اكتسبت المخيمات الصيفية في السنوات الأخيرة نكهة خاصة وطابعا جديدا سواء من ناحية البرنامج البيداغوجي المسطر لتسلية البراعم الصغار وتعليمهم أو من ناحية مستوى المنشطين وتكوينهم، حيث أصبح للطفل حرية أكبر ونشاطات ترفيهية أكثر، وهو الواقع الذي لمسناه عند زيارتنا لمخيم الأطفال بزرالدة- التابع للديوان الوطني لتسلية الشباب- وقضائنا يوما كاملا بين الطفولة والبراءة. إيمان بن محمد كانت عقارب الساعة تشير إلى حوالي الثامنة صباحا حينما دخلنا المخيم، وهي اللحظة التي صادفت جلوس الأطفال إلى موائد المطعم قصد تناول فطور الصباح، ورغم علامات الإعياء وقلة النوم التي كانت بادية على بعضهم والتي تدل حقا على قضائهم يوما حافلا بالنشاطات والألعاب، إلا انهم كانوا على أهبة الاستعداد لقضاء يوم قد يكون اكثر نشاطا وحيوية. 50 منشطا و5 ورشات ل 255 طفل وفي هذه الأثناء، ارتأينا أن نقوم بجولة ميدانية في المخيم، نقف من خلالها عند المرافق والورشات التي يتوفر عليها ونتعرف على الطاقم البيداغوجي الذي يسهر على السير الحسن للبرنامج المسطر، فعلمنا أن هذا المخيم الذي يضم 255 طفل جاءوا من ثلاث ولايات هي العاصمة والبليدة والشلف ينقسم إلى مخيمين فرعيين، يشرف على كل واحد منهما مدير وحارس سباحة خاص وممرضة. أما بالنسبة للطاقم الذي يضم 50 منشطا متكونا جاءوا من مختلف أرجاء الوطن، فقد خُصص منشط لكل 10 أطفال قصد التكفل بهم وحراستهم ونقل انشغالاتهم ومشاكلهم. وما شد انتباهنا أن كل المنشطين حائزون على رخصة من وزارة الشبيبة والرياضة بناء على تربص في مجال التنشيط في المخيمات الصيفية، وهو أمر جديد وإيجابي بعد أن كان الأطفال في الماضي بين أيدي هواة قد لا تكون لهم معرفة جيدة بأمور رعايتهم وكيفية التعامل معهم. وبالإضافة إلى الطاقم البيداغوجي، هناك 30 عونا يضطلعون بمهام الحراسة والتنظيف والطبخ... أما بالنسبة للورشات التي يقدمها المخيم للأطفال، فهي متنوعة وعديدة، ترتكز أساسا على ورشة الإعلام الآلي التي تُقدم فيها معلمة متخصصة في هذا المجال بشكل يومي دروسا مدتها 40 دقيقة لكل فوج. وهناك ما يُعرف بالورشات العلمية التي تتضمن ورشة لعلم الفلك وأخرى للموسيقى، وورشات تقليدية يتعلم فيها الطفل الأشغال اليدوية والفنون التشكيلية. وعن هذه الورشات، يقول المدير البيداغوجي، نور الدين بلمختار، إن تنوعها جاء بغرض تلبية رغبات الطفل وميولاته المختلفة وعدم إجباره على اختيار لون معين، مثلما كانت الحال عليه في السابق أمام عدد محدود جدا من النشاطات الترفيهية. وقصد تسلية الأطفال والترويح عنهم في السهرات، عمد المدير البيداغوجي إلى استقدام فرقة "عشاق النجوم" الموسيقية من غرداية التي تجيد كافة الطبوع، كما تعلم الأطفال ممن لهم ميول إلى الموسيقى. "البيت الجميل" و"برلمان المخيم" ما هي إلا نصف ساعة مضت على تناول الفطور، حتى همّ الأطفال تحت إشراف المنشطين والمنشطات بالانصراف إلى خيمهم استعدادا لترتيبها وتنظيفها وكلهم أمل في الظفر بلقب "البيت الجميل" وبأحسن نقطة في النظافة والديكور لهذا اليوم، وهي العملية التي قال عنها المدير البيداغوجي للمخيم بأنها تعوّد الطفل على ترتيب أغراضه بنفسه. كما أخبرنا المدير البيداغوجي في خضم التعريف بسياسة المخيم أن هذا الأخير يتضمن برلمانا يضم ممثلا عن كل فوج ينتخبه الفوج وفق اقتراع لتسيير أموره والتعبير عن انشغالاته وطرح مشاكله. ويجتمع أعضاء البرلمان بالتنسيق مع الطاقم البيداغوجي كل يومين أو كل يوم إن دعت الحاجة، قصد دراسة كافة المقترحات. كانت الساعة تشير إلى حوالي العاشرة عندما نزل الأطفال إلى شاطئ زرالدة بالمركب السياحي، بعد أن رددوا الأناشيد واستمعوا إلى حكمة اليوم. وميزة هذا المخيم أنه يحتكم على جزء مخصص لأطفاله دون أن يكون لهم احتكاك ببقية المصطافين، الأمر الذي يسهل على المنشطين عملية مراقبة الأطفال ورعايتهم بعيدا عن كل خطر. بعد ذلك رجع الأطفال إلى المخيم للاستحمام والاستراحة قليلا استعدادا لتناول وجبة الغداء التي كانت عبارة عن طبق "السباغيتي" بكريّات اللحم المفروم، بالإضافة إلى السلطة والإجاص. وبعدها يحين موعد القيلولة، وهنا تطور الأمر بعض الشيء عما كان عليه في السنوات الأخيرة عندما كان المنشطون يرغمون الأطفال على أخذ قسط من النوم، والويل كل الويل لمن أبى واستنكر! أما ما شهدناه في المخيم، فكان عكس ذلك، فمن أراد أن ينام فله ذلك، أما من رفض فبإمكانه التوجه إلى غرفة التلفاز حيث يمكنه أن يشاهد شرائط فيديو لأفلام الأطفال أو رسوم متحركة. فريدة، دليلة، ليليا، كريمة.. منشطات مثقفات ومتكونات لم يعد اختيار المنشطين والمؤطرين يتم بعفوية مثلما كان عليه سابقا، فالأمر الآن أصبح مدروسا وأكثر انضباطا وصرامة، حيث يتوجب على الراغب في التنشيط أن يتلقى تكوينا يخرج منه بشهادة تؤهله لممارسة هذه المهنة. ومن خلال حديثنا مع المنشطين والمنشطات بمخيم زرالدة، تبين لنا أن معظمهم مثقفون وذوو مراتب اجتماعية مهمة، ففريدة أستاذة فلسفة ونبيلة طبيبة أسنان والتوأم ليليا وصونيا خريجتا معهد المحاسبة وكريمة خريجة معهد الصحافة وطالبة في الأدب الفرنسي ومصطفى مربٍّ مختص ومن هواة المسرح وآخرون.. بعد إتمام جولتنا في المخيم غادرناه والأطفال يتناولون لُمجتهم استعدادا للتوزع على الورشات المختلفة ومن ثم الإعداد لسهرة اليوم التي قال بشأنها المدير البيداغوجي أنها ستكون سهرة أشكال يشارك فيها كل الأطفال، ودعنا الأطفال والطاقم البيداغوجي بعد أن قضينا يوما بين البراءة والطفولة ذكرتنا بالأيام الخوالي..أيام الطفولة والبراءة.