ربما أنهي بهذا المقال تدخلي في ضجيج المجادلات السياسية التي أثارتها تصريحات قيادات أحزاب التحالف وما اكتنفها من آراء ومواقف أعادت للساحة السياسية والإعلامية بعض حيويتها المفقودة ونقاشها الساخن. * ولكن قبل ذلك أريد أن أوضح مايلي، ردا على مئات الرسائل التي يقول أصحابها: ماذا يريد النذير مصمودي؟ * 1 لم أكن أريد أكثر من مناقشة الأفكار والآراء والمواقف بالوضوح الذي ينبغي أن يكون، وبالأسئلة التي ينبغي أن تطرح، بعيدا عن أجواء المجاملات الغبية التي ألفناها، وارتكبنا بها مئات المجازر ضد دعائم الإصلاح الخلقي والإجتماعي والسياسي. * 2 لعلي كنت أكثر قسوة في هذا على قادة حركة مجتمع السلم وليكن.. فإني أحب الإخلاص في النصح، وأكره الكذب والاحتيال، وأخاف على مستقبل هذه الحركة كفكرة ومشروع، ومن حقي وأنا أحد أبنائها أن أصرح بأشجاني، وأرفع صوتي بالشكوى والنكير...ولو فرضنا جدلا أنني أخطأت مثلما يرى البعض أو ليس للمجتهد أجران إذا أصاب، وأجر واحد إذا أخطأ؟ فلماذا إذن يرى نفر من أبناء الحركة أن الحق حكر عليهم وحدهم، وينفسون باسم الله عن دنايا خفية، تحرمنا أجر المجتهد المخطئ وتحولنا إلى شياطين؟! * 3 إنني أريد وبوضوح كامل أن أتجاوز مرحلة الوعظ التي هي من أخف الواجبات التي تتطلبها الدعوة، إلى مرحلة المصارحة والمكاشفة والمحاسبة والمراجعة، وهي وظيفة لا محيص عنها لأي عمل يراد له النجاح، ولست أبالي وأنا أمارس هذه الوظيفة السامية أن تقول الدنيا بعد ذلك إنني تمردت أو انحرفت! *
* ماذا يريد عبد الرزاق مقري؟ * لا أحد يستطيع أن ينكر لهذا الرجل، جهده الأول في الصحوة الإسلامية، وحرصه المتواصل على نجاح ثمراتها المختلفة، وقد اجتمعت معه على هذا الهدف النبيل منذ مطلع الثمانينيات، يوم كنا رفقة الشيخ عباسي مدني أطال الله في عمره نحاول أن نكون حياديين إزاء الخلاف الذي نشب في ذلك الوقت بين الشيخين، نحناح رحمه الله وعبد الله جاب الله، حول علاقة الجماعة الإخوانية الناشئة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. * وقد بذلنا جهدنا في هذا الاتجاه قدر المستطاع، غير أننا لم نجد في نهاية المطاف إلا أن نختار أحد الطرفين، وقد اخترت عن قناعة الالتحاق بجماعة الشيخ نحناح، على أن أبقى خارج الارتباط العضوي بتنظيمها الإخواني الذي لم أكن مقتنعا به، بعد أسبوع واحد من التحاق الشيخ أبو جرة بها، ثم مقري وعبد القادر سماري، ومعها شباب كثير من المسيلة وسطيف. * ومنذ ذلك الحين، وهبت الجماعة للأخ مقري، مرتبته التنظيمية اللائقة في الهياكل المركزية للحركة، فيما ظلت خارج الأطر التنظيمية، نزولا على منطق الحرية الدعوية، وتوخيا لعدم التورط في الحزبية الضيقة، التي لم أكن استريح لها، بل وأبغض أنماطها المنحرفة عند هذا الطرف أو ذاك. * ولأني عشت هذه الذكريات التاريخية الجميلة مع الأخ مقري، وأعرف ما اكتشفها من أبعاد، أجدني مضطرا للتساؤل: ما حقيقة ارتباط الأخ مقري بعد هذا التاريخ المشرق بمنظمة "فرليدن هاوس« العالمية، المعروفة بعلاقتها المشبوهة مع إسرائيل؟ * هل هذا الارتباط، هو ارتباط حقيقي، أم هو مجرد إشاعة لا أصل لها في الواقع؟ * أنا شخصيا لا أتمنى أن يكون ارتباطا حقيقيا، ولكن إذا كان كذلك مثلما يقول البعض فماذا يريد الأخ مقري من ورائه؟ * هل يريد اختراق هذه المنظمة الدولية ومحاولة "أسلمتها«، أم هي التي تريد اختراقه، وإعداده لأن يكون مشروعها المستقبلي في الجزائر؟ ليست لدي إجابة عن هذا السؤال الخطير الذي طرحه علي أحد المهتمين بهذا الموضوع، وكل ما أعرفه إلى حد الآن، ومتأكد منه بالوثائق من أهم الدول الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وتدافع عن حقها في الوجود. * ولا أظن أن الأخ مقري، لا يعرف هذه الحقيقة، وهو الذي وقف باحترام إلى جانب إخواننا الفلسطينيين، ودافع عن حقهم في الحياة، ولا أظن انطلاقا من هذا، أن الرجل يمكن أن يقع في مثل هذا التناقض الفادح الذي لا يشرفه ولا يخدم رسالته النبيلة. * وأعتقد أن الطامة ستكون كبيرة، لو ثبتت حقيقة هذا الارتباط، لكنها ستكون أكبر لو ثبت مثلما تقول بعض الشائعات أن الرجل يتقاضى مرتبا شهريا محترما مقابل خدماته لهذه المنظمة غير المحترمة. * أنا شخصيا لا أصدق مثل هذا الكلام، وأعتقد أنه جزء من "مؤامرة« على هذا الرجل المحترم، لكن عليه أيضا أن يوضح لأبناء وبنات الحركة حقيقة هذا الموضوع، مثلما فعل ذلك بشجاعة في مواضيع أخرى.