هي مدينة الأولياء الصالحين من سيدي الحرفي إلى سيدي المجني وسيدي ابراهيم، وهي مدينة الآثار والصناعات القديمة منذ أن أسسها القرطاجيون وأقام فيها الفينيقيون والرومان وعبرها الأمازيغ والحفصيون.. مدينة جمعت بين كل المتناقضات وانصهرت فيها كل العصور والثقافات .. إنها دلس، أو " ثاذلسث " بالأمازيغية، التي تحيل على اسم نبتة استخدمها قدماء السكان في تسقيف البيوت وصناعة الأواني وتغذية الحيوانات . * دلس.. مدينة على ساحل البحر الأبيض متوسطة بجاية والعاصمة، ميزتها الشوارع الضيقة والبيوت البيضاء، هي أيضا مدينة الحقول والبساتين التي تقسمها إلى أحياء عربية، أهمها القصبة السفلى والقصبة العليا، وأخرى أوروبية موازية للمدينة العربية. كانت دلس على امتداد تاريخها إحدى أجمل مدن المتوسط من الناحية العمرانية، إذ يعود الفضل في تأسيسها إلى القرطاجيين، وتطورت في زمن الرومان حيث أطلق عليها اسم "روسوكوروس"، وعرفت عهدا من الرخاء في عهد الإمبراطور كلوديوس بداية من 50 ميلادية. ولا تزال بعض الأسوار القديمة غربي المدينة شاهدة على هذا العهد، كما أن المنابع المعروفة باسم " سيدي سوسان " تشهد على مرور الرومان . مع مجئ العرب، قامت مدينة جديدة على أنقاض المدينة الفينيقية. خضعت دلس بعدها لسيطرة الحماديين، كما استقر بها معز الدولة بن صماد، صاحب ألمرية، بعد اكتساح المرابطين للأندلس عام 1088 م. واستولى عليها أبو عبد الله الحفصي بعد أن انتزعها من بني عبد الواد ومنه استمد السكان ما يعرف اليوم في تقاليد المنطقة ب " الفحص "، والتي تعني المكانة الرفيعة والنسب الأرستوقراطي، إلا أن السلطان أبو حمو، وبعد حصاره المدينة استطاع أن يستردها مجددا . بعد استيلاء الإسبان على بجاية سنة 1509 م، أصبحت دلس قاعدة للإخوين بربروس ومنها انطلقت الحملات لاسترداد المدن المحتلة قبل أن ينتقلا إلى مدينة الجزائر . دلس هي المدينة التي كان لها حيز كبير في تاريخ الرحالة العرب والأجانب أمثال الإدريسي في القرن12م في "نزهة المشتاق"، والحِمْيري في القرن 15م في "الروض المعطار"، والحسين الورثلاني في القرن18م في "نزهة الأنظار"، والضابط الفرنسي كاريت، والرحالة الألماني هاينريش فون مالتسان في القرن 19م في " ثلاث سنوات في شمال غربي إفريقيا "، ترجمة أبو العيد دودو . وذكر الحفناوي في كتابه "تعريف الخلف برجال السلف"أحد أعلامها نقلا عن رحلة الورثلاني المذكورة، وهو أحمد بن عمر الدلسي، ويقال إن كارل ماركس أيضا مر بها عندما جاء إلى الجزائر طلبا للعلاج. عندما استولى الفرنسيون على منطقة القبائل في 1837 قاد الماريشال بيجو الحملة الفرنسية وسقطت المدينة بعد مقاومة شرسة من سكان قبيلة "افليسن"كانت دلس أيضا معبرا لثورة الشيخ بوبغلة وجيش التحرير الوطني الذي اتخذها قاعدة للقيام بعدة عمليات ناجحة ضد الاستعمار الفرنسي . دلس أيضا مدينة الفن الأصيل فقد بكاها اعمر الزاهي، الذي قضى فيها ردحا من مراهقته، وبفضله سكنت المدينة ذاكرة الغناء الشعبي في الجزائر، كما سكنت الفضاء الأدبي بفضل مالك حداد الذي خلدها في قصيدة "دليس دو دليس".