أجور ضعيفة، حقوق ضائعة، لا توظيف إلا بالوساطة والمحسوبية لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع فيه احتجاجا واعتصاما هنا، وإضرابا عن الطعام هناك، للأعوان العاملين لحساب شركات الأمن والحراسة الخاصة، ضد ممارسات الشركات التي يعملون لحسابها، سواء بتعمدها الامتناع عن دفع رواتبهم الشهرية لفترات متفاوتة قد تقارب مدتها في بعض الحالات سنة كاملة، أو بحرمانهم حق أجور العمل الإضافي، والإجازات، وعدم حصولهم على المنح المختلفة، أو عدم التصريح بهم لدى الضمان الاجتماعي، ونظرا لأهمية هذا الملف وانعكاساته السلبية على المستوى المعيشي لشريحة واسعة من الجزائريين، ارتأت "الشروق اليومي" تسليط الضوء على الاستغلال الإنساني الذي يحدث داخل هذه الشركات التي تعمل على حماية الآخرين وممتلكات الآخرين، في حين أن موظفيها يعانون من أبشع الممارسات. * أولى مظاهر الاستغلال البشري التي يتعرف عليها طالب العمل قبل توظيفه في شركات الأمن والحراسة، وجود المحسوبية والوساطة في العديد من شركات الأمن، حيث نجد (الوساطة)، (المحسوبية) و(الرشوة) الثلاثي المطلوب بقوة في عمليات توظيف أعوان الأمن والحراسة، حيث شعار أغلبية هذه الأخيرة "لا وظيفة لمن لا وساطة". وإن ساعف الحظ ذلك البطال المغلوب على أمره، فإنه يعيش ومن الوهلة الأولى جملة من الممارسات التي لا يمكن لنا تصنيفها سوى في خانة الاستغلال البشري. * تدفع في المتوسط شركات الحراسة والأمن الخاصة لأعوانها ما بين 11 ألف و12 ألف دينار شهريا لكل واحد منهم، في حين تقبض عن كل واحد من مستخدميها ما بين 45 ألفا و60 ألف دينار شهريا، وبالرغم من هذا الراتب الضعيف جدا الذي لا يكفي لسد احتياجات هؤلاء الأعوان، فإن العديد من شركات الأمن التي يزيد عددها عن 50 شركة تتعمد تأخير رواتب أعوانها، وفي هذا الإطار كشف لنا المدعو ( ق.احمد) وهو عون أمن بأنه لا يحصل على أجرته التي لا تتعدى 12 ألف دج في نهاية الشهر، بل في كل شهرين أو ثلاثة و"في كثير من الأحيان يتم تأخيرها إلى ما يقارب السنة"، وهي نفس المشكلة التي طرحها المدعو (إسماعيل-م) بشركة مختلفة، والذي صرح بأنه يتقاضى راتبا يبلغ11 ألف دج، "وعلى الرغم من ذلك لم أتقاضه منذ خمسة أشهر، ولم أحصل سوى على مبلغ من المال على شكل تسبيقات". * وبالنسبة لمسألة الإقامة، فقد ابلغنا عشرات الأعوان بأن المؤسسات التي يعملون لصالحها تحملهم مصاريف الإيواء، ويتم اقتطاعها من الراتب الزهيد، على الرغم من الرواتب الضعيفة، أما السكن الذي توفره هذه الشركات لأعوانها لا يصلح حتى إسطبلات للحيوانات، فغرف الشاليهات ضيقة جدا، حيث الغرفة التي تتسع لفردين يسكن فيها ستة أفراد، وفي هذا الإطار صرح المدعو (جمال- س) بأنه منذ أن التحق كعون امن بالشركة التي التحق بها، لم يستطع أن يحصل على قسط معقول من الراحة بسبب الازدحام والضوضاء. * * الأعوان يعملون أزيد من 12 ساعة ويدفع لهم أجر 8 ساعات * وقت الدوام هو المدة المحددة والمقررة يوميا للعمل، وغالبا ما تكون هذه المدة 8 ساعات في اليوم، كما يقرها قانون العمل، وأي ساعة تزيد عن الثماني ساعات يجب أن يحتسب أجرها إضافيا، إلا أن شركات الأمن لا تحترم هذا القانون حيث حددت عشرات الشركات مدة العمل بأزيد من 10 ساعات في اليوم. وأكثر من ذلك فإن شركات الحراسة تتلقى من الشركات والمؤسسات التي تعاقدت معها والمتعهدة بحراستها أجر 24 ساعة وتدفع للأعوان أجر 8 ساعات في اليوم، بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن العديد من شركات الأمن والحراسة تجبر أعوانها على العمل لمدة تصل إلى أكثر من 12 ساعة تصل إلى 16 ساعة عندما يكون هناك عجز في أعداد الحراس، وهو الأمر الذي اعتبره العديد من الأعوان الذين التقت معهم "الشروق اليومي" بالاستغلال البشري بأم عينه، بالرغم من أن زمن الاستعباد قد ولى، هذا دون الحديث عن المشاكل العديدة لهذا النوع من العمال التي لا يسعنا المقام لذرها جميعا، على غرار عدم حصولهم على كشوف الرواتب، وعدم تلقيهم منح أيام العطل والأعياد الوطنية والدينية، الطرد التعسفي دون مبرر وعدم تلقيهم لمنح الأخطار بالرغم من أنهم يستخدمون الأسلحة، كالصدريات المضادة. * * ثلاثة أرباع أعوان شركات الأمن والحراسة غير مؤمنين * بدأت ظاهرة أعوان الأمن غير المصرح بهم لدى الضمان الاجتماعي تأخذ منحنيات خطيرة في سوق الشغل على المستوى الوطني، وتظهر آثارها الاجتماعية الوخيمة عندما يتعرض هؤلاء الأعوان إلى حوادث أو عدم القدرة على العمل لأسباب مختلفة تحيلهم على ظروف قاسية بعد انتهاء "مدة صلاحيتهم" في نظر أرباب المؤسسات، ليبقى هؤلاء بين مطرقة البطالة وسندان الحقوق المهضومة بفعل غياب التأمين، حيث أن الكثير منهم يتعرضون إلى حوادث خطيرة يتم في أحسن الأحوال التصريح بهم لدى مصالح التأمين بعد الحادث، حيث أن رب العمل أومالك شركة الحراسة لا يكلف نفسه عناء تأمين أعوانه هروبا من مصاريف الضمان وطمعا في دنانير إضافية، قد تكون ثمنا لحياة إنسان، ويتواصل هذا الانتهاك العلني لقانون العمل في ظل قلة رقابة مفتشيات العمل، وقد ساهم الطلب المتزايد على هذه الوظيفة كثيرا في انتشار التشغيل غير القانوني لأعوان الأمن. * وفي الأخير ألح العديد من الأعوان الذين التقت معهم الشروق اليومي على ضرورة تدخل الجهات الوصية لوضع حد لهذا النوع من الاستعباد والاستغلال البشري، برفع الحماية القانونية عن أصحاب وملاك هذه الشركات الذين عادة ما يكونون أصحاب نفوذ، وثانيا بتكثيف لجان التحقيق في ظروف العمل التي يعيش فيها أعوان الأمن، ومنح هذه اللجان صلاحيات أوسع.