انهي إسماعيل يبرير مؤخرا تجربة روائية جديدة "العاشقان الخجولان"، لكنه قال انه لا يشعر بالحاجة إلى نشرها على الأقل في الفترة الحالية، وأضاف يبرير في حوار للشروق انه لا يشعر أنه بحاجة للنقد ولا النقد يحتاجه ليؤكد نفسه أدبيا. يبرير تحدث أيضا عن أجواء روايته "مولى الحيرة" وعاد إلى ما سمي بفضيحة جائزة آسيا جبار. في رواية "مولى الحيرة" يختلط السياسي بالتوثيق، وكأنّك تحاكم اليسار ومرحلة معينة من تاريخ الجزائر من خلال شخصيّة بشير الدّيلي؟ لقد اشتغلت على هذه الرّواية بما أمكنني من قدرات كتابيّة ومعرفيّة، وكذلك بما أحوز من مواقف ومقاربة نحو تاريخ بلادي ومساراتها المتشابكة، صحيح أنّي أدنت اليسار الذي لم يكن منسجما وتهلهل سريعا، بل إنّه تحوّل إلى قطب آخر، وتوقّفت عن التاريخ، دون أن أحوّل عملي إلى عمل تسجيليّ، التاريخ بالنّسبة لي هو هذه الثّورة التي شغلتنا وهيّجت مشاعرنا في الطّفولة، ثمّ في مرحلة ما أصبحنا نقف على أرض شكّ بسبب ما يصلنا من أخبارها المتأخّرة. بشير كان الموفد الذي أوكلت إليه المهمّة، أردت أن أقول عبره الكثير، ربّما هذا ما جعل الرّواية تبدو أكبر من أعمالي السّابقة، ولعلّي لم أوفّق تماما كعادتي في الوصول إلى فكرتي عن النّص، ولو واصلت العمل عليه لما صدر قبل عشر سنوات! لا أجد أنّ الخلط بين التاريخي والسياسي وحتّى عوالم الحبّ والتصوّف أمر مربك، على العكس، هناك تجربة لا أعرف إن انتبه إليها القارئ، وهي سرد الشّاعر، ففي "مولى الحيرة" كان بطلي شاعرا، وقد سعيت لأحتفي بالشّعر سردا، سعيت لوضع حدّ لطروحات فاسدة بشأن المفاضلة بين الأجناس الأدبية، وهي رذيلة ينبغي الترفّع عليها، بعضهم أعاب على الرّواية أنّ لغتها جيّدة؟ هذا ما سمعته، بطلي كان شاعرا ولا أعرف إن كان ينبغي أن أكتب بلغة ميكانيكيّة مثلا؟
العلاقة بين النقد والمنجز الأدبي في الجزائر مشوشة، هل تشعر أن النقد أنصفك؟ الحقيقة أنّ النّقد حالة غير معزولة عن الواقع العام، لا يمكن أن تكون حركة النّقد مضيئة في ليل ثقافيّ دامس، ولا يمكن أن ننتظر من المتابعات النّقدية الفردية أن تنحاز للمشاريع وتغفل الضائقة والعلاقة الذاتية، كما أنّ الصّحافة الثقافيّة لا تحقّق هذا الشّرط وهي أفقر من الوصول لنقطة النقد، دون الحديث عن غياب لمفهوم الصحافة الأدبية المتخصّصة، هذا النّوع لم يكن محقّقا يوما في الجزائر، يبقى أن نتوقّف عند النّقد الجامعي، وهو نقد موسميّ في غالبه، إذا ما توقّفنا عند بعض الاستثناءات التي يحدثها أساتذة جادّون، أغلبهم من جيل جديد، هؤلاء يشتغلون أيضا في عزلة وتبعا لإحساس ذاتيّ بضرورة الكتابة، وبخصوص إهمالي من قبل النقد، لديّ شعور أنّي مهمل، ولكن هناك شعور مواز له يجعلني أتساءل من أنا لأثير جلبة أو اهتماما أكبر، الآن عندي قناعة أنّ النّقد لا يحتاج نصّي، وأنا لا أحتاج إلى النّقد ولا نصّي، أنا مهموم بفكرتي وبالمسعى المعرفيّ لأخرج من فكرة الذات والوهم وأقفز يوما ما لتحقيق بعض منجز يستحق الاحتفاء.
روايتك تجربة مختلفة عن تجاربك السّابقة، هل هي بداية لمشروع مختلف لديك؟ أنا أسعى بجدّ لتقديم المختلف، أخشى أن أكون سياقيّا، وهذا الأمر يؤرّقني، لكن الاختلاف الذي أنشده لا ينطلق من رغبة الاختلاف عن البقيّة، فقيمي الجمالية تنفر من بعض المنجزات الأدبيّة المشوّهة والناقصة، لكنّي أري الإختلاف وفق منظوري لما ينتج أدبيّا، لا أعتقد أنّ المنتوج الأدبي اليوم يحتاج نصوصا سياقيّة، نحن في مرحلة تأسيس ثانية للرواية الجزائريّة، إمّا ننجح ونقدّم أعمالا جميلة تتقاطع مع ما سبق وتنهل منه، وإمّا نفشل ونبقى نلوك التجارب ذاتها.
في الرواية احتفاء بحي القرابة، الحي الشعبي الذي ولّد ظواهر وشخصيات شعبية تشابكت مصائرها، برأيك لماذا لا تحتفي الرواية الجزائرية بالهامش وركّز الكتاب أعمالهم حول ذواتهم؟ أخشى أنّي أقلّ من تقييم هذا، لكنّ سأكرّر مقاربتي التي تحدّثت فيها مرارا عن المكان البطل في الرّواية الجزائريّة، كما أنّي كتبت قبل عشر سنوات مقالا بعنوان "كثير من الحكايات قليل من الروايات"، ولم أكن فيه ناقدا أو مفصّلا، كنت أريد أن أنبّه إلى أنّنا نملك كياناتنا جميعا، والفاصل بين فعل الكتابة الذي هو في الأساس فعل واع ومعرفيّ، وفعل الحكي الذي هو فعل واع وارتجاليّ كبير، الخروج إلى الهامش أصعب من الدوران في المركز، بعض الروائيين لم يعد معهم وقت وفرصة لاكتشاف الحياة التي يكتبون عنها، أثناء كتابتي لمولى الحيرة كنت أتجوّل في حي القرابة غير ما مرّة، وأخرج إليه أحيانا في اللّيل، استلهمت المكان تماما لأؤثّثه بشخوصي، عموما أتصوّر أنّ القارئ معنيّ أكثر منّي باكتشاف النّص.
أنهيت مؤخرا تجربة أدبية جديدة، هل لك أن تضعنا في سياقها؟ أنا اشتغل على رواية "العاشقان الخجولان" التي فرغت منها، لكنّ رغبة النّشر عندي منعدمة وهو شعور لم أعهده، هذه المرّة أشعر بأنّه ما من سبب وجيه لأنشر الرّواية، على الأقل ليس في الفترة القليلة المقبلة، هي حكاية خارج سياق المكان، احتفاء بالزّمان، رواية تستدعي العشق من العصر الحجري إلى اليوم وتساؤل المحبّين.
عاد مؤخرا إلى الواجهة ما تداولته سابقا كواليس جائزة آسيا جبار، كون روايتك هي التي توجت، ما تعليقك؟ الجائزة التي ينبغي لها أن تكون ظاهرة ثقافية ومحرّكا فعليا للساحة الأدبية، لم تكن نزيهة، بسبب جهات غير ثقافية، مع العلم والتنبيه أن مسؤولي مؤسسات ثقافية في الجزائر، على غرار مدير المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية وغيره، هم من يتسبب دائما في الفشل، في المنتوج الثقافي مثل الكتاب وفي الفعل والفعالية الثقافية كالجائزة، سأعود يوما لأتكلّم عن موفم للنشر وفضائحها، ويبدو أنّ مقدار الفضائح هو ما يكفل الترقيات ثقافيا، أليس غريبا أن يكون محمد ديب ومالك حداد وآسيا جبار والطّاهر وطار وبن هدوقة وسيناك وبوجدرة وغيرهم من الكتاب والمثقفين الكبار عاجزا أن يقدّم محافظا أو رئيسا للصالون الدولي للكتاب؟ ما هو مفهوم مسعودي ومقاربته بخصوص الكتاب غير العملية الإنتاجية التي يمكن أن يكفلها أيّ موظف لديه وبكفاءة أكبر ربّما، ما وزنه في عالم الثقافة؟ لنتحدّث عن الجائزة، لا ندين قرين وحاشيته، بل ندين منظومة لا تهتمّ بالنزاهة وتقتات على الثقافة، لأنّها الجسد الهش في هذا البلد. نحن بحاجة للجائزة ولا ينبغي أن نطلق عليها الرّصاص، أتمنّى أن تكون نزيهة وتحترم الاسم الذي تحمله، وليطمئنّ منظّموها أنّي غير معنيّ بها، حين قلت كلمة قبل عشرة أشهر جوبهت بكثير من الحقد والسخرية والتهكم، اليوم لا أرى العودة إلى هذا الموضوع، لدي ما أقوم به ولست من هواة النّبش في الجراح.