سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إشاعات ظهور الحيوانات المفترسة تنشر الهلع بين المواطنين وتتسبب في مقتل حيوانات مهددة بالانقراض بعد تمساح بجاية ودبّ تيسمسيلت.. أسد ولبؤة الطارف يصنعان الحدث
ظهور أسد في غابات الطارف، ودبّ بجبال تيسميلت، وتمساح ببحيرة ببومرداس... وغيرها كثير من الحكايات التي صارت متداولة في الشارع الجزائري السنوات الأخيرة، وخطورة هذه الإشاعات هي تسببّها في حالة رعب وخوف بالمناطق التي انتشرت فيها، كما أدّت إلى مقتل كثير من الحيوانات الثديية المُهدّدة بالانقراض ببلادنا، بحجة الشّك في أنها أسَد أو دبّ... "الشروق" تحدثت مع باحثين ومختصين في عالم الحيوان، لمعرفة سبب انتشار مثل هذه الإشاعات وانعكاساتها السلبية على الثروة الحيوانية في الجزائر. شكّلت الأخبار المتداولة مُؤخّرا، من ظهور دب بتيسمسيلت وأسد ولبؤة بالطارف، وحتى تمساح ببومرداس، استنفارا ورعبا بين مواطني هذه المناطق. والغريب هو جزم الكثير وتأكيدهم رؤيتهم هذه الحيوانات المفترسة، ومع ذلك لم يلتقطوا لها أي صورة أو فيديو ولو عن بعد، رغم استنفار جميع السلطات، ورغم أن الهاتف النقال لا يغادر الجيوب، فأدق حركة صارت تصَور بالهواتف، فما بالك بظهور أسد ودب وحتى تمساح. وزيادة على حالة الرعب التي تنشرها إشاعات ظهور حيوانات مفترسة بين المواطنين، وصلت درجة منع التلاميذ من الالتحاق بمدارسهم في ولاية الطارف، ومغادرة آخرين منازلهم نهائيا، وتأهب كثير من سكان المنطقة المسلحين، لقتل أي حيوان قد يظهر فجأة في الغابة ويحسبونه أسدا، والتخوف الأكبر أن يطال القتل إنسانا بالخطإ. هذه الإشاعات تأسّف لها المختصون في عالم الحيوان بالجزائر، مؤكِّدين أن الجزائر صارت مقبرة لبعض الحيوانات الثّديية المهددة بالانقراض، في ظل جهل المواطنين بالتوازن البيئي الذي توفره الحيوانات على تنوّعها، وبأن أيّ خلل في هذا التوازن قد يتسبب في كارثة بيئية. وجميعنا تأسف لحادثة تعليق ذئب ميت على لافتة إشهارية للحملة الانتخابية بحي عبد الحميد بن باديس بمدينة عين البيضاء بأم البواقي، حيث أكد الكثير أن الذئب لم ينفق وإنما قتله مواطنون ثم علقوه باللوحة الإشهارية أمام صور المنتخبين المحليين لغرض المزاح والسخرية فقط، وقبله الحادثة الشهيرة "تاكلي الجاج"، يوم قتل شيخ من ولاية تيسمسيلت ثعلبا بكل وحشية، لأنه أكل دجاجاته... وغيرها كثير من حكايات القتل العشوائي لحيوانات الغابة.
آثار أقدام الأسد المفترض بالطارف أثبتت أنها لضبع "الشروق"، اتصلت بباحث في علم الثدييات من جامعة بجاية، يدعى مراد أحميم، أمضى سنوات من حياته في دراسة عالم الحيوان بالجزائر، بل وأسهم في حماية كثير من الأنواع، وعلى رأسها الخفافيش التي سمح لها حتى بالإقامة في منزله، حماية لها من "همجية" بعض الأشخاص الذين يقتلونها لأسباب غيبية تافهة. ففي ما يتعلق بإشاعات ظهور أسد ولبؤة بغابات الطارف هاربين إليها من حديقة حيوان بتونس، أوضح لنا أحميم أنّ الموضوع "غير عقلاني"، متسائلا: "كيف عبَر الحيوانان الحدود دون أن يراهما أحد، ولماذا لم يلتقط أي شخص لهما صورة؟ ولماذا لم تبلغ السلطات التونسية نظيرتها الجزائرية بالموضوع لأخذ الحيطة؟"، والأكثر من ذلك، بيّنت صور آثار الأقدام التي تركها الأسد المفترض بغابة الطارف، وعاينها أحميم رفقة باحثين آخرين، أنّ الآثار تعود إلى الضبع المنتشر بغاباتنا، ولا علاقة لها بالأسد.
ضبُع تمرّغ في الوحْل بتيسمسيلت فحسبه المواطنون دبا وذكّر المتحدث بالإشاعة التي ظهرت منذ عامين وخلفت جدلا واسعا وخوفا بالمنطقة، حول ظهور دب بولاية تيسمسيلت. وعن هذه الواقعة، حدثنا بالقول: "عندما انتشر الخبر بين المواطنين، صدقه الكثير، وذهبوا بعيدا في تحليلاتهم، فمنهم من قال إنه دبّ أطلسي يعيش في جبال تيسمسيلت، ومنهم من رجّح هروب الحيوان من سِيرْك زار المنطقة... تشجّع طالب جامعي يدرس علم الثدييّات، وتوجه إلى المنطقة لمعاينة الحيوان عن قرب، والمفاجأة أن الدب المفترض ليس إلا ضبُعا "تمرّغ" في الوحل فتحول لونه إلى الأسود وبدا شبيها بالدّب، والتقط له الطالب صورا".
إشاعات حول تمساح بسطيف ونِمْس طوله أربعة أمتار ببومرداس! ولطالما انتشرت إشاعات عن وجود حيوانات مفترسة في الجزائر، رغم أنها انقرضت منذ عقود طويلة، ففي عام 1998 بحسب أحميم، تلقى اتصالا من رجال الدرك الوطني يطلبون حضوره لتأكيد أو نفي أخبار يتداولها المواطنون، عن رؤية تمساح ببحيرة صغيرة بمنطقة بوحلي بين ولايتي سطيفوبجاية، وعندما عاين محدثنا المنطقة لم يجد أي تمساح ولا حتى آثاره، وقصة أخرى مشابهة حول ظهور حيوان "النمس" ببومرداس بطول أربعة أمتار جرح 12 شخصا وقتل واحدا...!! رغم أن النمس بحجم القط، ولا يهاجم البشر. ويرجع محدثنا أن أسباب تداول مثل هذه الإشاعات، يعود إلى الثقافة المحدودة التي يمتلكها كثير من المواطنين حول عالم الحيوان، وإن كان ظهور القنوات الفضائية العلمية وخاصة ناشيونال جيوغرافي، منح جرعة من الوعي والثقافة حول الموضوع... ومع ذلك لا تزال حملات إبادة وصيد أنواع مختلفة من الحيوانات تهدد بانقراضها في المستقبل القريب- بحسب تعبيره. وما يزيد من انتشار مثل هذه الإشاعات، عدم استشارة المختصين والباحثين في الموضوع، عند ظهور حيوانات مجهولة، رغم أن الجزائر- يقول- "لديها مختصون جامعيون وباحثون ذوو مستوى عالمي في عالم الحيوان".
168 ضبُع تعرض للقتل بين عامي 2000 و2015 وحسب دراسة قام بها مراد أحيمم لصالح وزارة البيئة، يعيش في الجزائر 109 صنف من الثدييات، 74.25 بالمائة منها مهددة بالانقراض، أهمها "الضبع المخطط" الذي بات ضحية سهلة للمواطنين والفلاحين، فيقتلونه متحججين بتهديده حياتهم وأسرهم. وبحسب قوله "الضبع حيوان مفترس لكنه يأكل الجيف فقط ولا يهاجم البشر، بل هو يخاف منا، وما يجعله يقترب من التجمعات البشرية، هو فضلات المواطنين المكونة من بقايا الدجاج أو العظام، وحتى الكباش والأبقار النافقة التي صارت ترمى في المزابل دون دفن، ولأن الضباع تشم الجيف على بعد 30 كلم فتقترب من المزابل، وهناك تتعرض للقتل". فخلال الفترة بين 2000 و2015 قتل المواطنون 168 ضبُع.
الغزال في طريق الانقراض وفهد الطاسيلي والأيُّل البربري اختفيا من الجزائر كما أن 6 من أنواع الغزال في طريق الانقراض، وفهد الطاسيلي وهو صنف جزائري محض، تعرض للقتل منذ الثورة، وبقي منه 9 فقط عبر العالم بأسره، والأيل البربري الذي يعيش في منطقة القالة اختفى عن الوجود. وحيوان ثديي يعيش بكثرة في الجزائر، ولكن قتله العشوائي جعله في طريق الانقراض، إنه الخفاش، هذا الحيوان الذي يطهر البيئة من البعوض، فخفاش واحد يلتهم 6 آلاف ناموسة في الساعة، يقول عنها أحميم "هي حيوانات غير مؤذية، حتى لو دخلت منازلنا، وطبعا إذا حاول أحدهم اصطيادها تعضه".
مواطنون يقتلون الخفافيش لاعتقادهم أنها مصدر شؤم! ويعتقد الكثير أن الخفاش مصدر شؤم مثله مثل البومة، فيلاحقونه أينما وجدوه لقتله، وهو اعتقاد خاطئ تسبب في قتل أعداد كبيرة من هذه الحيوانات، وبحسب أحميم "أنا أدرس سلوك الخفافيش منذ 25 سنة، وأحضرها معي إلى البيت، والحمد لله لم يحصل لي ولا لأولادي أي مكروه...!!". وللحفاظ على الثروة الحيوانية، يشدّد المختص على ضرورة تطبيق القوانين بصرامة ضد المخالفين، القوانين موجودة لكن الإشكال في تطبيقها على أرض الواقع، فمثلا بالحظيرة الوطنية للقرود ببجاية، يمنع الزائرون من إطعام القردة حفاظا على صحتها، لكنهم يقومون بذلك علنا ولا يتعرضون لأي عقوبة أو مساءلة، فلو يغرم مثلا كل شخص يقدم الأكل إلى القرود أو يقتل الضباع مثلا بمبلغ 200 دج أو حتى يمضي أياما في السجن لاختفت هذه السلوكات السلبية". ومن جهة أخرى، كشف مصدر من مديرية حماية الغابات والنباتات والحيوانات، عن تفعيلهم عدة اتفاقيات مع مصالح الدرك الوطني، لغرض محاربة ظاهرة الصيد العشوائي والقتل غير المبرر لكثير من الحيوانات الثديية والطيور على أنواعها بغاباتنا، خاصة الحيوانات المهددة بالانقراض.
نائبة المدير العام لمحافظة الحيوانات البرية والصيد: جزائريون يسرقون القرود والطيور.. و50 مليون غرامة للمتورطين أكّدت نائِبة المدير العام لمٌحافظة الحيوانات البرِّية والصّيد، أن الجزائر أصدرت عدّة قوانين لغرض حماية الحيوانات من الصيد العشوائي والقتل، منها القانون الصادر في 14 أوت 2004 المتعلق بالصيد العشوائي، وقانون 14 نوفمبر 2006 الذي يحمي الحيوانات المٌهدَّدة بالانقراض، وتتضمن 23 نوعا منها الغزال والطيور والسّلاحف والفهد. وبعدها صدر مرسوم تنفيذي في 2012 يحمي نوعين من الحيوانات، المحمية والحيوانات في طريق الانقراض، مٌؤكدة وجود 126 صنفا محميا في الجزائر، منها زواحف وطيور و53 نوعا من الثدييات. وأكدت محدثتنا، أن عقوبة صيد حيوان محمي تصلٌ الى 10 ملايين سنتيم، وبين شهرين و6 أشهر حبسا نافذا، مع حجز العتاد المستعمل، في حين تشدد العقوبة في حال الإقدام على صيد حيوان في طريق الانقراض، حيث تصل الغرامة الى 50 مليون سنتيم. وعن أكثر الحيوانات المعرضة للصيد العشوائي، تؤكد المتحدثة، هي طائر الحسُّون (المقنين) الموجه ل "البزنسة"، ففي إطار تفعيل اتفاقيات بين المديرية العامة لحماية الغابات ومصالح الدرك الوطني، حجزت الأخيرة في 2017، 830 طائر حسون مخبأ في سيارات مواطنين، تمّ إيقافهم على مستوى الحواجز الأمنية، حيث يٌغرَّم أصحابها فيما تطلق الطيور بعد الاعتناء بها بمراكز خاصة. كما يلجأ أشخاص آخرون لسرِقَة بعض الحيوانات من المحمياّت وتحويلها لمٌمارسة التجارة، حيث يأخذون مبالغ مالية عن المواطنين مقابل أخذ صورة معها، وحسب تأكيدها " ضبطنا شخصا سرق قردا من محمية طبيعية، وهو يجهل أن القرد قد يٌهاجم البشر عند استفزازه ".