قروض جديدة لتمويل مساكن جديدة... لكن إذا كانت المساكن خيالا، ماذا يفعل المواطن بالقروض؟ * قررت الحكومة تشجيع المواطن على شراء مسكن، في إطار برنامج شامل للقضاء على الأزمة التي يعاني منها الجزائريون في هذا الميدان. وتطبيقا لهذه السياسة، أطلقت الحكومة قروضا جديدة طويلة المدى، وبفوائد ضعيفة جدا، حتى يتمكن الجزائريون من دفع ثمن المسكن دون أن يؤثر ذلك على مستوى معيشتهم. وتبلغ نسبة أرباح تلك القروض واحد بالمائة فقط، ويمكن تسديدها على آجال تبلغ عشرين سنة أو أكثر. وبذلك يجب الاعتراف أن صيغة القروض هذه تمنح تسهيلات حقيقية للحصول على مسكن. * وكان من المنتظر أن تعرف هذه القروض نجاحا كبيرا منذ بداية العمل بها نهاية الشهر الماضي. ولكن لما سألنا وكالات بنكية وكذلك وكالات للصندوق الوطني للاحتياط CNEP، قيل لنا أن عدد الملفات التي تم إيداعها لحد الساعة ضعيف جدا، إن لم يكن منعدما. وفي بعض وكالات البنوك لم يتم إيداع ولا ملف واحد. * وسألنا كذاك في الوكالات العقارية، فلم نجد حماسا كبيرا تجاه هذه الصيغة. وقال لنا صاحب وكالة عقارية أن عددا من المواطنين سألوا عن إمكانية الحصول على قرض خلال الأيام الأولى، لكن لم يدم ذلك طويلا، وعادت المياه إلى مجاريها، ونسي الكل وجود هذه القروض. * ويثير هذا الوضع حيرة كبيرة في السوق. لماذا لا تجد القروض الجديدة تجاوبا لدى المواطنين رغم أنها تمنح شروطا ملائمة جدا؟ هل استطاعت الجزائر أن تفضي على أزمة السكن، ولم لم يبق في البلاد من يبحث عن تمويل لشراء مسكنه؟ إن واقع السوق يفند ذلك، حيث أن الضغط على كل أنواع السكن مازال قويا جدا. وقد بلغ ثمن المساكن في المدن الكبرى مستوى لا يسمح لفئات كبيرة من الجزائريين التفكير في شراء مسكن. * والحقيقة أن عدم تجاوب الجزائريين مع القروض الجديدة يعود لسبب بسيط جدا. إن القروض التي نتكلم عنها لا يمكن استعمالها إلا لشراء مساكن جديدة، ولا يمكن مثلا اللجوء إلى هذا النوع من القروض لشراء مسكن تم إنجازه قبل خمس أو عشر سنوات. وقال المنظرون الذين فكروا في القروض الجديدة أنهم يريدون تجنب المضاربة من جهة، وتشجيع المشاريع الجديدة من جهة أخرى. * وقد بدأت القصة الحقيقية مع الأرقام التي نشرتها الحكومة حول إنجازاتها. وقد قالت الحكومة أنها ستنجز مليون سكن خلال العهدة الثانية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ولما انتهت العهدة، لم يتجرأ أحد ليقول أنه لم يتم تحقيق هذا الهدف، بل أن ما تم إنجازه لا يبلغ نصف ما تم الإعلان عنه. * ودفعت هذه الطريقة في التعامل مع الإحصائيات إلى القول أنه سيتم إنجاز مليون ونصف من السكنات خلال العهدة الثالثة. ولم يتجرأ أحد ليقول أن ذلك أمر صعب، إن لم يكن مستحيلا. ونذكر أن برنامج "عدل" الذي انطلق في العهدة الأولى للرئيس بوتفليقة لم ينته بعد، وأن بعض المواطنين مازالوا ينتظرون منازلهم رغم أنهم أودعوا ملفاتهم سنة 2002 . ويكفي العجز الذي ظهر في برنامج "عدل" ليؤكد أن كل ما قيل حول مئات الآلاف من المساكن التي تم إنجازها لا يتعدى أن يكون ثرثرة سياسية لا أثر لها على أزمة السكن. * لكن هذا لم يؤثر على خبراء الحكومة الجزائرية، الذين أصبحوا يؤمنون بدعايتهم، وأكدوا أن المليون سكن قد أنجز، ثم فكروا مطولا في القضية، وقالوا: هل تستطيع السوق الجزائرية أن تستلم مليون ونصف المليون من المساكنالجديدة؟ وكان الجواب: لا. فاجتهد هؤلاء في طريقة لتشجيع الجزائريين على شراء المساكن التي سيتم إنجازها، وجاء الجواب على صيغة القروض الجديدة... * ووجدت الجزائر نفسها أمام وضع غريب، حيث أنها اجتهدت كثيرا لبيع مساكن لن يتم بناؤها... وهي قصة الرجل الذي أطلق كذبة، ورددها مرارا، إلى أن آمن بها، فأصبح يفكر في مستقبل أبنائه بناء على تلك الكذبة... أما المواطنون الذين يبحثون عن مسكن، فليسوا كذب... إنهم حقيقة تواجهها خرافة المليون سكن.