العلاقات الجزائرية الصومالية "متينة وأخوية"    وزارة التضامن الوطني تحيي اليوم العالمي لحقوق الطفل    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قاعدة فلسطين.. أنصار الله أم أنصار دحلان ؟
الشروق ترصد أسرار جماعة " أنصار الله" بغزة
نشر في الشروق اليومي يوم 27 - 08 - 2009

السلفية الجهادية.. من ارتداء العباءات القصيرة إلى الأحزمة الناسفة
إمارة اسلامية أم تحرير فلسطين.. ماهي الأولوية؟
لقد انفجر الصراع داميا بين الحركة السلفية وحركة حماس حول مسجد ابن تيمية في مدينة رفح بقطاع غزة.. وكانت المحصلة أكثر من مئة قتيل وجريح في واحدة من أبشع المواجهات الداخلية فهل تكون هذه الواقعة هي آخر المواجهات..؟ هنا نحاول قراءة الحدث وخلفياته والقصة الكاملة له ونستشرف مآلاته.
*
المشهد الديني في قطاع غزة:
*
يتواجد في قطاع غزة الآن تياران اسلاميان رئيسيان متفاعلان: الاخوان والسلفيون، ولئن كان وجود الاخوان سابقا وكاسحا على وجود السلفيين الا ان التعايش السلمي بين التيارين استمر طويلا، ولم تشهد ساحة العمل الاسلامي أي اشتباك بينهما لاسيما وقد انشغل التيار السلفي بقضايا لم يعرها التيار الاخواني اهمية، وينقسم التيار الاخواني الى اتجاهات وكذلك التيارالسلفي ينقسم الى مجموعات وتوجهات... وتجدر الاشارة هنا الى وجود حزب التحرير الاسلامي وهو يدعو لاقامة الخلافة على اعتبار انها مفتاح حل المشكلات كلها من تحرير لفلسطين ووحدة للامة ونهضة فيما لايمارس أي نوع من انواع المقاومة العسكرية او السلمية ضد الاحتلال.. ورغم مواقفه المعارضة دوما للسياسات القائمة الا انه لايخرج على الاوضاع بالسلاح ووجوده في غزة جديد ومثير وطارئ فهو منتشر الى حد ما بالضفة الغربية.. ولهذا فإننا لن نجد متسعا من الحديث عنه في هذه الاسطر، مكتفين بالحديث حول الازمة الراهنة وخلفياتها.
*
*
التيار الاخواني:
*
لقد كانت فلسطين اقرب البلدان العربية لانتشار فكرة الاخوان المسلمين بعد مكان مولدها في مصر، ولقد افتتح حسن البنا شخصيا مقر الاخوان بالقدس والذي يعتبر من المقرات الاولى لجماعة الاخوان المسلمين خارج مصر ولقد حظي بدعم مفتي فلسطين وزعيمها وقائد ثورتها سنوات طويلة الحاج امين الحسيني والذي كان من المرشحين لخلافة حسن البنا.. وشهدت أرض جنوب فلسطين (الخليل وبئر السبع وغزة) في النصف الثاني من اربعينيات القرن العشرين صولات لفدائيي الاخوان المصريين بقيادة الشيخ محمد فرغلي في مواجهة العصابات الصهيوينة، الامر الذي حفظه سكان المنطقة لهم عن ظهر قلب، واستمر دور الاخوان المصريين في تدريب الفلسطينيين على استخدام السلاح وفي الاغاثة بالغذاء والكساء سنوات عدة لأهل قطاع غزة المجاور لمصر، والذي عزل جراء نكبة 48 وقد أصبح مكتظا باللاجئين المطرودين من ديارهم وبلداتهم، واستمر حضور الاخوان المصريين في الموضوع الفلسطيني الى وقت ازمتهم مع عبد الناصر..
*
وبهذا اصبح التيار الاخواني في قطاع غزة أصيلا في النسيج الثقافي الاجتماعي لسكان القطاع، وانبثقت من هذا التيار فصائل العمل الوطني المسلح الفلسطيني.. فكانت طلائع حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في معظمها من هذا التيار ومن قياداته في قطاع غزة ومن تلك الرموز أبويوسف النجار وكمال عدوان وصلاح خلف وأبوجهاد وأبو الاديب وعبد الفتاح حمود وفتحي بلعاوي ومحمد ابوسردانة وغيرهم من قيادات فتح المؤسسين وكان الضابط الاخواني الكبير المصري عبد المنعم عبد الرؤوف هو من درب المجموعات الاولى من فتح..
*
وبعد عشرين سنة تولدت حركة الجهاد الاسلامي وهي كلها من ابناء التيار الاخواني، فكان التيار الاخواني بشكل أو بآخر هو من يمد الفعل الفلسطيني بدماء جديدة وباستمرار للمحافظة على شعلة المقاومة في فلسطين.. إلا ان ازمة الاخوان في مصر انعكست مباشرة على قطاع غزة الذي كان خاضعا حينذاك للادارة العسكرية المصرية، الامر الذي دعا الحركة الاخوانية في قطاع غزة الى تجميد نشاطها طيلة وجود الادارة المصرية بغزة وفي تلك المرحلة انطلقت حركة فتح من رحم حركة الاخوان المسلمين بغزة والتي استطاعت ان تجمع الى صفوفها قيادات قومية ويسارية واخرى من حزب التحرير الاسلامي..
*
وبعد احتلال غزة في 1967، بدأت حركة الاخوان تلملم نفسها ولقد كان لها وجود في الضفة لم يتوقف الا ان علاقتها الحميمة هناك بالملك جعل شعبيتها في اوساط الشعب الفلسطيني في الضفة مهزوزة، الامر الذي جعل الشباب الفلسطيني في الضفة عرضة للتيارات العلمانية واليسارية واللادينية بشكل خاص ..
*
*
مرحلة التثقيف والتربية
*
اخذ قادة الحركة المتواجدون بغزة على عاتقهم اعادة الاعتبار للثقافة الاسلامية فاعادوا نشر الكتب والمواضيع وانشغلوا بالدعوة من خلال الخطب المسجدية والندوات واللقاءات للفكرة الاسلامية والاخلاق الاسلامية، وذلك لإنشاء تيار اسلامي يتصدى لمحاولات التفسيخ التي تقودها المؤسسة الصهيوينة والاحزاب العلمانية.. ونجحت في ذلك نجاحا واسعا وبعد اكثر قليلا من عشر سنوات تمكنت من إرساء معالم تيار ينتشر في كل قطاعات الشعب في المعلمين والاطباء والطلاب يزاحم القوى الاخرى وهو الاكثر انضباطا والتزاما..
*
*
مرحلة المقاومة والكفاح
*
في بداية الثمانينات تولدت حركة الجهاد الاسلامي من احشاء حركة الاخوان لتقوم باستئناف العمل المسلح وقد لحقت بها الحركة الأم سريعا فجاءت الانتفاضة الشعبية الاولى 1987 وكان للحركة الاسلامية بشقيها حماس والجهاد دورها الريادي فيها وتمدد دورها الى الضفة الغربية فكانت بكل جدارة هي القوة الاكثر فعالية وتأثيرا على مجريات العمل اليومي..
*
وتطور اداء الحركة واصبح العمل العسكري الفاعل من خلال تنظيم محكم مدرب ومتفوق في عمق الكيان الصهيوني اسلوبا متميزا بجرأته ودقته وتحولت غزة مصدر ساحات مواجهة عنيفة مع جنود الاحتلال الذي وجد في اتفاقية اوسلو فرصة للتخلص من ورطة غزة حيث صرح اسحاق رابين رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك: (أتمنى أن أصحو ويكون البحر قد ابتلع غزة).. وجاءت الانتفاضة الثانية 2001 فكانت الحركة الاسلامية بشقيها ذات الحضور الاكثر بروزا وتكرست بذلك كقوة وطنية رئيسية في المكون السياسي الفلسطيني.
*
*
الانتخابات التشريعية:
*
كان واضحا ان تفاعل حس الناس مع الحركة الاسلامية بلغ درجة متقدمة فلقد قدمت الحركة الاسلامية الاف الشهداء والجرحى والاسرى على رأسهم كل قادتها الكبار هذا فيما اصبحت تجربة السلطة عرضة لكلام يمس الشفافية والصدق.. وهكذا انتقلت الحركة الاسلامية في فلسطين الى الموقع الاول في خريطة التمثيل التشريعي؟
*
*
التيار السلفي
*
لقد بدأ التيار السلفي وجوده في قطاع غزة في منتصف السبعينات من خلال طلاب تلقوا تعليمهم الديني في جامعات دينية بالمملكة السعودية حيث المذهب الوهابي.. وكان نشاط مجموعة من الشباب المتحمس للسلفية ينصب على احياء السنن والتصدي للبدع على صعيد السلوك واللبس وكانت شروحاتهم تمتد الى مسائل عقائدية.. وشيئا فشيئا بنيت لهم مراكز ومساجد وتحركت جمعياتهم على مستوى دول الخليج والسعودية لجمع الاموال للاسر الفقيرة او للايتام وقاموا بجهود مباشرة في اوساط الناس في القطاع فاصبح لهم بذلك في المجتمع ثقل اجتماعي. الا انهم لم ينصرفوا الى عمل سياسي ولم ينشغلوا كجماعات سلفية بالموضوع الفلسطيني وتميزوا في الشارع بلباسهم حيث العباءات المختزلة واللحى الطويلة وغطاء الرأس...
*
ومن الظلم الحديث عن السلفية في دفعة واحدة فطبيعة التيار السلفي انه ليس حزبا وانه قابل للتعدد والتشظي وذلك يعود لغياب برنامج او مشروع..
*
يلتزم التيار السلفي في غزة بمرجعيته في دول الخليج العربي وبتوجيهاته ولذا فهو منخرط في الهجوم المتواصل على الشيعة على اعتبار أنهم كفار عقائديا ويقوم أبناء مجموعات سلفية بتوزيع الكتب والتسجيلات التحريضية وبدأت هذه النغمة مع تصاعد الازمة بين ايران والغرب وبعض جيرانها ومع انتصار حزب الله في الحرب الاخيرة.
*
ويجد التيار السلفي في فلسطين دعما من جهات مسئولة في دول الخليج بالاضافة الى العلماء السلفيين..
*
*
بعد فوز حماس بالانتخابات
*
مباشرة بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية بدأ لون جديد يظهر من القاعدة التي حاولت على مدار عدة سنوات قبيل الانتخابات أن تجد لها موطئ قدم وكانت كل تلك المحاولات مشبوهة من اختراقات امنية تابعة لعدة جهات امنية، الامر الذي احبط مسعى القاعدة للتواجد .. إلا انها بعد فوز حماس تقدمت من خلال مجموعات مسلحة في مدينة غزة محدودة العلم الشرعي ومعدومة الوعي السياسي لتعلن عن وجود مسميات تلتصق بالقاعدة. ورغم ان قيادة القاعدة لم تعلن بعد رسميا عن العلاقة بينها والوضع السلفي في غزة وإن كان الدكتور ايمن الظواهري يعلن من وقت الى آخر موقف القاعدة من مجريات الاحداث في غزة..
*
وبدأت مجموعات مسلحة تعمل بأسماء متنوعة في إيحاء بأنها تابعة للقاعدة.. وكلما تقدمت حماس الى الامام اكثر في الواقع السياسي كانت تلك العناوين تتقدم اكثر.. حتى أصبحت ذات حضور يلتف من حولها تيار السلفية.. لكن من الواضح ان لا برنامج لديهم.
*
*
أبوعبد الله المهاجر الرجل اللغز:
*
منذ عدة أشهر دخل رجل مثير للجدل الى قطاع غزة بطريقة غير معروفة يدعى أبوعبدالله المهاجر السوري وهو مدرب متمرس على السلاح ولديه قدرة فائقة على التدريب ومعه أموال ضخمة ويقال انه اشترك في معارك الافغان والشيشان وغيرهما من حروب القاعدة.. كانت محاولاته في البداية تمكين صلته بحماس لكي يقوم بواجب التدريب لعناصر القسام، الا انه سريعا ما بدأ يستقطب شبابا تحت عنوان واضح هو الجهاد والتوحيد ضد اليهود وضرورة تطبيق الشريعة في قطاع غزة، وبدأ يستقطب شبابا من حماس والجهاد في ظروف جديدة أعقبت الحرب على غزة مستغلا صمت حركة حماس تجاهه وتعبها في مواجهة جملة التحديات..
*
تحرك ابو عبدالله المهاجر من اجل توحيد المجموعات السلفية المقاتلة في اطار تنظيم واحد.. وتمكن بالفعل ان يؤطر مئات العناصر في تنظيمه الجديد واستطاع ان يأخذ من جميع أمراء المجموعات السلفية بيعة للشيخ الدكتور عبد اللطيف موسى امام مسجد شيخ الاسلام ابن تيمية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.. وبدأت ظاهرة السلفية المقاتلة تأخذ حيزا في الحياة اليومية لقطاع غزة المحاصر.
*
*
الشيخ الدكتورعبد اللطيف موسى:
*
هو طبيب من سكان مخيم رفح بقطاع غزة من عائلة مهجرة من العمق الفلسطيني مدير مستوصف حكومي. ظهرت عليه الميول السلفية منذ سنوات عديدة ولكنها سلفية علمية تهتم بالبحث والفقه والعقيدة والسنة حيث ألف عدة كتب في الفقه وكان خطيبا لمسجد السنية بمدينة خان يونس قبل ان ينتقل الى مسجده الشهير ابن تيمية.. لم يكن يعرف عن الشيخ الدكتور أي ميول سياسية لكن الامور بدأت تأخذ منحى واضحا لديه بعدالعدوان الامريكي على العراق وانحاز الى خيار السلفية المقاتلة (القاعدة) في العراق وكان لأبي مصعب الزرقاوي حضور مميز على منبره..
*
ولقد اصبح مسجده اهم مسجد في قطاع غزة حيث اصبح مكانا مناسبا لصلاة ابناء حركة فتح الذين لا يستسيغون الصلاة خلف أئمة من حماس.. كما ان كل الذين لا يودون الخطاب الحزبي كانوا يجدون فيه ملجأ يرتاحون الى الصلاة فيه لاسيما ايام الجمع وتراويح رمضان.. والشيخ الدكتور يتمتع بمناقبية عالية واخلاق حميدة محل احترام الجميع الا انه كان متشددا في فهم النصوص ومتقيدا بأقوال الرجال وطرائق فهمهم وشروحاتهم...
*
*
اسئلة تبحث عن اجابات:
*
هناك اسئلة ضرورية لابد من طرحها على عدة مسارات لكي نفهم ما حصل وماهي خلفياته ومسئولية كل طرف.
*
في البداية نوجه الاسئلة نحو السلفية.
*
السؤال الاول: لقد انطلقت القاعدة قبل اكثر من عشرين عاما كما ان السلفية المقاتلة بدأت قبل ثلاثين عاما وكان قتالها في افغانستان ضد الاتحاد السوفيتي يتم تحت اشراف مباشر من قبل المخابرات الامريكية وبعناية من قبل انظمة عربية في الخليج بشكل مباشر وكان هناك من امراء الجزيرة من يعتنوا بالامر بشكل علني.. يعني قبل ثلاثين عاما انطلق الشيخ اسامة بن لادن ومعه آلاف الشباب العرب المسلمين لمقاتلة الروس.. فأين كانت فلسطين؟
*
لماذا تأخرت القاعدة عن فلسطين وقضيتها وهي الاقدس والاهم والاعظم لماذا تتأخر القاعدة ثلاثين سنة؟ طبعا ليس هناك أي مبرر على الاطلاق.. فالساحات كلها مفتوحة لمن يريد ان يقاتل من اجل فلسطين ولكن السلفية لم يكن في الوارد عندها قتال ولا جهاد، المسألة كلها عندها تتعلق بتصحيح عقائد الناس ومحاربة البدع والكفريات والشرك وما الى ذلك من مفردات القاموس السلفي.. لم تتحرك أي راية سلفية للجهاد من اجل فلسطين طيلة الستين سنة الفائتة وكانت الظروف افضل من الآن كثيرا.. في حين وجدناها على مدار ثلاثين عاما تنشغل بحروب اخرى..
*
السؤال الثاني: لماذا ظهرت القاعدة في فلسطين بعد انتصار حماس في الانتخابات، جاءت القاعدة بجوار خطاب حماس لتعلن الجهاد واقامة الحكومة الراشدة.. لماذا بعد فوز حماس وليس قبل؟ لماذا لا تكون السلفية المقاتلة سلفية في الممارسة وهي في بلد له حكومته التي لا يمكن الاختلاف على اسلاميتها وان كان هناك اختلاف على وعيها.. ماجدوى وجود سلفية مقاتلة كحزب وحالة مستقلة، هل هذا من خلق السلف وممارسات ابن تيمية او محمد بن عبد الوهاب؟!!
*
السؤال الثالث: لماذا سلفية مقاتلة في غزة؟ في غزة لا يستطيع احد ان ينجو من عقاب الموت ان تم اكتشافه عميلا لإسرائيل. ولا يستطيع ان يفلت احد من المحاسبة ان هو اعتدى على الآخرين في اموالهم او اعراضهم او اشخاصهم.. في غزة لازال الناس يرفضون التطبيع والتنسيق الامني وفي غزة لازال ا لحصار مفروضا، وفي غزة تعرض الشعب وحماس منه الى ابشع حرب تشنها اسرائيل.. فلماذا سلفية مقاتلة في غزة؟ إن الأَولى ان تكون سلفية مقاتلة في الضفة الغربية حيث الاحتلال الاسرائيلي ودوريات جنوده.. من الاولى ان تكون في الضفة تلاحق السماسرة والمرتزقة والجنود الصهاينة وتمنع سيارات الاسرائيليين من الدخول الى الضفة..؟ أليس هنا اشارة واضحة لطبيعة الدور المناط بالقاعدة في غزة.!! لاسيما ونحن نسمع من حين لآخر عن انهماك المخابرات الامريكية في إنشاء او دعم جماعات دينية للقيام بما يحقق نظرية "الفوضى الخلاقة" للتمويه على المجاهدين وإرباك المجتمعات العربية.
*
*
اسئلة في اتجاه خطط الاعداء
*
هل اصرار الامريكان على سقوط حكومة حماس ام اسقاط حركة حماس؟
*
ان الخطر الاكبر امام دهاقنة المشروع الصهيوني يتمثل في وجود كيان سياسي فلسطيني لأن ذلك يعني ببساطة احتمال ان ينتزع مزيدا من القرارات الدولية والضغوط العالمية على اسرائيل للتنازل عن بعض الارض الفلسطينية لصالح دولة فلسطينية مهما صغرت ستكون مسمار نعش دولة اسرائيل.. واسرائيل تدرك ان لا كيانية فلسطينية ان فقد الفلسطينيون قوة سياسية منظمة نشطة ومن هنا كان لابد من تدمير منظمة التحرير التي استدرجت الى السلطة ومن ثم تم القضاء على السلطة في سنوات الانتفاضة الاولى وختموا ذلك بقتل ياسر عرفات، رمز الكيانية السياسية الفلسطينية، وظن قادة اسرائيل انهم خلقوا الفوضى والضياع والاحباط المطلوب لفرض وقائع استراتيجية في الصراع ضد الفلسطينيين.. الا ان حماس التي كانت ترى ان كل ماهو امامها انما هو وهن وضعف بعد ان استهلكت السلطة قوة حركة فتح.. كان المشهد واضحا امام حماس التي تحركت لتحسم الامر في قطاع غزة.. واذا بالكيانية الفلسطينية من جديد تتمترس خلف قوة سياسية منظمة وفاعلة..
*
هنا كان لابد من الحصار وهو سلاح غربي بامتياز واستمر الحصار اربع سنوات لم تستطع اسرائيل من خلالها تحقيق سقوط السلطة في غزة فكان لابد من الهجوم العسكري الرهيب حيث قد نفذت نصف ذخيرة سلاح الجو الاسرائيلي وسقط على غزة مليون كيلوجرام متفجرات.. واستخدمت اسرائيل في حربها العدوانية على الآمنين بغزة اسلحة الدمار الشامل الا ان ذلك كله لم يهزم الشعب الفلسطيني ولم يفقد المقاومين صوابهم بل ان حجم التعاطف الدولي والعربي والاسلامي بلغ درجة لم يكن يتوقعها احد.
*
*
سؤال: هل يكون وجود القاعدة هو السلاح الاخير لإسقاط غزة؟
*
ان القلاع لاتسقط من الخارج.. ماذا يمكن ان نتخيل لو أن سيارات التفخيخ التي تجيدها القاعدة تدك شوارع غزة المكتظة المحاصرة الفقيرة كما تفعل القاعدة بالعراق..؟ ماذا نتوقع ان يحصل لو ان مسجدا تفجر بعبوات من متفجرات متطورة جدا وذهب عشرات او مئات القتلى.. والمسألة لن تحتاج الا الى فتوى يقولها هذا الشيخ أو ذاك، ستتحول غزة الى جحيم فوق الجحيم فماذا يمكن ان يفعل سكان غزة بعد ان صار كل شئ غير آمن.. وهنا يتدخل المجتمع الدولي والاقليم بضرورة وضع حد لتمرد غزة وتدخل القوات الاجنبية وتنهي محاولة الشعب الفلسطيني ان يحل مشاكله بنفسه، ويتم فرض وقائع امنية وسياسية على اهل غزة تقمع روح المقاومة لديهم وتنهي احتمال تمردهم على حلول تبدو في الافق.
*
*
اسئلة نحو غزة
*
لماذا غزة؟ لأن غزة قصبة الجزائر او ديان بيان فو فيتنام او وبلوروسيا الاتحاد السوفيتي.. لأن غزة مضغة الجسد الفلسطيني وعقدة النجار.. غزة مليونا لاجئ من فلسطين على أرض فلسطينية وهذه خاصية ليست لأي تجمع من تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في الوطن أو الشتات ولسبب ما لا يعلمه الا الله ان هؤلاء اللاجئون لا يقبلون رغم شظف الحياة وجحيمها أي تنازل عن أرضهم ودورهم في ما وراء الحدود ولم يسجل أي خرق لهذا الوجدان المتماسك تجاه العودة.. ولهذا كانت غزة بلاجئيها صاحبة المصلحة في المقاومة فكانت كل حركات المقاومة تنطلق من هذا الحي في فلسطين حركة فتح، الجبهة الشعبية وحركة الجهاد الاسلامي وحركة حماس وعلى هذا الاساس لا يمكن استثناؤها فيما يصار الى حل سياسي وتسوية للصراع مع اسرائيل.. وكما يعطي المكان أهمية لغزة فإنه يجلب عليها ويلات.. ويلات من قبل العدو الصهيوني والامريكي وويلات من قبل أولئك الذين أعيتهم السبل لإقناع الامريكان بضرورة اعطائهم شيئا وفق اية شرعية كانت.. ولهذا يصار الى انهاك غزة.. حصارا وقصفا وقتلا وتدميرا وتجريفا وتسميما لكل شيء.. واخيرا فوضى خلاقة باسم الدين تحرق الاخضر واليابس.
*
انهم يستهدفون غزة وهي اخر المواقع الفلسطينية صمودا.. بعد أن تجمد الفعل الفلسطيني المقاوم بعد سلسلة من الارهاقات والتضييقات في كل الاماكن الاخرى.. في الشتات حيث يتواجد الفلسطينيون، في لبنان وسوريا ممنوع عليهم ان يقوموا باي فعل مقاوم من خلال الحدود السورية او اللبنانية.. وفي الاردن الوضع اكثر تضييقا حيث يتجمد فعل مليوني فلسطيني يقيمون بالاردن، لا وزن لهم في معادلة المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني.. وفي الضفة الغربية تتم ترتيبات الآن لإنهاء فصائل العمل المسلح هناك.. هكذا تكون غزة هي آخر المعاقل وهي الاخطر .
*
لابد ان تركع غزة وتقبل بالحل السياسي القادم الذي بدأت تتضح معالمه.. إنه حل بلا عودة للاجئين.. إنهم يملكون اجابات على اسئلة الفلسطينيين في لبنان وسوريا بان لهم الحق بالعودة الى الدولة الفلسطينية التي ستقام على ارض الضفة الغربية ضمن حدود الجدار.. لكنهم لا يملكون جوابا لأهل مخيمات غزة وهم موجودون على ارض فلسطين ولم يتراجعوا عن حقهم الكامل بالعودة والتعويض عما لحق بهم وبممتلكاتهم.. ولكي يقبل اهل غزة بمكوناتهم السياسية والفكرية الحل القادم لابد من تركيع أهلها. جربوا الحصار والقتل ولم تبق في جرابهم سوى الحرب الداخلية.
*
ومن هنا بالضبط يمكن فهم ما جرى في رفح ووضعه ضمن سياقه الاقليمي والدولي في قضية هي اقليمية ودولية بامتياز.. لاشيء هنا بريء حتى لو كان بريئا فإن القوى المعادية تستطيع الاستفادة منه وتوجيهه لصالحها.
*
*
المذبحة في مسجد ابن تيمية برفح
*
رأت حماس ان الفلتان الذي يتسم به سلوك القاعدة السلفية قد يضر بأمن القطاع ويجر عليه ويلات غير محسوبة ويدخله حالة فوضى.. وحاولت ايصال رسائل عديدة للسلفية المقاتلة انها لن تستطيع الترعرع في غزة وممنوع عليها ان تعيد ما فعلت بالعراق او افغانستان او اقليم اخر.. لم تلتفت السلفية المقاتلة الى اشارات حماس فانطلقت تجمع الاسلحة وتقوم بتدريبات واسعة وتؤطر شباب في ظل شنها تحريضا واسعا على موقف حماس من الهدنة مع اسرائيل ومن قبول حماس بالديمقراطية التي تعتبرها السلفية المقاتلة كفرا، وتعتبر ان حماس حركة علمانية لا تقيم شرع الله في قطاع غزة..
*
وعلى هذه الاعتبارات شكلت السلفية المقاتلة جملتها تجاه حماس.. وقد ورد ان عديدا من الاماكن الخاصة بالإنترنت تعرض لتفجيرات في غزة واتهمت حماس السلفية المقاتلة بإلقاء قنابل في عرس ادت الى جرح اكثر من اربعين شخصا.. فكان قرار حماس واضحا وحاسما بان لا وجود لهذه المجموعة وان يتم نزع المسجد الرئيس الذي يعتبر منبرا للقاعدة السلفية فارسلت الى الشيخ عبداللطيف من يبلغه بضرورة تسليمه المسجد للاوقاف.. رفض الشيخ الطلب واكد بان ذلك لن يكون الا على جثته.. استمرت الوساطات يومين متتاليين حتى مساء الخميس قبل اسبوعين دون جدوى..
*
احتشد عشرات المسلحين من شباب القاعدة السلفية موشحين بالاحزمة الناسفة على اجسادهم وبأياديهم الاسلحة الاتوماتيكية وجاء يوم الجمعة ليعلن الشيخ عبداللطيف ميلاد امارة بيت المقدس الاسلامية ويشن هجوما غير مسبوق ضد حماس في جو انفعالي مشحون وهتافات من قبل آلاف المصلين الذين احتشدوا للشيخ في مساحات واسعة بجوارالمسجد.. أكد الشيخ مجددا انه لن يتنازل عن المسجد وانه يطالب حماس بإقامة شرع الله وانه يدعوها ان كانت لا تستطيع ان تعلن عن نفسها انها حركة علمانية.. كان المسجد محاصرا عن بعد من قبل شباب كتائب عزالدين القاسم الذين انتشروا في رفح كلها وقطعوا الطرق إليها وأخذوا مواقع استحكام حول المكان..
*
انفجرت شرارة الاشتباك والتي لم يعرف من هو المسئول عنها بعد.. فدوت أصوات المدافع وأزيز الرصاص وسيارات الاسعاف، وفي دقائق قليلة كان القتلى اكثر من ثلاثين والجرحى اكثر من مئة واستمر التراشق بالنيران طيلة الليل وفي الصباح تم تفجير ثلاثة منازل كان الشيخ عبد الطيف وعدد من رفاقه قد تحصنوا في احدها وكان التفجير مذهلا هز المدينة كلها.
*
مات الشيخ عبد اللطيف ومعه مات قائد القسام في المنطقة ومعهما عشرات الشباب الفلسطيني المظلوم.. فهل كان هذا هو الاسلوب الاوحد الممكن في التعامل مع الحدث؟ ان حماس تكون قد خسرت من تعاطف الناس معها للقسوة التي مارستها تجاه الموضوع.. ليس هناك من احد يبرر ما فعله الشيخ عبداللطيف من رفضه تسليم المسجد للاوقاف او اعلانه امارة اسلامية او خروجه على الوضع القائم بالسلاح او حشده لشباب مسلحين في المسجد.. ليس هناك ما يبرر للشيخ فعله ذلك، هكذا يجمع الناس ولكن طريقة انهاء الازمة كانت عنيفة وقاسية.
*
إن معالجة ما حدث يصب في خانة تأجيج الازمة وليس حلها، يستوي في ذلك استخدام العنف بالقصف المدفعي للمسجد وجواره والتفجير بعبوات ضخمة او الاتهامات المفرطة التي ساقها المتحدثون باسم حماس ضد الشيخ عبد اللطيف، كل ذلك يعني عدم إعطاء العقل فرصة البحث عن بدائل للحل وللخروج بأقل الخسائر لأن العنف لا يحل المشكلات المتولدة عن انحرافات في الفهم.. إن العنف من شأنه أن يولد العنف المضاد وهذا هو المطلوب لاسيما وهناك أمراء وشيوخ مشبوهون في الخليج يدفعون مالا ويصبون بترولا على النار، وهناك الامريكان والاسرائيليون واختراقاتهم، فمن الممكن ان تحدث تفجيرات في أي وقت تستهدف حماس ولا يكون وراءها الا المخابرات الامريكية والاسرائيلية وذلك تعميقا للازمة والمأزق.. ومع صعوبة توقع أن تكون القضية قد انتهت إلا أن هنا الوقت لازال كافيا لاستدراك مافات وتصحيح الموقف تجنيبا للشعب المظلوم في غزة من ويلات حرب داخية تأكل الاخضر واليابس، لاسمح الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.