الشروق تكرم أب الرواية الجزائرية الكاتب الكبير الطاهر وطار الشروق أصبحت ظاهرة وأنا لا أستريح حتى أطالعها يوميا الشروق تشرع في النشر الحصري لرواية عمي الطاهر الأخيرة "قصيد في التذلل" في مبادرة هي الأولى من نوعها، تنقلت "الشروق اليومي" إلى باريس، وكرّمت أب الرواية الجزائرية الكاتب الكبير الطاهر وطار المتواجد في منفاه العلاجي بفرنسا، حيث سلمت له درع العرفان والتقدير، وعاشت معه بمقر إقامته بضواحي باريس لحظات تاريخية، امتزجت فيها دموع عمي الطاهر برائحة روايته الجديدة "قصيد في التذلل"، ليختتم هذا اللقاء الاستثنائي بارتداءه "برنوس الشروق"، الذي رفض أن ينتزعه رغم الحراراة الشديدة والعرق المتصبب.."الشروق" تنقل لكم تفاصيل هذا التكريم الاستثنائي للكاتب العالمي الطاهر وطار. * * طائرة وميترو و"آر أو آر" وحافلة وترامواي وقدمين * "الشروق" تدوخ "السبع دوخات" قبل أن تصل إلى وطار * * التقيت الأستاذ علي ذراع، مستشار المدير العام لجريدة "الشروق"، على الساعة التاسعة والنصف صباحا في ساحة نجمة شارل دوغول، بمحاذاة قوس النصر، وسط العاصمة الفرنسية باريس، كان يوما شديد الحر، لكن قرب اللقاء مع الطاهر وطار لطفه بعض الشيء. * من محطة شارل دوغول للمترو ركبنا "الآر أو آر" باتجاه "شاتلي لي هال" ومنها إلى "درانسي"، في ضواحي باريس، حيث أخبرنا عمي الطاهر بأنه يقيم. * كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحا، عندما بلغنا درانسي، وبما أن موعدنا مع وطار كان على الساعة الحادية عشر، سمحنا لنفسينا أنا والحاج علي بارتشاف فنجان من القهوة في كافيتيريا مقابلة لمحطة القطار، وهناك فوجئنا بصاحبة المقهى وهي تجهل وجود شارع اسمه "كريستينو غارسيا" بالمنطقة. * "هلا، دللتنا على مكان نشحن فيه الهاتف؟".."اقطعوا ذاك الجسر وستجدون عند نهايته محلا يقدم هذه الخدمة". ونحن على الجسر لاحظ علي ذراع متأسفا "انظر إلى المزهريات هنا وهناك، كم هو جميل شكل الورود؟، ما الذي يمنع مسؤولينا عن إنجاز أشياء بسيطة كهذه؟"، قلت "لن يفعلوا يا الحاج لأنهم أعداء الجمال". * شحنا كارت الهاتف، وكلمنا أب الرواية الجزائرية "صباح الخير عمي الطاهر".."أهلا سي محمد أين أنتم؟".."نحن في درانسي، أمام محطة القطار، لكننا لا نجد شارع كرستيانو غارسيا".."يبدو أنكم أخطأتم العنوان، اسألوا عن ساحة اسمها 8 ماي 1945 ومن هناك لن تجدوا مشكلا في الوصول". * دخنا "السبع دوخات" قبل أن نجد مهاجرا جزائريا يقيم في فرنسا منذ 39 عاما يدلنا على العنوان، فمن حافلة إلى ترامواي إلى مشي على قدمين، لكن متعة الحديث مع الحاج علي ذراع وحكاياته مع رجال السياسة وصناع القرار، لم تكن تترك للتعب ولا للملل مكانا. * أخيرا وصلنا شارع غارسيا، في لاكورنوف، ولم يبق أمامنا إلا البحث عن الرقم 25، فالبيت الذي يقيم فيه صاحب "اللاز"، ينتصب وسط حي هادئ وجميل لا تكاد تسمع فيه صوتا لإنسان أو حيوان، خاصة وأن الساعة أشرفت على الواحدة زوالا. * كنا محملين بأكياس ورقية عليها لوغو "الشروق"، وهو ربما الذي دفع بشاب على عتبة أحد البيوت إلى سؤالنا "هل الإخوة من جريدة الشروق الجزائرية؟".."نعم".."أهلا بكما عمي الطاهر في انتظاركما على أحر من الجمر".."ومن يكون الأخ؟".."أنا توفيق ابن أخيه، أقيم في باريس منذ أكثر من عشر سنوات، وأزوره على الأقل مرة في الأسبوع أتفقد أحواله وأقضي بعض حاجاته". * يحتل عمي الطاهر وطار جناحا مستقلا في البيت الجميل، غرفة ومطبخ صغير وحمام، والمنزل الجديد جاء ليقيه ما كان يعانيه في فندق "سيتادين" حيث كان يقيم، من ضرورة أن يحضر أكله وأن يغسل ملابسه وأن يبحث في كل مرة عن وسيلة لنقله إلى المستشفى، ففي 25 شارع كريستيانو غارسيو تتكفل العائلة المضيفة بكل شيء في مقابل مادي مناسب. * بصعوبة قام عمي الطاهر من رقدته متكئا على "أوباما"، وهو الاسم الذي أطلقه على عصاه، كان يرتدي منامة زرقاء عليها "ڤندورة" جزائرية صفراء، وبعد أن سلم علينا بحرارة فاقت تلك التي حلت على باريس ذاك الأربعاء، وبسرعة راح يسألني "انشا الله جبتلي الأمانة اللي وصيت عليها من البيت؟".."طبعا عمي الطاهر حملنا لك كل شيء".."إنها دڤلة من نوع خاص، فقد جيء لي بها من مكةالمكرمة". * كان عمي الطاهر محاطا بصديقيه، الشاعر الفرنسي فرانسيس كامب، ناشره في فرنسا، والجامعي السدراتي صالح قطاف، المقيم في باريس منذ نهاية السبعينيات، والمهتم بدراسة المذهب الشيعي، وابن أخيه رفيق، إضافة إلى أفراد العائلة المضيفة. * بدا صاحب رائعة "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، في قمة افتخاره وهو يقدمنا إلى صديقه الفرنسي "الإخوة من »الشروق«، وهي أكبر جريدة في الجزائر، ومعروف عنها اهتمامها الخاص بالكتاب والمثقفين والمبدعين"، وبعد أن مكناه من الترجمة الفرنسية لكلمة "الشروق"، سألنا فرنسيس "كم تسحبون؟".."600 ألف نسخة يوميا".."هنيئا فهذا إنجاز عظيم"، أما صالح قطاف فقد أخبرنا ضاحكا بأنه تحوّل إلى قارئ وفي ل "الشروق" لأن وطار فرض عليه ذلك. * * في مشهد تاريخي مؤثر * الطاهر وطار يتسلم برنوس "الشروق" ودرع "العرفان" * * لحظة تقديم فروض تكريم "الشروق" للكاتب الكبير الطاهر، كانت هي نفسها اللحظة التي انتابنا فيها إحساس جميل بالفخر والاعتزاز أولا، فليس من عادة الأمور أن تكرم جريدة عروبية حد النخاع كاتبا عروبيا بحجم صاحب رائعة "اللاز" على التراب الفرنسي، وثانيا، بالألم، فوطار الذي التقيناه قبل أربعة أشهر في فندق "سيتادين" وهو ينضج نشاطا، بدا شاحبا ولا يقوى على الوقوف لأكثر من دقائق معدودات. ربما اعتقد المرض بأنه سيبتعد بضحيته إلى منفى سحيق لا تصله يد الاعتراف والعرفان، لكن "الشروق" قهرت الجغرافيا. * ساعدنا عمي الطاهر للوقوف من فراشه، وكم كان المشهد مؤثرا، الحاج علي ذراع يعانقه ثم يلبسه برنوس "الشروق" الأسود ذو الجودة العالية، جلسنا، تكلم مستشار المدير العام عن قيمة اللحظة، وعن كبير تقدير الجريدة للمبدعين عموما وللطاهر وطار بصفة خاصة. * أما صاحب "الحوات والقصر" فكان جد متأثرا وبدا عاجزا عن حبس دموعه داخل عينيه، فقد أكبر في "الشروق" مبادرتها، ونفى تفاجئه منها، فالاعتراف، كما قال، من شيم الكبار، وجريدتكم جريدة كبيرة، بل هي الأكبر. * بعدها اقترح علي ذراع أن يتقدم الناشر فرانسيس كامب لتسليم درع "التكريم والعرفان" لكاتبه الطاهر وطار، كانت محطة جميلة للتواصل واستيعاب الآخر، حمل فرانسيس اللوح البلوري الفاخر الذي كتب عليه بخط النسخ "تكريما له على كل ما قدمه للثقافة الجزائرية تقدم جريدة »الشروق« درع العرفان للكاتب الكبير الطاهر وطار"، ثم طلب ترجمة العبارة. * أخيرا تسلم مضيفنا شهادة التقدير، ثم أغرقنا في حديث الأدب والسياسة، وبكثير من الحماس قدم لنا "قصيد في التذلل"، روايته الأخيرة، التي منح "الشروق" شرف حصرية نشرها على حلقات. * * فرانسيس كامب، مدير دار "أوقات الكرز"، وناشر وطار بفرنسا * "وطار هو الكاتب المعرّب الأكثر مقروئية في فرنسا" * "تعرفت على الطاهر وطار في السبعينيات، وكان اللقاء الأول كافيا حتى أكتشف بأنني أجلس أمام كاتب كبير، شخصيته لا تختلف كثيرا عن شخوص رواياته، فهو قريب بل لصيق بالناس العاديين، بالفقراء والعمال والطلبة والفلاحين، كما أنه يحمل هموم وطنه ومواطنيه، كما يفعل المثقفون المسؤولون الذين لا يبدعون في اللاشيء، أنا ناشره باللغة الفرنسية ومن أهم وأجمل الأعمال التي ترجمناها له كانت رواية "اللاز"، وهي فعلا نموذجا للرواية الإنسانية. هنا في فرنسا يحصي الطاهر وطار أعداء أكثر بكثير من الأصدقاء، فبعض المثقفين هنا لا يقبلون أن يأتي إليهم مبدع من الجنوب ينتج خارج الدوائر التي رسموها مسبقا، دوائر اللغة والثقافة والأيديولوجيا والتاريخ، وطار بالنسبة إليهم كاتب غير قابل للتدجين والتطويع والتركيع، فحبه لوطنه واعتزازه بانتمائه يدفعانه دائما إلى التمرد على الأطر النمطية. وبالرغم من كل الحصار إلا أن صديقي الطاهر يبقى الكاتب المعرب الأكثر مقروئية في فرنسا". * * علي ذراع، مستشار المدير العام لجريدة "الشروق" * "من لا يحترم وطار لا يحترم الكلمة ولا حرية التعبير ولا الديمقراطية" * * "الاحترام الذي تكنه "الشروق" للمثقف بصفة عامة وللأخ الطاهر وطار بصفة خاصة كبير..كبير..كبير، في جريدة "الشروق" نحن نحترم الطاهر وطار لنضاله من أجل الفكر ومن أجل الثقافة العربية ودفاعا عن الحرف العربي وعن مقومات الشخصية الجزائرية، بالقلم وباللسان..الطاهر وطار غني عن كل تعريف. تعودنا في "الشروق" تكريم المثقفين في جريدتنا، لكن ونظرا لاستحالة تنقله ارتأينا أن نتنقل إليه نحن من الجزائر إلى باريس، حتى نكرم رمزا من رموز الثقافة والسياسة والوطنية في الجزائر، فوطار ليس فقط الكاتب ولكنه أيضا المثقف والمناضل والمجاهد العاشق لوطنه..عمي الطاهر لقد وصل صوتك كما وصلت كتاباتك إلى العالم، وأنت فرضت ضرورة أن تحترم، ومن لا يحترم الطاهر وطار لا يحترم الكلمة ولا يحترم حرية الرأي والتعبير ولا يحترم أيضا الديمقراطية، لأنك ناضلت من أجل تكريس هذه القيم الإنسانية السامية ومن أجل أن يبقى المثقف حرا، "الشروق" ستبقى متابعة لأفكارك أين ما كنت، وستشرع قريبا في نشر روايتك الأخيرة، فهنيئا لك بهذا التكريم وتمنياتنا أن تسترجع عافيتك وأن تعود إلينا كما كنت، فالمشهد الثقافي من دون عمي الطاهر ناقص ملحا وسكرا.. عمي الطاهر نحن هنا لأن الأستاذ علي فضيل كلفنا بذلك، فهو وإن منعته المشاغل عن الحضور، إلا أنه وقف على مشروع التكريم من أوله إلى آخره، وهذا ليس غريبا عنه وهو الذي حرص ويحرص على إنزال المثقفين عموما والمبدعين الجزائريين بصفة خاصة المنزلة التي تليق بهم". * * وطار يصف المبادرة ب "الظاهرة الجديدة في تاريخ الصحافة الجزائرية" * يوميا لا أستريح حتى أقرأ موقع «الشروق أونلاين» * * "والله أنا مسرور جدا بالخطوات التي تنتهجها جريدتنا "الشروق" منذ مدة ليست بالقليلة وهي الاهتمام بالمبدعين والمثقفين كجزء حيوي من مكونات المجتمع، وليس كعناصر هامشية تستغل وتستهلك وتثار حولها الفضائح ثم تلفظ كما يلفظ أي شيء لا قيمة له، هذا بصفة عامة، وبصفة خاصة أنا لم أكن في الحقيقة أتصور أن الأخوين علي ذراع ومحمد بغالي يأتيان سفراء من جريدة "الشروق" ليبعثا في روحي، لا أقول المنهارة، ولكن أقول التعبة، المقاومة، المصرة على مواصلة الإبداع وعلى الحضور الثقافي، أنا لست فقط مريض في هذه البلاد، بل أنا كاتب يصر على الإنتاج، إنها لخطوة جد جيدة ينبغي أن تسجل في تاريخ الإعلام الجزائري كظاهرة جديدة، لم تتعود الصحافة الجزائرية عليها، تعوّدت امتصاصنا ورمينا.. ثم ألف شكر للسيد علي فضيل ولكل أسرة جريدة "الشروق" التي تعتبر إحدى علامات هذا الزمان في الجزائر، وعلى فكرة أنا أقرأ "الشروق" كل يوم على الأنترنت وإذا لم أتمكن من ذلك فإنني لا أستريح". * * الطاهر وطار يفكك علاقة المثقف بالسلطة في آخر رواياته * نشر "قصيد في التذلل" على صفحات الشروق سيكون تكريما آخر * * في حديثه عن روايته الأخيرة "قصيد في التذلل"، التي أنجز حوالي 80 بالمئة منها، والتي منح "الشروق" شرف حصرية تقديمها إلى قرائها على حلقات قال الطاهر وطار:"أحاول جهد نفسي وقدر الإمكان لأنهي آخر عمل بدأته في 2007 وبحول الله فإن نشر هذا العمل في جريدة "الشروق" طيلة أيام رمضان سيكون أيضا تكريما آخر وسيكون أيضا إحياء لي بين أحبابي وبين أصدقائي وقرائي". * ويضيف عمي الطاهر: "هو موضوع يشغلني منذ الخمسينيات وكتبت فيه تحديدا »تجربة في العشق«، وهي مع الأسف رواية غير معروفة كثيرا هنا في الجزائر، بينما أعددت حولها الكثير من الرسائل الجامعية في المغرب وبلدان عربية أخرى، ويقول عنها الكاتب المصري الكبير صنع الله إبراهيم بأنها »رواية الجزائر«، إنها علاقة المثقف بالسلطة وهي موضوع روايتي الأخيرة »قصيد في التذلل«، فبالنسبة لي وبقطع النظر عن حقيقة أن كل سلطة لا بد لها من مثقفين ومن ركيزة ومن مصوغين. علاقة المثقف بالسلطة يجب أن تكون علاقة تجاوز من طرف الأول، فمن خصائص السلطة الثبات والبقاء، بينما الشاعر والكاتب والفنان، أو المبدع بصفة عامة، يتجاوز في كل لحظة نفسه ومحيطه وسلطته، ومن يقحم نفسه في خانة السلطة وداخل خضمها، يكون قد رهن حريته ويكون قد رهن قدرته على قول الحقيقة كاملة غير منقوصة، ومع الأسف الشديد في العالم العربي، والجزائر جزء منه، هناك من المثقفين من يعتبر السلطة تشريفا، المتنبي سعى للسلطة، حسب ما تعلمنا به الرواية، لكن السلطة رفضته، وكأني بها وقد قالت له: أنت لا تستحق أن تذل وأن تهان. أما الأمراء فاستكثروها عليه، لأنه لو تمكن منها لظفر بالإمارتين، إمارة الإمارة وإمارة الشعر، وهم لا يملكون سوى إمارة واحدة، فلم يعطوه السلطة بالرغم من أنه سعى إليها، أما عندنا فالسلطة هي التي تجري وراءك". * * توفيق وطار، ابن أخ الطاهر وطار * "عمي الطاهر لم يعد ملكا لعائلته فقط ولكن للجزائريين جميعا" * * عمي في الحياة نفسه هو نفسه في الحياة الأدبية، هو لا يعاني أي انفصام لأنه ينتج شخصيات روائية تحمل نفس مشاعره وأفكاره وقناعاته، والذي لا يعرفه كثير من الناس أن الطاهر وطار حنون جدا، قد يبدو ربما صلبا ولا تهزه رياح الزمن، لكنه صدقوني يبكي كما يبكي الأطفال بسهولة كبيرة، كما أنه حنون جدا ويقدس العلاقات العائلية. أشكركم على هذه المبادرة الكريمة، وتأكدوا أنكم بذلك تخدمون ليس فقط الطاهر وطار، ولكن الثقافة الجزائرية عموما، ولا يمكنكم تصور عدد المهاجرين العوام هنا في فرنسا الذين يسألونني كل يوم عن صحة عمي، وهو ما يجعلني أقتنع يوما بعد يوم بأنه لم يعد ملكا لعائلته فحسب ولكن ملك لكل الجزائريين". * * صديقه صالح قطاف * "أعدتم إلى الطاهر وطار حيويته وعشقه للحياة" * * "الذي عرفني بالشروق هو الطاهر وطار، الذي أزوره عدة مرات في الأسبوع، حتى أصبت مثله بإدمان قراءتها كل يوم، ما تقومون به عمل رائع، والأكيد أنكم ستجنون ثماره في المستقبل، لأن الذي سيدفع بالجزائر إلى الأمام هو ثقافتها وإنتاج مبدعيها. أنا أهتم كثيرا بالشيعة كمذهب فقهي وعقدي وكتوجه سياسي، وهو الملف الذي أفتحه كل يوم مع الطاهر وطار، وفاجأني بثراء ثقافته واهتمامه البالغ بتاريخ الجزائر، قديمه وحديثه، وجدته مثلا مهتما بتاريخ الفاطميين، وكيف أن كتامة الجزائرية هي التي بنت قاهرة المعز بما فيها الأزهر الشريف. إضافة إلى كل هذا فإنني أتعمد في الكثير من الأحيان إثارته حتى يخرج شحنات الغضب الكامنة في صدره، وكم هي المرات التي شكا لي فيها من الإهمال والتهميش، أما الذي رآه على فراشه هذا الصباح مرهقا، لا يراه هذا المساء بعد وصولكم، فقد أعدتم إليه الكثير من حيويته وعشقه للحياة". * * ** أصداء * * * إذا كانت "الشروق" قد كرمت عمي الطاهر بدرع العرفان فإن الطاهر وطار كرم مبعوثيها بغذاء جميل، وكانت الفرصة حتى يأكل بعض اللقيمات التي لم تعد تدخل معدته إلا نادرا. * * * بالرغم من حالة التعب التي اجتاحته فلم يكن يستطيع الوقوف لأكثر من دقيقتين أو ثلاثة إلا أن الطاهر وطار، متكئا على عصاه أوباما، أصر على مرافقتنا حتى باب البيت ملحّا على توجيه التحية إلى كل أسرة "الشروق" فردا فردا. * * * رافقنا صديق عمي الطاهر الأستاذ صالح قطاف حتى الميترو وقبلها وفي ساحة البيت، أصر على قطف وردة جميلة وقدمها للحاج علي ذراع، معلقا بأن وردة جميلة كهذه لا تهدى إلا لامرأة في جمال "الشروق". * * * اكتشفنا مع الطاهر وطار المطرب الراحل الحاج بورقعة، وعلمنا بأنه فنان "الحراكتة" الأول، والنجم الأول للأغنية الشاوية المؤداة باللهجة العربية الدارجة، كما اكتشفنا بأن عمي الطاهر يختار مطربا شاويا بعينه يرافقه في كتابة أحد أعماله، يسمعه أكثر من 25 مرة في اليوم، فبڤار حدة لرواية وبن طوبال لرواية وأخيرة الحاج بورقعة ل "قصيد في التذلل". * * * لم يكتف مدير عام "الشروق" الأستاذ علي فضيل بالحضور الرمزي إلى تكريم الطاهر وطار، ولكنه سهر على نجاح الحفل البسيط عبر الهاتف، كما فضل التحدث بنفسه مع صاحب "اللاز"، عندما كلمه في الهاتف، وعبّر له عن تشرّف الجريدة بهذه المبادرة، قبل أن يتوجه إليه عمي الطاهر بجزيل الشكر. * * * من بين أطرف ما قاله عمي الطاهر خلال التكريم تقييمه لأداء أحد الوزراء السابقين للثقافة عندما قال: "الإنجاز الثقافي الوحيد الذي حققه محي الدين عميمور هو أنه قص شواربه". * * * أخبرنا ناشر الطاهر وطار في فرنسا، فرانسيس كامب، بأن دار "أوقات الكرز"، التي يديرها تحضر لإطلاق طبعة فرنسية جديدة من رواية "اللاز". * * ** الطاهر وطار في كلمات * * ولد في 15 أوت سنة 1936 بدائرة سدراتة ولاية سوق أهراس. تلقى نصيبا من التعليم الابتدائي والثانوي بمدرسة مداوروش التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ثم بمعهد ابن باديس بقسنطينة ثم بجامع الزيتونة بتونس. التحق في سنة 1956 بالعمل الثوري في صفوف جبهة التحرير الوطني. * أسس في 1962 جريدة "الأحرار"، وهي أسبوعية سياسية. أوقفتها السلطات بعد سبعة أشهر. انتقل من قسنطينة إلى العاصمة وأصدرها بعنوان "الجماهير". ما لبثت السلطات أن أوقفتها بدورها. * عمل من 1963 حتى 1983 بحزب جبهة التحرير كإطار سام، ثم أحيل على التقاعد، وهو لم يتجاوز سن السابعة والأربعين. * ألف حتى الآن ثماني روايات وثلاث مجموعات قصصية ومسرحيتين فصدر له من الروايات "اللاز" و"الحوات والقصر" و"رمانة" وتجربة في "العشق" و"عرس بغل" و"العشق والموت في الزمن الحراشي" و"الشمعة والدهاليز" و"الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي". * ومن القصص "دخان من قلبي" و"الطعنات" و"الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، ومن المسرحيات "الهارب" و"على الضفة الأخرى". * ترجمت بعض أعمال الطاهر وطار إلى حوالي عشر لغات حتى الآن أهمها: الروسية والإنجليزية والألمانية والفرنسية والبرتغالية والفيتنامية واليونانية والأوزبيكستانية والأذربيجانية. وحوّلت بعض أعماله إلى السينما وإلى المسرح. * ويعتبر الطاهر وطار من مؤسسي الأدب العربي الحديث في الجزائر. ويعد من أبرز الكتاب العرب المعاصرين. يتميّز بالجرأة والصراحة، ويتناول القضايا الاجتماعية السياسية. متزوج وله بنت واحدة. ويرأس الجمعية الثقافية "الجاحظية" منذ 1989. * عن "ديوان العرب"