رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: مجزرة بيت لاهيا إمعان في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ونتيجة للفيتو الأمريكي    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    توقرت: 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على خطى لالا فاطمة نسومر.. من هنا مرت 'جان دارك' جرجرة
نشر في الشروق اليومي يوم 27 - 08 - 2007


ربورتاج زهية منصر / تصوير جعفر سعادة
لقبها الجيش الفرنسي بجان دارك جرجرة و أدى لها التحية العسكرية لكنها رفضت هذا اللقب و فضلت بدله لقب" خولة جرجرة "نسبة إلى خولة بنت الأزر التي حاربت إلى جانب خالد بن الوليد، هي المرأة التي ركعت جنرالات فرنسا و أجبرت المارشال روندو أن يقود الحملة الخامسة عشر بنفسه ليطيح بمنطقة القبائل في 1857 و يلقبها إميل كاري "بالنبية " إنها البطلة فاطمة نسومر التي أضحت اليوم رمزا لكل نساء الجزائر يختزل في اسمها تاريخا من النضال و الشموخ من الصعب جدا الإحاطة بكل تفاصيله في أوراق صحفية .من تكون هذه البطلة إنسانيا؟ كيف عشت؟ و ما هي حدود الحقيقة و الأسطورة في قصتها ؟
عندما فكرنا في البحث عن إجابة لهذه الأسئلة و إجراء تحقيق عن لالا فاطمة نسومر و جذور منطقتها لم يخامرني ادني شك ان مهمتي ستكون صعبة بالنظر لقلة المراجع و تواضع الدراسات التاريخية في تاريخ المقاومة الشعبية التي قادتها المجاهدة ماعدا النزر اليسير الذي كتبه أصلا الفرنسيون و لكن لم تكن الصعوبة بذلك الحجم الذي صادفني في الميدان . البحث عن خيط البداية كان صعبا و صعبا جدا استغرق منا أياما من البحث في بعض المراجع الفرنسية خاصة و بعض مواقع الانترنيت التي لا تقدم الكثير عن البطلة ماعدا بعض المعلومات اغلبها مليئة بالمغالطات التاريخية و لكن الصدفة التي عرفتنا بالسيدين خالد و علي سيدي احمد من عائلة لالا فاطمة نسومر جعل البحث يأخذ مجر آخر يدخلنا للبيت الاصلي لفاطمة نسومر بل يضعنا وجها لوجه مع بعض افراد عائلتها و يطوف بنا بلاد القابئل و ياخذنا " لعش الباز " كما كان يسميها الفرنسيون .
من ارجن الى سومر بحثا عن سر امراة ليست ككل النساء
الاربعاء 12 جوان الساعة الثامنة و النصف صباحا كل شيئ مهيئ لبداية الرحلة التي رافقنا فيها السيد خالد سيد احمدا حد أبناء العائلة الذي كان حقا موسوعة يحفظ الاحداث و اسماء المناطق و الشخصيات بالتواريخ الدقيقة و المضبوطة و يستذكرها ببداهة تنم على اطلاع كبير ورث جزءا كبيرا منه عن والده رحمه الله . خلال المدة التي استغرقتها الرحلة من العاصمة الى اعالي منطقة القباءل كان خالد يتحدث عن " عمته فاطمة " و يستذكر احاديث الكتب و الوثائق لم يكن حديثه غير حصيلة بحث استغرق خمس سنوات و ما يزال مستمرا و قد يثمر يوما كتاب بعنوان " فاطمة نسومر من قريش الى منطقة القبائل " سالته بكل عفويا لما اختار هذا العنوان الذي قد يفهم منه احالة سياسية خاصة و ان منطقة القبائل جد حساسة لرموزها و كان نقاش ثريا تبادلنا خلاله اطراف الحديث ووجهات النظر و استذكرنا الوثائق اخبرني خالد ان بحثه كان طويلا و شاقا في جينالوجيا شجرة العائلة لكنه توصل الى معلومات تعيد نسب فاطمة نسومر إلى البيت الشريف فهي فاطمة بنت سيدي احمد بن سي الغزالي بن الحسن بن سيدي احمد امزيان تذكر بعض الدراسات انها اخت لثمانية اخوة منهم بنتين غير ان السيد خالد اكد انها كانت أخر العنقود و البنت الوحيدة وسط سبعة اخوة هم " محمد ،الطيب ، الهادي ، الطاهر، احمد ،الشريف ،أعمر و الغزالي " كانت فتاة مدللة و ذكية اخذت العلم عن والدها مما اهلها لتكون لها مكانة محترمة انعكست فيما بعد على سيرتها التي تعدت حدود الوطن يقال أن أصول عائلتها تعود إلى عائلة منحدرة من الساقية الحمراء تنتسب لشرفة منطقة فاس الذين تم طردهم في فترة من الفترات فلجئوا للجزائر عبر تلمسان مليانة ووهران . السيارة تطوي المسافات و الحديث يمتد بيننا شيقا و ممتعا الساعة تقارب العاشرة و النصف صباحا عندما بلغنا مدخل عين الحمام التي كانت تسمي في العهد الفرنسي " بالفور نابوليون " قبل ان يحول اسمها بعد الاستقلال الى "الفور نسيونال " تمثال عبان رمضان يتوسط الساحة العمومية يرمز لفترة صعبة صنعها رجال هذا البلد خلفه تمام يقع القوس الذي وقف تحته المارشال روندو في اول خطاب له في بلاد القبائل الذي ألقاه بعد نجاح القوات الفرنسية في الاطاحة بالمنطة في 24 ماي 1857 و هو التاريخ الذي يصادف 1 شوال من العام 1273 للهجرة مما يعني ان القوات الفرنسية استغلت عيد الفطر للهجوم على المنطقة في هذا اللخطاب قال روندون " بحمد الرب استطعنا ان ننقل راية الصليب من باريس الى سوق لربعا" و قد شهد التاريخ ان الفرنسيين لم يدخلوا الى هذا المكان الا بعد اربعة عشر حملة فاشلة مما جعل المارشال روندو يكتب بنفسه إلى نابليون الثالث و يطلب منه قيادة الحملة بنفسه على راس جيش يتكون من أزيد من 3 ألاف جندي مدجج بالسلاح دون حساب عدد الذين جندتهم القوات الفرنسية بعد ان دفعت لهم المال .
توقفنا للحظات لأخذ بعض الصور وسط استغراب بعض المارة و لا مبالات البعض الاخر في اتجاه الجبل سرنا بعد ان تجاوزنا الصور الذي بنته القوات الفرنسية لعزل البلدة عن باقي المناطق لاهداف عسكرية السيارة تخترق الجبال نحو الاعلى في اتجاه النصب الذي بنته فرنسا تخليدا لجنودها الذين سقطو من اجل " رسالة الحضارة " في هذه المنطقة وقعت معركة" اشريضن "أخر المعارك التي سقطت فيها بلاد القبائل في 11 جويلية 1857 و هنا اجتمعت كل اعراش القبائل لتحارب فرنسا المكان خالي لاشيئ هنا غير الجبال و الاحراش و لا تكاد تسمع غير حفيف الأوراق و خشخشة الاعشاب هنا تذكرت ما قراته في كتاب اميل كري"قصة القبائل ... معركة 1857." الذي كان مرافقا لقوات روندو في القبائل و شاهدا على معركة "اشريضن" التي سقطت فيها القبائل هنا قال روبدون لفاطمة نسومر "على ماذا تحاربين لاشيئ هنا لا فلاحة و لا مال غير الجبال و القحط" فما كان من السيدة العظيمة الا ان اجابته " انا لا احارب من اجل الجبال و لا الحجر انما من اجل النيف " .النصب التذكري الذي بنته فرنسا لم يبق منه غير الاحجار بعد ان انتزعت منه الافتة التي تؤرخ لأشياء. في الاتجاه الاخر التصب الذي بنته الجزائر تخليدا للمعركة التي قادتها فاطمة نسومر ضد القوات الفرنسية
في هذا المكان الذي صورت فيه حلقات من فيلم "العفيون و العصى " جردت فاطمة نسومر الحاكم العام للجزائر في تلك الفترة الجنيرال بيجو من عصاه و ضربته بها على راسه عام 1854 " مما جعل المارشال روندو يكتب لنابليون الثالث قائلا " الجنرال فقد عصاه " اي اهانة كانت تلك التي وجهتها "عذراء الجبل " لرجل في حجم بيجو كان بامكانها ان تقتله او تاسره لكنها اهانته بفعلها هذا و خاطبته بامازيغية قحة " مهما طال تواجدكم هنا سياتي يوم تغادرون فيه هذه البلاد "
و في هذا المكان وقع الصديق ايث وعراب احد مرافقي فاطمة نسومر أسيرا في أيدي الفرنسيين قبل أن ينفى إلى المشرق من هذه المناطق و على ارتفاع 400 كلمتر يمكنك ان تشاهد قمم جرجرة الشامخة و هي تحتضن القرى و البلدات الصغيرة التي حمت بلاد القبائل من الاتراك الذين لم يدخلوها ابدا كما وقفت لسنوات عديدة حصنا منيعا ضد الفرنسيين الذي اطلقوا عليها اسم " عش الباز " في الطريق كنت استذكر ما قراته في كتاب اميل كاري و تمتد امامي البلدات و الطرق و الاحراش على صعوبتها في 2007 فكيف كانت في سنوات 1800؟ في طريقنا الى قرية ابي يوسف عبرنا اعلى منطقة في بلاد القابل "تيفردو " التي تسمي ايضا بلاد اقاواون " أو ازواويين " نسبة لمكانة الزوايا في منطقة صارت اليوم مرادف لكل أنواع الانحراف أو هكذا يقدمها الإعلام على الأقل من هذه المنطقة يمكنك ان تشاهد اروع المناضر لبلاد غزاها بلدوزير التغيير و اجتاحها الاسمنت المسلح وسط الطرق المعبدة التي تمتد حتى اعالي الجبال على طرفي الجبال تنتصب فيلات المغتربين التي قضت على البيوت التقليدية من حين لاخر كان طيف القبائليات يعبر الفضاء حاملات جرار الماء أو الثياب باتجاه النبع للغسيل أو حتى قارورات الغاز فوق الظهر المجتمع هنا ما يزال يعتمد بصفة تكاد تكون كلية على المرأة من جلب الماء و الحطب إلى القيام بأعمال الفلاحة و المواشي و الأشجار إلى العناية بالبيت و شؤون العائلة و الأولاد ربما هذا ما يعطي لتلك الوجوه صلابتها و إشراقها و هي تحمل في عزمها و صرامتها بعض من تاريخ فاطمة نسومر و بعض من بقايا العبور الفرنسي من هنا يتجلى خاصة في طريقة ارتداء العجائز للسراويل و الجبة التي تمتد إلى منتصف الساقين مظهر يحمل بعض من علامات الأخوات البيض في زمن مضى يبقى شاهدا أن فرنسا عملت الكثير من اجل انتزاع هذه المنطقة من جذورها غير أن للمساجد هنا دائما سلطتها عبر التاريخ إذ لا يخلو دوار أو قرية من مسجد للصلاة و تدريس القران كان لها الأثر في حماية المنطقة من الوجود الفرنسي قبل أن تقع المنطقة في لعبة السياسة و الأنظمة المتعاقبة .
عين الحمام التاريخ ، صمود المرأة و تجار السياسة
عند مدخل ميشلي أو عين الحمام استوقفنا حاجز من رجال الدرك كانوا يقومون بإعمالهم المعتادة في ضمان الأمن للمنطقة خاصة بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت المنطقة نظر الدر كي بإمعان إلى جعفر مصور الجريدة الذي كان يومها متعبا و مريضا فأطلق لحية خفيفة و قبعة رياضية كان يستلقى في المقعد الخلفي للسيارة و آلة التصوير متأهبة لاقتناص اللحظة
-أوراقك قال الدر كي هنا انفجرنا كلنا ضاحكين من منظر جعفر الذي اكتشفنا فعلا انه ملفت لانتباه اعتذر لنا الدر كي بعدما عرف هويتنا و أوصانا يتوخى الحذر بعد أن تمنى لنا رحلة موفقة و كنا قد استغلينا هذا التوقف الاضطراري لأخذ بعض الصور لقبر الشاعر "سي محند أو محند " الملقب بحكيم الزمان .
عند مدخل قرية عين لحمام تزدحم الشوارع بصور أبطال الثورة و المجاهدين أمثال عميروش عبان رمضان عمر ايث الشيخ و آخرين جنبا إلى جنب مع صور و نصب تذكارية تخليدا لأرواح ضحايا أحداث الربيع الأسود و ما أكثر أيام الربيع التي مرت سوداء من هنا ، أي كرامة لعين الحمام التي أنجبت سيدي السعيد ايت احمد و العديد من الزعماء و لكن و برغم من كل هذا الإرث التاريخي ما يزال هذا الرأسمال الرمزي غير مستغل كما يجب وربما تحول إلى وبال على المنطقة التي بقيت تحت الاستغلال الحزبي و ألاعيب السياسة التي حولت العديد من القرى من أحياء الشهداء إلى أحياء الحانات و قطاع الطرق و قد شهدت المنطقة معارك بالأيدي انتهت في دار الشرطة عندما أقدم حزب سياسي على دعم احد أصحاب النفوذ لفتح حانة هنا رغم استنكار السكان الذي يتحسرون اليوم أنهم عاجزون حتى عن إيجاد مكان لرمي لنفايات .
عند مدخل قرية ارجن حاجز آخر لرجال الدرك استوقفنا عندما هم المصور جعفر بأخذ بعض الصور اخبرونا أن الصعود باتجاه الأعلى أمر فيه الكثير من المغامرة الأمور هنا ليست على ما يرام بالأمس فقط تم تنفيذ عملية إرهابية بقرية ايث هشام راح ضحيتها اثنين من رجال الأمن و هذا الصباح فقط تم تفكيك قنبلتين بتيزى إحداها في حافلة للنقل العمومي
- لكننا جانا من اجل مهمة و يجب إكمالها قلنا للدر كي بإلحاح - لا مفر إذن من أن ترافقكم عناصر من الأمن
- و لكن هذا قد يعرضنا لبعض المصاعب اقلها جلب الانتباه اجبنا
المتحدث و بعد مدة اكتفى الدر كي بأخذ معلوماتنا الشخصية تحسبا لأي طارئ بعد أن ابلغ قيادته بأمرنا و تركنا نكمل الرحلة مؤكدا لنا توخي الحذر لان الطريق فعلا صعبة
في طريق ملتوى عبر الجبال و الأحراش كانت السيارة تطوي المسافات حتى أن أصوات العجلات كن لها صوت في أعماقنا التي دب فيها الخوف و قد بدا الإعياء يظهر علينا و قد قطعنا حتى ألان أكثر من 400 كلمتر نحو قمة جرجرة و قد انتصبت فوقها اليد الخماسية " لمان دي جويف " التي تقول الأسطورة أنها ستفقد كل إصبع مع كل زلزال و عندما يبقى الإصبع الأخير تقوم القيامة .اليد الخماسية ما تزال هنا منتصبة منذ قرون و الجدات يرون الأسطورة أبا عن جد و المنطقة تنتظر ربما أقدار أخرى ليست بالضرورة من صنع السماء . مع كل طريق ملتوي تستوقفنا احد الحواجز الأمنية التي أخذت تتكاثف كلما عبرنا باتجاه الأعلى كنا نعبر بعد التحية و الدعوات المتبادلة بالتوفيق و قد أخذت كل نقاط التفتيش تقريبا علما بعبورنا من المكان ، بدى السائق حميد حذرا شيئا فشيئا الطبيعة هنا تبسط نفوذها و سحرها فجأة خرجت جماعة من الشباب من الغابة المجاورة حاملين على ظهورهم حقائب الظهر، من يكون هؤلاء قال حميد
- على الارحج أنهم ليسوا إرهابيين ليس في مظهرهم ما يدل على ذلك - ضحك جعفر من إجابتي و قال قد يكون إرهابي" ماركا " فما كان من حميد إلا أن يطلق العنان للسيارة تعبر الطريق بسرعة البرق غير عابئة بمن كان هؤلاء .لا سيئ الحمد الله لقد مرت الأمور على خير قال احدنا. الساعة ألان تجاوزت منتصف النهار بقليل وصلنا أخيرا إلى قرية ارجن مسقط رأس فاطمة نسومر عند مدخل القرية صورتها على الجدران كما تخيلها المارشال ماك ماهون فلا احد يملك الصورة الحقيقية لها و كل صورها كانت من خيال القادة الفرنسيين كما تصوروها مرافقنا خالد اخبرنا أن أبوه روى له أن صورة فاطمة نسومر باللباس التقليدي كانت من خيال المارشال روندو و قد تسلمها الرئيس الراحل هواري بومدين من الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان في عام 1974 غير أن هذه الرواية تبقى غير مؤكدة حتى الآن . من جهته إميل كاري الذي رافق القوات الفرنسية في معركة 1857 يصف هذه السيدة " بالجمال الخارق بيضاء البشرة مع بعض الاوشام على الموضة البربرية و نظرة ملكية ترتدي برنوسا مرصعا بالحلي الفضية كان الناس يقبلون يدها و يقدسونها ..." الفرنسيون الذي لم يكتشفوا أن على رأس المقاومة في منطقة القبائل امرأة إلا في 1845 في المعركة التي قادتها فاطمة نسومر بنفسها هنا في ارجن مشينا مسافة 200متر على الأقدام لندخل أول زاوية في تاريخ منطقة القبائل كانت في العهد الغابر مدرسة قرآنية شيدت عام 1690 و قد ذكرها الفوضيل الورتيلاني في رحلته عام 1740 هنا اعتكف والد فاطمة نسومر و منها خرج ناشرا للعلم و كتاب الله و هنا أخذت فاطمة نسومر العلم و الفقه رفقة أخيها السي الطاهر الذي كان اقرب إخوتها إليها هنا أيضا ضريح سيدي احمد امزيان الأخ الأصغر لسيدي احمد الملياني كما كتب أسفل الضريح الخشبي هذا ما يؤكد ربما بعض الروايات التي تنسب أصل فاطمة نسومر لعائلة قادمة من المغرب عبر مليانة لتستقر في بلاد القبائل. رهبة تكتسي المكان و صمت مخيف لا احد سألنا أو اعترض طريقنا فيما فضل جعفر و حميد البقاء في الخارج دخلت أن و خالد حفاة لحضرة الضريح بعدما تركنا أحذيتنا عند المدخل تنفيذا لنداء خفي لم نجد له تفسيرا رداء اخضر يغطى الضريح الذي صار اليوم مزارا لنساء القرية بعدما كان في السابق منارة لنشر العلم و الدين الذي انطلق من هنا ليعم كل بلاد " ازواوين ّ من هنا برزت أولى بذور المقاومة و من هنا انطلق نفوذ الزاوية الرحمانية ليشمل كل منطقة القبائل التي سارت خلف مقاومة فاطمة نسومر التي قادت عائلتها المنطقة لما يزيد عن خمسين سنة في السنوات البعيدة كان الناس من فرط تقديسهم لهذا المكان يدخلون المسجد حفاة مشيا على الأقدام لمسافة تزيد عن 200 كلم كما تقول بعض الروايات الشفوية إذ تجدر الإشارة هنا لصراع القائم بين أبناء ورجة و أبناء سومر حول مكان ميلاد فاطمة نسومر
في ضيافة" أل سيدي احمد " نرفض الاستغلال السياسي لفاطمة نسومر
الخلاف حول مكان ميلاد زعيمة المقاومة في القبائل هو ربما جزء من الصراع السياسي حول رموز المنطقة الذي ترفض عائلة "ال سيدى احمد " أي عائلة فاطمة نسومر الدخول فيه إذ أكد لنا كل من على و خالد سيدي احمد الذين عملوا رفقة أفراد آخرين على تأسيس مؤسسة فاطمة نسومر أنهم يرفضون قطعا الدخول في الاستعمال السياسي لصورة و جهاد فاطمة نسومر مؤكدين أنهم أسسوا المؤسسة من اجل غرض البحث العلمي و كتابة التاريخ الحقيقي لواحدة من اكبر رموز المقاومة في التاريخ الحديث للجزائر مازال الإعلام اليوم لم يفيها حقها كما يؤكدون من جهة أخرى أنهم يفتحون المجال للباحثين ورجال العلم للقيام بمهامهم بعيدا عن أي استغلال سياسي.
من ورجة إلى قرية سومر حيث مركز القيادة العسكرية لفاطمة نسومر و نقطة الانطلاق للجهاد الذي أعلتنه ضد القوات المحتلة من هنا يمكنك مشاهدة ذراع الميزان بجاية قشطولة و اعكورن و كل القبائل التي توحدت تحت راية فاطمة نسومر . أخيرا وصلنا إلى بيت السيدة التي ركعت جنرالات فرنسا أي قداسة للمكان و أي رهبة تلك عند مدخل الحارة على اليمين بيت أخ السيدة فاطمة السي الطاهر الذي لم يبقى منه غير الأبواب الخشبية على اليسار ممر ضيق ملتوى يشبه ممرات القصبة هنا "ثاجمعت " أو مجلس الدشرة حيث تحل المشاكل و تعقد الزيجات و تقرر أمور الحرب و السلم على اليسار من الممر يقع بيت " ال سيدي احمد" أحفاد إخوة فاطمة نسومر الذين فتحوا أمامنا أبواب الذاكرة و بسطوا لنا أوراق التاريخ الحاجة نواره واحدة من "أل سيدي احمد " هي اليوم تجاوزت الثمانين من عمرها ما زالت تحكي عن فاطمة نسومر ما تجمع في ذاكرتها التي لا زالت قوية رغم أثار السنين مازلت تحكي باعتزاز مخيف هي اليوم تتحسر على ما وصلت إليه أمور البلد و تدعو الله أن ينزل الرحمة في القلوب هي اليوم تتحسر على أمور الشباب الذي لم يعد يبالي بالذاكرة و التاريخ "أنهم يغادرون إلى العاصمة أو إلى فرنسا و لا يعدون أبدا لقد تخلوا عن أدوارهم " الوقت يفرض هذا قلنا للحاجة نواره لكنها أجابت بصرامة جيل لا يؤمن بأنصاف الحلول " ذي النيف ايولاش " في عمرها مازالت تتحدث عن النيف برغم أننا وجدناها متعبة و مريضة لكنها رحبت بنا و حكت لنا بعض ما علق بذاكرتها من رواية الجدات " كانت في الثامنة من عمرها لا زالت تتذكر ما روى عن صندوق الأرشيف الضخم الذي اختفى من هذا البيت بعدما حمله ثمانية من الرجال الأشداء للجيش الفرنسي لا احد يعلم تحديدا وجهة الصندوق تقول الحاجة نوارة إلى حيث كانت تشير المتحدثة بيدها غرفة قديمة ذات مدخل واطئ وسط البنايات التي شيدت حديثا كانت تلك غرفة فاطمة نسومر الغرفة تتكون من طابقين واحد على شكل غرفة للطبخ و النوم و الطابق العلوي كان عبارة عن مكتب فاطمة نسومر في أنحاء الغرفة تناثرت بعض الأشياء البسيطة و القديمة قدور بقايا قربة معلقة على الجدار و بعض الأدوات البسيطة ذات استعمالات مختلفة من هذا البيت كتبت فاطمة للباشا أغا ايث جودي الذي انظم إلى المقاومة و نفي إلى سوريا فيما بعد . كانت الحاجة ما زالت تتحدث عندما قدمت شابة في مقتبل العمر بقامة فارهة تشع من ملامحها بعض ما ورثته من عمتها " فاطمة " التي كانت تتحدث عنها باعتزاز و شموخ وضعت إمامي سجلا و طلبت منى أن اكتب لها كلمة للجمعية التي أسست في هذا المكان للحفاظ على تراث فاطمة نسومر من هذا المكان الذي عبره صحفيون ألمان أساتذة من أمريكا و فرنسا لم اعرف ماذا اكتب تحديدا للحظات لا ادري كم استغرقت شعرت بخواء و عجز مثير حتى أني لم اعد اذكر ماذا كتبت لكني عبرت الصور المجاور لألقى نظرة إلى المكان الذي ألقى فيه القبض على فاطمة نسومر في 14 جويلية 1857 في هذا المكان المسمي " ثاخلجت اوعتسو" من هنا اقتيدت فاطمة نسومر إلى بني سليمان بتبلاط حيث مكثت في المنفى 6 سنوات قبل أن تتوفى بداء السل و عمرها لا يتجاوز 33 سنة عام 1863 و تدفن في قرية العساوية و قد قادت جيشا و عمرها 21 عاما أي امرأة كانت تلك؟ سؤالا عفويا طرحته على الحاجة نوارة " فاطمة كانت تشبه الأولياء" قالت الحاجة يقال ن رؤاها في المنام كانت دائما تتحقق تروى النساء هنا أنها كانت تقول لأخيها " الجراد قادم و لا بد من الجهاد " الحاجة نوارة ما زالت تحكي عن فاطمة التي أصيبت بداء قرض الشعر عندما كانت تنشد متحسرة عل فراق الإخوة و الأهل و كانت تدرك أن " أرومي " سيدخل بيتها و ستموت مغتربة قول الشعر كان مخالفة لأعراف و تقاليد الأجداد جد فاطمة أوصى أبناءه بشيئين اثنين العلم و خدمة الله أما من يتجرا على الغناء و قول الشعر فسيبقى بدون أولاد أو ذرية و هي الدعوة التي لحقت بفاطمة نسومر حتى بقيت بدون نسل " هكذا كانت الحاجة نواة تتحدث غير أن هذه الروايات لا تملك في الواقع ما يدعمها لان هناك روايات أخرى هنا تقول أن فاطمة نسومر كانت تلجا إلى المغارات المجاورة لورجة التي تسمى " ثيغرفاثين نورجا " معتكفة خاصة بعد عودتها من بيت زوجها و هو أمر كان له اجتماعيا وقع خاص على مجتمع محافظ هذه العزلة التي مهدت لها اكتساب نوع من النظر البعيد و الحاسة السادسة في حدس الأمور حتى أن هناك من يقول أنها في هذا المكان بدأت تنحو منحا صوفيا في حياتها في حديث الحاجة نوارة يختلط التاريخ بالأسطورة و الحكايات التي تناقلتها العجائز بحيث ما زال ما يروى عن فاطمة نسومر غير موثق و غير مفصول فيه تاريخيا و يعتمد بالدرجة الأولى على الروايات الشفوية التي تتناقلها الأجيال مما يفتح الأبواب على تضارب الآراء و الروايات و اختلاف تفسير الإحداث و نحن نجرج من البيت لاحظنا وجود شجرة الكرز التي يقال أن أجداد فاطمة استقدموها من مليانة لتغرس هنا .
على قبر فاطمة نسومر بالعيساوية تراث مهمل في عاصمة الثقافة العربية ووزارة الثقافة غير معنية
من تيزي وزو إلى بلدية العيساوية التابعة لدائرة تبلاط بالمدية هنا يقع قبر فاطمة نسومر و زاويتها هنا عاشت ستة سنوات بعد أن تم نفيها من منطقة القبائل و قد تقدم الباش أغا الطاهر محي الدين الذي كان في تلك الفترة يبسط نفوذه على كل منطقة التيطري كما كان صديقا حميما للمارشال روندو و هكذا تقدم بطلب وضع فاطمة نسومر تحت حمايته و ضمن فيها و هكذا عاشت ستة سنوات هنا قبل أن تتوفى بمرض السل و عمرها لا يتجاوز33 سنة الزاوية اليوم في حالة يرثى لها بعد أن دمرها الإرهاب في 1994 و ذلك بعد أن أقدمت السلطات العليا على نقل رفات الشهيدة إلى مقبرة العالية .رئيس البلدية السيد احمد العروي يروي عن تلك الأيام الصعبة التى عرفتها المنطقة في العشرية السوداء كان لزاما أن يمر من هنا حوالي 300 أو 400 عسكري و طائرات هيلكوبتر لتامين عبور الرفات إلى منطقة أخرى كان ذلك في 29 أكتوبر 1994 و دفنت في مقبرة العالية في 3جويلية 1995 و قد زار الإرهابيون القرية في ليلة نقل الرفات و عاثوا في المنطقة فسادا بل و قاموا بتهديم الزاوية التي لم يبقى منها اليوم إلا الأطلال و بعض شواهد لقبور من مروا من هنا منقوشة بخط عربي جميل يشهد أن فرنسا التي جاءت يوما تعلمنا الحضارة وجدت الناس هنا يقرؤون و يكتبون من هذا المكان كتب احد القادة الفرنسيين للمارشال لفجري يخبره " أنهم وجدوا في هذه الديار أناس يكتبون و يقرؤون أفضل من أية إدارة فرنسية " هذا التراث اليوم مهمل و لا احد انتبه إليه ما زال ينتظر مشاريع الترميم التي كان من المقرر أن تنطلق في شهر ماي الفارط ثم تأجلت إلى جويلية القادم و ربما إلى وقت غير معلوم و لدى اتصالنا بوزارة الثقافة لمعرفة وضعية هذا المعلم اخبرونا أن وزارة الثقافة ليست المعنية بترميم هذا المعلم و انه ليس من المشاريع التي كلفت بها الوزارة و قد حاولنا أن تجد الجهة المسئولة عن ترميم المعلم و لكن بقي سؤالنا بلا إجابة تتقاذفه الإدارات و المصالح دون تحديد الوجهة المعنية مباشرة . في هذا المكان الذي لم يشفع له تاريخه العريق من الإهمال و الإقصاء تقف شجرة الزيتون التي غرسها الأجداد علامة مميزة لعزة و أنفة الامازيغ على الجانب الأخر من الطريق يقع قبر فاطمة نسومر الذي لم تبقى منه إلا حفرة حرص رئيس البلدية أن يضع قربها علامة حتى لا يضيع القبر تمهيدا لبناء نصب تذكاري لفاطمة نسومر التي حطت الرحال هنا رفقة أربعين من أفراد عائلتها الذين عاشوا في هذه الربوع لمدة 15 سنة قبل أن يعودوا إلى منطقة القبائل بعد أن رفض سكان القبائل الخضوع لقيادة غير قيادة" ال سيدي احمد" بعد أن قررت الإدارة الفرنسية إنشاء ما يسمى" بالمكاتب العربية "
و أنا اطوي أوراق هذا الريبورتاج اكتشفت و أنا بمكتب مدير المتحف الجهوي بتيزي وزو أن القدر أراد أن يسجل رقم 33 مكرر في سجل فاطمة نسومر إذ توفيت وعمرها 33 سنة و نقلت عضا مها من بني سيلمان إلى العالية بعد 33سنة من استقلال الجزائر و 132سنة بعد وفاتها و يكون القدر بذلك قد أكمل عدته بمدة استعمار الجزائر و هنا ندرك كم نحن مقصرين في تاريخ رموزنا و كم هي السياسة خبيثة و لعينة إذا يمكنها في لحظة أن تشوه أو حتى تطمس تاريخ على ثرائه و عمقه حول إلى مجرد أحجار و أطلال ننثر فوقها الورود في المناسبات وأنا أعود من رحلة البحث عن جان دارك جرجرة علقت بذهني جملة لأحد من التقيتهم في رحلة البحث "الخوف كل الخوف أن يأتينا يوما إذا قلنا لأبنائنا أن فرنسا استعمرتنا أن لا نجد أحدا يصدقنا ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.