"أخبار الحراڤة توجعني...قسنطينة تدمي قلبي، أما المصريون فربي يهديهم"! لالا عيني مارست التراباندو زمان مشيا على الأقدام، أما اليوم فالنساء يمارسنه بالطائرات امرأة من الزمن الجميل، وسيدة تحترم التاريخ ويحترمها التاريخ، إنها لالا عيني في الحريق والدار الكبيرة، وهي الجدة والأم والخالة والعمة والأخت...شافية بوذراع، بنت قسنطينة، وملكة قلوب الجزائريين، سيدة الشاشة، تتحدث بقلب مفتوح في الحوار التالي، عن أفلامها، وعن سر دموعها في وهران، فرحتها، وخوفها من المستقبل الغامض للشباب الجزائري، عن الحراڤة ونساء التراباندو، وعن الفريق الوطني لكرة القدم...وأشياء أخرى... * الشروق اليومي: السيدة شافية بوذراع، بعد كل هذه المسيرة الفنية الطويلة، وصولا إلى فيلم خارجون عن القانون مؤخرا، ما الذي يمثله لك هذا التكريم الجديد في وهران؟ * عندما تشاهدين أعمالا فنية جزائرية على غرار "خارجون عن القانون"، أو "نسيم الجزائر"، الموجود تحت المونتاج حاليا، وعندما تتعاملين مع مخرجين مثل رشيد بوشارب، هل تقولين بينك وبين نفسك، الحمد لله ..السينما الجزائرية بخير؟ * هناك مثل شعبي يقول "اللي يستنى خير من اللي يتمنى واللي يتمنى خير من اللي يقطع لياس"،... يجب أن لا ندع اليأس يتسلل إلى قلوبنا، فعندما نتحدث عن السينما، نتحدث أيضا عن المعاناة التي تخبطت فيها الجزائر،... فيضانات، زلزال، آثار العشرية الحمراء وهي ما تزال واقفة وتنظم مهرجانات وتحتضن أفلاما وتنتج أخرى، وهنا لا يجب أن نتوقف عند ضرورة البحث عن الكيف في الإنتاج، وإنما ينبغي أيضا ضمان الكم، ثم الحديث عن النوعية. * من يشاهد فيلم خارجون عن القانون يلمس في بعض وقائعه، ظلما للمرأة، هل ذلك مقصود؟ * غير صحيح، فهؤلاء المنتقدين لم ينتبهوا للتاريخ الذي وقعت فيه أحداث الفيلم، لقد كان ذلك عام 1945 حيث كان الرجل حينها بحد ذاته، يتعرض للإذلال من طرف المستعمر، وكانت المرأة وقتها محڤورة لأن زوجها أو شقيقها، أصحاب نيف يخافون عليها من استعمار لا يرحم، فإذا كانوا هم لم ينجوا منه فما بالك بالمرأة. * أما عن مشاهد الممثلة التي أدت دور زوجة ابني، فأظنها قوية في الفيلم، خصوصا عندما أنجبت طفلا، في الوقت الذي كان زوجها يقتل يوميا خائنا أو عميلا ضد الثورة. لم يكن ابني في الفيلم، خارجا عن القانون أو مجرما، لكنه كان يقتل لصالح الثورة، وحفاظا على زوجته وأمه وابنه..ألا تعد هذه المشاهد منصفة للمرأة؟ أيام زمان لم تكن المرأة تخرج إلا نادرا، نحو الحمام أو لتزور عائلتها، لكن الجميع كانوا يخافون عليها. كان الرجل مستعدا لقتل فرنسي يتحرش بأخته أو زوجته أو أي جزائرية، ..ألم يرى المنتقدون لبوشارب هذه الحقائق في الثورة، لابد من تحليل زمن ومكان وحوادث الفيلم وأيضا مراعاة النيف الجزائري. أما البنت التي تفرط في شرفها، ضمن أحداث الفيلم، فيجب البحث في الأسباب، قبل محاكمتها، لقد باعت شرفها بحثا عن قطعة خبز. ألم ينتبه المنتقدون لمشهد الأم التي لا تقبل ابنها الصغير، زعيم العصابة وتنكر أفعاله، والمشهد الآخر الذي تقول فيه لابنها (تهلى في مرتك، ستلد قريبا) وكأنها تقول له، ستعاني مثلي في المستقبل، وستعرف معنى الأبوة والأمومة. * انطلاقا من دورك المغروس في الذاكرة ضمن مسلسل الحريق لمصطفى بديع، وصولا إلى سينما بوشارب وعبد الكريم بهلول وزموي، هل يمكن أن ترصدي لنا الاختلافات بين سينما الماضي الجميل، وسينما الحاضر؟ * أنا عملت مع بوشارب، ومع محمود زموري، وموسى حداد وافتسان وأحمد راشدي وبهلول،.. ومع كل المخرجين إلا اثنين، لم أعمل معهما (رفضت ذكر اسميهما)..كل من عملت معه، أتعلم منه شيئا جديدا، وأكون سعيدة جدا، هناك مخرجون يدافعون عنك وآخرون، يدافعون فقط عن أنفسهم، وهناك أوقات للعمل وأخرى للصمت أثناء التصوير لدى كل مخرج، وأنا كنت أتعامل معهم جميعا باحترام، وحسب المثل الشعبي الذي يقول..اللي تخدموا طيعو واللي ترهنوا بيعو. * لا يمكن إجراء حوار معك، دون سؤالك عن قسنطينة؟ * عندما يسألوني عن هويتي، أقول لهم أنا شافية بوذراع من مواليد 1930، ومسقط رأسي بلاد العلم والثقافة والجسور المعلقة قسنطينة، ترعرعت فيها وأخذت العلم في أواخر الثلاثينيات من مدارسها. كنت أذهب للمسجد صباحا رفقة والدي لتعلم القرآن، وبعدها أذهب للمدرسة المتخصصة من أجل تعلم الفرنسية، كان والدي رحمه الله، ينصحني، قائلا أحسني القراءة والكتابة حتى لا يظلمك الفرنسيون، وعند الرابعة والنصف أذهب لمدرسة التربية والتعليم، من أجل أخذ مختلف المعارف، وهذا فخر لي وللجزائر ولقسنطينة، كنت عندما أذهب إليها، أتحاشى العبور على جسر سيدي راشد، حتى لا تبكي عيناي لكن قلبي يبكي بالدم، حزنا على الأزقة التي ضاعت مثل السويقة والبير، البطحة والقنطرة،..لقد أصبح النظر إليها، يجرح، لكن عندما أرى الإنتاج الفني من قسنطينة أفرح، وأفتخر بكل ممثلي قسنطينة، وعندما أصعد لباب الواد ثم سواقة الجبانة، وسمعة إبليس، أتذكر مدينتي..وأقول بيني وبين نفسي، آه يا قسنطينة، هناك كثير من أماكنك الحالية التي تحزنني، وتدفعني للبكاء ليس بالدموع، لكن قلبي يقطر دما عليها. * مؤخرا فقدنا السيدة كلثوم، وهناك جيل كامل من الرائدات في التمثيل أضحى مهمشا مثل نورية وفريدة صابونجي، هل يجعلك الأمر مطمئنة لمستقبل الممثلات الجزائريات مستقبلا؟ * أنا متفائلة، هناك ممثلات رائعات، أتمنى منحهن الفرصة في العمل، لكن لا يجب عليهن نسيان الأصل، لقد كنت وزميلاتي زمان، نحترم من سبقنا، من الفنانات اللواتي كن يأكلن الساندويتشات، وعندما تقضين لياليهن لا تجدن مأوى مثل الفنادق الفخمة التي نحن فيها الآن، كن يبتن في عربات العمل، ضحّين بكل شيء، ليتركن لنا مكانا نحن الممثلات والممثلين، واليوم أحاول تأدية الرسالة ذاتها، لترك المشعل، لمن هن ورائي، ولو كان نصف مضيء فقط. * هناك مشهد مؤثر في الدار الكبيرة، نرى فيه لالا عيني، تمنح رشوة لأحد رجال الشرطة في الحدود، حتى تمر إلى المغرب وتمارس التراباندو..العمل في عمقه يطرح إشكالية المرأة العاملة، كيف تنظر شافية بوذراع إلى المرأة حاليا؟ بصيغة أخرى، ماذا بقي من لالا عيني في المجتمع الجزائري؟ * لالا عيني في هذا المشهد الذي تتحدث عنه، حاولت الحصول على المال، بأسرع وسيلة، وأرادت خوض غمار التهريب أو التراباندو، ولو اعتمادا على أموال الآخرين، لتذهب في الحافلة أو القطار، نحو وجدة، ثم تكمل مسيرتها مشيا على الأقدام..في الوقت الحالي، مازالت هناك نساء هكذا، لكن يذهبن في الطائرات، وتأتين بأشياء ثمينة..ولا تهم الوسيلة بقدر ما تهم الطريقة، كالمثل الشعبي الذي يقول، "خدمة النهار ما فيها عار"....التراباندو عندما لا يكون خارج القانون، وضرورة معيشية، لا يمكن التغافل عن أهميته لسد الجوع، فالتجارة باركها الرسول صلى الله عليه وسلم. عندما أرى امرأة تبيع أحترمها، فأن تعمل أحسن لها من التسوّل، أو أن تبيع شرفها، ومثلما يقال في الأمثال، "اخدم بصولدي وحاسب البطال"، و"اللي صافي مع ربي يبارك له في رزقه". * قلت عندما زرت وهران سابقا، لو أن الجيل الجديد عرف ما فعلت فينا فرنسا، لما تمنوا أن تعود؟ أكيد أنك سمعت أيضا عن ظاهرة الهجرة السرية؟ ماذا تقولين لهؤلاء الحراڤة؟ * هؤلاء الشباب أعذرهم من جهة، فلا عمل ولا حياة من أجل البقاء في البلاد، لكنني لا أعذر الشاب الذي يعثر على عمل ولا يعمل، ويظن أنه بعبور البحر يربح، ثم يتنازل ويعمل كل شيء هناك، حتى في التجارة السوداء، ويعاني من ملاحقة الشرطة، والميزيرية. أنا أقول، ربي يهديهم، ويفرج عليهم.. الله يعطيهم العقل، فكروا في والديكم، وفي المحنة التي تنتظركم(...)، قديما كنا نقول، طيعوا والديكم، أو تأكلكم النار، الآن وصلنا للعكس، فنقول، طيعوا أولادكم، وليس والديكم، فهناك أمهات تشجعن أبناءهن، عن جهل، للهروب.. أنا مشفقة على هؤلاء الحراڤة، خصوصا أولئك الذين يموتون جوعا وغرقا، فهم خسارة للجزائر وللأمهات اللواتي يقتلن أنفسهن حسرة بالبكاء. * المخرج راشدي تمنى تقديم فيلم عن كريم بلقاسم، وقال إن كلثوم كانت ستؤدي دور أم كريم، الآن بعد وفاة الفنانة الكبيرة، هل صحيح أنك مرشحة للدور؟ * المخرج راشدي من بين الذين أحب العمل معهم دوما، وإن أتيحت لي فرصة جديدة سأعمل بإخلاص، وأطيعه، وأحفظ رأيه، وأكون في مستواه، لكن إن وجد أخرى، ربي يسهل عليه. * قلت على خشبة المسرح بمهرجان وهران، أنك تهدين التكريم، للجزائريين والشهداء، فما رأيك بالمشاركة المصرية بعد أزمة الإساءة للثورة والشهداء؟ * إذا أجبتك بغضب، أقول لقد أوجعوني بسبّهم للشهداء، ولن أسامحهم ما حييت، لكن إن أجبت بعقل وبدون حقد أقول الله يهدينا ويهديهم. * نتذكرك بالمناسبة في دور الجدة التي تناصر الفريق الوطني في فيلم زموري عام 1998، هل مازلت تناصرين الفريق الوطني لكرة القدم؟ * أنا لا أشاهد أي مباراة في الكرة تجمع بين جزائريين، وأقول بيني وبين نفسي حينها (خلي يمضغوا بعضاهم وما يبلعوهمش) لكن إذا لعب جزائريون مع غيرهم، تونس أو مصر..أقول اللي يلعب مليح يربح، أما إذا لعب أولادي من الجزائريين مع فريق فرنسي، أقول، الله لا يزيد يرفع علم فرنسا في الجزائر المستقلة.