أحصت مصالح الدرك الوطني خلال ثمانية أشهر الأولى من السنة الجارية، 35 قضية رشوة بين فعل الإرشاء ومحاولة الرشوة تعرّض لها رجال الدرك والمواطنون من مختلف المهن والمستويات عبر 20 ولاية، جاءت ولايتا الجلفة وعين الدفلى في المقدمة. فاطمة رحماني فحسب تقرير تحصلت عليه "الشروق اليومي"، سجلت مصالح الدرك الوطني عبر عشرين ولاية 35 قضية رشوة، 5 منها إرشاء أعوان الأمن العام و8 قضايا في إرشاء موظفين وعمال و7 محاولات تتعلق بإرشاء أعوان الأمن العام ومحاولة واحدة لإرشاء موظف وعامل، فيما أحصت ذات المصالح 4 قضايا في الرشوة بالاحتيال والتزوير والنصب. وفيما يخص عدد الراشين، فقد بلغ 46 شخصا وامرأتين (2)، حيث تمّ إيداع الحبس 28 شخصا، فيما استفاد من الإفراج المؤقت 20 شخصا مرتشيا. وبخصوص توزيع جريمة الرشوة عبر الولايات، سجلت ذات المصالح خلال 8 أشهر من نفس السنة 2006، ارتفاع عدد قضايا الرشوة في كل من عين الدفلى والجلفة معا بثماني قضايا، لتأتي بعدهما العاصمة ووهران بست قضايا. وقد أودع ثلاثة أشخاص الحبس في قضايا الرشوة بعين الدفلى والجلفة، فيما استفاد ستة أشخاص من الإفراج المؤقت. تجدر الإشارة إلى أن ولايات تبسة، تلمسان، سوق اهراس، بشار، تيارت، جيجل، سيدي بلعباس، ورڤلة، المسيلة، بومرداس وميلة لم تسجل بها سوى قضية رشوة واحدة بكل ولاية، فيما بلغ عدد النساء المرتشيات اثنتين في ولاية الطارف فقط وهي المشاركة الوحيدة للنساء في جريمة الرشوة، حسب نفس التقرير الذي أعدته مصالح الدرك، ليظل الرقع مفتوحا عند المصالح الأخرى، علما أن الراشيتين أودعتا الحبس. نشير أيضا إلى أن التقرير لم يُشر إلى مشاركة النساء في 19 ولاية عرفت جريمة الرشوة عدا ولاية الطارف للطابع المحافظ في الولايات الأخرى. وبالعودة إلى ذات التقرير وخلال شهر جانفي المنصرم، مثلا بولاية الجلفة، قدمت مصالح الدرك أمام وكيل الجمهورية بمحكمة حاسي بحبح المرتشي (س. ت) 75 سنة وابنه 26 سنة بتهمة الرشوة التي كان دركيان ضحية لها بعد رفع مخالفة فيما يخص قانون المرور، ارتكبها الإبن الذي كان يقود سيارة من نوع "تويوتا هايلوكس"، مما جعل الأب الذي يبلغ من العمر 75 سنة يتدخل لإرشاء الدركيين بمبلغ 2600 دج. وفي ولاية تمنراست، أشار ذات التقرير وخلال شهر جانفي إلى تعرّض دورية لحراس الحدود بمنطقة "واد عين طيارة" بمنطقة تيزاواطين إلى محاولة إرشاء ضابط الدورية الذي رفع جملة من المخالفات منها حجز 12040 لتر من المازوت و800 لتر من زيت المحركات وكمية هائلة من المواد الاستهلاكية الموجهة للتهريب، بالإضافة إلى مبلغ 24000 فرنك مزوّر كانت كلها بحوزة جزائري رفقة رعيتين من دولة مالي، حيث حاول الجزائري تقديم مبلغ 30000 دج لرئيس الدورية. وقد قدم الأشخاص الثلاثة إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة عين ڤزام بتهمة الهجرة غير الشرعية، التهريب ومحاولة الرشوة وقد تمّ إيداعهم الحبس المؤقت. وحسب التقرير، تحوّلت مخالفات قانون المرور وتشديد رجال الدرك على تطبيقه عبر الطرق والطرق السريعة إلى سبب مباشر عند الكثير من المخالفين لمحاولات الرشوة والإغراء بها للتهرّب من القانون، خاصة نزع رخص السياقة، مثلما حدث في عدّة ولايات منها العاصمة مثلا، أين حاول أحد المخالفين للقانون وقانون البيئة الذي ضبط متلبسا بتفريغ زيوته بواد الحميز. ولدى طلب وثائقه من طرف ضابط الدورية الخاصة بأمن الطرقات، حاول سائق الشاحنة إرشاء ممثل الدرك بثلاث أوراق نقدية من فئة 200 دج وقد تمّ توقيف السائق وحجز الأوراق النقدية وعينة من الزيوت لإجراء التحاليل، كما أمر وكيل الجمهورية بفتح تحقيق في الموضوع. وبولاية بشار مثلا وبعد تسجيل مخالفة في قانون المرور، حاول صاحب سيارة وظيفية كان بالنقطة الرابطة بين بشار وبني ونيف على متن سيارة "نيسان"، إرشاء ضابط الدورية بمبلغ 400 دج لتفادي تطبيق قانون المرور. أما بولاية الجلفة، وبعين شوهادة، فقد تعرض عون من رجال الدرك أثناء مراقبة حركة المرور إلى محاولة إرشاء بمبلغ 200 دج!! ولم تقتصر الرشوة على أصحاب السيارات للتهرب من تبعات مخالفة قانون المرور، بل امتدت إلى مختلف القطاعات والمصالح وذهب ضحية لها مواطنون من كل المستويات. فخلال شهر فيفري المنصرم، تقدم المدعو (ل.أ) 72 سنة من بلدية سيدي حجرس بشكوى ضد رئيس البلدية الذي طلب منه تقديم رشوة للسماح له بنصب خيمته بالمكان المسمى "الكرسة". وقد تمكنت مصالح الدرك الوطني بسيدي عيسى من إلقاء القبض على "المير" رفقة موظف بالبلدية نفسها وبحوزتهما مبلغ 29.000 دج كانا قد استلماها من عند الضحية المشتكي. وبولاية الجلفة تمكن أعوان الدرك الوطني بزكار من إلقاء القبض على رئيس بلدية زكار المدعو (أ.ب) متلبسا بفعل الرشوة وبحوزته مبلغ 30.000 دج استلمها من أحد التجار المدعو (م. ك) 39 سنة الذي وعده بتسهيل استفادته من مساعدات مالية فلاحية. تجدر الإشارة إلى أن جرم الرشوة - حسب ذات التقرير - اقترن في حالات مع التزوير واستعمال المزور، مثلما هو الشأن بولاية بسكرة وبمدينة طولڤة، أين تمكن أعوان الدرك من توقيف المغترب بفرنسا (ش. ح) 30 سنة، كانت بحوزته رخصة سياقة مستخرجة من دائرة الجلفة أثناء إقامته بفرنسا. وقد اعترف الشاب الجزائري المغترب بتورط المدعو (ت. ح) 47 سنة، الذي منحه الرخصة المزورة بمبلغ مالي يصل إلى 29000 دج دون المشاركة في امتحانات السياقة. وبعد تفتيش منزل المتهم تم حجز مجموعة من ملفات المترشحين لامتحان السياقة، وقد اعترف الجاني أن إطارات من ولاية الجلفة كانوا يعرضون له هذه الملفات والوثائق مقابل مبالغ مالية كرشوة. كما يلجأ للتزوير واستعمال المزور بعض إطارات الدولة من المنتخبين وموظفي الإدارة المحلية، مثلما وقع في ولاية عنابة أين قدمت مصالح الدرك أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة بوحجار بالطارف 24 شخصا منهم رئيس البلدية السابق و5 موظفين من بلدية البوني بتهمة التزوير واستعمال المزور والرشوة واستغلال الثقة والبناء الفوضوي والتورط في الاعتداء على الملكية العقارية الممارسة على المستثمرة الفلاحية عبادي عزيز رقم (1) و(2)، تم حبس 9 منهم، فيما استفاد الآخرون من الاستدعاء المباشر. وتعود القضية إلى تنازل أصحاب المستثمرات المذكورة لبعض الخواص لتحويلها إلى البناء وإنجاز محلات لبيع مواد البناء وتورط موظفين من البلدية و(4) موثقين زوروا قرارات بلدية وأنشأوا عقودا ووعودا بالبيع. وقد امتدت مخالب الرشوة، في جانب آخر، إلى ضحايا الإرهاب الذين يتوجهون للمصالح المختلفة لتسوية مستحقاتهم المالية ليتعرضوا لابتزاز وطلبات رشوة، مثلما وقع بولاية عين الدفلى، حيث تعرض ضحية إرهاب إلى ابتزاز من طرف محاسب مكتب ضحايا الإرهاب بالولاية، الذي طلب منه رشوة لتسوية ملفه، وقد تمكن أعوان الدرك من إلقاء القبض على المرتشي وبحوزته مبلغ 5000 دج كان قد منحها له الضحية لتسوية ملف أخيه الذي كان قد خُطف من طرف جماعة إرهابية سنة 1994. للإشارة تبقى هذه الحالات نقطة من بحر أمام انتشار الرشوة في مختلف المصالح الإدارية التي يتردد عليها المواطن عبر مختلف الولايات، لترتفع درجتها أكثر في المناطق الداخلية أين يستحي المواطن من الإدلاء بالابتزاز والرشوة، بالإضافة إلى انتشار الأمية والجهل، مما يسهل على بعض الموظفين فرض قانون الرشوة لتسوية مصالح السكان حتى البسيطة مثل نصب "خيمة" أو تسوية ملف ضحايا الإرهاب، مثلما أشار التقرير، بل حتى الأجانب من العرب الذين يدخلون للجزائر بشكل غير قانوني، يتورطون في الرشوة، مثلما حدث بولاية تلمسان، حيث ذكر التقرير الذي أعدته مصالح الدرك الوطني، أن أحد السوريين المقيمين بشكل غير قانوني، ضبط متلبسا بحفر بئر بدوار ميخاليف بطريقة غير قانونية بمشاركة سوري آخر وجزائري، الرعية السوري قدم رشوة قدرت ب 10000 دج لقائد الدرك الوطني بمغنية. التقرير هذا، وإن مسّ مختلف الشرائح والمهن والإدارات، يبقى لا يعبر عن مدى استفحال الظاهرة، التي دق لها ناقوس الخطر، حتى أن بعض الهيئات والمنظمات الدولية وضعت الجزائر في المقدمة من حيث استفحال الرشوة في كل المصالح حتى العليا، لأنه أحصى جرم الرشوة لثمانية أشهر الأولى من هذه السنة 2006 فقط. تجدر الإشارة إلى أن ولاة ومستشارين بالوزارات وقضاة ووكلاء جمهورية وموثقين ومحامين وأطباء مارسوا الابتزاز بالرشوة، مقابل تسيير مصالح المواطنين، مثلما وقع بولاية البليدة.