل ذلك وأثناء إحاطة الزوارق الحربية والقوارب المعبأة بالجنود، بسفن الأسطول، طلب رئيس منظمة الإغاثة التركية ايهاها من جميع الوفود المشاركة دون استثناء أن يلتزموا في أماكنهم ويتركوا الأماكن العلوية والأمامية والمقابلة لجهة الهجوم الإسرائيلي للمشاركين الأتراك، فالتزمت الوفود بذلك، ولم يلبثوا أن بدأوا يسمعون صرخات من قبل المتضامنين الأتراك، وأضاف بن عمار أنه حاول الصعود على سلالم السفينة مرمرة رفقة أحد الصحافيين الجزائريين لمشاهدة ماذا يحدث في الأعلى، ليجدوا آثارا للدماء عليها، ولم يستطيعوا الصعود بسبب أوامر الأتراك.. * * المهنة لم تكن حاجزا أمام البطش.. ونافذة على البشاعة * حاول الصحفيون الجزائريون حسب محدثنا الاحتماء بقاعة الصحفيين لتوجيه رسالة واضحة للجيش الإسرائيلي، مفادها أنهم إعلاميون جاءوا لتغطية الحدث لا غير، وبقوا هنالك لفترة معتبرة، غير أنهم لم يكونوا يعلمون أنهم ومن نافذة تلك القاعة يشاهدون كل ما سيحدث للوفد الجزائري على غرار الوفود الأخرى، حيث أكد بن عمار أنه شاهد كل ما تعرض له الوفد الجزائري من ضرب وربط للأيدي وإهانة للكل، حيث رأى كيف اخترق الجنود السفينة من الجهات الخلفية ومن الأبواب الحديدية التي قامت المنظمة بتلحيم أبوابها، التي فجرتها إسرائيل بالقنابل، واخترقت السفينة منها، للوصول لبعض الوفود.. لم يقتصر الأمر على تفجير الأبواب، بل الإنزال المكثف للجنود، والقنابل المسيلة للدموع، وكذا استعمال الذخيرة الحية والرصاص المطاطي، من بين الأمور التي جعلت الوفود تسلم بأن الجنود سيطروا على الوضع، كما شاهد بن عمار كيف تم ربط أيادي أعضاء الوفد الجزائري واحدا تلوى الآخر دون النظر إلى كونه امرأة أو طفلا أو شيخا، وبطريقة عنيفة ومهينة، متبوعة بالسب والشتم بالعبرية وفي بعض الأحيان بالعربية.. * وأكد محدثنا أنه بمجرد الاستيلاء على السفينة تم تفتيشها والوصول للصحافيين الخمسة وأمروا أن يخرجوا متتابعين، لكن وبأي طريقة.. ''زحفا بركبنا ووجوهنا باتجاه الحائط، وهي الطريقة نفسها التي تم تفتيشنا بها، وفور وصولنا للباب تم سحبنا من قبل جندي من الظهر وبقوة، منزوعي الأحذية''.. * * تفتيش بالكلاب وسب باللهجة المصرية * ذكر موفد الشروق أثناء سرده لنا تجربته التي خاضها في عرض البحر أثناء أداء مهمته، خلال تقديمه لتغطية إعلامية للأسطول البحري التضامني، أنه وبمجرد الاستيلاء على السفينة مرمرة، تم إنزال الجميع للطوابق السفلية وهنا وجدوا أغراضهم البسيطة والمتمثلة في ملابسهم أو أموالهم التي اصطحبوها معهم لتسهيل مهمتهم في هذه الرحلة، كلها قد تم تفتيشها باستعمال الكلاب المدربة، حيث وجدوا كل أغراضهم مرماة على الأرض، ولا وجود لشيء ثمين، حيث تم الاستيلاء على أموالهم، هواتفهم النقالة، أجهزة الكومبيوتر المحمولة، ولم يتركوا شيئا غير الشوكولاطة مبعثرة على الأرض.. وأضاف أن استعمال الكلاب تم أيضا في عملية تفتيش الأشخاص وهم مربوطون بحبال مطاطية حادة، ووجوههم على الأرض.. كما أكد موفد الشروق أن الجنود الإسرائيليين كانوا يستعملون اللهجة المصرية في شتم وسب الوفود العربية بين الحين والآخر إضافة إلى السب بالعبرية أو الانجليزية.. * * 6 ساعات للوصول لأسدود.. و6 أخرى بقاء في الميناء * عاد قادة بن عمار للمراحل التي تلت الهجوم الإسرائيلي على سفن كسر الحصار والتي بدأت من لحظة الاستيلاء على السفينة إلى غاية نزولهم في معتقل بئر السبع، حيث أكد أنه وخلال كل الوقت الذي سبق وصولهم للميناء كان الجنود يحتكون بين الحين والآخر مع المعتقلين، خاصة وأن الرحلة دامت لساعات طوال فاقت ال6 ساعات، على غرار ما قام به أحد الشباب رفقة ابن النائب عبد الرزاق مقري تعرضا لضرب بقوة من قبل الجنود الحراس، على ظهورهم وهم مربوطون والسبب فقط، لأنهما طالبا بالسماح لهما بقضاء حاجتهم..ا لوصول إلى بئر السبع لم يكن سهلا حسب محدثنا الذي أكد أنهم تركوهم لست ساعات كاملة في الميناء، مكبلين ومرميين على الأرض.. وكانت الساعة تشير للسادسة والنصف يقول بن عمار حين جاء الفرج أخيرا، وتم إخراجنا من مرمرة تحت تصفيقات الجنود الإسرائيليين المتواجدين هناك، وكذا الإعلاميين العسكريين الإسرائيليين . * * والوصول لبئر السبع ليس سهلا.. * قال قادة بن عمار ''بعد وصولنا تم إنزالنا بقوة، وتفتيشنا بواسطة الكلاب، في خيمة نصبت لذلك، وتجريدنا من ملابسنا وإعطائنا ألبسة السجن، ثم اقتادونا لسجن بئر السبع، ولم نسمع سوى مرادفات، اخرس، اجلس، قم.. وأوامر أخرى بالعبرية لم نفهمها''، مضيفا أنه بعد التفتيش أمروا أن يصعدوا حافلات ضيقة تتسع لأربعة أشخاص، هي خاصة بالسجن، وفور وصولهم للسجن قيل لهم اختاروا زملاء في الغرف، وكل غرفة يبقى فيها أربعة نزلاء، ''وتم فعلا ذلك''..و في الصباح الباكر يؤكد محدثنا تم أخذهم لمدير السجن الذي تلا عليهم القانون الداخلي لبئر السبع.. النهوض على السادسة صباحا، الإفطار على السادسة والنصف، الخروج، تنظيف الغرف والأروقة، المراحيض وو.. كانت من بين تلك القوانين.. * * أسئلة ابتزازية.. وإجبار على توقيع وثائق بالعبرية * يتذكر جيدا العائد من الأردن الأسئلة التي وجهها له المحقق الإسرائيلي باللغة الفرنسية، أسئلة لم يكن لا المكان ولا الزمان مناسبا لها حسبه، حيث حمل لنا بعضا من هذه الأسئلة والبداية كانت بسؤال حول هويته، الإسم واللقب، الدولة القادم منها، الجنسية، المهنة.. وطبعا تعليق من قبل المحقق يلي كل إجابة، إضافة إلى سؤال حول آخر أخبار المغني أنريكو ماسياس، ثم هل مازال ممنوعا من الغناء في الجزائر، كما تم توجيه سؤال آخر حول ما سموه بالدخول لإسرائيل بطريقة غير شرعية، وكذا الطريقة التي حاولت الوفود الدخول بها لغزة، والتي يراها المحقق حسب المتحدث غير شرعية أيضا.. وحين انتهاء التحقيق يقول بن عمار طلبوا مني إما أن أوقع وثيقة عدم الرجوع أو محاولة العودة لغزة أبدا، ويتم إثرها إطلاق سراحي خلال 84 ساعة، أو سجني لمدة قد تكون 6 أشهر أو لسنوات بمحاكمة أو من غير محاكمة، فرفضت التوقيع، وهو الرفض الذي ثبت عليه كل أعضاء الوفد الجزائري حسب المتحدث.. * * الموساد يحقق حول هوية الشروق * يتذكر جيدا صحفي الشروق قادة بن عمار الأسئلة التي وجهها له الضابط الإسرائيلي باللغة الفرنسية أثناء التحقيق، أسئلة فيها الكثير من الغرابة والاستفزاز والاستدراج، حيث حمل لنا بعضا من هذه الأسئلة والبداية كانت بسؤال حول هويته، الإسم واللقب، الدولة القادم منها، الجنسية، المهنة.. وطبعا تعليق من قبل المحقق يلي كل إجابة، وقد سأل المحققون صحفي الشروق عن المتضامنين الجزائريين، ولماذا انطلقت القافلة من مقر جريدة الشروق، وما علاقة هذه الجريدة بحركات المقاومة في فلسطين، وما هي توجهاتها الإيديولوجية، وما قصة اللجنة الشعبية لنصرة غزة، ودعم المقاومة، وعن علاقة المجاهدة جميلة بوحيرد بهذه اللجنة وبالجريدة... * إضافة إلى سؤال حول آخر أخبار المغني أنريكو ماسياس، ثم هل مازال ممنوعا من الغناء في الجزائر، كما تم توجيه سؤال آخر حول ما سموه بالدخول لإسرائيل بطريقة غير شرعية، وكذا الطريقة التي حاولت الوفود الدخول بها لغزة، والتي يراها المحقق حسب المتحدث غير شرعية أيضا.. وحين انتهاء التحقيق يقول بن عمار طلبوا مني إما أن أوقع وثيقة عدم الرجوع أو محاولة العودة لغزة أبدا، ويتم إثرها إطلاق سراحي خلال 84 ساعة، أو سجني لمدة قد تكون 6 أشهر أو لسنوات بمحاكمة أو من غير محاكمة، فرفضت التوقيع، وهو الرفض الذي ثبت عليه كل أعضاء الوفد الجزائري حسب المتحدث..