تقول إحدى النكت ذائعة الانتشار في الوقت الراهن حول الوضع العربي المتوتر في أكثر من عاصمة، أن سكان منطقة في الأردن، تسمى الطفيلة، ويدعى قاطنوها، بالطفايلة، أرادوا الاحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية على الطريقة التونسية، فأحرقوا شابا تونسيا يدعى طويل أبو تمرة!؟ * هذه النكتة، وان كانت جزءا من التحليل الهامشي لواقع المنطقة العربية المثخنة بالثورات في الوقت الراهن، فإنها تعبر بشكل ما، عن مظهر من مظاهر النظرة العربية لاحتجاجات مصر، ومدى تأثر الشارع العربي، من المحيط إلى الخليج، بما يحدث في ميدان التحرير في القاهرة، الذي أضحى الأشهر عربيا، ويستحق أن يسمى هايد بارك العرب، نسبة إلى حديقة لندن الشهيرة بالدفاع عن الحريات الشعبية. * سقوط مبارك سيعجل بسقوط البقية * في الأردن، دوما، قام عدد كبير من المحتجين، بإسقاط شعاراتهم الأولى (بعدما فشوا في إسقاط الحكومة) رافعين شعارات جديدة تؤيد المصريين في ثورتهم، وكأن الأردنيين البسطاء، وأيضا الأحزاب والمنظمات النقابية، باتوا يعتقدون أن سقوك مبارك، يعجّل بسقوط النظام في الأردن، تماما مثلما عجل فرار بن علي، بنسف كل مخططات التوريث وإخراج مبارك الوشيك، من عنق الزجاجة في مصر. وفي هذا الصدد، ليس غريبا أن يخرج من المملكة الهاشمية نفسها، صوت الكاتب العربي البارز عريب الرنتاوي، ومعه المفكر، عزمي بشارة، ليقولا، إن كل الأنظمة العربية، متخوفة من انتقال عدوى التونسة إلى شعوبها، وأن حالة استنساخ الثورة التونسية الناجحة، تحول بين ليلة وأخرى، إلى موضة، انطلقت من سيدي بوزيد والقصرين، ليصل صداها ومداها، إلى القاهرة والاسكندرية وعمان وصنعاء. * في ليبيا، تشير الأخبار، إلى أن العقيد القذافي اتصل بمبارك، قبل يومين، لحثه ربما بما لم يتمكن أن يقنع به، الرئيس التونسي المخلوع بن علي، وهو البقاء والتشبث بالمنصب، لأن أي سقوطٍ لزعيم عربي جديد، سيشجع الشارع في كل الدول العربية، على ممارسة ذات العادة في المعارضة، والتي انتقلت من سلوك سري، إلى سلوك محبوب لدى العامة. * القذافي، الذي يلقب نفسه، بملك ملوك إفريقيا، قام على غرار بقية الزعماء العرب، بتفكيك القنابل الموقوتة التي بوسعها أن تفجر الثورة في بلاده، وذلك من خلال ضخّ 24 مليار دولار في صندوق الاستثمار والتنمية المحلية، والمتعلق أساسا بمشاريع الإسكان، زيادة على إعفائه المواطنين الليبيين من الفوائد على القروض البنكية، كما بشرهم بارتفاع مخزون النفط الليبي إلى 3 ملايين برميل في 2010، ولكن، هل سأل الأخ العقيد، إلى أي مدى ارتفع مخزون الاستبداد في جماهيريته العظمى، وما إذا كانت اللجان الشعبية التي أسسها بديلا عن الديمقراطية الحقيقية، في وسعها الصمود أمام لجان الثورة الجديدة، القادمة رياحها من القاهرة وتونس. * ملوك يمسكون بطونهم * في المغرب، قررت الحكومة هناك، تخفيضاً في ميزانية التسيير بقيمة 10 ٪ إعمالا لخيار ترشيد الإنفاق العام، وتم تضمين هذا القرار، الذي وصفته الصحافة المغربية الموالية للبلاط الملكي، ب" الشجاع" في القانون المالي لسنة2011، ونفس المسار سلكته نفس الأوساط، فيما يتعلق بإعلان الحكومة الإبقاء على تدخل صندوق المقاصة لتمويل دعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، ب80 مليار درهم مغربي. * كما حرص الملك على الظهور في شاشة التلفزة الوطنية بمختلف قنواتها، للحديث عن إشرافه "الشخصي، والمباشر، والزائد، وغير المسبوق.." وكذا اهتمامه، بتوزيع السكنات شخصيا في الكثير من المناطق. * ظهورٌ بات يحرص عليه كل القادة والحكام العرب، على غرار الجزائر، التي تم تأجيل المواجهة فيها، مع مافيا السكر والزيت إلى ما بعد رمضان، خوفا من استغلال أي زيادة في توتير الجبهة الاجتماعية، وتكرار أحداث الشغب التي شهدتها أزيد من19 ولاية في جانفي الفارط، أما في السعودية، فإن السيول الجارفة التي تعرفها مدينة جدة، للسنة الثالثة على التوالي، تكون قد منحت الشارع، غير المتعود على الاحتجاج (ولا الاعتصام حتى سلميا، لأن المعارضة بفتوى رسمية هناك.. رجس من عمل الشيطان) فرصة سانحة من أجل التفكير جديا في إثارة قليل من الشغب ضد النظام المتربصة به، كثير من المعارضات الشرسة، المقيمة بالخارج. أما أكثر الحكام الخليجيين، ركضوا وراء "شراء العافية من الشارع" فكان النظام الكويتي الذي قرر اختصار المراحل واختزال المطالب، وتوزيع المال العام على المواطنين.. وعندما بحث النظام عن المبررات، لم يجد إلا ذكرى تحرير الكويت من العراق، واستقلال الإمارة الصغيرة، وكذا، ذكرى تولي الأمير لمنصبه.. وفي اليمن، تخلى الرئيس علي عبد الله صالح، عن مشروع الحكم مدى الحياة، وتنازل ولو مؤقتا عن مشروع التوريث، وظهر وكأنه يشتري السلم الاجتماعي، أو يطبق مقولة، لا تمديد ولا توريث، وكفى الحكام العرب، شر القتال! *