فؤاد حسناوي: اليمين يرد على تصويتنا ل"سيغولين روايال" وطلبنا توضيح الموقف من القضية الفلسطينية أطلق الآلاف من مزدوجي الجنسية الجزائرية الفرنسية، المقيمين في الجزائر، حملة لجمع التوقيعات التي تندد بالتوجه المعلن عنه في أوساط الحزب اليميني الحاكم في فرنسا لإجبارهم على الاحتفاظ بجنسية واحدة، أو حرمانهم من بعض الحقوق السياسية أبرزها الانتخاب، وتشكيل كتلة ضغط سياسي لإفشال المشروع... * وقال فؤاد حسناوي ممثل هؤلاء في مجلس الفرنسيين بالخارج، الهيئة الرسمية التي تتحدث باسم فرنسيي المهجر، إن اليمين الفرنسي يريد معاقبتهم على تصويتهم بكثافة في الرئاسيات الأخيرة لصالح المرشحة الاشتراكية سيغولين روايال، ويريد أن يفشل المساعي الجارية لتشكيل جماعة ضغط سياسية توّحد صوت وموقف ذوي الأصول المغاربية. * ويؤكد في حديث للشروق أن مقرر اللجنة الاستعلامية حول الجنسية في البرلمان الفرنسي، لم يختر طرقا ملتوية لشرح مقترح اللجنة الخاص بتقليص عدد مزدوجي الجنسية وقال "يعني أن نطلب من المعنيين الاختيار بين جنسيتين ليحتفظوا بواحدة فقط .. أو نتجه لتقليص حقوقهم السياسية، لأنه من المحرج أن نرى شخصا يمكنه التصويت في فرنسا وأيضا في دولة أخرى"، وهو بكلامه يكشف بوضوح أن الجزء الأكبر من القلق اليميني، إن لم يكن كله، يتعلق بالثقل الانتخابي لمزدوجي الجنسية ولذوي الأصول الأجنبية بشكل عام، ففي الحالة الجزائرية مثلا لا يقل عدد الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات الفرنسية عن مليون ونصف مليون ناخب في أقل التقديرات، وهو رقم غير بعيد من عدد الناخبين الفرنسيين من ذوي الأصول المغربية، ويزيد ثلاث مرات عن عدد الناخبين من ذوي الأصول التونسية. * ودائما في الاستحقاقات الانتخابية الفرنسية كانت الغالبية من هؤلاء الناخبين مع نظرائهم من أصول إفريقية وحتى أوروبية (الأتراك والبرتغاليين بالأساس) يصوّتون بكثافة لصالح الاشتراكيين، ويتوقع أن يتركز هذا التوجه أكثر في الانتخابات البرلمانية والرئاسية سنتي 2012 و 2014 على التوالي، ردا على السياسة التي اعتمدها الرئيس والحكومة اليمينيين في السنوات الأخيرة. اتجاه قضايا الإقامة والهجرة. * حسناوي، الذي يمثل في هيئة "مجلس الفرنسيين بالخارج"، رفقة ثلاثة أعضاء آخرين، صوّت 30 ألف شخص يحمل الجنسية الفرنسية ويقيم في الجزائر، يتحدث بلغة الأرقام شارحا "تحصي دول المغرب الثلاث، حوالي 100 ألف ناخب فرنسي مقيم فيها، غالبيتهم الكبرى مزدوجي الجنسية، وصوّت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أكثر من 80 بالمائة منهم لصالح مرشحة الحزب الاشتراكي "سيغولين روايال"، وضد ساركوزي ثم يثير نقطة أخرى يرى أنها تفسر أيضا التحوّل الكبير في خطاب وممارسة التيار اليميني الحاكم في فرنسا حيال مزدوجي الجنسية، هو أن برلمان 2012 سيعرف لأول مرة انتخاب 12 عضوا يمثلون الجالية الفرنسية في الخارج. * وهو الموعد الذي يراهن عليه حسناوي ورفاقه في المغرب وتونس لافتكاك مقعد يمثلهم لحما ودما "حتى بعد أن عمد برلمان وحكومة حزب ساركوزي إلى محاولة تعويم العملية بضم المغرب العربي إلى عموم إفريقيا، والاشتراك في مقعد برلماني واحد، بدل منح منطقة المغرب مقعدا لوحدها بحسب ما تفرضه المعايير الديموغرافية في تقسيم الدوائر الانتخابية" كما يقول فؤاد حسناوي، ويضيف أن ما أقلق أكثر الطبقة السياسية في فرنسا هو أن ذوي الأصول المغاربية أصبحوا يرفعون صوتهم للتأثير في توجهات ومواقف مرشحيهم من القضايا الدولية "طلبنا من كل مرشح من مرشحي الحزب الاشتراكي أن يوضح لنا موقفه من حقوق الشعب الفلسطيني". * * تحرش قانوني يعكس تحول سياسي وثقافي * أول من أطلق أولى الخطوات السياسية والقانونية التي تستهدف بشكل خاص مزدوجي الجنسية دون غيرهم من بقية الفرنسيين، هو الرئيس ساركوزي عندما أوعز إلى حكومته، الصيف الماضي، بإعداد مشروع قانون يوّسع من حالات سحب الجنسية من كل فرنسي من أصول أجنبية "يعتدي على شخص أو هيئة تحظى بصفة السلطة العمومية"، وهي فئة تشمل قائمة فضفاضة أحصت في نص المشروع الأصلي القضاة والمحامين والمحلفين، وموظفي وأعوان مختلف الأجهزة الأمنية وإدارات السجون، والجمارك "وحتى بعض حراس البنايات ذات غرض سكني أو غيره". * ثم اقترح وزير الداخلية توسيع دائرة المستهدفين بمشروع القانون الجديد، لتشمل أيضا من يخالف القانون الفرنسي الذي يمنع تعدد الزوجات، وحصل على الجنسية الفرنسية خلال السنوات العشر الأخيرة، وكل مجنس جديد "صدرت في حقه عقوبة السجن لفترة تزيد عن 8 سنوات بتهمة ارتكاب مخالفة تعرف بموجب القانون الفرنسي على أنها جريمة" مع إقرار عقوبات إضافية في حقه بتغريمه مبلغا يصل إلى 100 ألف أورو، نظريا تمس هذه الإجراءات القانونية نحو 200 ألف جزائري من مجموع نصف مليون مغاربي حصلوا على الجنسية الفرنسية خلال السنوات العشر الأخيرة. * لكن النقاش حول مشروع القانون توسع كثيرا عندما نزل إلى البرلمان الفرنسي، بإضافة مواد أخرى تلزم المجنسين الجدد بالتصريح بجنسياتهم السابقة وتشديد شروط التحكم في اللغة والإلمام بالثقافة، الفرنسيتين، الواجب لطالب الحصول على الجنسية الفرنسية، والأمور أخذت منحى آخرا مع سحب كل المواد المتعلقة بالجنسية من القانون وتشكيل لجنة استعلامية خاصة حول الجنسية يشكل تقريرها النهائي مرجعا لتشريع قانوني جديد وموسع يخص الجنسية فقط، هنا برزت توجهات جديدة من نواب ورموز حزب الأغلبية تظهر كلها أن الأمر يتعلق بتحوّل كبير على مستوى الخطاب السياسي والممارسة لدى اليمين الفرنسي في إدارة العلاقة مع المتجنسين الفرنسيين من أصول أجنبية، الذين يشكل المغاربة نصفهم تقريبا. * حيث كشف مقرر اللجنة الاستعلامية البرلمانية حول الجنسية، عن اقتراح تعتزم اللجنة التقدم به للتقليص من أعداد مزدوجي الجنسية. مهما كانت طريقة اكتسابهم للجنسية الفرنسية، عن طريق الزواج المختلط أو الإقامة ويشمل أيضا الذين اكتسبوا الجنسية الفرنسية منذ الصغر بموجب ولادتهم فوق التراب الفرنسي، من أبوين أجنبيين، ويقترح أن "تتم البداية من تسجيل حالات ازدواج الجنسية في حالات الزواج، ونقوم بإعداد سجل بمزدوجي الجنسية، حيث لا نعرف كم عددهم بالضبط حاليا، لكنهم بين أربعة وخمسة ملايين". * ويقترح في ذلك عامل التدرج "نرى أن التدرج يتم بالنسبة للقادمين عبر وثيقة مؤقتة، ثم بطاقة المقيم، وصولا إلى بطاقة الهوية.. يجب أن يكون التدرج سمة انتماء الأشخاص للأمة الفرنسية". ولهذه الجملة معنى واحد هو تشديد شروط الحصول على الجنسية مستقبلا عن طريق زيادة مدة الإقامة المطلوبة في فرنسا لطالب الجنسية ووضع عراقيل إضافية أمام قبول الطلب". * * الثابت وسط فوضى الأرقام * لا يمكن ضبط أرقام دقيقة ورسمية حول عدد مزدوجي الجنسية في فرنسا، وتصبح المهمة أصعب عندما يتعلق بتقدير عدد الفرنسيين من أصول أجنبية، سواء منهم من احتفظ بجنسية أولى أم لا، والسبب أنه من الناحية الرسمية يمنع القانون الفرنسي إجراء إحصاءات على أساس اثني، خاصة بالنسبة لمن ولد فرنسيا، أي ولد من أبوين كلاهما أو أحدهما يملك الجنسية الفرنسية، حتى وإن كانت هناك كثير من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية تخرق هذا القانون. * نفس الصعوبة نجدها بالنسبة لمزدوجي الجنسية الجزائرية الفرنسية، لكننا يمكن إعطاء تقديرات بناء على تقاطع أرقام عدة هيئات منفصلة، فعلى المستوى الرسمي، يصل عدد المقيّدين في سجلات 18 قنصلية جزائرية في فرنسا إلى نحو مليون و300 ألف جزائري مقيم في فرنسا، يعتقد أن ما يقرب من 800 ألف منهم (حوالي الثلثين) يحملون جنسية جزائرية وفرنسية مزدوجة، منهم من ولد فرنسيا ومنهم من اكتسبها لاحقا، لكن أرقام المصالح القنصلية الجزائرية لا تشمل أعدادا كبيرة من حملة الجنسية الفرنسية الذين لا يقيّدون أنفسهم في سجلات الجالية، ويتوّزع العدد الأكبر من هؤلاء على فئتين أساسيتين. * الفئة الأولى تتعلق بأبناء وأحفاد الجزائريين الذين اكتسبوا الجنسية الفرنسية منذ الاستقلال إلى اليوم، إضافة إلى جنسيتهم الجزائرية، بمختلف الصيغ القانونية المتاحة، أبناء وأحفاد هؤلاء ولدوا فرنسيين لأنهم جاءوا إلى الحياة بعد أن اكتسب آباءهم الجنسية الفرنسية، أو كان أحد أبويهم جزائري والآخر فرنسي، فورثوها تلقائيا وقانونا عنهم، وبذلك يصنفون فرنسيين منذ الولادة ضمن ما يعرف "بفرنسيي المنشأ" بموجب القانون، الذي يمنع في هذه الحالة أن تشملهم الإحصاءات التي تصنفهم اثنيا أو تشير إلى أصولهم الأجنبية، وإن كان من الصعب إعطاء رقم دقيق حول عددهم، فالمؤكد أنه أكبر عن عدد آبائهم وذويهم، الذين أضافوا جنسية فرنسية إلى جنسيتهم الجزائرية ويصل عددهم إلى حدود نصف مليون. * أما الفئة الثانية ممن يوجد أغلب أفرادها خارج السجلات القنصلية فهي الحركى والقياد وقدامى مستخدمي وأعوان الإدارة الاستعمارية، وأبناءهم وأحفادهم من الجيلين الثاني والثالث، الذين يعتقد أن عددهم الإجمالي يدور حاليا حول رقم 600 ألف شخص، وتحصلوا على الجنسية الفرنسية تلقائيا بعد مغادرتهم إلى فرنسا سنة 62 والسنوات القليلة التي تلتها. * وهؤلاء لا تصنفهم الإحصاءات أصلا ضمن فئة الجزائريين الذين اكتسبوا الجنسية الفرنسية، لأن الجنسية الجزائرية لم يكن لها أثر قانوني عليهم عند مغادرتهم، كما أن عدد قليل منهم كان يحمل الجنسية الفرنسية فعلا قبل الاستقلال، لكن إن كان هذا الكلام صحيح فإن القانون الجزائري لم يسقط الجنسية عن الحركى حتى وإن كانوا ممنوعين من دخول التراب الوطني، كما أن أبناءهم وأحفادهم بإمكانهم الحصول على كل وثائق الحالة المدنية الجزائرية بما فيها الجنسية وجواز السفر، وهو خيار عدد قليل منهم. * في المجموع يمكن القول إن الرقم الأقرب للجزائريين أو ذوي الأصول الجزائرية المقيمين فوق التراب الفرنسي، بكل أجيالهم، يمكن أن يتراوح ما بين 2,5 مليون و3 ملايين شخص، نحو 85 بالمائة منهم يحملون الجنسية الفرنسية، أي أكثر من 2 مليون نسمة، وثلثهم يمارس فعليا حق اكتساب جنسيتين معا، و20 بالمائة منهم فقط يملكون الجنسية الجزائرية لوحدها. * * 20 ألف جزائري يحصل على الجنسية الفرنسية سنويا * نحو نصف مليون جزائري ولد جزائريا، وكان قانون يحمل الجنسية الجزائرية فقط، عندما حصل على الجنسية الفرنسية في مرحلة لاحقة من عمره، منذ الاستقلال إلى اليوم، وعبر مختلف الصيغ القانونية المتاحة لهم، بحسب الإحصائيات الرسمية الفرنسية، غير أن قراءة في تلك الأرقام التفصيلية تحيلنا إلى نتائج ملفتة: * أولا إلى سنة 92، أي إلى ما قبل بداية الأزمة الأمنية والسياسية التي عصفت بالبلاد، ظل موضوع طلب الجنسية الفرنسية يشكل ما يشبه طابو يصنف في خانة أقرب إلى المحذور والمرفوض من طرف أغلبية الجزائريين المقيمين في فرنسا، ولذلك لم يتجاوز عدد الجزائريين الذين طلبوا وحصلوا على الجنسية الفرنسية رقم 100 ألف تقريبا خلال الثلاثين سنة الأولى من الاستقلال، برغم كثافة الهجرة الجزائرية إلى فرنسا للعمل والدراسة والإقامة. * وبداية من سنة 92 حدث التحوّل الكبير حتى أصبح طلب الجنسية الفرنسية هو الأصل بالنسبة لأغلبية الجزائريين المقيمين في فرنسا، وارتفع المتوسط السنوي لطلبات الجنسية خمسة أضعاف ليستقر سنوات التسعينات عند حدود 15 ألف جزائري يحصل على الجنسية الفرنسية كل عام، ثم صعد خلال العشرية الماضية إلى 20 ألف مجنس جزائري جديد كل عام، وبذلك حصل خلال السنوات العشرين الأخيرة أكثر من 350 ألف جزائري على الجنسية الفرنسية، إلى جانب جنسيته الجزائرية، منهم 200 ألف ما بين سنوات 2000 و2010، يشكلون أكثر من 20 بالمائة من مجموع الأجانب الذين يحصلون سنويا على الجنسية الفرنسية. * الملاحظة الثانية أن أغلبية الجزائريين (230 ألف ما بين 91 و2010) حصلوا على الجنسية الفرنسية اعتمادا على القانون الذي يعطي لهم هذا الحق بعد إقامة متواصلة مدتها 5 سنوات متتابعة وبدون انقطاع مع استيفاء الشروط المادية التي تضمن الاستقرار ودخل مالي قار وإلمام كاف باللغة والثقافة الفرنسيتين، ثم تأتي الفئة الثانية من الجزائريين الحاصلين على الجنسية الجزائرية بعد زواجهم من أشخاص يحملون الجنسية الفرنسية وإقامتهم معهم لمدة أربع سنوات في فرنسا وبلغ عدد هؤلاء خلال السنوات العشرين الأخيرة نحو 90 ألف جزائري مجنس (مقابل 65 ألف مغربي و24 ألف تونسي) علما أن المغاربة يشكلون حوالي ثلثي الأجانب الذين يتزوجون سنويا بفرنسيات.