منذ الاستقلال إلى اليوم، شهدت الحركة الرياضية الوطنية عديد المحاولات لبعث مشاريع قوانين وتجسيد بعض الأفكار المتعلقة بقطاع الشباب والرياضة والحركة الجمعوية، فخضنا تجارب لم تستمر، وأخرى لم يكتب لها النجاح، وكنا في كل مرة نضطر إلى تغيير القوانين حسب الظروف والأهواء، بعيدا عن المنطق ودون تمحيص لواقعنا وخصوصياتنا وإمكاناتنا، حتى أن هناك عددا قليلا جدا تجرأ في إطار ضيق مع المسؤولين المباشرين وذهب أبعد ما يمكن في تصوره للحلول اللازمة لقطاع ندرك أهميته ولا نفعل شيئا ملموسا تجاهه، وحان الوقت لكي نفصل بين قطاعي الشباب والرياضة، لأن الوزارة المعنية لم تعد قادرة على هذا أو ذاك، وضاع الشباب في زخم الرياضة، وسرقت الرياضة اهتمامنا بالشباب .. لقد تركنا قطاع الشباب والرياضة من اختصاص الوزارة المعنية فقط، ولم نقدر على الاهتمام لا بقطاع الشباب ولا بالرياضة، لأن الوزير الذي يأتي ينشغل بكرة القدم وينسى الرياضات الأخرى ويهملها، ولا يقدر على الاهتمام بفئة الشباب وانشغالاته وحاجياته الفكرية والمادية.. فئة الشباب في مجتمع بحجم الجزائر تهم كل القطاعات دون استثناء، والرياضة تهم المجتمع بكل فئاته، وليس فقط الشباب منهم، والرياضة رياضتان: واحدة محترفة تخص المستوى العالي، والأخرى جماهيرية تنعكس ممارستها على كل القطاعات وعلى كل فئات المجتمع. من هذا المنطق كان يجب النظر إلى المعادلة منذ زمن طويل والاهتمام بالرياضة ضمن قطاع وزاري منفصل، لأنها تمثل مشروعَ مجتمع قائماً بذاته لما للرياضة الاحترافية والجماهيرية من تأثير في المعنويات والاستقرار الاجتماعي والصحة العمومية والحاضر والمستقبل، ولما تتطلبانه من إمكانات واهتمامات تفوق اهتمامنا بالتسلح أو حتى الصعود إلى القمر ! إن تخصيص وزارة للرياضة فقط تهتم بتقنين الممارسة وتعميمها والبحث عن المواهب ورعايتها وتأطيرها، وتهتم بتوفير المرافق والمنشآت والإمكانات وترشيدها، سيكون المهمة الأساسية لوزارة لا يقتصر اهتمامها على المستوى العالي ولا على كرة القدم والمنتخب الأول فحسب، بل يتعداه إلى كل الرياضات وكل فئات المجتمع وكل المستويات . أما شؤون الشباب فهي أيضا مسؤولية بالغة الأهمية لأنها تتعلق بأكثر من 70 % من فئات الشعب الجزائري، وتخص أكثر من20 مليون مواطن يحتاج إلى تربية وتعليم وتثقيف وتوجيه ووظيفة وسكن ورعاية صحية، لذلك يجب أن نجده في برامج كل القطاعات دون استثناء، وينبغي لكل وزارة أن تخصص جانبا من نشاطاتها واهتماماتها للشباب : فقطاع الشباب يجب أن تشمله برامج وزارات التربية والتعليم والتكوين، وأن تخصص له مديريات وهياكل لتوجيهه وتثقيفه ورعايته ومرافقته في مشاريعه الفكرية والعلمية والتكنولوجية بكل اختصاصاته ومستوياته .. الشباب يجب أن يكون في برامج وزارات الصحة والسكن والسياحة والبيئة، لما لهذه القطاعات من أهمية لضمان مستقبل الجزائر؛ بإشراك جيل المستقبل من البنين والبنات في الحفاظ على تماسك نسيجنا الاجتماعي وصحة أبنائنا وتراثنا وبيئتنا، وتوعيته بمقوماتنا الطبيعية والتاريخية الفريدة من نوعها .. الشباب يفترض أن يكون من اهتمامات وزارتي الداخلية والدفاع الوطني، لما لهما من إمكانات بشرية ومادية يحتاج إليها شبابنا، ولما توفرانه من هياكل وإمكانات وفرص عمل وآفاق واسعة يحتاج إليها أبناؤنا لضمان مستقبلهم ومن ثَمَّ مستقبل الوطن والأمة.. والشباب يجب أن يكون من اهتمامات وزارات الاتصال والثقافة والشؤون الدينية، حتى نبقى على صلة دائمة بأكبر شريحة في المجتمع؛ نتواصل معها وننمي قدراتها الفكرية والثقافية والروحية ونحميها من كل الهزات والآفات.. وزارات التجارة والمالية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة هياكل يجب أن تنفتح على كل الشباب من أصحاب رؤوس الأموال الذين يريدون الاستثمار في منظومة التجارة والمؤسسات الصغيرة، والذين يجب أن تتوجه إليهم وزارة المالية للتقرب من كل القوانين والتوجهات الحديثة للاقتصاد العالمي وشؤون المال والأعمال . بفضل كل هذا سيجد الشباب ضالتهم، وتبقى وزارة الرياضة تهتم بالرياضة للجميع في الشارع والمدرسة والجامعة والمؤسسة، وتهتم برياضة المستوى العالي والمنتخبات والمنشآت الرياضية، وتوفير كل ظروف الممارسة الجماهيرية والمحترفة. لا أبتدع شيئا عندما أقول هذا الكلام لأني أدرك جيدا أن الكثير من الشخصيات والمؤسسات تفكر في مثل هذا الأمر، وتعي أهمية تخصيص وزارة للرياضة، والفصل بين الشباب والرياضة، والجمع بين الشباب وكل القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى الحزبية والجمعوية التي تريد أن تستثمر في جيل جديد حان الوقت لكي يأخذ فرصته في صنع الحياة والمستقبل، والمساهمة في بناء جزائر كل الجزائريين، بعيدا عن الجهوية والمحسوبية والحقرة والإقصاء، وبعيدا عن دكتاتورية الفكر والرأي وسلطة المال، وبعيدا عن كل وصاية تريد استغلال محن ومشاكل أبنائنا لأغراض سياسية ظرفية .