الجزء الثاني والأخير الجميع في دبي، وعلى هامش منتدى الإعلام العربي العاشر، كانوا يتهامسون تارة، ويتغامزون تارة أخرى عن هذا الحضور المصري القوي، سواء في ترشيحات الجائزة التي تعد الأكبر على مستوى الإعلام العربي في المنطقة، أو حتى فيما يتعلق بالمتحدثين والمشاركين، لا بل إن المنظمين، اختاروا أن يكون افتتاح المنتدى في دورته العاشرة بخطاب لأول رئيس وزراء عربي ومصري ينتخبه الشارع على الهواء مباشرة، عصام شرف، لكن ماذا حدث؟! * غاب شرف في اللحظات الأخيرة قبل البداية، لانشغاله مثلما قيل لنا، بالفتنة الطائفية، وصعود السلفية، وتحزب الإخوان، ورقابة العسكر، وغضب الشارع، وبداية الثورة المضادة، ليخلفه مصري آخر من العهد الجديد، هو وزير الثقافة علي أبو غازي، الذي تكلم كثيرا، لكنه في حقيقة الأمر، أوصل رسالة واحدة، أن مصر الراهنة تختلف كثيرا عن مصر العقود الثلاثة الماضية في ظل حكم مبارك؟! * المصريون استطاعوا أيضا أن يقنعوا منظمي منتدى الإعلام العربي أن تكون لهم جلسة خاصة، أدارها باقتدار نجم قناة الجزيرة محمد كريشان، فكان ثوريا قادما من تونس، بين مصريين ثائرين، أبرزهم، منى الشاذلي التي تحدثت عن حلقتها الشهيرة مع وائل غنيم، وظروف تصويرها، إلى جانب حمدي قنديل، وأيضا رئيس تحرير الشروق المصرية، لكن زميله في جريدة المصري اليوم، مجدي الجلاد، كشف للجميع كيف تلقى في ساعات الثورة الحاسمة، مكالمة من وزير الإعلام السابق أنس الفقي، المسجون حاليا، يخبره فيها بلغة التهديد والوعيد: "سنتخلص من عيال ميدان التحرير ونلتفت لكم مجددا أيها الإعلاميون الانقلابيون".. هنا أضافت منى عطفا على كلام زميلها: "صحيح، كنا نتوقع في كل لحظة، أن هزيمة الثورة تعني هزيمة شخصية لنا تحديدا، قد نواجه بعدها، السجن أو القتل، فالرعب كان سيّد اللحظة"! * منى الشاذلي، تقول إن مصر تعيش الآن مخاضا عسيرا، حيث لم تصل الأمور بعد إلى مرحلة ما بعد الثورة، في الوقت الذي علّق فيه الإعلامي الكبير حمدي قنديل على سؤال للشروق بخصوص استمرار ثقافة المنع، باسم معاداة الثورة بعدما كانت بالأمس القريب، تحت مسمى معادة النظام، بالقول: "كلام صحيح، وثقافة المنع لن تتوقف، لكن في كل مرحلة سياسية، هنالك مستفيدون ومتضررون" وقد كان واضحا أن حمدي قنديل واحد من بين هؤلاء الذين يمكن تسميتهم بالمستفيدين الجدد في الوقت الراهن، عقب تضرره لسنوات، بدليل استعداده لتقديم برنامجه الشهير على الفضائية المصرية، قلم رصاص؟! * وغير بعيد عن المصريين وجماعاتهم، كان هنالك عدد لا بأس به من الجزائريين الذين زاروا دبي، فأقاموا فيها، أو جاؤوها زوارا من الدوحة، أو من الجزائر ضيوفا.. في دبي، كشف لي الإعلامي المخضرم الصغير سلام، أحد كتاب الشروق السابقين، أن الإعلام العربي محكوم بمجموعة من اللوبيات، والصحيح أن الجزائريين، فرضوا أنفسهم في الكثير من المنابر الإعلامية، لكن لا مكان هنا، للضعيف، ولا الاتكالي، أو حتى لمن حالفه الحظ، لأن كل شيء يحتاج إلى تخطيط مسبق؟! * وجدت الصغير رفقة زوجته الكريمة، واثنتين من صديقاتها، جاءتا المنتدى بعد التسجيل عبر الموقع.. قال لي سلام، بعدما التقط مجموعة من الصور لوضعها على الفايس بوك: "لابد أن يكون هنالك جزائريون أكثر في الأعوام المقبلة، إن صحافتنا تنام على طاقات هائلة، لكن بحاجة إلى مزيد من الرعاية والاهتمام، والى بذل من الجهود".. * رؤية الصغير سلام، يشاركه فيها، ولو من بعيد، الكاتب خالد عمر بن ققة، رؤية فيها حسرة مختلطة بالحنين، ووجع ممدّد لاقتناص المحاولة اليائسة في التغيير مع الرغبة الملحة في تقديم المزيد للبلاد التي هجرها هؤلاء الإعلاميون، تحت ضغوط الظروف المعيشية الصعبة، أو بحثا عن فرص أفضل! * عبد اللطيف، واحد من هؤلاء، فهو ليس فقط زوج الإعلامية الناجحة خديجة بن ڤنة، لكنه رجل مهموم بالجزائر، حتى وهو يعيش قمّة نجاحاته في الدوحة.. قال عبد اللطيف، في جلسة مع الشروق، حضرها علي فضيل، ومعهما الإعلامي العراقي جاسم العزاوي: "الجزائر بحاجة إلى رجل في حجم القائد مهاتير محمد، حتى تخرج من عباءة التخلف التي يحاول البعض أن يحصرها فيها.. خذ مثلا قطر، هذه الإمارة الصغيرة، باتت اليوم من أقوى الدول في المنطقة، لسبب بسيط، هو امتلاكها لرؤية، تصل زمنيا إلى عام 2020، وربما أكثر، كما أنها تنشط في كل مجالات التقدم العلمي" كلام عبد اللطيف، محفز وموجع في الآن ذاته، خصوصا عندما يقرنه بالعديد من الأسماء الجزائرية الناجحة خارجيا، المبعدة محليا على غرار الدكتور إلياس الزرهوني، وطيلة الجلسة، ظل اسم الجزائر، يتكرر في كلمات عبد اللطيف، بشكل يفوق التصور، دالا على أنه مسكون بحاضر بلده، وهو في المنفى، مهموم بمستقبلها، هناك في الدوحة، أكثر بكثير، ربما، من بعض الذين احتلوها جسدا بلا روح ولا عقل؟! * * إعلام الهشك فشك حاضرا! * إعلام المنوعات، أو الهشك فشك، كما يسميه الإعلامي فيصل القاسم، شكل حيزا مهما من جلسات المنتدى، وفيما كان الجميع، ينتظر ظهور الإعلامية المصرية، التي باتت شهيرة أكثر بإبعادها من مصر بسبب برنامجها عن فتيات الليل، هالة سرحان، إلا أنها اعتذرت في اللحظات الأخيرة، وظهر جورج قرداحي، ليقرأ عبر ورقة حضرها قبل الجلسة، بعض الملاحظات والتوصيات وحتى الانتقادات للإعلام المرئي الحالي، والمرتبك ببرامج المنوعات والمسابقات.. لكن تدخل الشاعرة والكاتبة السورية، لينا بوبكر كان أكثر لفتا للانتباه خصوصا عندما استنجدت ببعض الأغاني الحديثة لتقول إنها ليست جميعا رديئة أو تحتاج إلى محاكمة "عاجلة" في وقتنا الحالي؟! * في قاعة أخرى، جرى نقاش لافت للانتباه، حضرته الشروق، عن الشباب والثورة والإعلام، ثلاثة عوامل من شأن كل واحد منها لوحده أن يفجر نقاشا في غاية السخونة، لكن المثير للاستغراب، أكثر ونحن نحضر هذه الندوة التي أدارها أربعة شبان، لبنانيان وإماراتيان، من جامعتي الشارقة وزايد للإعلام، أن أولويات هؤلاء، غير أولويات الطلبة عندنا في أقسام الإعلام بالجزائر، هؤلاء المسكونون بهوس المنحة ومشاكل الإدارة والإضرابات والاقامات، حيث تكلم كل واحد من الطلبة المناقشين عن مجلاتهم ومطابعهم، وفضائياتهم، داخل الجامعات ومدى مساهمتهم فيها، فصدمني التخلف مجددا، أو ما يسميه البعض، بصدمة الحضارة، وتذكرت أنني في دبي، وليس في نيويورك؟! * نقاش أتصور أن قامة جامعية على غرار الدكتور نصر الدين العياضي الذي وجدته يستمع بانتباه وحرص شديدين، لجلسات الملتقى، يدرك تماما من ورائه، الفروقات الضخمة بين الجزائر وجامعة الشارقة على الأقل، التي وجدنا في طالبها، الفتى اللبناني، عبد الله، ثقافة تفوق تلك التي يحوزها كبار المتحدثين عندنا، وهو لم يتجاوز بعد سن الثلاثين؟! * منتدى الإعلام العاشر، يشبه في أضوائه مهرجانات السينما، ربما لأن ضيوفه من الإعلاميين العرب، باتوا يهتمون بشكلهم أكثر من مضمون ما يتحدثون به، لكن المنتدى حصل على علامته الكاملة، شكلا ومضمونا، وبشهادة الأكثرية، فمن خلاله فقط، يمكن أن تلتقي بهذه "الشلة الضخمة من نجوم الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي، فكان أبرز من التقيتهم، الإعلامية اللبنانية التي تلقب بالشهيدة الحية، مي شدياق، وفي ركن منزو، كان هنالك أيضا الإعلامي العراقي الناجي من عملية انتحارية في بغداد، جواد كاظم، كما نجح نجوم الجزيرة، باقتدار، في أن يحصلوا على حصة الأسد من الاهتمام.. التونسية ليلى الشايب التي كشفت للشروق أنها مرشحة لمنصب رئيس مكتب الجزيرة بالجزائر، في حال فتحه طبعا، وهناك أيضا إيمان عياد التي لم تفارق يداها، ذراع زوجها، رجل الأعمال الذي لا يحسن العربية، وغير بعيد عنهما، تواجدت الإعلامية الجزائرية المتألقة خديجة بن ڤنة، التي كانت الرقم واحد في التقاط الصور مع المعجبين، وجلست في أكثر الندوات، تنصت باهتمام، دون إزعاج، أو حتى استعراض للنجومية!؟ * * المطلوب الأكثر من الموساد.. بيننا! * "لقد تلقيت تهديدين بالقتل من الموساد، أحدهما مباشر بالبريد الالكتروني، والآخر وصل لأحد أقاربي".. هذا الكلام قاله قبل فترة لوكالات الأنباء العالمية، الرجل الأكثر إثارة للجدل في إمارة دبي، ضاحي خلفان تميم.. وفي الوقت الذي كنا نعتقد فيه أن الرجل سيكون محاصرا بالحراسة الأمنية المشددة، فوجئنا بوجوده في مطعم عادي بأحد الفنادق، يمكن للجميع دخوله؟! * صحيح أن المرة الأولى التي رأيت فيها قائد شرطة دبي، كانت إلى جانب الأمير محمد بن راشد، والذي يعتبره من أكثر الرجال قربا منه، إلا أن أحد أصدقائنا الجزائريين، كشف لنا أن ضاحي خلفان، مثل كل الناس، يمارس حياته، بشكل عادي، يأكل في المطاعم، ويخرج للتسوق، ويذهب للأماكن العامة؟! * ضاحي خلفان، يحظى زيادة على ذلك، ومنذ حادثة اغتيال المبحوح، بشعبية كبيرة في دبي، وخارجها، يكفي أن إحدى المتحدثات في ندوة الإعلام العربي، وحتى تجلب اهتمام الحضور، قطعت كلامها، لتقول، "أنا سعيدة بوجودي في دبي، التي كشف قائد شرطتها قتلة المبحوح" فكان أن أتبع ذكر الاسم فقط، عاصفة من التصفيق، صعب جدا أن تسمعها "صدقا" وراء ذكر اسم جنرال أو قائد أمني عربي؟! * * نادي دبي.. ليس مجرد أرقام! * قبل نهاية الجلسات، قالت لي مريم بن فهد، إنها تتمنى في العام القادم أن تشهد مشاركات جزائرية أكبر، سواء على مستوى المتنافسين على الجوائز أو المتحدثين، و"ربما قد نخصص جلسة عن الإعلام الجزائري كما خصصناها هذا العام عن الاعلامين المصري والأردني".. كلام يكتسي أهميته، من حجم الأرقام التي كشفتها إدارة المهرجان، .. 26 ألف شخص تابعوا الدورة العاشرة، 12 فضائية نقلت الحدث، وحوالي 4000 صحفي شاركوا في مسابقة الصحافة العربية.. لكن النادي ليس مجرد أرقام، في الطائرة، وعند العودة من دبي إلى الجزائر، لا أعرف لماذا تذكرت، ياسر، الشاب الإماراتي الذي تحدث في ندوة الشباب، فقال أنه لا يفهم هؤلاء الذين يحرقون أنفسهم احتجاجا على الأوضاع الاجتماعية المزرية،.. مضيفا أنه مع البناء لا الهدم، حينها أدركت مجددا أن ما يفصل ما بين دبيوالجزائر، ليس رحلة جوية عمرها 7 ساعات فقط، وإنما أيضا مسافة طويلة بين شاب إماراتي يبحث عن البناء والتشييد، وشاب تونسي أو جزائري أو مغربي، لم يجد حلا لمشاكله غير الحرق والاحتراق!؟