تجاوزت الخسائر المالية التي هزت الشركة الوطنية لسباق الخيل والرهان المشترك حسب التقرير النهائي الذي قامت به المفتشية العامة للمالية - تحصلت "الشروق" على نسخة منه - حدود 5 آلاف مليار سنتيم منذ سنة 2002 وهوالمبلغ الإجمالي الذي يجمع بين العجز المالي والمبالغ المالية المختلسة من خزينة الشركة. هدايا ثمينة وعمال وهميون بأجور خيالية وحسب التقرير ذاته فإن المبالغ التي تم صرفها والمقدرة بأكثر من 5 ملايير سنتيم لم تكن مبررة بالوثائق النظامية المطلوبة، كما تم ضبط مبالغ مالية تفوق 39 مليون سنتيم صرفت في شكل أجور مضاعفة على مستوى وكالة العلمةبسطيف، كما تم الكشف عن أسماء تتقاضى رواتبها ومستحقاتها المالية الشهرية، لكن دون أن تزاول ولا يوما واحدا أي عمل داخل الشركة، لأنها فقط مبعوثة أو موضوعة من أطراف مؤثرة. وأشار التقرير إلا أن وصول الطلبات كشفت عن تقديم هدايا نهاية السنة من النوع الرفيع، تتمثل في ساعات يد موجهة للعمال من كلا الجنسين من طراز "فاستينا" وبعض الهدايا الأخرى التي لم يستفد منها أصحابها بمبلغ مالي تجاوز 23 مليون سنتيم، كما تحصلت "الشروق" على نسخة من سند سحب بنكي من طرف مدير الإدارة المالية بمبلغ مالي يقدر ب 30 مليون سنيتم إلى جانب التكفل بمصاريف الهاتف النقال المقدرة ب50 مليون سنتيم، كما كشفت النتائج نفسها، عن دفع وهمي لوكالات جمع الأموال بعد بيع الأكشاك لتذاكر "تي أغ سي" ما قيمته 4 مليار سنتيم.
صفقات مشبوهة مع شركة فرنسية كبدت خزينة الشركة خسارة بالملايير وفضح التقرير الصفقة المشبوهة والمخالفة لقانون الصفقات العمومية تتعلق بالتجهيز الآلي التي تمت بين الشركة الوطنية لسباق الخيل والرهان المشترك والشركة الفرنسة "بيمسي فرانس" بصفتها المتعهد الوحيد في سنة 2004 والتي تمت بصيغة التراضي دون الإعلان عنها في الجرائد حسب قانون الصفقات العمومية الذي يشترط إشهار المناقصة بقيمة مالية أولية في حدود 9 ملايين أورو قبل أن يتم رفع السعر بنسبة تجاوزت 70 بالمائة ليصل إلى قرابة 14 مليون أورو مقارنة بالعرض الأوّلي من خلال إضافة هوامش لم تكن معلنة في دفتر الشروط. وحصلت ذات الشركة على تقديم مبلغ مالي بقيمة مالية تفوق 20 مليون أورو بتاريخ 23 نوفمبر 2004 خلال آجال 6 أشهر، لكن الشركة قامت برفع المبالغ من الرصيد الذي لم يسترجعه الرهان إلى يومنا هذا، علما أن الأشغال لم تعرف الانطلاقة وبقي المشروع حبرا على ورق. وقام الرهان الرياضي لسباق الخيل باتصالات من جديد مع الشركة الفرنسية "بيمسي فرانس" نهاية السنة المنصرمة لإعادة إحياء الصفقة بشطر أولي قيمته 50 مليون أورو على أن يتم إنجاز المشروع بصفة نهائية في شهر مارس 2010 ومع ذلك تهاونت الشركة الفرنسية وضربت كل تلك الإتفاقيات عرض الحائط وأخلّت بإلتزماتها، حيث لم تجسد المشروع على الإطلاق بعد تسعة أشهر المتفق عليها.
تضخيم فواتير استيراد أحصنة مريضة بثلاثة أضعاف وفي سياق متصل، كشف التقرير عن الصفقات الخاسرة لاستيراد الأحصنة التي تم الإعلان عنها خريف 2003 والتي قام بها مسؤولو المؤسسة والمقدرة ب 685229.00 أرور، أي ما يعادل 7 ملايير سنتيم من خلال مخالفة قانون الصفقات العمومية، حيث تم الإعلان عن الصفقة من طرف شركة أجنبية. كما أزاح نفس المصدر الستار عن تضخيم فواتير استيراد الخيول "حصان" من شركة "جون مارك شوفو" الفرنسية، حيث تبيع هذه الأخيرة الخيول بغض النظر عن جنسها وعن سنها أيضا، بسعر 11000 أورو للحصان الواحد، غير أن إطارات الشركة يضخمون الفواتير بأربعة أضعاف ويرفعون سعر الحصان إلى 6 آلاف أورو، حيث تشير فاتورة خاصة بشركة "جون مارك شوفو" الموردة لشركة سباق الخيل والرهان المشترك، محررة بتاريخ 8 جوان2005، إلى بيع أجود حصان من نوع "جومو دانا رويال" ذي خمس سنوات بقيمة 1100 أورو، وكذا بيع حصان آخر من صنف "ليست دي لوج" بنفس السعر أيضا، والشأن نفسه بالنسبة للعديد من الأحصنة من أنواع "جاست دو بونشي وجوا دي سالين"، "دوز بوان وجبار أغاب وجومو جيسيليا"، لكن الغريب في الأمر هو أن الفواتير المحررة من قبل مديرية المالية والمحاسبة التابعة لشركة سباق الخيل والرهان المشترك في سنوات 2004، 2006 و2007، تؤكد أن السعر الذي اقتنت به الحصان من عند الشركة الفرنسية سالفة الذكر يتراوح ما بين 600 و3000 أورو. إلى جانب ذلك، هناك العديد من الأحصنة المريضة والمكسّرة ولا تصلح للمسابقات أدخلت من فرنسا إلى الجزائر على أساس أنها للتناسل هروبا من الضرائب وتباع للمربين الذين لا يملكون حق إحضار الطبيب البيطري معهم حتى لا تكشف عيوبهم، وهنا الكارثة العظمى.
بيع سروج وعربات بطرق مشبوهة على حساب الشركة وأشار التقرير ذاته إلى أن صفقة استيراد 60 عربة خيل خاصة بالسباق و10 سروج خلال سنة 2003 كلف خزينة الشركة 10 آلاف و400 أورو، أي ما يعادل 900 مليون دينار، كما أشار التقرير إلى أن 4 عربات و6 سروج تم بيعها بطريقة مشبوهة، حيث باعتها الشركة بالخسارة، إذ بيعت ب 10 ملايين دينار فقط، وهو ما رفع مستحقات الشركة لدى زبائنها إلى 9 ملايين دينار. النصب والاحتيال ب"الشكارة" والتلاعب بأملاك الدولة كما أكد مفتشو المالية الذين حرروا التقرير أن الشركة لا تتوفر على سجل لجرد الممتلكات العقارية والمنقولة الخاصة بالشركة والتي تحدد السعر المرجعي وأصل الملكية ومكانها. كما عرض عدد من حالات سوء التسيير لحظيرة السيارات والمتعلقة بالصيانة، حيث فاقت فاتورة صيانة إحدى السيارات 20 مليون سنتيم دفعت من خزينة الشركة إلى جانب استغلال المسؤول السابق للسيارة الشركة رغم مغادرته لها. ويشير التقرير إلى أن تراجع الشركة عن استرجاع مضامير سباقات الخيل المملوكة للبلديات ومديريات أملاك الدولة كلف خزينة الشركة 3.2 ملايير سنتيم بسبب سوء التسيير وعدم مواصلة دفع التكاليف إلى جانب الإهمال الواضح للمقرات التابعة للشركة على غرار مقر زموري بولاية بومرداس الذي تم إنشاؤه سنة 1990 فوق أرضية تابعة لأملاك الدولة وتم إهماله منذ 7 سنوات، أي منذ سنة 2003، وكذا إهمال نفس الشركة لقطعة الأرضية مساحتها تقدر ب 7.5 هكتار والتي استفادت منها بعد تنازل وزارة الفلاحة على جزء من المستثمرة الفلاحية النموذجية "العاصمية" التي تقع بالجزائر، لكن إلى حد يومنا هذا لم يتم استغلالها. ونفس الشيء، بالنسبة للمبالغ المالية الضائعة في إعادة تأهيل مضمار سباق الخيل بولاية وهران والمقدرة بحوالي 68 مليون سنتيم والتي كشف عنها مفتشو المالية خلال تنقلهم إلى عين المكان. كما يشير التقرير إلى غلق أكبر وكالات الرهان المشترك "تي. أغ. سي" الموزعة على مستوى العاصمة والتي تحقق أرباحا بالملايير، مثل وكالة باب الوادي التي حققت عائدات فاقت ال11 مليار سنتيم عام 2008، وكالة الحراش التي حققت أكثر من 13 مليار سنتيم، إلى جانب غلق وكالة حسين داي التي كانت تساهم في رفع عائدات المؤسسة بأزيد من 8 ملايير سنتيم، وخارج العاصمة، فقد تسبب سوء تسيير المدير السابق للشركة في غلق وكالة سطيف التي حققت أرباحا بأزيد من 2.5 مليار سنتيم سنة 2008.
فواتير خيالية لصفقات مشبوهة ومشاريع افتراضية وفي سياق متصل، تطرق التقرير إلى فضائح أشغال الترصيص بحوض مدرج الخيل بالخروبة من قبل شركة خاصة بدرارية التي استفادت من صفقة تقدر ب 1.5 مليار سنتيم دون خضوعها لشروط قانون الصفقات العمومية، أي أن الصفقة تمت عن طريق التراضي، كما أن هذه الأخيرة لم تقدم أية ضمانات أو وصول استلام لشركة سباق الخيل والرهان المشترك. أما فيما يخص أشغال البناء الخاصة بالشركة -يضيف ذات التقرير- أنها منحت لشركة خاصة الكائن مقرها ببراقي بمبلغ إجمالي يقدر بأزيد من 2.8 مليار سنتيم مسبقا دون موافقة مدير الاستشارات الذي بعث بتقرير مفصل ومؤرخ في 18 فيفري 2009 إلى المدير العام للشركة يؤكد فيه ضرورة استشارة المركز الوطني للمراقبة التقنية للبناء لتعيين خبرة خاصة، وأن المنشآت يعود عمرها إلى 90 سنة، إلى جانب عدم إمضاء أي عقد أو ضمان قانوني وعقاري بين الشركتين. في حين وصلت ديون الشركة من الممولين المكلفين بإصلاح الهواتف والطلاء وشراء الإسمنت وغيرها من الأمور البسيطة إلي مليار و400 مليون سنتيم خلال هذا العام فقط، كما سرق مبلغ 140 مليون سنتيم من ميدان الخيل لولاية المسيلة، وهي الأمورالتي أثرت سلبا على مشاركة الخيل الجزائري في المحافل الدولية. المحاباة وصلة القرابة... شعار التوظيف بالشركة وكشف تقرير المفتشية العامة للمالية المرفق بقائمة تحتوي على أزيد من 60 عونا أي بنسبة 8.82 بالمائة من مجموع موظفي شركة سباق الخيل والرهان المشترك تم توظيفهم على أساس القرابة رغم عدم إستيفائهم للشروط المطلوبة في توظيفهم. كما كشف عن أسماء تعمل في الشركة منذ سنة 2005 تم ترقيتهم إلى مناصب هامة رغم حداثة التحاقهم، إلى جانب فتح 40 حسابا بنكيا خاصا بالمؤسسة من أجل التهرب من دفع الديون المترتبة، فضلا على انتهاج هؤلاء لسياسة "الشكارة" في تحويل الأموال بدل التعامل بالشيكات. ودائما ضمن نفس الإطار، تشير وثائق أخرى موقعة من أحد المسؤولين إلى جمع أزيد من 54 مليارا خلال عامي 2005 و2006 نقدا، أي بينها أزيد من 21 مليار سنتيم جمعت من الوكالات التابعة للمؤسسة الخاصة بتجميع الأموال من الأكشاك المكلفة ببيع تذاكر "تي. أغ. سي" في عام 2006، ويؤكد الموقِع على الوثائق نفسها التي كشفت عن تحويل ال54 مليار سنتيم نقدا بدءا من شهر مارس 2005 إلى غاية نهاية جويلية 2006، على استمرار مسؤول المؤسسة وإطاراته في انتهاج هذا النوع من الأساليب في تسيير أموال الشركة إلى ما بعد شهر جويلية.
22 مليارا خسائر و170 مليار عجزا خلال سنتين فقط ويشير التقرير في الختام إلى المبالغ المالية التي تكبدتها خزينة شركة سباق الخيل والرهان المشترك خلال سنة 2008 والتي تقدر ب 12 مليارا وقدرتها في السنة الجارية ب 10 ملايير سنتيم، فيما فاقت قيمة الصفقات المشبوهة في نفس السنة أكثر من 3 ملايير سنتيم. وخلص التقرير إلى أن الوضعية المالية للشركة إلى غاية 21 / 12 / 2008 تعاني عجزا ماليا رهيبا يفوق 173 مليار سنتيم، وهو ما يعبر على ارتفاع الديون على إجمالي قيمة التدوال.