رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: مجزرة بيت لاهيا إمعان في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ونتيجة للفيتو الأمريكي    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    توقرت: 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأنفاق أفقرت الفقراء.. وأنتجت طبقة تجار الحروب
المناضل والباحث الفلسطيني صالح عوض ل '' الشعب ''
نشر في الشعب يوم 20 - 11 - 2010

الأستاذ صالح عوض كاتب فلسطيني ومناضل من مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، اشتغل في دوائر السلطة الفلسطينية مديرا عاما للرقابة والتفتيش في قطاع غزة قبل الانقسام سنة 2007، كما أشرف على إصدار جريدة تسمى ''البشير'' ومجلة ''الأفق'' اللتان توقفتا على خلفية تطورات أوضاع غزة.يهتم ضيفنا بقضايا التاريخ والفكر والسياسة، له جملة مؤلفات تتعلق بالقضايا الفلسطينية والعربية من بين العناوين ''النظام السياسي في الفكر العربي''، ''الأمة والتحدي الأمريكي''، ''المعالجة الإسلامية للملف الفلسطيني''، ''عبد الحميد ابن باديس أو مشروع التحرير في الجزائر''. بلسان المناضل الذي لا يكل والباحث المتأمل وبنبرة في فيها جرأة النقد الذاتي يشرح ضيفنا في هذا الحديث المطول جوانب محورية في المسألة الفلسطينية بدءا من تعطل مسار المصالحة وخلفيات النزاع بين حركتي حماس وفتح إلى مفهوم المقاومة وقابلية إنعاش مشروع التحرير، مرورا بالأنفاق ومن يستثمر فيها ومدى تأثير الأدوار التي تلعبها بلدان الطوق وتلك التي تؤسس لموقع جديد في المنطقة وفيما يلي مضمون الحديث$: إلى ماذا يرجع عدم التوصل إلى المصالحة الفلسطينية في وقت يكرس فيه الكيان الصهيوني سياسة الأمر الواقع من خلال توسيع الاستيطان وإفراغ المفاوضات من محتواها؟
صالح عوض: ينبغي التركيز على المصطلحات المتداولة مثل ''مصالحة فلسطينية -فلسطينية''، فالمفهوم هنا يبدو غير دقيق والأدق هو الدعوة إلى ''مصالحة بين حركة حماس وحركة فتح''، ذلك أن الساحة الفلسطينية تضم قوى سياسية أكثر، كما أنه لا توجد ''مشكلة فلسطينية-فلسطينية'' على اعتبار الشعب واحد وهمه واحد وقضيته واحدة وهو ليس وحده في الضفة الغربية وغزة وإنما يتواجد في أراضي الثمانية والأربعين ولديه قياداته السياسية، إضافة إلى أن الشعب الفلسطيني موجود في الأردن وبكثافة وفي مخيمات لبنان وسوريا وحتى في بلدان أمريكا اللاتينية. فهذا الشعب المتناثر عبر الجغرافيا المتباعدة ليس متصارعا مع نفسه وليس طرفا في الصراع الموجود وإنما المشكلة تكمن بين تنظيمين سياسيين، هما حركتي فتح وحماس والخلاف بينهما ليس سببه إيديولوجيا ولا اختلاف في المشاريع، لأنه يمكن أن يكون خلافا إيديولوجيا ويلتقي الناس حول صيغة مشتركة لإحداث جبهة نضال، فليس السبب تعدد الاتجاهات الفكرية والسياسية وإنما جوهر الخلاف منشأه التصارع على مواقع داخل السلطة الفلسطينية وهذا كلام يجب إظهاره بشكل جلي لأننا عمليا لا نرى أي اختلاف إيديولوجي، فحماس تحكم قطاع غزة منذ خمس سنوات ولا يوجد أي مظهر لتشريع إسلامي من الحكومة أو المجلس التشريعي، بل حماس تُسيّر أمورها وفقا للقانون المنفذ في الضفة.
من الجانب السياسي، الحقيقة أن المسافة بين الحركتين ضئيلة جدا وهي مسافة توقيت وليست اختلافات جوهرية، فحركة فتح طرحت البرنامج المرحلي بمعنى إقامة سلطة ودولة على أرض تم تحريرها وحركة حماس تقول الآن، إننا نوافق على إقامة الدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967، بل هناك ما هو أكثر دقة في تحديد المسألة عندما تقول حماس نحن نوافق على ما يوافق عليه الشعب الفلسطيني في استفتاء بصيغة تسوية وهنا فتح تقول على لسان ابو مازن عندما نصل إلى تسوية سأعرضها على الشعب الفلسطيني الذي يقرر. بل ذهب عباس إلى المفاوضات بتفويض من كل الفصائل بما فيها حماس التي اتفقت مع فتح على وثيقة تسمى ''وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني'' والجديد في الوثيقة التزام كافة الفصائل ضمّنها حماس بالاتفاقيات وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، مما يعني أنه لا يوجد خلاف جوهري سياسيا بين الحركتين وبالتالي لا توجد فروقات من حيث الممارسة ولا من حيث التعاطي مع الشأن الإقليمي والدولي والموقف من المفاوضات وهي خلافات حول المواقع والمحاصصة داخل السلطة الفلسطينية.
سؤال: الدور المصري والسوري والقوى المحلية عناصر لا يمكن القفز عليها، فإلى أي مدى يمكن التعاطي مع نفوذ كل طرف دون أن يفقد أصحاب الشأن دورهم؟
جواب: لا يمكن عزل المسألة عن محيطها العربي والإسلامي المسمى بدول الطوق لعدة أسباب، فالكيان الإسرائيلي لا يمثل تحديا للشعب الفلسطيني وهو أمر موجود، لكنه يشكل تحديا ضد الأمن القومي العربي في تهديده للاستقرار في الدول العربية ولمشاريعها. على مدار 60 سنة وأكثر كانت إسرائيل ولا تزال حالة ابتزاز وإرهاق للمنطقة والدول المجاورة ومن هذا نستوعب ونفهم أن هذه الدول بات عليها لزاما أن تتدخل بشكل أو بآخر والحقيقة أن لكل منها أجندتها الإقليمية القطرية البحتة، فمصر وقّعت اتفاقية تسوية وصلح أبدي مع إسرائيل، مما جعلها تنخرط في سياق سياسي وأمني يتناسب مع اتفاقيات كامب ديفيد بكل ملاحقها وبالتالي لا يمكن لمصر أن تترك الساحة الفلسطينية والتفاعلات فيها قد تؤدي إلى تفجير المنطقة وإشعالها من جديد. وكانت واضحة قوة الدفع المصري نحو التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بممارستها الضغط على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعلى الراحل ياسر عرفات للقبول بصيغة ومواقف التسوية مع إسرائيل ووصل هذا الضغط إلى مستويات عديدة قبل وبعد تنفيذ اتفاقيات أوسلو.
ما يحصل حاليا من تدخل مصري أمر واضح، فهي لا تتعامل مع حركة حماس وحركة فتح على مسافة واحدة وذلك نتيجة الانتخابات التشريعية التي أدت إلى فوز حماس التي كانت حكومتها تعامل باستهتار وتحقير من جانب مصر التي اشتغلت على المستوى العربي لتهميشها وإسقاطها وفعلا سقطت الحكومة الأولى لتشكل ما يعرف بحكومة وحدة وطنية ولم تعتبرها شرعية في أي مرحلة إلى أن جاء الحسم الذي قامت به حماس في غزة ضد الأجهزة الأمنية لتتخذ مصر موقفا بإغلاق حدود قطاع غزة وفرض حصار عليه مع ممارسة ضغوط أمنية والوقوف العلني غير المبالي على الصعيد الرسمي من المجزرة الرهيبة التي نفذتها إسرائيل على غزة.
من خلال الحوار الذي رعته مصر بين قيادات فتح وحماس تفاجأ الطرفان بصيغة مصرية تطلب منهما التوقيع على وثيقة دون نقاش وكأن الاتفاقية ليس فلسطينية وإنما كانت في واقع الأمر وثيقة إملاء مصرية رفضتها حماس لأن الصيغة التي وُضعت بها الوثيقة مبهمة وغير واضحة إلى جانب أنها تحمل مخاطر على وجودها السياسي. وفي ظل انعدام النوايا الحسنة بين الطرفين وعدم الطمأنينة من حماس للموقف المصري تعثر التوقيع على الاتفاقية، الأمر الذي ثبّت الموقف المصري في ضغطه على حماس لتجد نفسها أمام سبيل موصود ما منعها من التوقيع.
بخصوص الدور السوري، فإن معطياته تختلف، فسوريا لم توقع على صلح مع إسرائيل، لكن تجري مفاوضات معها علنية وسرية وتعلن أن الجولان كاملة هي مطلبها، فوضع سوريا في هذه المفاوضات يتطلب أن تكون لديها أوراق قوة على الطاولة نتيجة اختلال الموازين، فأصبحت سوريا معنية بالإمساك بأوراق قوة لا تحمّلها وزر الصدام المباشر مع العدو إسرائيل، وكان حزب الله في لبنان والمقاومة الفلسطينية ورقتان مهمتان من عناصر قوة موقف سوريا التي ابتلعت كل خلاف إيديولوجي مع الإخوان المسلمين وطوت صفحة الصراع الدامي معهم واستقبلت حركة حماس وهي حركة اخوانية، فسهلت لها الأمور في دمشق ولبنان، لكن دون أن تتحول حماس إلى ما كانت عليه منظمة التحرير الفلسطينية في السابق في لبنان، فقد كانت (م. ت. ف.) تضم إليها كافة الشعب الفلسطيني وحوّلته إلى قوة في لبنان وسوريا، بينما هامش الحركة لحماس ضيق.
وأعتقد أن السوريين لا يستطيعون الوقوف ضد مصالحة بين فتح وحماس ولا أتوقع أنهم يطلبون القطيعة لسبب مهم هو أن حماس لم تجد في بلدان الطوق بأي حال من الأحوال أي مكان يمكن أن يستقبلها ويحترمها سوى سوريا ومن هنا تبقى ورقة حماس من عناصر موقف سوريا التي لم ولن يكون لها موقف سلبي من المصالحة وأعتقد أنها تريد إحداثها لتشد جملة الموقف الفلسطيني، فيكون رديف قوة للموقف السوري.
سؤال: في ذات الإطار إلى أي مدى يمكن القبول بدور إيراني أو الحذر منه في ساحة مفتوحة على كل الرياح؟
جواب: يوجد في الساحة فراغ كبير، فبخروج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي ومن بعد تدمير العراق وهو دولة مواجهة لم يبق على الساحة أي قوة إسناد. ونتيجة التشتت وصعوبة الحركة وقوة العدو، فإن الأمر يحتاج لدعم متواصل سياسيا وأمنيا وعسكريا وفي المشهد العربي لا توجد بقعة تقوم بذلك ماعدا سوريا كبقعة جغرافية محدودة وهنا كان الموقف الإيراني الذي دخل في الفراغ العربي ليدعم ماليا وبشكل كبير وسياسيا بشكل كبير جدا تجاوز حتى الموقف الفلسطيني وبموقف إعلامي واضح في ظل سياسة دولية جوهرها واضح. كل هذا جعل الموقف الإيراني بمثابة قوة إسناد معتبرة يصعب تجاوزها من كل التنظيمات والفصائل من أصحاب خيار القتال.
هنا نفتح دائرة للوعي من خلال التعمق في الإجابة عن جملة من التساؤلات مثل هل تقوم إيران بهذا من أي باب أم من باب المصالح الإستراتيجية ولكن المهم أنها تقدم دعما للفلسطينيين وهل توجد قوة ليس لديها مشروع وهل موقف إيران مع المقاومة بهذا الزخم يعني صحة الموقف الإيراني في ملفات أخرى أم لإيران في ملفات أخرى أخطاء كبيرة وفي ملفات قد يكون لها خطيئة كبيرة. هذا المشهد يعبر عن المشروع الإيراني ولو قدمت إيران تنازلات في الموضوع الفلسطيني لكان وضعها مثل تركيا المتحالفة استراتيجيا مع أمريكا ولتم قبول مشروعها النووي وقبلوا حتى بقنبلة نووية مثل باكستان. ولأن مثل هذا لم يحدث فإيران تدفع ثمن موقفها من فلسطين والذين يقفون ضد إيران في المنطقة العربية هم أنفسهم الذين وقفوا ضد العراق ومن قبل مع العراق ضد إيران، ففتحوا أراضيهم للأساطيل والقوى الأجنبية لتغزو العراق ثم لتدمره ولم يجرأوا على عقد مؤتمر قمة عربية لإنقاذ بلد عربي كبير يفكك ويدمر أمامهم، بل لم تستطع دولة واحدة قطع علاقاتها مع أمريكا، فهؤلاء ينفخون في العداء لإيران وهم من تنازلوا عن 80 بالمائة من أراضي فلسطين لإسرائيل وفقا لما يسمى بالمبادرة العربية. ورغم كل ذلك نقول هناك أخطاء لإيران في الملف العراقي، فحساباتها أحيانا إقليمية وأحيانا قومية وأحيانا أخرى مذهبية ونتمنى أن تتحرك في مواقفها بإحساس الأمة وبالطبع نرحب بالدعم الإيراني للقضية الفلسطينية.
سؤال: وماذا بالنسبة للموقف التركي الذي أخذ أبعادا إعلامية متقدمة في الآونة الأخيرة على خلفية العدوان على غزة وأسطول الحرية الذي حاول كسر الحصار، هل بالإمكان الرهان عليه؟
جواب: التحرك التركي والاهتمام به في المنطقة العربية هو نتيجة غياب موقف عربي مسؤول وكل ما تم من تركيا ليس له قيمة في جوهر الصراع، لأنها لا تزال تعترف بإسرائيل ولديها معها علاقات إستراتيجية وتعمل معها بالتنسيق على مستوى غرفة عمليات أمنية مشتركة وبرامج التسلح الاستراتيجي بينهما قائمة وكذلك المصالح الإستراتيجية. الذي حصل أن أفرادا من أبناء الشعب التركي استشهدوا من أجل فلسطين ولقد استشهد مئات الآلاف من أبناء العرب لفلسطين. الحاصل أن جزءا من النظام العربي تخلى عن فلسطين وجزء آخر منه يطاردهم ويحاصرهم وجزء غيره يمنع الفلسطينيين من العمل في لبنان وبعضه لا يجعل لهم قيمة وفي مثل هذا الوضع عندما يتكلم الأتراك بمجرد كلمة يوضع في ترتيب الانجاز الكبير وهو في الواقع لا يحمل قيمة من شأنها أن تغير من الوضع القائم في شيء. تركيا تبحث عن دور لها في المنطقة وباعتبارها عضو في الحلف الأطلسي وبلد إسلامي تسعى لإقناع الغرب بأنها على قدرة أكثر من أي دولة غربية للدخول كوسيط وأعتقد أنها لا ترتكز على فلسفة الدولة العثمانية ذلك أن العثمانيين كانوا أصحاب مشروع للأمة ولم يتواطؤوا مع عدو الأمة، بل عملوا على تحريرها وحاليا القادة الأتراك يقولون لسنا جسرا بين الشرق والغرب ولكن لدينا موقع مؤثر نستثمره في هذه العلاقة.
إن تركيا صاحبة مشروع تركي بحت وجميع تصرفاتها تدفع نحو تقويتها ذاتيا وليس ضمن مشروع واسع للأمة، فهم بذلك ليسوا عثمانيين. في الموضوع الفلسطيني، فإنهم ليسوا مع المقاومة وليسوا مع مطلب كل فلسطين، فلم يجمدوا علاقتهم مع إسرائيل وينخرطون في عمليات أمنية مشتركة مع الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية.
سؤال: أعود إلى واقع تقلبات الساحة الفلسطينية حيث تنشط منذ مدة أوساط فلسطينية ليس لها ماض ثوري في الغالب كأنها تسعى لإنشاء ما يعرف بقوة ثالثة تزيح فتح وحماس خاصة في ظل ترحيب دولي فاعل من أصحاب النفوذ -أقصد أمريكا- ودول التطبيع وطبعا حكومة العدو؟
جواب: الحديث في هذا الموضوع يجب أن يستند إلى فهم حركية التاريخ وكيف تنهار قوى وتنشأ قوى بديلة ومن ثمة تهديم الموجود وتبني شيء جديد عملية خطيرة للشعوب والأمم. فقد كانت الكعبة بيت العرب ولم يهدمها الإسلام الذي ترك البناء قائما، فنظفه وأصلحه وحسنه ليتناسب مع العقيدة الجديدة.
الآن ما هو موجود في فلسطين، أن هناك فتح وحماس مجمدتان في الضفة والجيش الاسرائلي الرهيب يلعب في موضوع المفاوضات والاستيطان والحواجز وبالتالي هناك عدم قدرة على مبادرة فلسطينية في الضفة وعدم قدرة على تجنيد الطاقة الفلسطينية، ما يعني الخروج من المفاوضات والمربع السياسي، فتراهم يأملون في حقوق دون فعل ولذلك العملية معقدة تكرس مشهد تجميد الفعل الفلسطيني. في غزة بالحصار والحرب، أوصلوا إلى قناعة داخل حماس طبعا بالدم والتجويع، إنه لا يمكن القيام بأي عمل فلسطيني فدخلت غزة في ثلاجة واختطفها النسيان وأصبحت أسيرة للمساعدات وتحولت من مشروع سياسي إلى قضية إنسانية. خارجيا يوجد ستة ملايين فلسطيني تقوم أنظمة عربية بالتضييق عليهم لدواعي وتبريرات مختلفة ومتناقضة، وبالتالي في ظل وضع كهذا تظهر بعض الأصوات داخل فلسطين ضمن ما يعرف بتيار المستقلين يمثل البرجوازية الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني ممولة ومدعومة من أوروبا وأمريكا ومنتشرة كالجراد وأسماء جمعيات بالآلاف تنضوي في تيار المستقلين برئاسة المدعو منيب المصري وهو ملياردير فلسطيني متعهد بالوجبات الساخنة للجيش الأمريكي في غزوه للعراق. هذا التيار يجمع شخصيات سياسية وباحثين وأكاديميين وداخله ينخرط سلام فياض، فهو تيار يريد أن يشطب حركتي حماس وفتح اللتان في جوهرهما جذوة المقاومة لم تنطفئ.
في الخارج التقى بعض المثقفين سابقي العهد بمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت للحديث عن مشروع هيئة للدفاع عن الثوابت الفلسطينية ومشكلة هذه الهيئة أنها مع المستقلين يشتركان في مهمة إسقاط منظمة التحرير وتجاوز واقع المقاومة ولكن يبدو أنها في ظروف غير حسنة ولا تتوفر على شروط نجاحها ومن أهم تلك الشروط التواجد البشري، حيث لم يسمح لها أن تكون بديلا عن منظمة التحرير في لبنان وسوريا.
إن تجربة ياسر عرفات الراحل في تثبيت منظمة التحرير دفع ثمنها عشرات الآلاف من الشهداء حتى انتزع ذلك انتزاعا من سوريا والإقليم كله وكانت تقف وراءه دولة عربية جوهرية. لا يمكن لسوريا أن تسمح بعودة ''م. ت. ف.'' ولكن بشكل آخر سمح لها بالوجود لتناكف عباس وشخصنة الأزمة معه وكانت الخطوة الضرورية لها باتجاه تعبئة الشعب الفلسطيني في لبنان وسوريا حيث يتواجد حوالي 1,5 مليون فلسطيني.
أعود لتلك الهيئة لأقول بالتأكيد اجتماع بيروت بذلك الحجم والسرعة تقف خلفه جهة ما ولكن المتابع للنقاش توصل إلى أنه كان سطحيا ومثل هذه الهيئة هي نتيجة أزمة الأفق الفلسطيني ولا نتوقع لها أي نجاح فكما لم تنجح حماس وفتح لن تنجح قوى أخرى وبالتالي ستكون شريكهما في الفشل.
سؤال: تعد الأنفاق شريانا لقطاع غزة وهي هدف للحصار والقصف، فهل لا تزال كذلك بمضمونها كعنوان للمقاومة أم انزلقت لمشاريع أخرى تزيد من عمق الشرخ الداخلي وموضوع استثمار لتجار الحروب والأزمات من الجانبين الفلسطيني والمصري؟
جواب: المصريون أعلنوا عدم السماح بموت أهل غزة ولكن لن يسمحوا لهم بالعيش في بحبوحة وتمت ترجمة هذا من خلال التعامل مع الأنفاق. حقيقة محمود عباس يبعث إلى غزة 120 مليون دولار شهريا كرواتب لحوالي 70 ألف موظف ولتغطية تكاليف المدارس والمرافق العامة والكهرباء والماء وتتم التحويلات بواسطة بنوك تشتغل وهناك على الأقل 40 مليون دولار تنفقها سلطة حماس كرواتب، إضافة إلى عدة ملايين للجهاد الإسلامي وجملة هذه المبالغ التي تعادل 200 مليون دولار شهريا تتجه في خط واحد نحو مصر كسيولة تخرج عملة صعبة وتعود في شكل بضائع عبر الأنفاق التي لا تكمن خطورتها في عدد من يموتون يوميا بمعدل 3 قتلى يسقطون كل يوم خلال أشغال بناء الأنفاق، وإنما الخطورة في كونها دمرت الوضع الاقتصادي الفلسطيني. عندما كانت المعابر مفتوحة كانت غزة تصدر أهم مخزون عالميا لإنتاج الورود بتصنيف دولي وكانت تصدر الفراولة ومزارع غزة كانت من انجح المزارع عالميا لهذه الفاكهة إلى جانب الخضراوات والحمضيات وكانت أيضا بنية تحتية لمشاريع صناعية كالبلاستيك والنسيج، فكل هذا القطاع تمّ تدميره بتوقف التصدير وأصبحت غزة تستورد كل شيء عبر الأنفاق من مصدر واحد يحرم حق الاختيار والتنوع وهنا يخضع الفلسطينيون للابتزاز من الجانب المصري بتمرير سلع كمالية أو منتهية الصلاحية.
صحيح الأنفاق أبقت أهل غزة على قيد الحياة لكنها دمرت اقتصادها وأفقرت فقراءهم وأنتجت طبقة جديدة من تجار الحروب تعمل في الإشراف على حركة الأنفاق بالتعاون مع طبقة مماثلة أخرى على الجانب المصري باتجاه تحقيق ثراء فاحش. لقد وفرت الأنفاق فرص عمل لعشرات آلاف العمال لكنها في النهاية مشروع موت وقتل بتسجيل موت 1500 شخص وهي مشروع لتدمير منظومة القيم والأخلاق بالنسبة للإنسان العامل فيها.
الجانب المأساوي في الموضوع انه نتيجة عدم خبرة حماس وعدم التجربة لم تستطع إدارة المسألة بشكل يقلل من المخاطر ويضمن تحقيق مكاسب ملموسة للناس، كون لم تنبه إلى حماية عنصر الإنتاج في غزة فجعلت اليوميات الصعبة تحرم من المبادرة داخل فلسطين.
سؤال: أمام محدودية مساحة المقاومة المسلحة لمختلف الأسباب، كيف يمكن الحفاظ على جوهر روح المقاومة بمفهومها الواسع وهل بقي منها شيء؟
جواب: إننا في مرحلة صعبة على صعيد التفكير وأن تصبح المقاومة مسألة للنقاش فالأمر خطير. للأسف بعد عشرات السنين من الكفاح أسقطنا عناصر المقاومة الفكرية والمادية واحدا واحدا، إلى أن انتهينا للتساؤل عن جدوى المقاومة. المسار السياسي كله تنازل عن وحدة التراب وإقرار بوجود إسرائيل ففقدنا وحدة الشعب الفلسطيني، كما فقدنا موضوع اللاجئين قضية تحل مع إسرائيل وفقا للمبادرة العربية، وهكذا وصلنا بالتدرج إلى التنازل عن عناصر قوتنا الفكرية والمادية. الآن أي حديث يجب أن يعود إلى بداية القضية ومواصلة السير على ما نحن عليه يقودنا إلى مزيد من الضياع. بداية القضية هي شعب فلسطين الذي انتزع من أرضه وتم تشتيته، والهدف هو عودة هذا الشعب إلى أرضه. بالنسبة للوسائل فكل الوسائل الملائمة سياسية علمية ثقافية وعسكرية ينبغي أن تكون أمام مشروع تحرير وليس مقاومة التي تعد محدودة بالنسبة للتحرير. يمكن تأجيل المقاومة المسلحة لكن لا يمكن تأجيل التحرير، ومن ثمّة إنهاء الكيان الصهيوني القائم بالجريمة على أرض فلسطين، وهذا الكلام يفتقد اليوم لمشروعية دولية. هذا لا يهم وعدم وجود قوة إسناد دولية ليس مهما بل المهم هل لدى الفلسطينيين قناعة بحقهم ومنه يجب لمشروع التحرير، أن يحدّد هدفه ووسائله ومنطلقاته.
وإذا سألنا إن كانت هناك فرصة لمشروع التحرير في فلسطين نقول نعم بالتأكيد لأن كل المشاريع الأخرى أخفقت لاسيما مشروع التسوية، كما أخفق كل من راهن على الشرعية الدولية وأخفق العدو الصهيوني وحلفاؤه في إنهاء القضية الفلسطينية التي لا تزال ساخنة ولا يوجد فلسطيني يقر بأنه يتنازل عن حق العودة. هذه معطيات مادية وفكرية يمكن أن يتولد منها مشروع تحرير، خاصة بعد أن تزود الفلسطينيون بالوعي وأدرك العرب الخطر الصهيوني الذي يمتد إلى جيبوتي والصومال والسودان والعراق وداخل إفريقيا، ويتغلغل حاليا في مفاصل عربية كبيرة مشرقا ومغربا لتفكيك منظومة الدول العربية. ففي العراق اليوم مثلا تنشط منظمة الموساد التي اغتالت أكثر من 5 آلاف عالم نووي وأستاذ جامعي وفي السودان صرّح وزير خارجية حكومة الجنوب انه سيرفع علم إسرائيل في «جوبا» ونشاط عصابات القراصنة بالصومال أدى إلى تراجع مداخيل قناة السويس المصرية والإرهاب بساحل الصحراء تلعب فيه يد الموساد، ناهيك عن مخططات إغراق المجتمعات العربية في الفوضى. هذا كله يؤكد وجود مبررات لمشروع التحرير والواقع هناك حالة إرهاق للشعب الفلسطيني، فتراهم يفرون نحو بلدان اسكندينافيا، لكن في ظل احتلال غزة من إسرائيل هناك من كان يدفع 10 آلاف دولار للعودة إلى الأرض والآن هناك فلسطينيون في غزة يدفعون نفس المبلغ تقريبا للفرار إلى اسكندينافيا. ورغم مرارة الإحباط، إلا أن هذا يعد أمرا طرفيا مرده غياب القائد وغياب الهدف وأشير إلى أنه حينما كانت الحرب على غزة عاد جميع الفلسطينيين من مصر وتنقلوا إلى الحدود طلبا للموت داخل فلسطين.
سؤال: في كلمة أخيرة وبلسان المناضل الباحث في التاريخ، ماذا يمكن قوله لأبناء الشعب الفلسطيني المثقلين بتراكمات احباطات تنعكس على قوة القناعة بالقضية؟
جواب: للفلسطينيين في مخيمات لبنان الذين اسقطوا أكذوبة إسرائيل بأن لا وجود للشعب الفلسطيني وضحوا لأجل كيان سياسي فلسطيني وللفلسطينيين المحاصرين في غزة الموضوعين في سجن ينتظرون فيه لقمة مساعدة أو صاروخ إسرائيلي وللموجودين في الضفة المقطعة أوصارهم بالحواجز ودمرت مزارعهم قطعان المستوطنين وللفلسطينيين في أراضي ال48 الصابرين القابضين على الجمر، وتحدوا مخططات الصهاينة الممنهجة بهدف إغراق الشخصية الفلسطينية في الفساد وللمشتتين عبر العالم. أقول شيئا واحدا فقط هو استمرار اليقين بأن فلسطين لكم وأنتم لها، وكما أعطيتم عبر قرن من الزمن قوافل الشهداء والأسرى بإمكانكم أن تعطوا القضية المقدسة ما يمكن من بلوغ هدف التحرير والعودة، وبالطبع من يحملون الألم والإحباط المحزن وربطوا مصيرهم بالقدس متى وجدوا مشروع تحرير فلسطين يفتح المعركة على كل عناوينها لن يتأخروا لحظة إعطاء فلسطين دمهم وكل غال نفيس وادرك أن العرب سيتحررون من قلقهم وتتدفق عطاءاتهم باتجاه تعزيز الكفاح الفلسطيني لتعود درة وتاج العرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.