حرم المرحوم كاتشو وراء نجاح وشهرة الفنان الراحل علي ناصري المعروف باسم كاتشو امرأة من طينة خاصة، استضافت الشروق في منزلها الكائن بحي الإخوة كشيدة بباتنة، وكشفت عن الكثير من التفاصيل التي صنعت مجد هذا الرجل، فكانت جلسة تذكر لمسيرته ولكلماته الطيبة.. كما كانت فرصة تعرفنا فيها على هذه المرأة التي عاشت معه مراحل مختلفة بعضها سعيدة وبعضها تعيسة، وعن هذا وذاك وجوانب أخرى من حياته حدثتنا السيدة نصيرة ناصري التي تقبلت أسئلتنا بصدر رحب رحابة صدر شريك حياتها كما عرفناه منذ بداية مشواره الفني. عائلتنا تعرضت إلى إساءات مستنا في شرفنا بسبب خيار كاتشو في الرئاسيات * بداية السيدة ناصري أعود بك إلى ما قبل معرفتك به وأسألك لماذا عارضت دعوة كاتشو لإحياء حفل ختان ابن شقيقك؟ * تضحك.. سبحان الله هذا حصل لما كان عمري ستة عشر سنة، وتذكرني به الآن هذه مفاجأة فعلا، قرر أخي دعوة كاتشو لإحياء حفل ختان ابنه فعارضت القرار وفضلت دعوة أي فنان إلا هو، فقلت، لا وإلى حد الآن لست أدري لماذا رفضت.. ربما كانت الأقدار تخبئ أمرا ما.. لكن قل لي بربك من أين أتيت بهذه المعلومة لقد فاجأتني. * * حدثينا الآن عن ارتباطك بكاتشو وكيف كانت مراسم الزواج؟ * حصل التعارف بيننا أول مرة سنة 1985 لما التقيته في ساتالوز بليون الفرنسية، وقتئذ لم يكن فنانا مشهورا وبمرور الزمن تطورت العلاقة بيننا فتقدم لخطبتي ثم حصل الزواج في منزلنا الكائن بحي شيخي، وكان هو نجم السهرة حيث أحيا حفل الزفاف مغنيا وعريسا في الوقت ذاته.. أتذكر أنها كانت سهرة جميلة لأنه كان الأجمل.. وبمرور الأعوام صارت عائلتنا تتكون من خمسة أفراد والآن صرنا أربعة. تتنهد وتتوقف عن الكلام ثم تواصل سيف الدين هو البكر 1991 تلاه كسيلة بعد أربع سنوات ثم شيماء سنة ألفين هي مقبلة على اجتياز امتحان الانتقال إلى التعليم المتوسط، أما كسيلة فانتقل إلى الثالثة متوسط وأما سيف الدين فتفرغ لكرة القدم. * * هل ثمة من عائلتك أو أقاربك من عارض زواجك بفنان؟ * لا أحد عارض سواء من عائلتي أو أقاربي أو حتى من عائلته لأن الاتفاق تم بيننا، وكان هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة. معلوم أن ثمة من عارض ولو في السر من باب الحسد، لكن حتى صديقاتي العزيزات باركن الفكرة وتم كل شيء على ما يرام. * * هل كان غياب زوجك المتكرر يزعجك؟ * لا بالعكس أدركت ذلك قبل الزواج وهيأت نفسي لذلك يقينا مني أن الفنان ليس ملك نفسه وعائلته فحسب، بل هو ملك الجميع فكان علي أن أتقبل الوضع وأتحمل المسؤولية فقط اشترطت عليه أن يوفر ما نحتاجه من مال لتسيير شؤون المنزل والأبناء بعد ميلادهم. * * اشتهر كاتشو في أول ألبوم له بأغنية "البابور"قبل الزواج، هل لديك فكرة حول هذه الأغنية؟ * في ذلك الوقت لم أكن زوجته، لكن كنت قريبة منه ولذلك كان يسمعني عبر الهاتف ما يكتبه من كلمات الأغنية.. كان صادقا فيما يكتب لأن الأغنية تعكس معاناة صديق له من ولاية الشلف هاجر والده إلى ديار الغربة، وترك له مسؤولية العائلة، كان وقعها ثقيلا عليه وفي كل مرة يتصل فيها بكاتشو يحكي له معاناته. * * في هذا السياق الكل يعرف أن كاتشو لم يذق مرارة اليتم رغم ذلك عالج هذا الموضوع في أغلب ألبوماته، مالسر في ذلك؟ * والله يا أخي سألته عن سر تركيزه على اليتيم ففهمت منه أن إحساسه المرهف تجاه اليتامى سببه أنه تربى بين أيدي زوجة عمه الفرنسية الأصل، ولما شبّ تحمل المسؤولية لوحده بعيدا عن حنان الأبوين بمحض إرادته أو لظروف فرضت عليه هذا الخيار. * * أعلم أنه أحيانا يساعدك في بعض التدابير المنزلية ماذا كان يردد من كلمات؟ * صحيح لقد كان عوني وسندي في المنزل، ومهما وصفت لك الصورة لن أوفيها حقها.. كان يرتل باستمرار سورة »الصمد« ولم أحاول فهم سر ذلك، وفي حالات يكون فيها أمام مرآة الحمام يردد كلمات أغنية قيد التحضير. وفي حالات أخرى يتمالك نفسه عند الغضب بترديد ما حضر له من كلمات للمطرب الذي يحبه كثيرا محمد عبدو أو عيسى جرموني الذي يعشقه كثيرا. * * تعلمين أن كاتشو اشتهر بالأغنية الشاوية، فجأة غنى بالعربية فانقلب أغلب عشاقه عليه كيف تعامل مع الوضع؟ * هذا سؤال في محله.. فعلا لقد كان كاتشو وفيا للأغنية الشاوية لكن سفرياته إلى مختلف أنحاء الوطن أرغمه على الغناء بالعربية كي يفهمه الجميع، وذات مرة غنى في تونس بالشاوية فتأسف الجمهور لعدم فهمه مع اعترافه بقوة صوته وجمال ألحان أغانيه وهنا قرر الغناء بالعربية، ومع صدور أول ألبوم أدار له جمهوره في الأوراس الظهر، وقتئذ استقبلت الكثير من المكالمات التي كانت تحمل عبارات السب والشتم وكان علي وعليه أن نتقبل الانتقادات. * * وهل كنت من المؤيدين أم من المعارضين لهذا التحوّل؟ * بصراحة وبكل قناعة كنت ولا زلت ضد هذا التحوّل، كانت رغبتي أن يبقى فنانا شاوي قلبا وقالبا، لكن مبرراته حتمت علي الرضوخ لقراره ثم لا تنسى أن رب الدار كلمته لاترد لكن في قرارة نفسي فضلت أن يبقى كما عرفته أول مرة. * * أعرف أن كاتشو من الذين يكظمون الغيظ هل وجد فيك الأحضان الواسعة للبوح والبكاء أحيانا؟ * "دموعها سبقت كلامها.. أوقفنا التسجيل ثم واصلنا« يا أخي العزيز لقد كان كاتشو من الذين يخزّنون معاناتهم في قلبه، ومن حين إلى آخر يبوح لي بما يؤلمه وكنت أتأثر لدرجة الانفعال، فيهدئني ويقول "كاين ربي" وأريد أن أوضح هنا أن أشد ما كان يؤلمه العراقيل المفتعلة التي يواجهها في مشروع مزرعته من طرف بعض المقريبين من محيطه ولذلك غنى " همي همي جاني من دمي * " * هل حقيقة تلقى تهديدات بالقتل؟ * أستبعد ذلك، اللهم إلا إذا أخفى علي الأمر، لكن المؤكد أن عائلتنا تعرضت إلى إساءات من طرف البعض عبر كتابات حائطية خلال فترة الحملة الإنتخابية للرئاسيات. * * أفهم من كلامك أن خيار كاتشو في الرئاسيات كان السبب فيما أصاب العائلة؟ * أنا لم أفهم إلى حد الآن ماذا كان يريد هؤلاء منا. فهل من الديمقراطية إجبار شخص ما على التصويت لهذا الطرف أو ذاك.. صراحة لم أهضم سلوكهم ولم أجد له مبررا لأعذرهم. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد.. لقد عشنا أياما في خوف شديد، أنا كامرأة وكأم كنت أخاف على نفسي وعلى أولادي كانت أياما عصيبة جدا حتى أن والي ولاية باتنة الأسبق اقترح علينا تغيير مقر الإقامة كما تلقينا اقتراحا بالسفر إلى فرنسا بجواز خاص لكن كاتشو فضل البقاء في حي الإخوة كشيدة . * * هل شعرتم بحماية تحيط بكم؟ * نعم كنا نشعر بها لقد كان منزلنا تحت المراقبة ورغم تلك الأوقات الاستثنائية كان كاتشو يسهر إلى آخر الليل دون خوف، أما أنا فأبيت واقفة في الشرفة أترقب عودته ولما أعاتبه يرد قائلا "الموت بالمكتوب إذا جاءت مرحبا بها". * * غنى كاتشو للمصالحة والحب ماذا كان سيغني لو بقي على قيد الحياة؟ * كان سيغني" أميرة" التي حضّر لها منذ خمس سنوات، لكن الموت أدركته، وهي أغنية تعالج موضوع الإعاقة. عنوان الأغنية هو اسم ابنة أخيه وصديقه عبد القادر واعلي وبالمناسبة أعتذر له على عدم تسجيل ونشر الأغنية لأنها مؤثرة جدا من جهة وأفضل أن تبقى ملكا للعائلة من جهة أخرى. * * قرر المرحوم أن يعتزل الفن بعد الحج، لكنك أقنعته بالعدول عن قراره أليس كذلك؟ * بلى أنا من كنت وراء عودته.. لقد أسر لي بإقدامه على الاعتزال، كان يقول لم يبق لي أن أغني بعدما صار عمري 45 سنة أفضل أن أترك المجال لجيل الشباب. وفعلا اختفى من الساحة الفنية بعد عودته من البقاع المقدسة في وقت كنت أواجه ضغوطات عشاقه خصوصا العنصر النسوي بحكم عملي كحلاقة وشيئا فشيئا أقنعته فعاد للغناء. * * هل كانت الثقة متبادلة بينكما؟ * جدا جدا كنت أثق فيه ثقة عمياء كان يحبني ويحترمني كثيرا . * * وما حقيقة حكاية زواجه؟ * هي إشاعة ساقتها أطراف كان وقعها سيكون ثقيلا على استقرار العائلة لو أن أصحابها لم يتفقوا على سرد واحد.. فثمة من قال إنه تزوج في خنشلة ومن قال في سكيكدةوالجزائر وولايات أخرى، وبالمناسبة حضر أغنية للرد عليهم بعنوان "زوجتوني"للأسف لم يكتب لها أن تسجل وتذاع. * * ماهي الأكلة المفضلة لديه؟ * الكسكسي.. يحب كثيرا أكل الكسكسي كما يحب مكعبات المقروط، ولم يحدث يوما أن خاصمني بسبب نوعية ومذاق الأكل. * * 24 ساعة قبل الحادث المميت.. .حديث عن العمرة وإصرار على إطعام نزلاء دار العجزة * * عفوا السيدة ناصري لا أقصد إثارة المواجع لكن الفضول الصحفي يجرني للحديث حول آخر الساعات معه. * كنا في رحلة العودة من جيجل إلى باتنة يوم 10 أوت 2009 وأثناء السير تحدث كثيرا حول مزرعته وحول آداء العمرة مع جميع الأبناء في شهر رمضان تليها حجة، وفي صبيحة اليوم الموالي تناول الحديث مع الابن البكر سيف الدين حول مقابلة الجزائر الأورغواي المبرمجة في مساء يوم 11 أوت ثم انصرف للعمل في المزرعة كي يتفرغ لمشاهدة اللقاء علما بأنه لاعب كرة قدم ماهر. وفي الثالثة بعد الظهر عاد إلى الدار وتناول أكلته المفضلة الكسكسي بينما ذهبت أنا إلى العيادة لفحص ابني كسيلة، وعند عودتي وجدته جالسا في سلم المنزل ينتظرني لأرافقه إلى إحدى النساء لنطلب منها تحضير الرقاق لإطعام نزلاء دار العجزة بالشخشوخة يوم الاثنين، وهو ما دأب عليه منذ مدة فاعتذرت له على عدم مقدرتي على الذهاب معه لأن التعب نال مني، لكنه أصر علي أن أرافقه، ففعلت بعدها عاد إلى المزرعة لينقل العامل فيها إلى منزله في عين التوتة ثم العودة إلى المنزل لمشاهدة المباراة الكروية، لكنه ذهب ولم يرجع... وترك لنا كلاما جميلا لقد كان يوصينا جميعا بفعل الخير واحترام الناس وزيارة العجزة في دارهم، أما ما أستأنس به عند الضيق أغنيته التي كتبها بصدق "همي همي جاني من دمي" * * كلمة نختم بها هذا اللقاء * أشكرك شخصيا يا حكيم والشكر موصول إلى أسرة الشروق كما أشكر كل من وقف بجانبنا خصوصا والي ولاية باتنة والسيد واعلي وجميع عشاق المرحوم.. أما الذين ادعوا أنهم من المقربين من المرحوم وماهم بمقربين من أمثال ذلك الذي ادعى أنه قضى معه فترة الخدمة الوطنية لهذا أقول عائلة كاتشو تعرف جيدا المقربين منها ومن علي ناصري المعروف باسم كاتشو.