لماذا تصر الأحزاب والشخصيات الموالية للأنظمة العربية على الحديث عن "المؤامرة الخارجية" و"الاستثناء" في رياح الثورة التي ولدت في تونس وترعرعت في مصر وها هي تعصف بليبيا واليمن والبحرين وسلطنة عمان والأردن والمغرب وتقترب من الجزائر وسوريا والسعودية وبقية الأقطار العربية؟ * العائلات الحاكمة * كشف سقوط النظام في تونس ومصر وانهياره في ليبيا واليمن عن حقيقة طالما كانت حديث الكواليس وهي سيطرة عائلات الحكّام على المال العام، وأكثر بؤر الفساد في النظام، وما خفي ربما يكون أعظم. * ثلاثة وعشرون يوما كانت كافية لسقوط نظام في تونس عاث فسادا في البلاد والعباد مدة 23 سنة، وعشرون مليون مواطن مصري من 80 مليون نسمة أزاح نظاما كان في خدمة أمريكا وإسرائيل وحوّل الخيانة في الوطن العربي إلى وجهة نظر، وجعلنا ندرك خطر التوريث في الحكم، وخطورة تغييب مؤسسات الدولة واختصار الحكم في الرئيس وعائلته وحاشيته. * هناك منظومة فساد كبيرة تعززت أركانها في نظام الحكم العربي، بفضل ما يسمى ب (المناطق الخضراء والإقامات المحروسة). * ومطالب الثورة ليست في تبديل رئيس بآخر أو دسور بآخر أو برلمان بآخر، وإنما تغيير الذهنية في "الفكر الإقطاعي" للنظام في الوطن العربي. * * تضليل المواطنين * ومن ينسب ما يجري في الوطن العربي إلى إسرائيل أو أمريكا أو أية جهة خارجية إنما يريد تضليل المواطنين، فأفضل من خدم إسرائيل هو حسني مبارك، وأفضل من قدم خدماته لأمريكا هو الرئيس اليمني. أما من استفادت منه أمريكا والغرب ماليا، وسلم قوائم العلماء وقادة حركات التحرر في أوروبا إلى الغرب فهو الزعيم معمر القذافي. ولهذا فنظام القذافي الافتراضي يريد إشعال حرب أهلية بين القبائل حتى يبقى زعيما لقبيلته، وهو مستعد أن تحتل أمريكا ليبيا حتى يبقى على رأس النظام. والرئيس اليمني يحاول إيهام الرأي العام بأنه يدافع عن "الديمقراطية والنظام الجمهوري والوحدة اليمنية" وهو في الجوهر يريد إحياء النعرات القبلية. * وما يؤسف له أن الأنظمة العربية ما تزال تلوّح بخطر انهيار الدولة، وظهور الفوضى، والتدخل الأجنبي لحماية الأقليات الدينية أو العرقية. * والحقيقة التي لا تقال هي أن الدولة لا تزول بزوال الأنظمة أو الأشخاص، ولا تتغير إلا بالاحتلال الأجنبي. * أما الاحتلال الوطني "فهو نظام سياسي جديد استخدم غطاء لنهب الثروات الوطنية، وإقامة الحكم العائلي". * وأي كلام عن أي خطر في تغيير الأنظمة هو مجرد تضليل إعلامي، فالتغيير ضرورة حتمية شئنا أم أبينا، وما هو مطلوب هو وجود نظامين يمكن أن يشكلا تكاملا للنظام العربي القادم وهما: * 1- تغيير النظام الملكي المطلق إلى نظام ملكي دستوري يعطى السلطة للشعب في اختيار حكومته والتداول على السلطة، ويحفظ "العائلة المالكة" من الاندثار، ويقضى على التسلط باسم "الجلالة أو السمو" أو باسم المؤسسات الدينية أو الانتماء إلى الأسرة الهاشمية أو أحد أفراد "الصحابة" المبشرين بالجنة. * 2- وضع حد للنظام "الجملكي" الذي لا يحمل صفة النظام الجمهوري البرلماني أو صفة النظام الجمهوري الرئاسي وهو يجمع ما بين النظامين إلى جانب النظام الملكي. * * الاستثناء * القاعدة هي أن الثورة نابعة من رحم الشعب العربي، وأن رياح التغيير لا تستثني أحدا، ومن يعتقد أن "النعامة" حين تخبئ رأسها في الرمل قد تنقذ نفسها فهو مخطئ، ذلك أن التنافس بين شبان الوطن العربي صار واقعا ملموسا، فكل شاب يعتز ببلده وما تحققه من إنجازات بفضل إسهامات الشباب وليس بفضل الموروث. * أما الاستثناء في الثورة فهو الحديث عن "المؤامرات الخارجية" أو محاولات احتواء الثورة أو إجهاضها أو توريطها في العنف. * لكن ما لا تدركه الأنظمة أن هذه الثورات لا تملك قيادة مسبقة لها، وإنما قيادتها في العمل الجماعي، وإعادة الاعتبار (المواطنة)، ورموزها هم شهداؤها. * ومن يعتقد أنه بإمكان الأممالمتحدة أو أمريكا أو أوروبا تدويل "الثورة الليبية" أو "اليمنية" أو العمانية أو البحرينية أو غيرها من الثورات فهو مخطئ. * لأن ثروات هذه البلدان صارت في أيدي شعوبها بعد أن حررتها من أيدي عملاء الغرب، ومن يراهن على بقاء أي نظام كان فهو مخطئ، لأن الاستثناء في الثورات مستبعد، لأنها تنطلق من حيث لا يدري أحد. والنظام الذي يأتي بعد الثورة سيكون في خدمة الشعب. * صحيح أن الغرب بقيادة أمريكا يريد التدخل في ليبيا بحسب موقعها الاستراتيجي وثرواتها البترولية، إلا أن هذا الخيار مستبعد، لأن الشعب الذي تحرر من الاستعمار الإيطالي لا يستطيع أن يقبل احتلالا آخر، وهو ينهي مرحلة جديدة من "الاحتلال العائلي". * وللحديث للبقية...