إذا كان الوزير الأول أحمد أويحيى يريد قول الحقيقة للجزائريين دون مجاملة، فقد كان يكفي إشارته دخولنا مرحلة "الجحيم" بدلا من تذكير الجميع مرة أخرى وإخافتهم بالقول إن "الموس وصل للعظم"، ذلك أن التصريح الأول كلّفنا هبوطا حادا في قيمة الدينار وارتفاعا في أسعار بعض المواد الاستهلاكية، ولا نعلم حتى الآن ماذا سيكلفنا التصريح الثاني؟! نعم "الموس وصل للعظم" ولكن ليس من اليوم، وليس بسبب انهيار سعر البترول وفقط، إنما بسبب السياسات الخاطئة وعدم تحقيق الحكم الراشد، وفتح المجال للكفاءات بدلا من تهميشها وإقصائها، وهانحن اليوم ندفع ثمن كل تلك السياسات الفردية لكننا ندفعها ك"عقوبة جماعية" تطال الكلّ! "الموس وصل للعظم" بفعل انتشار الفساد وكثرة الفضائح المالية وغياب منظومة بنكية صحيحة، وسيطرة السوق الموازية للعملة الصعبة، وغياب الشفافية، وقلة احترام مجلس المحاسبة، وعدم مراقبة المشاريع الكبرى، والتعامل مع شركات أجنبية في صفقات فاشلة كشركة "كوجال" اليابانية في الطريق السيار... "الموس وصل للعظم" لأننا صدّقنا مرحلة البحبوحة، وربطنا الاقتصاد الوطني ببرميل نفط زائل، واعتقدنا أن الشعب إذا شبع لن يسأل عن الديمقراطية وحقه في ممارسة التغيير. "الموس وصل للعظم" بعدما ميّعتم المشاركة السياسية، وجعلتم من الانتخابات أضحوكة، ومن البرلمان مسخرة، ومن مجلس الأمة "زيادة"، ومن المدرسة ساحة حرب إيديولوجية، ومن المسجد إذاعة لقراءة البيانات الرسمية، ومن الإعلام العمومي بوقا مفتوحا، ومن كرة القدم متنفسا لا سبيل للاستغناء عنه! "الموس وصل للعظم" لأننا صرفنا الملايير على مدارس لا تنتج سوى العنف والجهل، وعلى جامعات لا تفرز سوى أكوامٍ من البطالين وعلى مستشفيات لا تحيي بل تميت! "الموس وصل للعظم"، لأننا تحولنا إلى بلد آمن ومستقر، صحيح، لكنه استقرار يحلم الشباب فيه بالهجرة سرا، بل ويتهافتون جماعات وعائلات على قوارب الموت وهم يبتسمون ويسجِّلون آخر كلماتهم عبر الفيديو، فيرفع بعضهم شعار "ياكلني الحوت وما ياكلنيش الدود" ويقول آخرون "راهي ليكم، كولوها واشبعوا بيها"! ألم يسأل "صناع القرار" أنفسهم السؤال التالي: ما معنى هبوط قيمة الدينار في بلد هبطت فيه قيمة الإنسان؟ وما السبيل إلى تنويع الاقتصاد في وطن لا ينوّع حكامه وسياسييه؟ وما الجدوى من البحث عن حلول اقتصادية عاجلة في مجتمع جرّب كل الحلول وفقد الثقة في الحاكم والمحكوم؟ كان على الوزير الأول ومن ورائه السلطة برمَّتها أن يبحثوا عن حلول عاجلة من أجل إنقاذ البلاد والعباد من الإحباط أولا قبل الفقر، وبأن يضمنوا، ليس قوت الجزائريين فحسب، وإنما استعادة ثقتهم مرة أخرى، وهذا لن يتم بالتخويف والترهيب وإنما بالشفافية في التسيير ومحاربة الفساد والمفسدين وعدم ترك البلاد في أيدي العابثين.