هناك حديث يدور هذه الأيام حول صدور تعليمة حكومية تقضي بإحالة إطارات الدولة البالغين سن الستين فما فوق على التقاعد الإجباري تطبيقا لقانون قديم يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، ولكنه لم يطبق في يوم من الأيام بسبب ما هو سائد في وظائف الدولة خاصة العليا والحساسة منها من تلاعبات بالمناصب الحساسة واستعمالها في تحقيق الأغراض الشخصية المادية والمعنوية وخدمة المصالح القبلية والمحسوبية عبر الرشاوي والفساد الأخلاقي الذي أدى إلى الفساد السياسي والاقتصادي والمالي الشامل في أغلب الأحيان وأغلب القطاعات خاصة الحساسة منها، ولذلك نجد أن غالبية ما يسمى بإطارات الدولة أو الإطارات السامية تتمسك إلى اليوم بالمناصب والمراكز حتى الممات. * وعلى الرغم من أن العودة إلى تطبيق قانون سنة 1982 بالتقاعد مشفوع هذه المرة بالرغبة الشخصية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبالتزامه بتوفير 3 ملايين منصب عمل خلال السنوات الخمسة القادمة، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل استمرار احتلال مئات الآلاف وربما الملايين من الوظائف ومناصب الشغل من طرف أناس لهم رجل في الدنيا وأخرى في الآخرة، إلا أن التعليمة الحكومية التي يدور حولها الحديث تستثني من تسميهم أصحاب المناصب التقنية والدقيقة من الإحالة على التقاعد مهما كان سنهم، وهذه عملية تحايل أخرى من النظام لمواصلة البقاء والاستمرار عبر الحرس القديم المتمرس على حماية مصالحه وصيانة وجوده والعامل دائما بقاعدة إنا هاهنا قاعدون. * أي أن التعليمة إياها هي الحق الذي يراد بها باطلا مرة أخرى ولا تهدف إلا إلى تحريك الرماد لذره في العيون، لأن المعنيين بالإحالة على التقاعد أو المعاش من هؤلاء المعششين في مفاصل الدولة والمؤسسات بمختلف أنواعها وتخصصاتها قد يصبحون جميعا وبقدرة قادر من أصحاب المناصب التقنية الدقيقة المستثناة في نص التعليمة، فلا يستطيع أحد زعزعتهم من حصونهم أو المساس بمصالحهم وبمصالح النظام الذي يمثلون. * يحدث هذا في الوقت الذي تحتاج فيه الأمور إلى قرارات حازمة وواضحة في هذا المجال والعودة إلى تطبيق القانون، لأن البلاد لم تعد تتحمل هذا الوضع والدولة بإداراتها وكل مؤسساتها مهما كانت أهميتها وحساسيتها أصبحت بحاجة إلى التحرر من قيود هذه الطبقة المتميزة وغريبة الأطوار وإحالة هؤلاء على التقاعد أو تسريحهم الإجباري يعد بمثابة تسريح لقنوات الدولة التي أصبحت أشبه مع هؤلاء وبعدهم الشاسع عن الوسائل العصرية للعمل والتسيير والإدارة أشبه بالمجاري الصحية المسدودة خاصة وأن البلاد لا تخلو من الإطارات شبة العصرية التي تتطلع إلى اللحاق بالركب.