الحلقة الرابعة عشر تركّز وسائل الإعلام المخزنية وبإيعاز من المخابرات على تناول الواقع الاجتماعي للجزائريين، حيث تبالغ في تصويره إلى حد لا يمكن تخيله، وحتى في الملتقيات التي تقام والمداخلات التلفزيونية التي نراها ونسمعها، نجد أغلبهم يتباهون بالواقع الاجتماعي للمغرب، وطبعا يغرقون في المديح والتذلل للسياسة التي توصف بالرشيدة لعهدهم الجديد، في حين يقدحون في الواقع الإجتماعي للجزائريين، وبما يعانونه من فقر وبطالة... الخ. * كما رأينا أنهم يعطون أرقاما عن الأموال التي تقدمها الجزائر كمساعدة وتموين لجبهة البوليزاريو، تباينت الأرقام وتناحرت النوايا والمقاصد من 300 مليار دولار إلى 200 مليار دولار إلى 150 مليار دولار... الخ، وكل من يتفرغ إلى قرطاسه وقلمه ليشبع نزوته في سب وشتم البوليزاريو يسدي أرقاما ومعطيات، ليبالغ في شأنها ويحاول إظهارها أنها من مصادر مطلعة وموثوقة. * وآخرون يتّخذون مقام الصالحين لرأب الصدع ومن دون موازنة موضوعية، كما هو الأمر مع الوزير الأسبق محمد العربي المساري الذي زجّ باسمي في مقاربة محفوفة بنوايا مترهّلة، بجريدة "الشرق الأوسط" العدد 11124 الصادر في 15 / 05 /2009. * المهم بغض النظر عن الرقم الصحيح أو الخطأ، وبغض النظر عن أبعاد ذلك، وتجاوزا للدور الذي تلعبه الجزائر في دعم المضطهدين سواء في غزّة أو العيون أو مخيمات تندوف، إلا أن الهدف الحقيقي من وراء الخوض في واقع شعبنا والزجّ بالأرقام يهدف من وراءه إثارة فتنة فقط، وتأليب الجزائريين ضد الدعم الجزائري لقضية الصحراء الغربية، حتى أن أحد "المثقفين" المغاربة أكّد لي أنه لا يمكن إجبار الجزائر حتى تتراجع عن موقفها من الصحراء إلا بثورة شعبية عارمة، ولا يمكن الوصول إلى هذه الثورة إلا بإثبات وبالدليل الأموال التي يتميز بها الصحراويون من الخزينة العمومية. * وأعتقد أن هذا الرهان لم يفلح أساسا، فالجزائر تعترف دوليا بدعمها للجبهة كممثل للصحراويين في تقرير مصيرهم، كما تنافح عن ذلك في المجتمع الدولي، وهي التي تأوي اللاجئين على ترابها جهارا ونهارا. * ولو تجوّلنا في الصحف المغربية لوجدناها لا تخلو يوميا من أخبار عن الفقر والبؤساء وغلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية والرشوة والفساد في الجزائر، وحتى المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي تتلقف تلك الأخبار التي تنقلها الصحف الجزائرية من حين لآخر. * وتجد الجدل القائم بين المغاربة والجزائريين عن مغزى الدعم للصحراويين وتجاهل الفقراء من أبناء الوطن، ولكن أغلب الذين يردون على شبهات "المخازنية" المجنّدون على الأنترنيت، بأن "الجزائريين أصحاب ثورة عملاقة مستعدون للموت جوعا من أجل دعم الشعوب المحتلة في الصحراء الغربيةوفلسطين والعراق" كما قال أحدهم. * وردّا عن سؤال عن الاهتمام بالصحراء الغربية أكثر من فلسطين، أجاب آخر: "الصحراء الغربية على حدودنا ونحن أولى الناس بالدفاع عن شعبها المحتل، وفلسطين لو كانت في مكان الصحراء الغربية وهذه الأخيرة في مكان فلسطين لكان الأمر نفسه". * بل إن "كاتب" أشار في أحد خزعبلاته من أنه لا يمكن ثني النظام الجزائري عن موقفه إلا بثورة شعبية، ولا تتحقق هذه الثورة إلا بحرب أهلية جديدة، لن تكون بين الإسلاميين والعسكر، بل يجب أن تنشب بين طرفين متناقضين في مواقفهما تجاه قضية الصحراء. ليحاول أن يذهب في ترهاته من أن هذا الأمر سيتحقق قريبا في ظل الأزمة الاجتماعية والفقر والبطالة والأمراض المزمنة التي يعاني منها الشعب الجزائري بالرغم من مداخيل النفط الخيالية. ثم يذهب إلى مربط الفرس وهو دعم الجبهة بالمال والدبلوماسية على حساب الفقراء والمساكين على حد تعبيره المخزني الواضح، ومتجاهلا في كل ذلك واقع المغاربة الذي لا يمكن تخيله وصلت حدّ الأعراض والشرف، وهو الذي يحتاج إلى حلقات مستقلة. * * 2 - كسب الدعم الدولي ولو على حساب قضايا الأمة الكبرى: * بنظرة واعية إلى واقع المخزن المغربي فإننا نجد مدى النفوذ الصهيوني في دوائره، حتى أن الملك الحسن الثاني ثم محمد السادس، اتخذا مستشارا يهوديا يضمر بلا شك عداءه لقضايا أمتنا، ويتعلق الأمر بالمسمى أندري أزولاي الذي افتخر أنه يتمتع بكل معاني المواطنة في المغرب وذلك في حديث أدلى به لقناة العربية في سبتمبر 2007. * والذي قال أيضا: "اليهود هم من الركائز التي تتكون منها الأمة والشعب والدولة المغربية، إذن أنا في وطني وأنا جزء من المشهد التاريخي والإنساني والديني في الآن نفسه". * ومن دون أن نخوض في تاريخ اليهود بالمغرب سواء في عام 586 ق. م منذ ما يسمى خراب الهيكل الأول، أو في 1492 عند طرد العرب واليهود من الأندلس والذي قدّر عددهم 200 ألف، أو من البرتغال في 1497 بعد التنكيل بهم هناك. * لكن نؤكد على أن المخزن يراهن على علاقات حميمة وسرية وتجارية مع الكيان العبري من أجل الدعم الدولي في قضية الصحراء الغربية، حتى أن مصادر إعلامية أكدت أن المغرب قبل باستقبال القاعدة العسكرية الأمريكية "أفريكوم" على ترابه وبالضبط بالقرب من مدينة طانطان المتاخمة للصحراء الغربية، والخبر سربه تقرير أمريكي في 2008، نشرته صحيفة "أفريكا أنفو ماركت"، وقد ورد في التقرير أن 50 مهندسا جويا حلّوا بطانطان، وهم عناصر المجموعة المسماة (SEABEES) - ومعناها نحل البحر- وتنتمي إلى الفرقة الأمريكية المتنقلة رقم 1، وذلك قصد الإشراف على وضع الآليات العسكرية بمقر القاعدة العسكرية المتفق على إنشائها. * أما بخصوص التكلفة، فقد أفاد التقرير أن القاعدة كلّفت البنتاغون أموالا طائلة، منها 4 ملايين دولار رصدت لتعبيد الطريق الموصلة إليها، ولإقامة حقل للتدريب على الرماية وتشييد أبراج المراقبة وتجهيزات أخرى للتدريب العسكري. كما أن موقع "ميكانوبوليس"، يكشف بوضوح من أن المغرب قد وافق سريا منذ نهاية يناير 2008 على احتضان قيادة "أفريكوم". * وبغض النظر عما يحتويه هذا الملف من خفايا وأسرار ستطفو للسطح يوما ما، إلا أن المراقبين الذين تابعوه عن كثب، أكدوا من أن قبول القاعدة العسكرية على التراب المغربي وعلى مقربة من الصحراء الغربية، هي مقايضة واضحة لأجل تدعيم الأطروحة المغربية لحل القضية وبضغط أمريكي خاصة على الجزائر، وطبعا هذا يتناقض مع مواقف الدول الإفريقية والمغاربية الرافضة للتدخل الأجنبي عبر مبرر مكافحة الإرهاب، ومن أبرز الدول التي ترفض التدخل الأجنبي هي الجزائر، والمخزن وكعادته يسعى لإحراج الجزائر في المجتمع الدولي، حيث تراه يوافق على كل ما ترفضه ولو كان على حساب قيم الأمة ومقدساتها. * وعن دور إسرائيل في تاريخ المغرب، نجد الكاتبة الفرنسية من اصل يهودي، آنياس بنسيمون، مؤلفة كتاب (الحسن الثاني واليهود)، كشفت في تصريحات لبرنامج "الملف" الذي بثته قناة الجزيرة بتاريخ 10 / 09 / 2010، من أن إسرائيل ساعدت الملك المغربي الراحل في كشف مؤامرة الجنرال أولفقير للإطاحة به، أو حتى اغتياله وهو ولي للعهد عام 1960 كما ورد في كتابها، كما أضافت أن إسرائيل ساعدت الحسن الثاني عسكريا في حرب الرمال ضد الجزائر عام 1963، مما يعني مدى تغلغل اليهود حتى في أعلى دوائر القصر والجيش المغربي، وفي السياق نفسه أكّد المؤرخ الإسرائيلي ييغال بن نون أن عام 1963 هو بداية العلاقات بين الكيان العبري والمخزن، مما يعني إن كان تقديره الزمني صحيحا، أن الصفقة جاءت على حساب الجزائر. * من جهة أخرى، ظهرت بوادر أخرى منها "صهينة القضية الأمازيغية" من خلال نشاطات أحمد الدرغني زعيم ما يسمّى "الحزب الأمازيغي" الذي قالها صراحة بأن الصهاينة أفضل من العرب، وقد واجهته في برنامج "ملفات مغاربية" على قناة العالم في 03 / 03 / 2008، وعندما أحرجته بصور وتصريحاته وممن هم معه، تجرأ على ما يضمر في أعماقه، تجاه العرب في المنطقة. وقد أكد لي متابع للشأن الأمازيغي في المغرب، من أن الدغرني يتحرك وفق أجندة مخزنية مرسومة معالمها سريا. وهذه القنوات نحو تلّ أبيب هي بدورها تعمل وفق تصور لاحتواء الأمازيغ في الجزائر وخاصة دعاة ما يسمى الحكم الذاتي ممن يتزعمهم المغنّي فرحات مهنّي، وهذا الذي سبق وأن أشرنا إليه بناء على ما تداولته وسائل الإعلام، بل أن مهنّي نفسه أكد في كتابه "المسألة الأمازيغية"، أن المستقبل الذي تحلم به منطقة القبائل مع إسرائيل، وأن حركته المسمّاة "الماك" تعمل على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. * كما أن المغرب قطع علاقاته مع إيران بمهماز أمريكي، وبرر ذلك بالمد الشيعي في بلاده، وأيضا ما فعله مع فنزويلا التي وقف رئيسها مع غزّة في ظل الإبادة والهولوكست الذي تعرضت له مؤخرا. * * 3 - تشويه الجزائر ومحاولات خائبة لتقليم أظافر جبهة البوليزاريو لدى المجتمع الدولي: * يعمل جهاز المخابرات المغربية عبر أذرعه المختلفة سواء كانت إعلامية أو حقوقية أو جمعوية أو سياسية أو دبلوماسية من أجل تشويه الجزائر في المجتمع الدولي، وقد سبق أن أشرنا لجوانب مختلفة في هذا المجال، إلا أن أخطر ذلك ما تقوم به وسائل إعلامه التي ظلت لا تهتم إلا بأخبار القتل والإنتحار والذبح والتفجيرات الإرهابية، وهذا من أجل أن تبرز الجزائر كدولة غير آمنة وأنها مصدر الإرهاب الدولي، ولما لم تفلح خلال العشرية الدموية من إلحاق أدنى شبهات بجبهة البوليزاريو، إلا أنها تعمل الآن من أجل تحقيق هذه الغاية، فنسمع من أن البيوت القصديرية والأحياء الشعبية الفقيرة هي بؤر لنمو التطرف والتشدد السلفي، وأيضا يراهن المخزن على جعل مخيمات اللاجئين في تندوف هي مصدر آخر للإرهاب، وهذا من خلال البحث عن أدنى دليل مادّي يمكن من خلاله إقناع الدول الكبرى بهذا المسعى، ولم تفلح على الإطلاق لأسباب كثيرة أهمها أن الصحراويين تفطّنوا لهذه الحيلة الماكرة وسدّوا المنافذ كلها على الصعيد الدولي والإفريقي والمغاربي. * * 5- إنشاء مشاريع لإدماج المغاربة أو العرب في الخارج: * إضافة إلى تحقيق غايتها التي أشرنا إليها سابقا، فالمخزن يعمل على صعيد إدماج المغاربة والعرب وحتى الصحراويين إن أمكن ذلك في أطر مشاريع سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية من أجل ضمان ولائهم لأطروحاته. كما أن ذلك يسهل على المخابرات اختراقهم والتجسس عليهم وتوجيههم بطرق ماكرة نحو ما يرمون إليه. * وقد انكشف أمر الجهاز في مواقع مختلفة، آخرها -مثلا- ما حدث في مطلع سبتمبر 2010 لما أدانت محكمة هولندية ب 240 ساعة عمل للصالح العام، ضابطا سابقا من اصل مغربي، بتهمة التجسس على مواطنين من أصله لصالح المخابرات المخزنية، وقد انكشف أمره في 2008، أدى ذلك إلى طرد عنصرين من الجهاز من لاهاي، بعدما احتجت الحكومة الهولندية على عملية التجسس هذه. * وقد عمل الضابط مع شبان مغاربة في روتردام وكان صاحب المبادرة في إقامة مشروع يروم إلى إدماج الشباب المغربي في الحياة العملية الهولندية، وتمكينهم من تكوين متخصص يؤهلهم للعمل في مطار أوتردام. * وقد اختار اسم "ماكسيما" لمشروعه، تيّمنا بعقيلة الأمير ويليام الكسندر ولي عهد هولندا، وعند تقديم هذا المشروع في فيفري 2008، تمّ تعيين هذه الأميرة سفيرة له، والتي بدورها نوهت به وبصاحب المشروع. وكان هدف المخابرات المغربية ليس الحصول على أسرار هولندية بل الأمر يتلق بنشطاء مغاربة في الحقل الديني والحقوقي والسياسي في هولندا. كما أن جلسة المحاكمة كشفت عن الضغوطات التي يتلقاها المتهم كلما يزور المغرب صيفا، واجبر على التعامل مع الجهاز المغربي. * * 4 - محاولات لتوريط الجزائريين في الشغب والفوضى والجريمة المنظمة: * تعرف الضواحي الباريسية ومناطق أخرى من فرنسا فوضى وشغب وحتى جرائم تقدم عليها شبكات مجهولة في كثير من الأحيان، وهذا من أجل إشعال فتيل المواجهات ما بين الشرطة الفرنسية والمهاجرين، والغريب أن أغلب المناطق التي تشهد مثل هذه المواجهات هي تلك الأحياء التي تسكنها الأغلبية الجزائرية، في حين الأخرى التي يتواجد بها المغاربة بكثافة لا تعرف إلا أحداث طفيفة وعابرة، وتشير مصادر مطلعة إلى أن الأحداث لا تأتي بعفوية ولا جزافا، بل هي مخططة ومنظمة، وتستهدف الجزائريين أولا وقبل كل شيء. * والمتابعون لشأن هذه الأحداث ومن دون الرجوع إلى أسبابها الأخرى التي تتعلق بالداخل الفرنسي، فإن البعض يراها مخططات تريد تحطيم سمعة الجزائريين في الخارج حتى لا يكون لهم أدنى تأثير. * ولو تتبعنا من جهة النشاط الديني سنجد المغاربة ممن يعمل أغلبهم في أطر يرعاها المخزن، قد غزوا المساجد في أوروبا من أجل السيطرة على هذه المراكز التي يكون لها التأثير البالغ على الجاليات، ومن خلالها يتم توجيهها نحو أفق تدرك المخابرات كيفية استغلاله في المراقبة والاختراق والسيطرة على المبادرات سواء كانت ذات أبعاد سياسية أو مدنية أو دينية... الخ. الحلقة السابقة استعمال بشع للإسلام والعروبة