* تأخر فرنسا في الاعتراف بجرائمها الاستعمارية في الجزائر ليس في صالحها *تعويض ضحايا التجارب النووية ذر للرماد في العيون * نسعى لخلق بنك معلومات لتاريخ الثورة وشهادات المجاهدين الحية * إنشاء قناة تلفزيونية لإبراز تاريخ الثورة أكد الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين السعيد عبادو في حوار خص به "صوت الأحرار"، أن قانون تعويض ضحايا التجارب النووية هو عبارة عن ذر للرماد في العيون، يراد منه تعويض الفرنسيين لا الجزائريين ، وقد تعمد القانون تغييب الطرف الجزائري في القضية وهو ما يثبت النوايا السيئة ، ليشير إلى أن معالجة مسألة الذاكرة بين البلدين لا يمكن تركها للمؤرخين للفصل فيها بل تتم على أعلى هرم السلطة بين الجزائروفرنسا، ومن جهة أخرى كشف عبادو أن تسجيل شهادات المجاهدين تسير بوتيرة حسنة، كما كشف عن التحضير لإنشاء قناة تلفزيونية تعنى بإبراز تاريخ الثورة الجزائرية. أجرى الحوار: عبد الرحمان شماني * اعترفت فرنسا بإجراء تجارب نووية في الصحراء الجزائرية أيام الاستعمار، تبعه مصادقة البرلمان الفرنسي على تعويض المتضررين من هذه التجارب، ألا يعد هذا مكسبا افتكه المجاهدون نتيجة نضالات مستمرة؟ ** نحن في المنظمة نعتبر مبدأ الاعتراف والتعويض لضحايا التجارب النووية هو تطور في الموقف الفرنسي نحو الاتجاه الصحيح، وهذا ما كان على رأس مطالبنا، كنا ننادي ومازلنا ننادي بها لإقرار التعويضات والاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية التي ارتكبت في حق شعب أعزل استعمل كفئران تجارب لتحقيق مآرب التسابق نحو التسلح بين الدول الغربية في تلك الفترة، كما أن إجراء التجارب على أرض محتلة هو في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، فلهذا مبدأ حق التعويض من قبل فرنسا جاء بعد تصاعد الاحتجاجات ورفع دعاوي قضائية من طرف العسكريين الفرنسيين الذين أصيبوا بأمراض قاتلة نتيجة الإشعاعات، حيث يدخل هذا في إطار محاولة فرنسا إخماد صوت بقايا الضحايا بالقليل من التعويضات، ومنهم الضحايا الجزائريين، الذين لم يذكرهم نص القانون الفرنسي بالاسم ولكن رغم ذلك نعتبر إقرار حق التعويضات بداية لاعترافات فرنسا الاستعمارية، ومكسب قد تحقق لصالح المجاهدين الذين ناضلوا من أجل ذلك. * حق التعويضات لضحايا التجارب النووية هو تراجع لفرنسا عن مواقف سابقة وبداية أولى التنازلات، ألا تعتقدون أن ذلك هو بداية اعترافات متدرجة يكون آخرها الاعتراف بجميع جرائم الفترة الاستعمارية في الجزائر؟ *** أقول كما اعترفت فرنسا اليوم بحق التعويضات لضحايا التجارب النووية، سيؤدي بها ذلك إلى الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت أثناء كامل الحقبة الاستعمارية بالجزائر، فمبدأ الاعتراف هذا والتعويضات لضحايا التجارب هما خطوة ايجابية في الاتجاه الصحيح إذا ما تم مقارنتهما بالماضي التي رفضت فيه فرنسا أي تنازلات، فنحن نأكد أن مطلب الاعتراف بالجرائم الاستعمارية الفرنسية كلها بالجزائر أساسي ولا يمكن التراجع عنه وفاء لرسالة الشهداء والتضحيات التي قدمها المجاهدون في سبيل ذلك، فالوقت ليس في صالح فرنسا خاصة أننا شهدنا موقف ايطاليا المتطور من خلال اعترافها بجرائمها المرتكبة في ليبيا وإقرارها لحق التعويضات لهم بما ساهم في تقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية بينهما، في حين نشهد تراجع كبير لفرنسا في السوق الجزائري في ظل بقاء الذاكرة بين البلدين هي العائق الأكبر والحاجز أمام تطور العلاقات بينهما إلى الأحسن. * ألا ترون أن طرح قانون التعويضات لضحايا التجارب النووية الفرنسية من خلال إحصاء 500 ضحية جزائرية فقط في حين تحدد بعض الأطراف الضحايا بالآلاف، يؤكد فرضية محاولة طي فرنسا القضية بسرعة بعد أن ازداد صيتها في العالم وتناولها إعلاميا بشكل مثير ساهم في تشويه صورتها على المستوى العالمي؟ *** هذا القانون هو عبارة عن ذر للرماد في العيون، فالظاهر في خلفيات هذا المشروع هو تعويض الفرنسيين التي تضرروا جراء هذه التجارب وليس الجزائريين، فلو كانت هناك إرادة حسنة من طرف الفرنسيين في تعويض الجزائريين لتم إشراك الطرف الجزائري الرسمي بشكل أساسي باعتبار أن أغلب التجارب الفرنسية وبدايتها كانت في الجزائر، لهذا لابد من دراسة الموضوع بجدية بين الطرفين بما يمكن من إصدار القوانين المناسبة لإقرار التعويضات الضرورية وبما يعيد الحق للضحايا من الجزائريين، فنحن نتأسف لهذه الطريقة التي تعاملت بها فرنسا في محاولتها لطي ملف التجارب الذي هو موضوع خطير وإنساني من خلال تغييب الطرف الرسمي الجزائري، ومن جهة أخرى أقول طرح مشروع التعويضات لضحايا التجارب النووية جاء خوفا من طرف الفرنسيين على مصالحهم الاقتصادية في الجزائر التي شهدت تراجعا غير مسبوق وتزايد تغلغل الاستثمارات الأجنبية الأخرى خاصة منها الصينية التي أصبحت تنافس فرنسا حتى في عقر دارها. * كيف تفسرون إغفال قانون التعويضات لضحايا التجارب النووية الفرنسية تسليم خرائط دفن النفايات ورفع العتاد والمواد التي استخدمت في تلك الجرائم بالصحراء، وعدم القيام بتنظيف المناطق الملوثة ؟ *** جرائم فرنسا الاستعمارية لم تنته باستقلال الجزائر بل استمرت إلى اليوم، من خلال تأثيرات النفايات النووية وتصاعد الإشعاعات بالمنطقة التي أجرت فيها فرنسا تجاربها، والتي لم تترك لا إنسان ولا نبات وحتى الحيوان لم يسلم من ذلك، فنقول أن هذه التفجيرات النووية عار على الدولة الفرنسية التي تدعي الحضارة وتنادي بحقوق الإنسان اليوم، أما من ناحية دراستنا لنص القانون فلمسنا فيه نقائص كثيرة تعمدت فرنسا تجاهلها، بحيث أن هذا القانون لم يوضع لتعويض الجزائريين بل لتعويض الفرنسيين الذين أشرفوا على هذه التفجيرات وتأثروا جراء الإشعاعات، وعرضا تكلم عن تعويض المدنيين في الصحراء والواحات، كما أن نص القانون لم يذكر اسم الجزائر إطلاقا، مع العلم أن التجارب معروف أنها أجريت في رقان بأدرار وبعين يكر بتمنراست وتجارب كيماوية أخرى في نواحي بشار، ورغم ذلك تعمدت فرنسا تجاهل ذكر الجزائر في نص القانون، فنحن نعتبر أن هذا القانون بيروقراطي والشروط والمقاييس التي سيقت فيه لا تسهل للمصابين بأمراض نتيجة الإشعاعات أن يقدموا ملفات للاستفادة من التعويضات، فأنا لا أتصور كيف يمكن تعويض الجزائريين سواء من كانوا يشتغلون إجباريا أو السكان الذين تأثروا فيما بعد بفعل الإشعاعات دون تنسيق مشترك مع الطرف الجزائري الرسمي. فالسؤال الذي يطرح كيف يمكن أن يتم تعويض الضحايا الجزائريين بشكل عادل ومنصف في وقت يغيّب الطرف الجزائري، في حين يفترض أن يكون أساسي في هذه الإجراءات لنصل إلى حل دائم وشامل لهذه القضية. كما أن هذا القانون تكلم عن تعويض الأشخاص الضحايا الأحياء وفي حالت وفاتهم يتكلم على ذوي الحقوق ولكن لم يتطرق إلى الفئة التي يمكن أن تستفيد من ذلك، وبالمقابل تناسى نص القانون أيضا تنظيف البيئة من آثار الإشعاعات التي أصابت المياه، النبات والحيوان، وعلى حد اطلاعنا في عين المكان فإنه لا يمكن للنبات أن ينبت بالمنطقة لمئات السنين حسب الخبراء الذين زاروا المنطقة معنا، ومن ناحية أخرى أغفل نص القانون تسليم خرائط دفن النفايات والعتاد الذي استعمل في التفجيرات النووية والتي ستساهم بصفة كبيرة في حصر امتداد الإشعاعات في حالت تم تسليمها بسرعة، رغم أنه كان لابد أن تتم في وقتها وليس بعد 60 سنة وهذا في حد ذاته يعتبر جريمة متواصلة لازالت ترتكب في حق الجزائريين. لهذا أقولها صراحة إننا لسنا متفائلين بفحوى القانون ولا بالنتائج التي ستترتب على تطبيقه، وهو عبارة عن جرعة أولية تريد فرنسا تغطية به جرائمها. * كان ساركوزي قد صرح مؤخرا أن الأحفاد لا يتحملون تبعات أجدادهم الإجرامية باعتبارهم لم يعايشوا تلك المرحلة، ما هو ردكم ؟ *** نحن نتعامل مع فرنسا كدولة وليس مع أشخاص ينتهي الماضي بوفاتهم، فإذا كان الأحفاد لا يتحملون جرائم أجدادهم فلا بد أن لا يكون ذلك مع الجزائر، في حين هي أخذت التعويضات والاعتراف من ألمانيا النازية التي ارتكبت جرائم في حقها، وأيضا لما يتعلق كما تدعي فرنسا بضرورة اعتراف تركيا بجرائمها ضد الأرمن، وكذا الاعتراف بمحرقة اليهود تثور ثائرة الفرنسيين وساركوزي بشكل خاص، أما لما يتعلق بالجزائريين في التمتع بحق من الحقوق التي كفلتها لهم القوانين الدولية والأمم المتحدة فتأبى فرنسا أن تعترف، فيما تحرص على الانسياق وراء طروحات أخرى تخدم مصالحها الخفية. هذه التصريحات تدل على أن الساسة الفرنسيين مازال يطغى عليهم الفكر الاستعماري الاستبدادي، فأقول إنه لا يمكن تسوية مشكل الذاكرة بين البلدين إلا باعتراف كامل يظهر الحقيقة غير منقوصة وبطريقة عادلة ومنصفة للشعب الجزائري بما يسمح بطي صفحة الماضي وفتح مناخ نقي وتعزيز فرص تعاون حقيقية في كل المجالات للأجيال القادمة بين البلدين، فنحن كمجاهدين لا نكن العداوة للشعب الفرنسي أو نعمل ضده، لكن نحن ضد الطبقة المسؤولة في فرنسا التي مازالت تهيمن على أفكارها الرؤى الاستعمارية واعتبار الجزائر مجرد سوق لهم أو مستعمرة، فهذا التأخر في الاعتراف ليس في صالح فرنسا اليوم الذي تعرف فيه الجزائر تفتح وتطور على المستوى الدولي خاصة من خلال مباشرتها لمجموعة من المشاريع التي ستعزز مستقبل التعاون مع البلدان الأخرى خاصة الآسياوية منها، في حين مازالت تفقد المؤسسات الفرنسية تقلد أي دور فعال في السوق الوطنية الجزائرية. * هل تم إحصاء قائمة المجاهدين وأبناء المجاهدين وأبناء الشهداء الذين اغتالتهم أيادي الإرهاب أيام المأساة الوطنية ؟ *** نعم هناك إحصائيات جد دقيقة تظهر الأرقام المحددة للضحايا من المجاهدين وأبنائهم وكذا أبناء الشهداء الذين قتلوا أيام المحنة الوطنية وهي موجودة الآن على مستوى وزارة المجاهدين لمن أراد الاطلاع عليها. * تغيرت كثير من المعالم التي تحصي جرائم المستعمر الفرنسي، تبعه وفاة كثير من المجاهدين الذين يحملون حقبة تاريخية مهمة في ذاكرتهم، ألا ترون أن هذا يستلزم ضرورة تبني إستراتيجية وطنية لتدوين وكتابة كل ما تعلق بأحداث الثورة التحريرية وما سبقها من ثورات مقاومة ضد المستعمر؟ *** منذ مدة قمنا بتسطير إستراتيجية وطنية بالتعاون مع وزارة المجاهدين يتم فيها جمع شهادات المجاهدين وتوثيقها، حيث تبع ذلك توجيه تعليمة إلى كل المجاهدين والمجاهدات بضرورة سرد جميع الشهادات والروايات التي عايشوها أثناء الثورة التحريرية، حتى ومن خلال الاستعانة بالأبناء والأقارب ليتم كتابة ونقل هذه الشهادات بصورتها الأصلية خاصة ونحن نعلم أن القلة القليلة من المجاهدين متعلمين مما يصعب من وتيرة المهمة، ولكن رغم ذلك أؤكد أن العملية تسير بوتيرة حسنة ومنظمة. كما أؤكد أن هناك عدد معتبر من المذكرات التي تم كتابتها وطبعها تتضمن شهادات حية وروايات للمجاهدين في المناطق التي حاربوا فيها المحتل الفرنسي، حيث باستطاعة الباحثين والمؤرخين الاطلاع عليها على مستوى مراكز الدراسات والمقرات الولائية للمنظمة الوطنية للمجاهدين، والهدف من كل هذا هو توفير معلومات صحيحة وأكيدة من مصادرها. وهذا يدخل في المشروع الأساسي للمنظمة القاضية بتسجيل كامل الشهادات للمجاهدين الأحياء، بحيث يصبح لدينا بنك للمعلومات متعلق بتاريخ الثورة وشهادات المجاهدين الحية ويتم وضعه تحت خدمة الباحثين والمؤرخين للاطلاع عليه وتمحيص الشهادات والروايات التي يتم جمعها، ومن خلال كل هذا نسعى إلى تبليغ رسالة أول نوفمبر إلى الأجيال الصاعدة لتكون متحصنة ومتشبعة بروح الوطنية، فعلى المجاهدين الذين صنعوا البطولات بالأمس أن يبلغوا ذلك إلى الأجيال القادمة بكل صدق وأمانة. نحن نعترف أن العمل الذي أنجز غير كافي ونعمل على مضاعفة الجهود بما يسمح بتقدم العملية بشكل أسرع بكثير، لهذا قمنا بالتوقيع على اتفاقية مشتركة بين وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي وكذا وزارة المجاهدين والمنظمة الوطنية للمجاهدين تحملان على عاتقيهما تزويد كل المكتبات على مستوى المؤسسات التربوية والمكتبات الولائية والجامعية بهذه المذكرات التاريخية ليتم الاطلاع عليها وقراءتها من طرف التلاميذ والطلبة بما ينمي رصيدهم حول أحداث التاريخ الجزائري. * ولكن هناك عائق تعدد الروايات والشهادات وعدم تطابقها بين المجاهدين ليصنع ذلك تصادم في سرد الأحداث بما يؤثر على مصداقيتها، ألا يستوجب ذلك في نظركم خلق لجنة متخصصة في تدقيق الشهادات؟ *** نعم لمسنا مشكل تعدد شهادات المجاهدين واختلاف رواياتهم حول حدث ما، لكن المهم هو أنهم يدلون بشهاداتهم كما يعرفونها وبصورة عفوية وبسيطة، حيث أن هذا شيء طبيعي باعتبار أن ضخامة الثورة التحريرية الجزائرية لا يمكن مقارنتها مع أخرى ولا حصرها في مجموعة من الشهادات خاصة ونحن نعلم أن كثير من المجاهدين قد وافتهم المنية دون أن يبلّغوا الحقائق التي يعرفونها، ولكن أقول لا يمكن اليوم استحداث لجنة وطنية محددة تسهر على تمحيص هذه الشهادات والتدقيق فيها، ولكن ندعم العمل الطوعي للباحثين والمؤرخين للعمل على استنتاج القريب منها إلى الصواب في مسيرة الأحداث المتوالية، وسيلقون منا كل التسهيل والمعونة في الحصول على المعلومة من مصدرها. * المسؤولون الفرنسيون صرحوا مؤخرا أنهم لم يتلقوا طلبا رسميا لاسترجاع الأرشيف المتعلق بالحقبة الاستعمارية في الجزائر، لماذا لا تكونون على رأس المطالبين بإستعادة هذا الموروث التاريخي ؟ *** نحن نتكلم باسم منظمة مدنية، وطالبنا مرارا وتكرارا بضرورة استرجاع أرشيف الحقبة الاستعمارية من فرنسا، ولعل أرشيف خارطة الألغام الذي تم استلامه جاء نتيجة للدعوات الكثيرة من طرف المنظمة، من ناحية أخرى القانون الدولي يلزم الدولة المستعمرة بعد انتهاء استعمارها أن تسلم كل أرشيف البلد المستعمر، فالسؤال الذي يستوقفنا هنا ماذا تريد فرنسا لتسلّم كل أرشيف الحقبة الاستعمارية؟ ولماذا هذا التأخر في مباشرة عملية التسليم بشكل متقطع وفق أهواء الساسة الفرنسيين؟. * ما هي قراءتكم لتصريحات السفير الفرنسي بالجزائر الأخيرة حول تبني مقاربة هادئة فيما يخص قضايا الذاكرة بين البلدين؟ *** بالنسبة لموضوع ترك الماضي للمؤرخين، لا يمكننا ذلك ولن يتم معالجة قضايا الذاكرة إلا على أعلى هرم السلطة في الدولتين، عن طريق اتصال فعال ومفاوضات مباشرة بين ساسة البلدين، ليتم التأسيس لعلاقات جادة وحقيقة فيما بينهما، كما نعتبر محاولة ترك فرنسا مسألة التاريخ للمؤرخين هو نوع من الهروب إلى الأمام والتملص من المسؤولية، فألمانياوفرنسا لم يتركا ذلك للمؤرخين، وكذلك بالنسبة لايطاليا مع ليبيا، فلماذا نترك نحن التاريخ للمؤرخين للفصل فيه؟ * هل تؤيدون توقيع معاهدة صداقة بين الجزائروفرنسا بالصورة التي يريدها ساركوزي ؟ *** نحن نرفض عقد معاهدة صداقة وتعاون حقيقة بين البلدين، دون تحقيق ثلاث نقاط أساسية تحكم تلك العلاقة، ولن يكون ذلك إلا بالاعتراف بالجرائم التي ارتكبت طيلة 132 سنة من الاستعمار، ثم يتبعها اعتذار رسمي، ومن ثم تعويض المجاهدين وذويهم وذوي الشهداء، بحيث أقول إنه لا يمكن عقد هذه المعاهدة على حساب الشهداء ودمائهم الطاهرة، وهذا كله في صالح الشعبين لنترك للأجيال الصاعدة مناخ نقي وصافي من كل الشوائب. * الشباب الجزائري اليوم متذمر من حالته الاجتماعية المتدهورة، ولا يرى أن شيئا قد تحقق بعد 47 سنة من الاستقلال ويفضل العيش اليوم في أحضان دولة فرنسا التي تاريخها ملطخ بالدماء، ألا ترون أن هذا الطرح مطابق للواقع ويستوجب وضع إستراتيجية وطنية لتحفيز الشباب بأهمية العمل لصالح الوطن والمساهمة في بناءه؟ *** من العار علينا أن ننكر ما تحقق في الجزائر بعد الاستقلال خاصة في العشرية الأخيرة، من خلال الانجازات الكبرى التي تحققت، فلا سبيل للمقارنة بين فترة الاستعمار والاستقلال، بحيث كل انجازات الاستعمار الفرنسي كانت للمستوطنين. أظن أن هذا التذمر من قبل الشباب يعود إلى نقص الاطلاع وعدم الوعي، وكذا تقصير من طرف المسؤولين في لعب دورهم في التحسيس بانجازات الاستقلال، ولكن رغم ذلك لا ننكر أن هناك نقائص تعيق الشباب بلورة أفكاره في شكل مشاريع طموحة تحقق له حياة كريمة، ولكن على الشباب التخلي عن التشاؤم وأن لا يفقد الأمل في مسؤوليه وعلى رأسهم الرئيس المجاهد عبد العزيز بوتفليقة. فرسالتي للشباب هي أن معركة بناء الجزائر لا تقل أهمية عن معركة تحريرها، فمعركة البناء والتحرير متكاملتين ومترابطتين، خاصة وأننا شهدنا أيام عصيبة في المحنة الوطنية أرجعتنا إلى الوراء بكثير، فما على الشباب اليوم إلا استدراك ذلك من خلال المساهمة في معركة البناء والتشييد وأن يأخذوا الدروس والعبر ليتجنبوا الأسباب التي أوقعتنا في هذه المأساة الوطنية. * ما الذي حققته المنظمة الوطنية للمجاهدين طيلة فترة الاستقلال لحساب المجاهدين؟ *** إن الأهداف الأولى التي تأسست عليها المنظمة تسعى من خلالها لإثبات وجودها وتعزيز دورها، حيث ساعدت المنظمة في بناء الجزائر منذ الاستقلال من خلال مساهمة المجاهدين بخبراتهم باعتبارهم وضعوا القواعد الأولى لبناء الجمهورية الجزائرية، وكذا التصدي بقوة لكل المناورات والمؤامرات التي تحاك ضد الجزائر من خلال موقف واضح وثابت، مثاله أيام الإرهاب هناك مجاهدين أعادوا حمل السلاح من جديد وكانوا إلى جانب الجيش ليتحملوا مسؤولية الدفاع عن الجزائر، إلى جانب ذلك تقوم المنظمة بكتابة التاريخ الثوري للدولة الجزائرية، وهو المشروع المحوري والأساسي لها، من خلال جمع الشهادات وروايات المجاهدين وتوثيقها ونشرها في كتب، وكذا من مهام المنظمة هو الاهتمام بالناحية الاجتماعية والمادية للمجاهدين وتبليغ وضعهم للسلطات المعنية وهو ما لعبت فيه المنظمة دور أكثر من فعال في تذليل الصعوبات التي تعيق راحتهم وهذا من أهم النقاط الذي ينصب جل اهتمامنا عليها، كما أن المنظمة أصبحت مرجعا تاريخيا من خلال احتوائها على كافة شهادات الثورة من قبل المجاهدين والتي مازال متواصلا تعزيزها بشهادات حية أخرى لنصل إلى تحقيق مشروع بنك معلومات للثورة الجزائرية، وهذا كله فتح باب التعاون بين المنظمة وبين مؤسسات الدولة في كل الميادين الثقافية والتاريخية. * ألا ترون ضرورة إنشاء قناة تلفزيونية خاصة بالتاريخ الثوري للجزائر، يتم من خلالها عرض مسيرة المجاهدين وبث شهاداتهم الحية لترسيخها في أذهان الشباب خاصة من أجل المحافظة على رسالة الشهداء بما يعود على الوطن بالتنمية والتطور؟ *** أكشف لكم أننا قدمنا طلبا بصفة رسمية إلى وزارة الاتصال لإنشاء قناة تلفزيونية وطنية تعنى بالتاريخ والثقافة الثورية، خاصة أنها أصبحت أكثر من ضرورة لتبليغ رسالة الشهداء وشهادات الثوار والمجاهدين إبان تلك الفترة بصورة حية لجيل الاستقلال والأجيال الصاعدة لأخذ العبر واستنهاض الهمم في نفوس شباب اليوم للمساهمة في مسيرة البناء والتشييد التي بدأها أسلافهم، وبالخصوص نحن نعلم أن مجال السمعي البصري يستطيع أن يعبر عن أبلغ المشاعر ويظهر الحقائق أكثر بصورتها العفوية، فكان لابد منا أن نحرص على إنشاء هذه القناة التلفزيونية التاريخية. وأبشركم أننا تلقينا الموافقة المبدئية من طرف الوزارة الوصية، وشرعنا في تحضير الملف الذي يخص هذا الموضوع وسيتم الفصل فيه عن قريب، كما أن رغبة كل المجاهدين والمجاهدات تصب في صالح إنشاء هذه القناة، الذي ينتظر منها أن تلعب دور محوري في إبراز خصوصيات التاريخ الثوري الجزائري وتسليط الضوء على بشاعة الاستعمار الفرنسي بالوثائق والصور الحية التي تعبر عن ذلك، من خلال تقديم الشهادات، روبورتاجات، دروس تاريخية، محاضرات، حوارات ونقل الملتقيات مباشرة المتعلقة بتاريخ الشهداء، فالإعلام أصبح اليوم أكثر من سلطة في لعب دوره في تبليغ الرسائل بأسمى معانيها. ومن جهة أخرى سنرد من خلال هذه القناة على كل المزاعم والأكاذيب التي تروج ضد تاريخ الثورة الجزائرية في حينها وإبراز الحقائق كاملة غير منقوصة، لذا أقول ما علينا اليوم إلا توظيف مجال السمعي البصري لخدمة ذاكرتنا الثورية الحافلة بالبطولات والانتصارات، وبما يساهم في عدم ضياع شبابنا نحو المجهول.