تعتزم، هذه الأيام، منشورات الاختلاف الجزائرية مع منشورات ضفاف اللبنانية، إصدار ترجمة بالفرنسية لرواية ”دمية النار” للكاتب الجزائري بشير مفتي، من توقيع لطفي نية. وبدعم من مديرية الكتاب بالمركز الثقافي الفرنسي، ستكون الرواية حاضرة بالمعرض الدولي للكتاب، الذي ستحتضنه الجزائر نهاية شهر أكتوبر في طبعته العشرين. وتحكي رواية ”دمية النار” قصة لقاء بين الروائي بشير مفتي مع إحدى الشخصيات الغامضة والذي يسلمه بدوره مخطوط رواية يحكي فيها سيرته الذاتية. إنه رضا شاوش الذي يسعى جاهدا أن لا يشبه والده مدير الزنزانة في السبعينيات الذي انتحر نهاية الثمانينيات، غير أن الظروف أو الأقدار شاءت له أن يسير على نفس الطريق وينضم إلى جماعة تعيش في الظل ويصبح واحدا من رجالها الأساسيين. وينبش بشير مفتي من جديد في روايته الأخيرة ”دمية النار” في جذور الأزمة التي أحرقت كل الأشياء الجميلة في الفرد الجزائري وجعلته - حسب الروائي - ”شيطانا يلهث خلف السلطة والثراء مستبيحا دماء وأعراض وأموال الناس”. وبلغة سردية ينطلق بشير مفتي في روايته ”دمية النار”، من تيه جيل حكم عليه بالازدواجية وهو في رحم التاريخ، حيث يتطرق عبر بطل الرواية رضا شاوش، إلى العديد من المراحل التاريخية للجزائر الحديثة، وأيضا الى الشخصيات التي وجهت مسارها وأثرت في نسخ عقلية الجزائري ورؤيته إلى حال بلده. ويتكلم الروائي في ”دمية النار” عن العديد من النقاط، على غرار حكايات الثورة بين تضحيات وخيانات، ورأسمالية بين رفاهية المجتمع وسيطرة عصابات تأكل الأخضر واليابس. ومن بين أكثر اللحظات متعة في دمية النار هي تلك المقاطع التي يتحدث فيها البطل عن علاقته بوالده، العلاقة المعقدة بين شد وجذب وبين لين وقسوة. ويدفع الروائي بشير مفتي في روايته الجديدة بطابعه الخاص القارئ الى الغوص في العلاقات البشرية وأعماق النفس المدفوعة للبوح بأدق التفاصيل كي تخفف وطأة الفقد ووحشة الوحدة، ليجعل عبر قصته القارئ متعاطفا مع الاثنين. وينتقد الكاتب إيضا في الرواية، أنانية المجتمع بأكمله، ”فلا أحد يفكر بالآخر ولا حتى بأفراد أسرته، فالبلد لم يهلك إلا بهلاك فكرة الكل لديه وغيابها التام في حضرة الأنا”، حسب تعبيره. ويصر الروائي بشير مفتي على اختبار مصائر شخوص عمله هذا مبديا يأسه من ”جزائري” هذا الزمن الذي فقد المقاومة في كل شيء، فأبطال الرواية يتساقطون كالدمى أمام الإغراء والمال والسلطة والفساد، متعللين بأن الفشل مآلهم حتما لو حاولوا المقاومة. وتحيل الرواية القارئ إلى واقعية الكاتب، حيث يعبر عن الوضع بالقول ”نحن حقا شعب أكله اليأس والفوضى وضبابية الحاضر”، كما يتساءل عبر سطور دمية النار عن الحال بالمستقبل.