المتابع للأحداث والتصريحات التي تطفو على السّطح في البلاد العربية في الأيام الأخيرة، يلحظ أنّ "علية القوم" ما عاد يهمّهم أن يستخْفوا بفسادهم المالي، وما عادوا يشعرون بالحرج من كشف سرقاتهم "العملاقة"، بل ما عادوا يجدون حرجا في أن توجّه إليهم أصابع الاتّهام في انتكاس الأوضاع السياسية والاقتصادية في كثير من البلدان العربية، على خلاف ما كان عليه الأمر في سنوات مضت، حين كان أرباب الأموال الذين صنعوا ثرواتهم من مال فاسد يستخفون بسرقاتهم المليارية ويرفضون أن توجّه إليهم أصابع الاتّهام. المجاهرة بالسّرقات تكاد تصبح وصفا مشتركا لأصحاب الأموال الفاسدة في السّنوات الأخيرة في جلّ الدول العربية، ويبدو أنّ الأمر لم يأت اعتباطا وإنّما هو مقصود لأغراض ربّما يكون أخطرها صرف النّظر والاهتمام عن فساد آخر أشنع وأنكى بالأمّة من الفساد المالي، يتمثّل في تكثيف وتركيز الجهود التي تبذل لإفساد الدين والأخلاق، بالتزامن مع الأوامر الأمريكية والإملاءات الغربية الموجّهة إلى الدول العربية والإسلاميّة بضرورة تسريع وتيرة الانتقال إلى العلمانية التي يرى الغرب ومعهم كثير من قادة العرب أنّها الوصفة الأنجع للقضاء على التطرّف الدينيّ واجتثاث منابع التديّن الذي يصنع الإرهاب! تصريحات متوالية ومتناغمة صدرت عن ساسة وقادة هنا وهناك، تصبّ كلّها في هذا الاتّجاه، وتتزامن مع ضوء أخضر يبدو أنّه منح للأقليات العلمانية لرفع سقف مطالبها التي تصل إلى حدّ المناداة بإزاحة الموادّ الدستورية التي تشير إلى إسلامية الدول وتنصّ على مصدرية الشريعة الإسلامية، إضافة إلى مهاجمة قوانين الأسرة التي استمدّ أكثرها من الشريعة الإسلاميّة، وزيادة حدّة الاستفزازات التي تصل إلى حدّ السخرية من ثوابت الدين ومسلّماته، وفي هذا السياق، تندرج التّصريحات التي أطلقتها مؤخّرا إحدى عجائز الجزائر المعروفات بعدائهنّ لكلّ ما هو إسلاميّ، حينما نادت المرأة الجزائرية بخلع الحجاب الذي يحول بينها وبين إظهار جمالها والتمتّع بحريتها! أمّا في تونس، فبعد الوعد الذي قطعه رأس النظام هناك بالمساواة بين المرأة والرجل في الميراث وإبطال منع زواج المسلمة من غير المسلم، بعد هذا الوعد التاريخي في بلد الزيتونة، رفعت بعض الناشطات المعروفات بتوجّهاتهنّ العلمانيّة دعوة للسّماح بتعدّد الأزواج! هذه الاستفزازات العلمانية تتزامن مع إجراءات عملية بدأت وستتوالى في السّنوات القليلة القادمة، تهدف إلى نشر الميوعة والانحلال الخلقي في الأوساط العامّة، وما المهرجانات الغنائية التي أخذت في التوسّع لتقتحم المناطق المحافظة، وتنقل إليها أغاني الملاهي وعلب الليل، بعد أن كانت مقتصرة على المدن الكبيرة، إلا واحدة من حزمة إجراءات جديدة تهدف إلى زيادة جرعات التفسّخ والانفلات، وفي هذا الإطار يمكن فهم ما تحدّثت عنه بعض وسائل الإعلام بأنّ السّعودية بصدد تعديل القوانين التي تمنع اللباس غير المحتشم على بعض شواطئها، وهي الأخبار التي كانت متزامنة مع حملة أطلقتها قلّة من الفتيات في الجزائر لكسر الحواجز المجتمعية التي تمنع المرأة من لبس ما يحلو لها على شاطئ البحر، وهي الحملة التي لم تنجح، لكنّه ينتظر لها أن تعاود الظّهور مع وجود أوساط سياسية وسيادية تشجّعها على كسر الحواجز بذريعة دفع عجلة السياحة. في الحقل الإعلاميّ، أصبح واضحا للعيان كيف أنّ كثيرا من القنوات الخاصّة غدت منابر لنشر الانحلال الأخلاقيّ من خلال المسلسلات والأفلام التي تبثّها والبرامج الغنائية التي أصبحت تستحوذ أغاني الراي الماجن فيها على حصّة الأسد! بل حتى البرامج الاجتماعية التي تزعم بعض القنوات أنّها لمعالجة الظواهر الاجتماعية، أصبحت هي الأخرى وسيلة لكسر الحواجز وعرض الأخطاء الشاذّة التي تحصل في المجتمع على أنّها ظواهر عامّة ومستشرية تستحقّ أن تعرض كما هي لتشاهدها الأسر الجزائرية! الرياضة من جانبها أصبحت هدفا للزمر العلمانية التي تسعى جاهدة لاستغلاها في نشر ثقافة العري والاستهتار بالقيم والأخلاق، لأنّها– أي الجهات العلمانية- تعلم أنّ كثيرا من شباب الأمّة مولعون بتقليد الرياضيين وبخاصّة الأبطال بينهم، فكان منها أن حرصت على أن يكون جلّ من يتصدّرون المشهد في مختلف الرياضات يبعثون برسائل أخلاقية إلى المجتمع، وأصبحنا نرى في واقع الرياضة ما يدعو إلى الغرابة والاستهجان، ومن ذلك أن ترى المنتخب النسوي لكرة الطّائرة لبلد مسلم مثل الجزائر لا يضمّ بين لاعباته محجبة واحدة، وهكذا بالنّسبة إلى كرة السلّة، ولا يختلف عنه منتخب كرة القدم سيّدات الذي يضمّ في صفوفه محجّبة واحدة! الأقلية العلمانية النّافذة ستحاول الاستثمار في انشغال الشّعوب العربية والإسلامية بالأوضاع الاقتصادية وبلقمة العيش، لتكسر الحواجز والطّابوهات، وتصوّر للأمّة أنّ "الانفتاح" على العلمانية أصبح أمرا لا مناص منه، ولا يرفضه سوى المتشدّدين والمتنطّعين، وأنّ الحرية لا تكتمل إلا بإلغاء "المقدّس" وتغييب ثقافة "الحرام" و"العيب"! لهذا ينبغي أن تكون المجتمعات العربية والإسلاميّة على وعي كامل بما تخطّط له الأقليات الهجينة وتكون على أهبة الاستعداد لمواجهة الاستفزازات العلمانية والوقوف في وجه زحف الفساد الأخلاقيّ المتزامن مع الفسادين السياسي والاقتصادي.. من واجب الأمّة أن تتصدّى لمن يريد العبث بلقمة عيشها، لكنّ الأوجب من هذا أن تتصدّى لمن يريد إفساد دينها وأخلاقها مستغلا إعلام "من يدفع أكثر"، ممتطيا الحملة الغربية للحرب المزعومة على الإرهاب وتجفيف منابعه ومصادره!