كتاب السنة الخامسة ابتدائي يذكر تاريخ الجزائر الثوري رغم الكلام الجميل الذي قاله ومازال يقوله الزعيم الأسطوري نلسن مانديلا عن الجزائر، حيث يعتبرها الداعم الأول في سنوات كفاحه، ورغم المساعدات المادية واللوجيستية التي يشهد التاريخ أن الجزائر حرمت نفسها منها وأمدتها لجنوب إفريقيا في زمن محنتها، ورغم مواقف الجزائر السياسية والاقتصادية وحتى الرياضية الداعمة لجنوب إفريقيا، حيث كانت أول من دعم ترشح جنوب إفريقيا لاحتضان كأس أمم إفريقيا عام 1996 .. وكانت أول من دعا للانسحاب من دورة الألعاب الأولمبية التي احتضنتها مونتريال في صائفة 1976 بسبب مشاركة زيلندا الجديدة الدولة الداعمة للتمييز العنصري .. بالرغم من كل ذلك إلا أن الجزائر للأسف خسرت في هذا البلد الإفريقي العملاق الكثير من المواقع بل دعونا نعترف بأنها خسرت كل المواقع وقد نصدم الكثير من القراء عندما نقول أن نسبة محترمة من سكان جنوب إفريقيا لا يعرفون أين تقع الجزائر وبعضهم يظنها دولة في قارة أخرى أو من دول الساحل الإفريقي التي تنتهكها المجاعة والأوبئة .. ولولا مشاركة المنتخب الجزائري في المونديال الحالي لنسي الجيل الجديد من أبناء هذا البلد المتقدم والغني دولة من المفروض أنها من أسباب حرية جنوب إفريقيا وهي الجزائر .الشروق اليومي دخلت الحارات والمحلات التجارية وسألت أهل جنوب إفريقيا عن محل الجزائر من إعرابهم لكلمات الدول الصديقة .كبار السن من السود الذين تجاوز سنهم الستين يبتسمون عند ذكر الجزائر، فقد تعلموا من زعيمهم الأسطوري نلسن مانديلا أن الجزائر دفعت الملايين من أجل حريتها ودفعت بعد ذلك لأجل تحرير جنوب إفريقيا، وهي التي أقنعت جنوب إفريقيا بأن تبقى في صف فلسطين والصحراء الغربية، حيث يقول الشيخ ماكلون مفيدي وهو من السود أن الجزائر مثل كوبا تسكن في قلبه "ّلقد كان حلم حياتي في السبعينات أن أزور الجزائر، كنت أتابع عبر المذياع احتضانها لاجتماع قمة دول عدم الانحياز، وكيف تختتم الملتقى بدعم قضيتنا، وأسمع احتضانها للألعاب الإفريقية ومنع العنصريين من المشاركة .. لا يمكنني أن أنسى الرئيس هواري بومدين فقد كان ظاهرة ورجولة إفريقية لا تتكرر" سألناه عن السبب الذي جعل أبناء بلده يجهلون هذا التاريخ الذي يهمّ بلدهم قبل الجزائر فرّد بسرعة "أكيد أن الحياة تغيّرت ولكن التاريخ لا يتغيّر، ففي كتاب الخامسة ابتدائي توجد فقرات مطوّلة عن ثورة الجزائر ورجالاتها، لكن العولمة ألهت الشباب الآن في القشور أكثر من الحقيقةّ"، وتضيف زوجته وهي في سن 61 وتشتغل معه في محل للألبسة النسائية .. "أنظر إلى هؤلاء الأطفال والشباب إنهم أحفادي، لا أظنهم يعرفون جنوب إفريقيا فما بالك بمعرفة تاريخ الجزائر.. لقد تغيّرت الحياة كثيرا ونحن الذين ظننا أننا تحررنا من الأنجليز ومن الأمريكان ومن الأستراليين، وخاصة من الهولنديين، صرنا الآن أكثر تبعية لهم".. ومن دون تحفظ تواصل »صدقني نحن مستعمرين، هم يرمون فضلاتهم عندنا ويأخذون أشياءنا الجميلة، نحن الأغنى وأرضنا تنبت الذهب، ولكن الفقر يقتل أبناءنا".. سألنا حفيدة السيد ماكلون وهي مراهقة في سن الخامسة عشرة عن الجزائر فتأهت ثم قالت "أظنها دولة إفريقية؟" .. والغريب أن أهل الزولو يعرفون الكثير عن الجزائر أو على الأقل موقعها وكونها ثاني قوة اقتصادية إفريقية بعد بلدهم كما جاء في تعريفها عندما أجريت قرعة كأس العالم منذ أشهر عديدة .. الجميل أن الهنود والمسلمين كلهم من دون استثناء يعرفون الجزائر ويعتبرونها من أقوى وأهم الدول الإسلامية من حيث موقعها وعدد سكانها.. واللافت أن طبق الكسكسي منتشر بقوة في جنوب إفريقيا، حيث يقدمونه في الفنادق الفخمة ومطاعم الخمسة نجوم وحتى في الرحلات الجوية، وعلمنا أن الفرنسيين هم من استقدموه، حيث يقدم جافا وبه كثير من الخضر ومن النادر تقديمه بالمرق.. وإذا كان البعض يعلم أن الكسكسي من أصل جزائري فإن البيض من أصول هولندية وبريطانية يسمونه للأسف الكسكسي الفرنسي أو الكسكسي المغربي أو التونسي . إذا كانت الجزائر حاضرة باحتشام في قلوب السود فإنها غائبة تماما في قلوب البيض الذين لا يعرفون لها موقعا، وأحيانا لم يسمعوا عنها سوى أحداث العنف في السنوات السوداء .. أسئلتنا التي طرحناها على عدد من بيض جنوب إفريقيا تحوّلت إلى أسئلة مضاعفة أحرجتنا، وأكدت لنا أن الجزائر تراجع أداءها في القارة السمراء.."هل أنتم عرب؟ هل أنتم مسلمون؟ هل أنتم أفارقة؟".. أسئلة كثيرة طرحها علينا الكثير من أبناء جنوب إفريقيا الذين لم يصدقوا عندما أخبرناهم بأن دور الجزائر السياسي والاقتصادي في تحرير جنوب إفريقيا هو الأهم على الإطلاق باعتراف زعيمهم التاريخي نلسن مانديلا .بعضهم يعرف أن زيدان جزائري وآخرون يتذكرون ظاهرة ألعاب القوى نورالدين مرسلي وقليلون جدا وأصلهم من أنغولا والموزمبيق بسبب اللغة البرتغالية يذكرون النجم السابق رابح ماجر، وما عدا ذلك فالجزائر دولة في الشمال.. ومن دون واو العطف؟ لقد عاشت الجزائر بعد استقلالها الكثير من القضايا الإفريقية وفتحت جامعاتها لأبناء القارة، وساعدت سياسيا واقتصاديا وحتى عسكريا لأجل تحرير أنغولا وجنوب إفريقيا وللأسف الآن، تظاهرتين كرويتين الأولى في أمم إفريقيا في أنغولا والثانية في كأس العالم بجنوب إفريقيا كشفت أن الجزائر التي ضحت من أجل الغير فقدت الكثير من مواقعها، فقد تعامل أهل أنغولا التي سقط لأجل حريتها جزائريون بكثير من الظلم في نصف نهائي كأس أمم إفريقيا أمام مصر وكأنهم يعاملون إرهابيون، وتعامل الجنوب إفريقيون مع الجزائريين في آخر لقاء مونديالي بشدة وحذر لأجل عيون الأمريكان؟؟؟ .