في كل مرة يتم فيها الكلام عن الفساد، إلا ويترافق ذلك مع وعود المسؤولين ووعيدهم بتطبيق إجراءات ردعية من أجل القضاء على هذه الظاهرة السلبية والخطيرة، رغم أن كثرة الكلام، والمتكلمين، عن لجان محاربة الفساد والمفسدين، لم يخلق لنا في واقع الأمر، سوى مزيد من القضايا وحالات فساد جديدة... والدليل أن فضيحة سوناطراك، ترافق تفجرها مع إعلان الرئيس تشكيل هيئة لمكافحة الفساد، كما أن حزبا سياسيا في البلاد تخلى عن شعاره التقليدي "الإسلام هو الحل" ليضع مكانه "فساد قف" بديلا، فكان أن تحرك الفساد في كل الاتجاهات دون حسيب ولا رقيب، داخل الحزب وخارجه؟! الفساد لا لون له ولا رائحة، رغم أن هويته مكشوفة للعيان بدرجة كبيرة، وملفتة، ويكاد يكون الحزب الديمقراطي الوحيد في البلاد الذي يضم بين جناحيه، العلمانيين والإسلاميين، الوطنيين والثوريين، حيث لا يشترط على المنخرطين في ناديه، أمورا مستحيلة أو شروطا تعجيزية، بل انه يستقبل بين أحضانه، سارق المليون، مثلما يفتخر بوجود سارق المليار، ويضم في عضويته الجميع، من موظف بريد بسيط إلى عامل في سونلغاز، أو إطار سوناطراك، مرورا بمحاسبي البنوك، ووصولا حتى المدير والمير والوزير؟! وليس غريبا أن لا يتحقق العدل في البلاد إلا عندما يكون الأمر متعلقا، بتوزيع الفساد على العباد، وعلى المؤسسات الوطنية، الخاصة منها والعمومية، وعلى الإدارات، والهيئات والمنظمات والأحزاب، لا فرق بين مسؤول ومسؤول إلا باللصوصية والسرقة، والنهب والسلب. الفاسدون في الجزائر، قد لا تعرفهم من أول نظرة، لكن المواطن المزلوط المغلوب على أمره، يحس بوجودهم في كل وقت، فهم لا يتسترون دوما، بل قد يكونون من الأباطرة وكبار القوم وأصحاب النفوذ، مثلما كان عليه الحال مع خالد الذكر، الخليفة، قبل سنوات، وقد يحدث أن تشاهدهم في النشرات الإخبارية وترى صورهم على صدر الصفحات الأولى، وتغتاظ من وجودهم وسط كبار المسؤولين في المناسبات الوطنية والدينية، وبين جمهور المصلين والحجاج والمعتمرين في كل سنة، لكن لا تتفاجأ، حين يسقطون، أن لا تسمع عنهم حسّا ولا خبر، وكأنهم فقدوا ملامحهم، فأضحوا مجهولين بعد ما كانوا أسياد المعلومين؟! هذا هو الفساد في البلاد، رجل يمشي على قدمين ولا نستطيع الإمساك به، ولو نصبّنا لذلك ألف لجنة ولجنة، ولن نتمكن من الإيقاع بالمتورطين الكبار، رغم افتخارنا بسقوط الصغار، كما أن البلاد لن تجد مخرجا، ولا العباد فرجا، مادام هؤلاء مستمرون في فسادهم، متسمّرون في مناصبهم؟!