الجيش الوطني الشعبي: توقيف 6 عناصر دعم للجماعات الإرهابية في ظرف أسبوع    التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة المنتخبين: قوجيل يستقبل مجموعة من الأعضاء المعنيين بعملية القرعة    المبعوث الخاص للرئيس الأوغندي يؤكد رغبة بلاده في الاستفادة من خبرة الجزائر في إدارة الشؤون الدينية    فرنسا استخدمت الكيمياوي في 450 عملية بالجزائر    فلسطين: الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على جنين لليوم ال51 على التوالي    الجمعية العامة للكونفدرالية الافريقية: انتخابي في المكتب التنفيذي مكسب للجزائر    ألعاب القوى/ نصف ماراطون لشبونة: الجزائري بن يطو يسحم تأهله لبطولة العالم 2025 بكوبنهاغن    براف.. نحو عهدة جديدة لرفع تحديات عديدة    مسابقة وطنية للأطفال    لعبني مديراً عاما لصندوق الاستثمار    عرقاب: نسعى لتحقيق استقلالية تكنولوجية    نحن في الطريق الصحيح    اتحاد بلديات غزة يطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لتأمين امدادات الكهرباء للقطاع    بورصة الجزائر: الشباك الموحد يدرس طلب إدراج شركة "أيراد"    سوناطراك: عملية تضامنية واسعة خلال رمضان    سايحي يستقبل سفير جمهورية كوت ديفوار بالجزائر    صافي: مشاريع تحلية مياه البحر ضرورة ملحة لتلبية حاجيات المواطنين ومواكبة التحديات الاقتصادية    حمدان: المقاومة الفلسطينية ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار ويجب العمل لبلوغ المرحلة الثانية    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48515 شهيدا و 111941 مصابا    النعامة: تقاليد وعادات راسخة لسكان قصر تيوت في شهر رمضان    مهرجان الإنشاد ببوسعادة: فرقة " قبس الفنية" من الأغواط تتوج بالمرتبة الأولى    كأس الجزائر: اتحاد الجزائر يتجاوز رائد القبة (1-0) ويضرب موعدا مع شباب تيموشنت في الدور ربع النهائي    المهرجان الوطني للعيساوة بميلة: فرقة الزاوية الطيبية من الأغواط تظفر بجائزة أحسن عرض متكامل    الناخبون 27241 المصوتون 26231 النسبة 96.31 %    محكمة سطيف تحكم ب 5 سنوات حبسا وغرامة 01 مليون دينار    محكمة بطنجة تحكم بسنتين حبسا على الناشط القسطيط    الجامعة تمكنت من إرساء بحث علمي مرتبط بخلق الثروة    إطلاق المنصة الرقمية ل"عدل 3"    مؤسّسات فندقية مسترجعة بالجنوب تسمح بإنعاش السياحة    دعم القضية الصحراوية مبدأ راسخ لدى بوليفيا    فتح المؤسّسات لمترشحي "البيام" و"الباك" أيام العطلة    بداري يهنّئ الطالبة لعمارة لحصولها على براءة اختراع    مسابقة توظيف لصالح مديرية التصديق الإلكتروني    بيعٌ ترويجيٌّ للأسماك والمنتجات الصيدية ببومرداس    ديوان الحج والعمرة يحذّر من المعلومات المغلوطة    الشاي سيّد موائد رمضان في تندوف    الإفراط في التسوق صورة للإسراف والتبذير    تقديم 1200 وجبة يوميا وتوزيع 5 آلاف قفة و30 حملة تبرُّع بالدم    مدرب الموزمبيق يضبط قائمته لمبارتي أوغندا والجزائر    أولمبيك مرسيليا يصرّ على ضم حيماد عبدلي    تفوُّق في سياسات الترميم والتوثيق الرقمي والتدريب    "أصوات فرنجية في الجزائر".. رواية جديدة عن بلدي الثاني    إطلاق مسابقة وطنية لأفضل لوحة تشكيلية    عطال: مباراة بوتسوانا صعبة وجاهزون لتقديم الأفضل    رمضان.. شهر التوبة والمصالحة مع الذات    أدعية لتقوية الإيمان في الشهر الفضيل    الفتوحات الإسلامية.. فتح الأندلس.. "الفردوس" المفقود    ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي": إبراز جهود الباحثين في إثراء أعمال المسرحي عبد القادر علولة    ضرورة إنتاج المواد الأولية للأدوية للتقليل من الاستيراد    نزول الوحي    داربي عاصمي واعد في القبة    تحذيرات دولية من تفاقم الوضع المأساوي بغزة    قريبا.. إنتاج المادة الأولية للباراسيتامول بالجزائر    معسكر : افتتاح الطبعة الأولى للتظاهرة التاريخية "ثائرات الجزائر"    قويدري: التأكيد على "أهمية إنتاج المواد الأولية التي تدخل في صناعة الأدوية بالجزائر"    وقفات مع الصائمات    مستشفى مصطفى باشا يتعزّز بمصالح جديدة    مجالس رمضانية في فضل الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا أحزاب ولا إخوان .. الشرعية في الميدان
نشر في الشروق اليومي يوم 08 - 04 - 2011

تشهد مصر تطورا جديدا في خطاب الثورة السياسي بعد أن أنجزت خطوات حاسمة على صعيد إسقاط أركان النظام، ولقد عاش ميدان التحرير أياما تاريخية منذ يوم الجمعة الأخير حيث تنادى الشعب الى حشد زاد عن المليون تحت عنوان "جمعة التطهير".. وفي هذا اليوم بدت الثورة عفية نشطة نابهة مصرة على دفعها الأول وروحها المتحررة من قيود الأحزاب وأجندتها..
*
فكما كان لا بد من تجديد المطالبة بمطاردة المفسدين ومحاكمتهم كان لا بد من تبيان الموقف من الكيان الصهيوني وعدوانه على أهل غزة وعلى فلسطين جملة.. في المستوى الأول ظهرت الثورة المصرية اكبر من الأحزاب والتنظيمات السياسية وعلى منصة ميدان التحرير وأمام أكثر من مليون مصري متواجدين في الميدان وأمام مئات الملايين من المشاهدين على شاشات التلفزيون عقدت محكمة بهيئتها الكاملة، وكان القضاة فيها كبار الشخصيات العلمية والقانونية التي يشهد لها بالنزاهة وطول الباع في مجال القضاء، وكان الشعب هو المدعي العام.. ولم يذكر من القضايا الا ما هو معلوم بالضرورة وعلى رأس الأشهاد، فكانت المحكمة تأخذ بما أصبح متواترا من القضايا لتصدر حكمها المخفف على شخصيات النظام السابق، وهذا يعني ان هناك حدا لا يمكن التنازل عنه من قبل الشعب، وعلى المجلس الأعلى للقضاء ان يسرع في انجازه.. في اليوم نفسه تحركت قوافل من ميدان التحرير لإسناد المعتصمين أمام السفارة الإسرائيلية والمطالبين برحيل السفير وإغلاق السفارة.. وبعد ترديد هتافات كان قد أطلقها ياسر عرفات من معتقله برام الله: "للقدس زاحفين شهداء بالملايين" صعد مجموعة شباب وأنزلوا العلم الإسرائيلي وأحرقوه ورفعوا مكانه علما فلسطينيا كبيرا رفرف على المبنى الذي يحتوي السفارة بكبرياء.
اللافت في الموضوع ان المجلس العسكري الأعلى حاول ان يفض اعتصاما مع فجر اليوم التالي، الأمر الذي أدى الى مشادات انتهت باستشهاد احد المعتصمين وجرح عدد آخر، وهنا أخذت المواجهات منحنى جديدا.. ففي حين غاب الإخوان المسلمون وبقية الأحزاب عن الميدان تجمع من جديد المنتفضون وقياداتهم للإعلان عن بداية فعاليات الاعتصام، مؤكدين على ضرورة انجاز أهداف الثورة في محاكمة رموز النظام السابق، وعلى رأسهم حسني مبارك الرئيس المخلوع، واسترداد أموال مصر وتطهير المؤسسات من قيادات الحزب الوطني، وتسريح عشرات المحافظين، ومحاكمة من تورط منهم في قضايا اختلاس او فساد.. وعندما التحق بعض قيادات الإخوان بالميدان هبت جموع المعتصمين تتهمهم بالتخلي عن الثورة وهتفوا فيهم "لا أحزاب ولا إخوان الشرعية في الميدان".. في الوقت نفسه قدم رئيس الوزراء عصام شرف استقالته احتجاجا على مقتل احد المعتصمين.. وهنا يمكن ملاحظة عناصر مهمة في الوعي الشعبي تعتبر هي ضمانة استمرار الثورة..
لقد وجه الإخوان ضربة للثورة بقبولهم إعطاء "نعم" للبيان الدستوري، وهم بالإضافة إلى الأحزاب الأخرى ولفلول النظام استطاعوا ان يمرروا التعديل على حساب إمكانية تغيير جوهري وإنشاء دستور يليق بالثورة يكون مرجعية لنظام سياسي كامل الاختلاف عن النظام السابق.. وظن الإخوان أنهم بهذا الفوز استطاعوا ان يحسموا الأمر لصالحهم، إلا أن الأيام اللاحقة لذلك كشفت عن صوابية رؤية الثورة وعمق وعيها.. إذ أن الأيام تسير فيما الرئيس وحاشيته يتمتعون في أفخم المنتجعات واللصوص في مأمن من المحاسبات، وقيادات الحزب الوطني متعاونين مع رأس المال الفاسد يتآمرون ليل نهار على الثورة مؤسسين لثورة مضادة.. وهكذا يمكن ان تلتف قوى الظلام على اكبر منجز تاريخي أنجزه الشعب المصري فيسقطوه.. ومن هنا كان لا بد من إعلاء الصوت بأن المرجعية للشعب ولجماهيره المحتشدة في ميدان التحرير وميادين الكرامة في كل مدن مصر ونجوعها بأن الثورة لن تخضع لأجندات الأحزاب، بل هي فقط تتحرك من ضمير الناس لأجل مصلحتهم ومحاسبة جلاديهم وبالطرق السلمية التي أنجزت أهدافا كبيرة.
الوعي لدى قيادة الثورة صرفهم عن استمرار الاشتباك في موضوع الدستور على أهميته، بل إنهم وافقوا على النتائج واتجهوا نحو إنجاز أهداف على الأرض إذ ما نفع أن يكون هناك دستور جديد فيما كل القتلة والفاسدين من قيادة المرحلة السابقة لا زالوا موجودين بعيدا عن قفص العدالة.
إن الثورة في مصر تعرف هويتها وانتماءها وأهدافها، وتعرف كذلك كيف تنتقل من مرحلة إلى أخرى وبخطى واثقة غير مترددة، وأظهرت أيام عمرها المباركة أنها لا ترفع شعارا إلا وحققته، وأنها تتحرك على طريقة إيجاد تراكمات مهمة، ومن ثَم تفعيلها نحو أهداف متجددة، وهذا ما لا يمكن أن تدركه الأحزاب التي استبد بها الخوف والتردد والمصالح الحزبية.. إن هناك عبقرية شعبية تنتج أساليبا علمية فائقة في النباهة لحل المشكلات وللخروج من الأزمات، وهذه منهجية لن تستطيعها الأحزاب المتكلسة والمتجمدة على شعارات بعضها يرجع الى مئة سنة.
لقد كان من الخير أن لا تعترض الأحزاب المصرية مسيرة الثورة، وأن تتركها تنمو كما هي بدون إرهاق ووضع العصي في الدواليب، فلم يكن من حلم لهذه الأحزاب أكثر من اعتراف بها ومجلة تابعة للحزب وضمان وجود انتخابات نزيهة، وهذه الأهداف ضمنت منذ اليوم الأول للثورة، فكان على الأحزاب أن تدعم عن بعد الثورة وتدافع عنها عن بعد، ولكن دون إرباكها بمواقف مترددة تفتقد الى الحس العام.. فها هي الثورة تنجز ما لم يخطر على بال بشر، وهي قد منحت الأحزاب ما لم تكن تتخيل، فلا إقل من دعم الثورة وفقط.. ولقد أعجبني السيد هيكل عندما قال "علينا أن نسكت ونترك الثورة تتكلم فهذه أعظم ثورة في تاريخ مصر" وأنا أقول إنها أعظم ثورة في التاريخ الإنساني إذا ما لاحظنا قلة عدد الضحايا وعظيم التغييرات التي تعصف بالمرحلة السابقة..
ومن أهم ما ميز الثورة أنها ثورة الكل المصري الذي انفتح على الوطن العربي، فلقد شهد ميدان التحرير تجمعات لمتظاهرين عرب من أكثر من بلد من ليبيا واليمن والعراق وفلسطين، وكل تجمع من هذه التجمعات الرمزية يطالب بحرية الشعب ويرفع صوته في ميدان التحرير الذي أصبح مكانا للتوحد العربي.. وهكذا تعود مصر لتكون عاصمة العرب ومنبرهم عالي الصوت لتنتشر منها أشعة صبح جديد.. وهكذا تتوحد أماني العرب في ضرورة بعث الأمة نحو الحياة الحرة الكريمة.
الشرعية في الميدان.. أجل الشرعية لمن يجعل صدره مفتوحا للتحديات كلها، وعقله يتحرك في إطار العقل الجماعي، ومشاعره تصيغها جماهير الملايين من الناس، لا فئة حزبية وجلسات في غرف مغلقة تحوم عليها أوهام وأحلام يقظة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.