صورة لمجلس الوزراء يخضع عدد قليل فقط من المناصب العليا في الدولة في انتقاء أصحابها إلى الإرادة الشعبية، من خلال العملية الإنتخابية التي تعتبر سبيل شرعية هذه المناصب، كمنصب رئيس الجمهورية ونواب الشعب بالمجلس الشعبي الوطني، في وقت يخضع فيه السواد الأعظم من هذه المناصب وبخاصة المناصب التنفيذية إلى التعيين. * * التوازنات السياسية والجهوية تعوّض معيار الكفاءة وعامل الشباب * * وإن كانت هناك مجموعة من المقاييس والمعايير التي تحكم بعض التعيينات في المناصب الإدارية ذات الطابع التقني، فهناك مناصب أخرى تخرج عن طاعة المعايير والمقاييس، مثل ما هو عليه الحال في تحديد تشكيلة الفريق الحكومي وتعيين وزراء الطاقم التنفيذي، التي تأخذ أحيانا بسياسة التوازنات سواء تعلق الأمر بالتوازنات الجهوية منها والسياسية، ولعل هذين العاملين هما أساس التعيينات في المناصب العليا للدولة، غير أن عامل أو شرط السن الذي يعتبر أحد الشروط الأساسية والفاصل في مصير بعض المتقدمين لمسابقات التعيين في مناصب الشغل العادية، يغيب تماما في هذه التعيينات. * ولأن أنظار جميع الجزائريين من عامة الناس والسياسيين والإداريين كلها كانت مشدودة طيلة الأيام الماضية الى قصر المرادية، وما الذي سيقوله الرئيس بوتفليقة المنتخب في التاسع أفريل بنسبة تجاوزت 90 بالمائة، بخصوص الجهاز التنفيذي الذي يعول عليه لتطبيق برنامج العهدة الثالثة، واستكمال ما تبقى من العهدتين السابقتين، ولأن الأمر يتعلق بمحرك التنفيذ والقوة الضاربة ميدانيا، فضلنا إجراء عملية مسح بسيطة على الحكومة الجديدة القديمة والتي فضل بوتفليقة تجديد الثقة فيها كما فعل منذ عشر سنوات مضت. * حكومة أحمد أويحيى، التي قبعت في قاعة الانتظار، وترقبت طويلا نتائج التحاليل التي خضعت لها خلال جلسات استماعه السابقة، والتي أفضت الى نتائج إيجابية ولصالحهم، بتمديد إقامتهم والإبقاء عليهم، أزيد من 50 بالمائة من وزرائها تجاوزوا عتبة السن القانونية للإحالة على التقاعد، وهناك حتى من استدعي منهم بعد مدة من تقاعده لممارسة مهام هي تنفيذية بدرجة أولى وتحتاج الى قوة الشباب وعنفوانه، ومعلوم أن عامل السن كالطبيعة يفرض نفسه ولا يقبل قانونا بديلا لهذه الطبيعة، ولنا في فيضانات باب الوادي وزلزال بومرداس خير مثال لمن يتطاول على الطبيعة ويتصرف في قوانينها. * الطاقم الحكومي الذي جدد الرئيس بوتفليقة الثقة فيه، وبغض النظر على مقياس الكفاءة، والنجاعة في التسيير، أزيد من 50 بالمائة من وزرائه تجاوزوا سن 60 سنة، وخلافا لقانون العمل الذي يوجب التقاعد عند هذا السن، نجد الجهاز التنفيذي والقوة الضاربة التي يعول عليها بوتفليقة ميدانيا، وهم وزراءنا، يضم وزيرا سنه 76 سنة، فالوزير المنتدب المكلف بالجماعات المحلية دحو ولد قابلية من مواليد 1933، أي سنه 76 سنة، في حين يبلغ وزير الشؤون الدينية أبو عبد الله غلام الله 75 سنة، من مواليد 1934. أما وزير المجاهدين محمد الشريف عباس فسنه 73 سنة، لأنه من مواليد 1936، أما وزير الداخلية والجماعات المحلية يزيد زرهوني فهو من مواليد 1937 أي يبلغ 72 سنة، أما صاحب الحقائب الثلاث: التضامن والأسرة والجالية بالخارج جمال ولد عباس فهو من مواليد 1934، أي سنه 75سنة، كما أن وزير الصناعة والاستثمار عبد الحميد تمار سنه 73 سنة، من مواليد 1936. * في نفس السياق نجد ابن المؤسسة العسكرية الذي خدم الجزائر لمدة ربع قرن الوزير المنتدب المكلف بالدفاع الوطني، عبد المالك ڤنايزية، البالغ من العمر 73 سنة ، من مواليد 1936، كما يقاسمه نفس السن وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل. * أما عند عتبات الستينات فنجد وزير الشؤون الخارجية مراد مدلسي من مواليد 1943 أي سنه 66 سنة، يليه كل من وزير النقل عمار تو والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بلخادم وكذا وزير البيئة والسياحة الشريف رحماني من مواليد 1945 أي سن 64 سنة، وفي وقت نجد وزير التعليم العالي رشيد حراوبية يبلغ من العمر 63 سنة، فإن وزير العدل حافظ الأختام الطيب بلعيز ووزير الموارد المائية عبد المالك سلال يبلغ كلاهما 61 سنة على اعتبار أنهما من مواليد سنة 48. * وإن كان قرار تعيين الوزراء، هو من صلاحيات رئيس الجمهورية دون سواه، ومن دون الخوض في المقاييس والمعايير التي تحكم ذلك، وإن برر هو خياره بالالتزامات الوطنية والدولية الآنية فإن السؤال الذي يفرض نفسه: هل بإمكاننا الاعتماد على تشكيلة حكومية يتجاوز معدل سنها 68 سنة؟ وهل لمجتمع يضم في تشكيلته أزيد من 75 بالمائة شباب أن يسلّم بذلك؟ ومتى يصل المشعل الذي يعد هؤلاء بتسليمه للشباب لأصحابه؟ ووسط الأمل في وصوله يبقى التخوف القائم وصوله فاقد لوهيجه.