لن أكتب في الرياضة ولا في كرة القدم ومشاكلها وهمومها الكثيرة، لأن الوطن والمواطن اليوم في خطر، ولأن الوضع يستنفر كل واحد منا لمحاولة فهم واستيعاب ما يحدث.. * كيف ولماذا وإلى متى؟ رغم التجارب والدروس التي مررنا بها وحفظناها جيدا، ورغم ما تملكه الجزائر من مقومات وإمكانات لا حصر لها تكفي لإطعام وإسكان وتوظيف وإسعاد الملايين، وتكفينا شرور السؤال والاحتجاج والغضب، وتكفي أبناءنا ليعيشوا بالعزة والكرامة والحرية والديمقراطية والرفاهية التي وعدناهم بها ويطمحون إليها لأنهم يستحقونها.. * في سبيل الوطن تهون السياسة وتهون الرياضة وتذوب الفوارق والمصالح، ويصبح الحديث عن الشباب الجزائري واهتماماته ومشاكله وانشغالاته حديثاً عن كل الوطن الذي نجتمع حوله حتى لو اختلفنا فيه، وحتى لو غضب أو قسا بعضنا على بعض، لأننا لا نملك وطناً غيره، ولأننا لن نرضى إلا بالوضع الذي نستحقه ونطمح إليه، والذي ضحى من أجله آباؤنا وأبناؤنا أثناء الاستعمار والاستدمار. * الأمر يتعلق بجيل ضحّى كثيرا وتعب وصبر وعاش المأساة، وحان الوقت لكي نفهمه قبل أن تتعكر المياه أكثر فأكثر، ويأتي من يصطاد فيها ويستحوذ على غضب شرعي على أوضاع نعلم جميعنا أنها ليست على أحسن ما يرام، ولكنها أيضا ليست أسوأ ما يكون، وليست قدرا محتوما لا يمكن تغييره، لأن الجزائر تملك الرجال والخيرات والإمكانات وكل المقومات ليكون أبناؤها في أحسن حال.. * غلاء الأسعار وصعوبة العيش وأزمة السكن والبطالة، وتفشي الرشوة والفساد والحڤرة، وغياب الرقابة والعقوبة.. أمور لا ينكرها أحد ولا نختلف فيها عن الكثير من المجتمعات، كما أن الغضب والاحتجاج والتعبير عن عدم الرضا حق مشروع لكل واحد منا.. ولكن الإساءة إلى الوطن ومكتسباته وأبنائه لا يقبلها عاقل مهما كان السبب، والغضب الشعبي ينبغي ألا يتحول إلى وسيلة بأيدي المغامرين من هنا وهناك لبث المزيد من السموم والشقاق واستغلال الظروف للاستحواذ على المكاسب التي تتحقق بعد كل حركة احتجاجية.. * الشباب الجزائري يصنع الحدث مرة أخرى ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار السلع لأنها ترتفع باستمرار، وليس فقط بسبب أزمة السكن والبطالة لأنها موجودة منذ الاستقلال، ولكن لأن الوضع كان يجب أن ينفجر اليوم أو غدا نتيجة تراكمات عديدة وتقصير فادح من الأسرة والمدرسة والمسجد وجمعيات المجتمع المدني ومن مؤسسات كثيرة في الدولة، فغاب الحوار وغابت بوادر الأمل لجيل ضحى كثيرا واشتكى وبكى واحتج على أطراف كثيرة تتهاون في القيام بواجباتها تجاه الوطن والمواطن، حتى تراكمت المشاكل ونفد صبر شرائح كثيرة من المجتمع لم تجد من يؤطرها ويأخذ بأيديها، فخرجت إلى الشارع لأنها لم تجد وسيلة تعبير أخرى، ولم تجد من يصغي إليها في البلدية والدائرة والولاية والوزارة وفي الإذاعة والتلفزيون والجمعيات والمؤسسات.. * اليأس الذي سكن القلوب والعقول أخطر من أزمة السكن والبطالة وأخطر من غلاء المعيشة، لأن المعنويات جد محبطة، وهذا واقع لا ينكره إلا جاحد.. هناك الكثير من الباطل وهناك أيضا الكثير من الحق، وهكذا هم أبناؤنا.. وقفوا كلهم مع "الخَضرا" في الكرة، وهبوا جميعا ضد "الحڤرة"، وليس فقط ضد غلاء "الخُضرة" والسلع الأساسية، ولكن الوطن يبقى خطا أحمر مقدسا لن نسمح بالمساس به. * الظلم لا يُردُّ بظلم، والخطأ لا يعالَج بخطأ، كما لا يعالج بالصمت واللامبالاة أو بإجراءات شعبوية ظرفية، ولا باحتجاجات بكيفية تضر بمصلحة الوطن والمواطن. ولكن المعالجة الجذرية ضرورية بكل الجرأة والشجاعة اللازمتين في مثل هذه الظروف، لأن الجيل الحالي ليس له انتماء أو لون سياسي إلا الانتماء والولاء للوطن، وقد أثبت ذلك في كل المناسبات، وأكد وعيه وحرصه الكبيرين على عدم تجاوز الخطوط الحمراء، لذلك يجب عدم الاستهتار بالحركة الاحتجاجية ولا اعتبارها مجرد تصرفات طائشة من مراهقين ومغامرين تحركهم أيادٍ خفية كما تعوّدنا على وصفها في كل مرة، بل يجب أن يقوم كل واحد بواجبه ضمن صلاحياته وفي حدود قدراته، وإلا فليترك مكانه لمن يستطيع فعل ذلك، لأن المسؤولية أمانة، والجزائر أولا وثانيا وأبدًا، وهي - دون أدنى شك - أولى من أيٍّ كان، لذلك وجب التحرك قبل فوات الأوان..