يطل الزميل الصحفي طاهر حليسي رئيس مكتب "الشروق على المعرض الدولي للكتاب برواية "الميزونة... الشياطين هم الأبطال". وهو باكورة أعماله الروائية التي تنتمي إلى عالم الأدب الواقعي عبر 400 صفحة من ورق البوفون الفاخر وبغلاف فني من إصدار دار كاريزما الشهاب 2000. يمتد السياق الشامل للقصة على مدار عقدين من الزمن الحرج الذي عاشت فيه البلاد مرحلة اضطراب اقتصادي ولد فوضى القيم واهتزاز سلم المعايير بعيد انهيار النفط وما تلاه من أحداث أكتوبر وتوقيف المسار الانتخابي والعشرية السوداء ثم المصالحة الوطنية. اختار الكاتب "الميزونة" كعنوان بارز وتعني الكلمة تدريجا لكلمة "الميزونات" الفرنسية أو دار حارس سكة الحديد، ففيها تجتمع شخصيات على هامش الحي، حي شيخي بباتنة، لترسم قصة الخلاص من الفقر عبر سرقة عبقرية لمحل مجوهرات يخطط لها زعيم الشلة أزير عبدوس بواسطة قزمة وهو لص الحارة الذي يعاني الإهمال والتهميش بعد القضاء الناعم على غريمه صليح الكوربو، وتنجح الجماعة المشكلة من أزير وكمال الديس وبويا وعمار القزمة وربيعة الشطاحة، في تحقيق الضربة الكبرى في اليوم الذي وقعت فيه أحداث 5 أكتوبر لتنفتح الرواية على أحداث كبيرة يمتزج فيها المسار الشخصي للأبطال أو الضحايا بالمسار العام للبلاد، يختفي الزعيم أزير ليعود في ثوب مقاول ورجل أعمال كبير وصاعد تتعاظم قوته بفضل علاقات جديدة مع سي عباس العقيد المتقاعد، فيصبحان صديقين أحدهما مدير ديوان رئيس الحكومة والآخر مستشاره. يثبت زميلهم مليك العرفي نائبا في البرلمان رغم خسارته قبل الانتخابات الملغاة في ديسمبر1991 أمام صديق طفولته عبد الحي سركال المكنى ديغول الشاب الحالم المثالي الناقد الذي اختار النضال في جبهة الإنقاذ قبل إلغاء المسار ونفيه إلى معتقلات الصحراء، يدخل القزمة السجن في قضية أخرى لكنه يقرر تغيير هويته في ظلمة الزنزانة ليخرج شخصا جديدا. تتشعب أحداث الرواية في ما بعد بين صنفين ينتميان سابقا إلى عالم الميزونة الموبوء، بعضهم التهمتهم تجاربهم الشخصية ليصبحوا إرهابيين بينهم ديغول الذي يصبح الأمير أبا حمزة المغير وبعضهم ركب موجة التغيرات في عالم المال والنفوذ و"الحياة الشريفة" ليحدث التصادم المروع الذي لا يخلو من قصص حب ببطلتين هما فيروز وسارة، لتصبح عنوانا للصراع بين عدد من الشخصيات تصفى بالاغتيال أو الابتزاز، ويلتقي قدماء الميزونة في نهاية الرواية في ذات الموقع الذي بدأت فيه قصة الانطلاق وسط مفاجآت مروعة تأخذ طابع الفجائع الكبرى وتصفية تركة الحياة بينهم جميعا. يشرح صاحب الرواية القصة في مجملها بقوله إنها أحداث واقعية وقعت بشكل أو بآخر جرى تحويرها بخيال مركب هدفه تقديم صورة مصغرة ومكبرة عما جرى من اهتزاز روح المعنى في البلاد وحالة تفسخ القيم والسلم والمعايير جعلته يتساءل: هل يجب أن تكون شيطانا كي تعيش؟ والرواية تنتهي حتما لكنها تفتح الباب من جديد ببروز شخصية "الشبح المجهول" ذلك الشخص العدمي المزمن الذي يظهر في المقدمة والنهاية بصفات "حيوان" أو "الهايشة" لينقض على كيس المال محل النزاع تاركا المجموعة غارقة في دمائها معلقة بين الحياة والموت.