خلف البيان الذي أصدرته حكومة أويحيى بشأن الإشاعات التي تحدثت عن قرب إجراء تغيير على الحكومة الحالية، رد فعل سريع غير معهود، جسده بيان تكذيبي، نُشر عبر البوابة الإلكترونية لمواقع الوزارة الأولى. الخطوة اعتبرت سابقة، لأن الحكومة اعتادت مواجهة إشاعات من هذا القبيل بالصمت المطبق، حتى ولو كانت تلك الإشاعات كاذبة. فماذا الذي تخفيه مسارعة مصالح قصر الدكتور سعدان للرد على تلك الإشاعة؟ وهل هذا الموقف استراتيجي يؤشر على سياسة اتصالية جديدة قوامها عدم الصمت على "الإشاعات السياسية"؟ أم أن الأمر يتعلق بموقف تكتيكي أملته ظروف المرحلة المأزومة بتداعيات الإطاحة بحكومة الوزير الأول السابق، عبد المجيد تبون؟ ولم لا تعتمد الحكومة سياسة اتصالية مباشرة (ناطق رسمي مثلا) لإضفاء الشفافية على مواقفها وقراراتها؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها.
لأول مرة تفندها ببيان رسمي "الإشاعة السياسية".. هاجس الحكومة الجديد على غير العادة، لم تواجه حكومة الوزير الأول أحمد أويحيى، "الإشاعات السياسية" التي غزت شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) والتي تحدثت عن تعديل حكومي وشيك، لم تواجهها بالصمت، بل ردت بسرعة غير معهودة وببيان رسمي. أويحيى نفى جملة وتفصيلا وجود نية لدى صناع القرار في إدخال تعديلات على حكومته التي لم يتعد عمرها الثلاثة أشهر، في محالة منه لغلق باب يمكن أن يتسرب من خلاله الشك إلى أفراد طاقمه الحكومي "المرعوبين" من كثرة التعديلات التي طالت الحكومة خلال الأشهر الأخيرة. الموقف كان لافتا، لأن الأمر يتعلق برد فعل سريع ينبئ باحتمال وجود توجه جديد للحكومة، مخالف تماما للسياسات الاتصالية للحكومات السابقة، وفي مقدمتها حكومة الوزير الأول الأسبق، عبد المالك سلال، التي نالت منها "الإشاعات السياسية" أكثر من غيرها، غير أنها لم تخرج لتتبنى أو تنفي. وعلى الرغم من أن الإشاعات في الجزائر، نادرا ما تتجسد على أرض الواقع، لأن غالبيتها تطلقها أطراف بخلفية سياسية، وتستهدف خلق حالة من الإرباك في المشهد السياسي الرسمي وكذا الشارع، بل إن الإرادة الرسمية عادة ما تعمل عكس اتجاه تلك الإشاعات، حتى ولو كانت المعلومة صحيحة عند تسريبها، والأمثلة على ذلك كثيرة، غير أن تلك القاعدة انكسرت في حالة واحدة ليست بعيدة. ويرى مراقبون أن التغيير الحكومي الذي أطاح بالوزير الأول السابق، عبد المجيد تبون، وبعض وزرائه هو الذي يقف وراء مسارعة أويحيى للرد على الإشاعات ببيان رسمي، لأن تلك الحادثة أعقبت تسريبات "شبه رسمية" تحدثت عن قرب إبعاد تبون من قصر الدكتور سعدان، وهي الإشاعة التي تأكدت في مدة لم تتعد ال15 يوما. ولأن الإشاعة ذاتها بدأت تسري كالنار في الهشيم في الأيام الأخيرة، وبدأ الشك يتسرب إلى بعض أعضاء طاقم حكومته، مع ما يمكن أن ينجر عن ذلك من تداعيات على أداء مسؤولي بعض القطاعات الوزارية التي طالتها الإشاعة، فقد سارع أويحيى إلى تكذيب تلك الإشاعات حفاظا على الانسجام الحكومي من جهة، وإبعاد كل ما من شأنه أن يؤدي إلى إرباك الشارع، المنزعج أصلا من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي أثقلت كاهله بالأعباء الإضافية التي تضمنها قانون المالية 2018، ولاسيما ما تعلق بالزيادات المرتقبة في أسعار الوقود وتدني القدرة الشرائية جراء انهيار قيمة الدينار. والواقع أن مثل هذا "الارتباك"، إن صح التعبير، لم يكن ليحصل لو كان للحكومة سياسة اتصالية قائمة على الشفافية، تتماشى والتقاليد المعمول بها في الدول المتقدمة، وذلك بالرغم من أن لها سابقة ناجحة على هذا الصعيد قبل أزيد من خمس سنوات، بدأت في عهد وزير الاتصال الأسبق، عبد الرشيد بوكرزازة، ثم التجربة المثمرة في حكومة سلال الأولى، عندما برمجت مواجهة شهرية بين وزير الاتصال آنذاك، عبد القادر مساهل، ووزير الشؤون الخارجية حينها، رمطان لعمامرة، من جهة ورجال الإعلام من جهة أخرى، غير أن ذلك المسعى لم يدم طويلا. وإن كان بيان حكومة أويحيى الأخير المفنّذ لإشاعة قرب وقوع تعديل حكومي، من شأنه أن يحد على الأقل من تفشي الظاهرة، إلا أن جدواه تبقى محدودة كونه مرتبطا بحدث بعينه، أما الحل الأمثل، برأي خبراء الاتصال، فيتمثل في العودة إلى التجربة التي سبق العمل بها، وهو تكليف ناطق رسمي باسم الحكومة، توكل له مهمة الإجابة على أسئلة الصحافة بصفة دورية، وهي الآلية التي يمكنها التقليل من تفشي ظاهرة "الإشاعة السياسية"، التي باتت تسمم العلاقة بين الحكومة من جهة والشارع من جهة أخرى.
النائب لخضر بن خلاف ل "الشروق": غياب ناطق رسمي باسم الحكومة غذى الإشاعات أرجع النائب عن الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، لخضر بن خلاف، تفشي ظاهرة الإشاعات التي عادة ما تثار حول استمرار الحكومات المتعاقبة، إلى عدم وجود ناطق رسمي باسم الحكومة أو وزارة اتصال توكل له مهمة تبليغ المعلومة الرسمية للمواطن بكل شفافية بعيدا عن الإشاعات.
لم تمهل الوزارة الأولى الإشاعات طويلا، وخرجت ببيان صريح ينفي وجود تعديل حكومي.. ما تعليقكم؟ منذ مدة ونحن نعيش على وقع الإشاعات، عادة ما تتأكد خاصة في العام الماضي وأمام ارتباك مؤسسات الدولة في تسيير الشأن العام، فمع تنصيب وزير أول جديد تبدأ الشائعات التي تروج لتغييره واستبداله، ما يجعل الشعب يعيش تحت ضغط الإشاعات، وهو ما اضطر الحكومة في الآونة الأخيرة للخروج عن صمتها لمواجهة تلك التسريبات، على غرار ما حدث مع قضية استغلال الغاز الصخري أو قانون النقد والقرض وحتى بخصوص مسألة التعديل الحكومي.
على غير العادة خرجت الحكومة لترد بسرعة على الإشاعات.. هل هو توجه جديد لحكومة أويحيى قوامه سياسة اتصالية تحارب الإشاعات بالشفافية؟ حكومة أويحيى تريد أن تكون مصدر القرار والإشاعات معا، ومن ثم فقد دأبت منذ تنصيبها إلى الرد على كل الإشاعات التي طالتها حتى لا تسمح لها بالتأثير على المواطنين وعلى علاقتهم بالحكومة بعدما أصبح هذا الأخير لا يثق في المعلومات التي تأتيه من الحكومة من كثرة الشائعات المتداولة، والحكومة الحالية تريد الرد على الإشاعة حتى تعطي الانطباع بأنها تسير الملفات بطريقة شفافة عكس ما كان في الحكومات السابقة .
لاحقت حكومات الوزير الأول السابق، عبد المالك سلال، إشاعات كثيرة من هذا القبيل، غير أنها لم تصدر بيانا تكذيبي.. لماذا برأيكم؟ فيما يخص التعديلات الحكومية السابقة، حتى الوزراء أنفسهم لم يكونوا على دراية بحقيقتها، وحتى وسط الإشاعات كان الوزراء لا يملكون قرار التصريح أو حتى التكذيب لأن إرادة السلطة كانت هكذا، والدليل أن الوزير الأول السابق عبد المالك سلال لم يكن يعلم أنه سيقال رغم انتشار الإشاعات والتي لم تكن الحكومة لتكذبها أو تتدخل بشأنها، غير أن الحكومة الحالية غيرت من استراتيجيتها أمام الاضطراب الحاصل في المواقف والمعلومات، ولتستبق الأحداث سارعت لإصدار بيان تنفي فيه الإشاعات حول احتمال وجود تغيير حكومي.
هل سيقضي بيان الحكومة هذا، على إشاعة التعديل الحكومي، في ظل ما يشاع عن غياب الثقة بين الشارع والحكومة؟ لا يمكن أن يقضي البيان على إشاعة التعديل الحكومي لأنه منذ مجيء حكومة تبون، صرحت السلطة بأنها حكومة تصريف أعمال وأبدت نيتها في تعديل حكومي مرتقب، والذي تمثل في رجوع أحمد أويحيى للوزارة الأولى وتغيير ثلاثة وزراء معه، ومن هنا فالشارع ترسخ في ذهنه بأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال وستتبع بتعديل حكومي آخر، والشعب من خلال ذلك هو في انتظار الحكومة التي ستشرف على الإصلاحات المعلن عنها والتي ستتولى مهمة إدارة المواعيد السياسية القادمة وخاصة الرئاسيات.
هل أضحت الإشاعات مصدر إزعاج كبير للحكومة؟ أكيد؛ هي مصدر إزعاج فردود أفعال الحكومة وبالسرعة التي رأيناها سواء في قضية القاعدة 49/51 أو قانون النقد والقرض أو حتى البيان الأخير حول التعديل الحكومي، توحي بأن الحكومة قلقة جدا بشأن هذه الإشاعات.
في رأيكم ما دور وزير الاتصال في مثل هذه الحالات؟ المشكل في مثل هذه الإشاعات التي تطال الحكومة، هو عدم وجود تواصل بين القطاعات الوزارية والمواطن عن طريق الناطق الرسمي باسم الحكومة أو وزير الاتصال، ففي الحكومات السابقة كانت سياستها تتغذي من الإشاعات، بسبب ضعف الاتصال بين السلطة والمواطن، فيما يفترض أن يقوم وزير الاتصال أو الناطق الرسمي للحكومة دوريا، بمنح المعلومة الصحيحة وتفنيد الإشاعات.
الوزير السابق، بلقاسم ساحلي ل "الشروق": أويحيى رجل مرحلة.. والمهم إيصال المعلومة دعا المنتدب السابق للجالية، ورئيس حزب التحالف الوطني الجمهوري، بلقاسم ساحلي، إلى تبني آلية اتصالية قائمة على الشفافية في التواصل بين الحكومة من جهة والمؤسسات السياسية والإعلامية من جهة أخرى، واعتبر ذلك الحل الأمثل للحد من تفشي ظاهرة "الإشاعة السياسية"، التي يمكن أن تضر بالاستقرار.
في سابقة فريدة، خرجت الحكومة لترد بسرعة على الإشاعات.. هل هو توجه جديد لحكومة أويحيى قوامه سياسة اتصالية تحارب الإشاعات بالشفافية؟ لا يمكن اعتبار البيان الذي أصدرته الحكومة ردا على الإشاعات التي تحدثت عن قرب وقوع تعديل حكومي، بقدر ما هي سياسة تواصل جديدة مستمدة من مخطط عمل الحكومة الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه قبل أسابيع، وقد كان حزبنا التحالف الوطني الجمهوري، من بين الذين رافعوا من أجل هذه النقطة. لقد قلنا إن نجاح برنامج الحكومة الجديدة، يبقى مرهونا بمدى نجاح الطاقم الحكومي في التواصل مع الرأي العام، وقد شرحنا التدابير التي جاءت، بها لاسيما المتعلقة منها بالاقتصاد حتى لا يتخوف المواطن من هذه الإجراءات وكذا لتفادي زرع البلبلة. والأكيد أن الحكومة عملت بالتعليمات التي وجهها الرئيس بوتفليقة في آخر مجلس وزراء له، حيث حث الوزير الأول والفريق العامل معه، على ضرورة التواصل مع المواطنين واطلاعهم بكل القرارات التي يتخذها الجهاز التنفيذي بغرض تجنيد الشعب والتفافه حول الحكومة ومساعدتها في الخروج من الأزمة التي تعاني منها البلاد.
حكومة الوزير الأول السابق، عبد المالك سلال، كانت أكثر الحكومات تعرضا للإشاعات، غير أنها لم تصدر بيانا تكذيبيا.. لماذا برأيكم؟ لا شك أن لكل مسؤول أسلوبه وطريقه في العمل عندما يكون على رأس الجهاز التنفيذي، والأكيد أن الوزير الأول الحالي أحمد أويحيى، يمكن اعتباره رجل المرحلة حيث سبق وأن عبرنا عن رأينا فيه مسبقا، ومعروف عنه أنه مرن في التعامل، وانفتاحه على المؤسسات بمختلف أشكالها وأنواعها، سواء الحزبية منها أو الإعلامية، كما أن له قدرة على الحوار، وله تجربة في ذلك حيث سبق له وأن قاد سلسلة من الحوارات ذات الطابع السياسي والاقتصادي، سنوات التسعينات، كما أنه أشرف على العديد من المهمات، وفي مقدمتها مشاورات تعديل الدستور .
في رأيكم هل الجزائر اليوم بحاجة إلى تعيين ناطق باسم الحكومة حتى تسير الأمور بشفافية، تطبعها سرعة إيصال المعلومات إلى المواطن؟ قد لا تهم الطريقة في إيصال المعلومة، المهم هو القيام بالفعل بشكل سريع وآني، يمكن أن يكون قرار تعيين ناطق باسم الحكومة إجراء من بين الإجراءات الأخرى للتواصل، أو عن طريق مدير الإعلام أو الوزراء أو حتى قنوات اتصالية أخرى، المهم أن تصل المعلومة ونحن نشجع هذا الأمر مادام ينشد تكريس الشفافية.
هل تعتقد أن طريقة التواصل المعتمدة من قبل الحكومة الحالية، ستقضي على الإشاعة؟ تداول الإشاعة غير المؤكدة بات من الأمور السهلة جدا، خاصة في ظل عالمنا المتحول والتطور، وفي ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، حيث سيكون لزاما على جميع المؤسسات تطوير آليات التواصل بحسب التطور التكنولوجي لمواكبة الأحداث، ولعل أهمها هو فتح صفحات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي حتى تكون أداة فاعلة للرد على الإشاعات في حينها، وهذا ما اهتدينا إليه نحن كحزب سياسي، حيث قمنا بفتح صفحة على الفايسبوك باسم التحالف الوطني الجمهوري، لتوضيح الرؤية والترويج لبرنامج حزبنا.
يبدو أن الإشاعة أصبحت مصدر إزعاج كبير للحكومة.. أليس كذلك؟ الإشاعة لا يمكن القضاء عليها بسهولة، لأنها جزء من المشهد العام وباتت تخيم على جميع القطاعات، فهناك إشاعات في الرياضة، وأخرى في الاقتصاد والسياسة.. حتى أن سرعة انتشارها باتت خارقة، وبالتالي فإن الحل يكمن في تبني سياسة اتصالية على مستوى جميع الهيئات وتمتين العلاقة مع المواطنين.