دون عناء يُذكر حصلت حكومة السيد أويحيى على مباركة غرفتي البرلمان على المخطط الحكومي الذي لم يأت بجديد يذكر قياسا مع مخطط حكومة تبون، باستثناء التبني الصريح لإجراءات التمويل غير التقليدي، التي لم تأخذ حقها من النقاش لا على مستوى الغرفتين، ولا على المستوى الإعلامي إلا من بعض المداخلات الهامشية لبعض المعارضين، قدَّمت الصيغة في صورة كاريكاتورية، تزعم أن الإجراء سوف يقود حتما إلى تدهور قيمة الدينار ومنه دخول البلد دائرة التضخم. وكالعادة، فقد أظهرت السلطة ضعفا فاحشا في التواصل والتبليغ، ولم تكلف نفسها واجب التواصل مع المواطنين وشرح أسباب اللجوء إلى إجراء هو اليوم متبع في أغلب الدول وعلى رأسها الدول المصنعة، بل صار هو القاعدة، حتى إنه ليس هناك دولة صناعية تعوِّل فقط على موارد الجباية، بل أكثرها اليوم مدين بما يزيد عن مائة في المائة من دخلها القومي الخام. يكفي أن نذكر أن كل مواطن أمريكي اليوم مدين بأكثر من 65 ألف دولار، فيما لا يزيد دين المواطن الجزائري عن 115 دولار، وتعدّ مديونية الجزائر الأضعف في العالم، هي أقل من المبلغ الذي اقترضه منا صندوق النقد الدولي، وهي حالة فريدة حتى بين أغنى الدول النفطية، تُحسب للسلطات الجزائرية التي اغتنمت البحبوحة المالية لتسديد الديون الخارجية. ويأتي التعديل المبرمَج لقانون النقد والقرض في مادته ال45 ليُلزم البنك المركزي شراء سندات تصدر عن الخزينة العمومية، كما يحول إليه جانب من الدين الحكومي لفترة انتقالية لا تزيد عن خمس سنوات، وهو في كل الأحوال أفضل من اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، أو توقف الإنفاق الحكومي بما له من تداعيات خطيرة على التوظيف والإنفاق الاجتماعي ومواصلة حركة النمو. على الصعيد السياسي الصرف يكون اللجوء إلى هذا النوع من التمويل متناغما مع خيار الابتعاد عن المديونية الخارجية السالبة للسيادة، وهو غير مُنتج لخدمة المديونية التي تأخذ بالشمال أضعافا مضاعفة لما تمنحه البنوك أو المؤسسات المالية الدولية باليمين، وكان يفترض أن نعيب على الحكومة التأخر في تفعيل هذه الآلية منذ انفجار الأزمة المالية سنة 2008 واستشراف تداعياتها على الاقتصاد العالمي ومنه على أسعار المحروقات. الاعتراض الوحيد الذي أشهره منتقدو الإجراء هو الخوف من تداعياته على قيمة الدينار ومنه على مستوى التضخم، وهو اعتراضٌ مردود، في بلد ليس فيه سوق تداول للعملات يسمح للمضاربين بالتأثير سلبا على قيمة الدينار باستثناء السوق السوداء التي تتعامل أكثر مع عوائد الاقتصاد الموازي، ولا تزال قيمة الدينار يحددها قرارٌ إداري صرف ويوظفها كأداة للتحكُّم في التضخم. غير أن أهمَّ ما يُحسب لهذا الإجراء أنه سوف يسمح للحكومة بعدم الاقتراب من شبكة الدعم باستثناء أسعار المحروقات والكهرباء والغاز، كما سيسمح على الأقل بمواصلة تمويل المشاريع الإنمائية في السكن والفلاحة والمرافق الاجتماعية في التعليم والصحة، ويمنع تعطيل ما كان مبرمجا في المرحلة الانتقالية من النموذج الاقتصادي الجديد المبرمج حتى آفاق 2030 وأنه سيكون في نهاية المطاف إجراء سياسيا يحرص على صيانة الأمن الاجتماعي في مرحلة قادمة هي الأصعب والأخطر منذ عقود.